تجلس الحاجة أم سامي على مقربة من خيمتها تحاول أن تشعل النار رغم الرياح الخماسينية الشديدة لكنها كالعادة تفشل كما كل مرة، أحفادها الصغار يحاولون المساعدة من خلال لملمة بعض الأوراق المتناثرة بين خيام النازحين وتقديمها لها لتشعل بها النار.

تقول: «أبلغ من العمر سبعين عامًا لم أرَ في حياتي كلها أقسى من هذه الشهور التي مرت، فأنا مسؤولة عن سبعة عشر فردًا من الأبناء والأحفاد، زوجي طاعن في السن سافر إلى جمهورية مصر العربية للعلاج قبل السابع من أكتوبر الماضي، بقي ابني الأكبر في مدينة غزة بينما نزحت والجميع إلى مدينة رفح، أواجه صعوبة وضنك الحياة كل ساعة، تخيلي حجم المأساة الإنسانية التي نعيشها يوميًا من أجل توفير الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وعلاج وغيره، لقد أنجبت زوجة إبني طفلة قبل أيام قليلة تعاني هذه الطفلة من نقص في الوزن بسبب نقص عدم حصول أمها على التغدية المناسبة وانعدام الرعاية الصحية لها أثناء فترة الحمل، في خيمتنا تتراوح أعمار الأبناء والأحفاد ما بين أسبوع وخمسين سنه وأنا عمري تجاوز السبعة عقود».

صمتت لبرهة وأخذت تدس بعض الحطب داخل كانون النار المشتعل بينما كان قدر العدس يغلي ويعلوه الريم الأبيض، كانت بين الفينة والأخرى تقوم بإخراجه باستخدام ملعقة خشبية كبيرة.

تجلس ويتوسطها الأطفال يتكرر سؤالهم لها عن موعد انتهاء الطعام، أحدهم يبلغ من العمر ثلاث سنوات يحمل صحنًا بيده ويطلب منها الطعام كل لحظة.

«الجوع كافر» تقول وهي ترش بعض الملح للطبخة: «نعانى كثيرًا وتزداد حياتنا سوءًا مع استمرار الحرب لشهرها السابع، لا أفق للحل والعالم كله مستمتع في متابعة ما وصلنا إليه دون الضغط على إسرائيل وأمريكا لإنهاء الحرب، لقد استشهد أخي الأكبر وعائلته كلها قبل شهر رمضان المبارك في منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، سقط المنزل المكون من أربعة طوابق فوق رؤوسهم بينما كانوا نياما، توجهت صباحًا من مدينة رفح إلى الزوايدة لإلقاء نظرة الوداع عليهم لكن فرق الدفاع المدني التي تعمل بإمكانيات بسيطة لم تستطع سوى انتشال بعض الأعضاء فقط، تم دفن هذه الأعضاء في قبر جماعي وبقي الجميع حتى اللحظة تحت أنقاض المنزل المهدم» كانت تحاول أن تتحاشى دخان نار الطبخ بينما تكفف دموعها بمنديل ورق وضعه أحد أحفادها في يدها وهو يقول: «خلص يا ستي قولي الله يرحمهم وخلص».

لم تترك هذه الحرب مجالًا لراحة النساء والأطفال وحتى الشيوخ الكبار فالكل مطالب بالعمل من أجل تسهيل سُبل الحياة الصعبة، منذ الصباح الباكر يستيقظ الجميع كخلية نحل، يذهب الأطفال والشباب بعد حمل الجالونات لجلب الماء من محطات المياه القريبة لغسل الملابس والأواني المستخدمة للطهي والطعام، تتحول الخيمة بعد الساعة العاشرة صباحًا إلى منشر للغسيل من جميع الاتجاهات، تشتد حرارة الخيمة فيخرج كل من فيها يبحثون عن أماكن أكثر برودة للجلوس، ثم تبدأ رحلة أخرى لتوفير مياه الشرب، الرجال يحاولون توسيع آبار الصرف الصحي المتاخمة للخيام من أجل استيعاب أكبر قدر ممكن من النفايات التي تراكمت مع طول مدة النزوح، النساء يحاولن تنظيف الخيمة وترتيبها ومن ثم إعداد ما تيسر من طعام باستخدام النار بسبب عدم توفر غاز الطهي باهظ الثمن حيث يقدر سعر كيلوجرام واحد من غاز الطهي بحوالي 15 دولارًا أمريكيًا، يذهب الرجال للبحث عن الحطب في أماكن قريبة، غالبًا ما يرجعون بخفي حُنين فيضطرون لشراء الحطب من السوق بحوالي دولار واحد للكيلوجرام.

الدفاع المدني في غزة صرح بأن «منع الاحتلال دخول غاز الطهي ينذر بأزمة صحية جديدة بسبب اعتماد المواطنين على الحطب والفحم. تم تسجيل مئات الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي بسبب استخدام الحطب والفحم بديلًا لغاز الطهي».

رفح المكتظة بالنازحين الذين يُقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف المليون نازح تعيش أسوء أيامها فالكل في حالة تأهب وترقب حيث تواجه العائلات المُهجرة قسرًا من شمال غزة إلى جنوبها التهديد بمزيد من التهجير والعذابات والمذابح وسط إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خططه لاجتياح عسكري لرفح بالرغم من الرفض الدولي.

استشهدت امرأة قبل أسبوع بينما كانت تحاول برفقة آلاف العائلات الفلسطينية العودة إلى ما تبقى من منازلها في شمال غزة بعد أكثر من ستة أشهر من التهجير القسري نتيجة حرب الإبادة الإسرائيلية لكن نيران المدفعية والرشاشات الإسرائيلية استهدفت بشكل عشوائي المدنيين الذين يحاولون أن يعيدوا بناء حياتهم، ما يؤكد على إمعان الاحتلال التعامل مع المدنيين بالـوحشية والإرهاب حيث أدى إطلاق النار إلى استشهاد 5 أفراد وإصابة العشرات.

وزارة الصحة بغزة صرحت بأن «هناك ارتفاعا في عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 33 ألفًا و729 شهيدًا و76 ألفًا و371 مصابًا منذ السابع من أكتوبر».

سؤال الغزيين المنهكين المهجرين أصبح متى ستنتهي هذه الحرب؟ هل سيتم وقف إطلاق النار؟.

أنقذوا ما تبقى وأوقفوا حصد أرواح الأبرياء كانت هذه رسالة الحاجة أم سامي النازحة من مدينة غزة إلى رفح جنوب قطاع غزة للعالم وهي تحتضن حفيدتها التي ولدت قبل أسبوع.

أمام حالة الخوف والترقب مطلوب من المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، والأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، بإدانة جريمة استهداف إسرائيل المتعمد للنازحين قسرًا واستمرار منعهم من العودة إلي أماكن سكناهم في مخالفة صارخة لقواعد القانون الدولي الإنساني وقرارات محكمة العدل الدولية، كما يجب أن يكون هناك تحرك جادٌ لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي ارتكابها بحق الفلسطينيين في القطاع، ومطالبتها بالامتثال لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية باتخاذ جميع التدابير لوقف استهداف المدنيين وحمايتهم وضمان تدفق ووصول المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة الذين يعانون جراء استمرار جريمة النزوح القسري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

__________________

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: لبنان يتعرض لاجتياح جوي وتدمير منهجي بالطيران الإسرائيلي

قال العميد مارسيل بالوجي، خبير عسكري، إنّ لبنان يتعرض لاجتياح جوي وتدمير منهجي كثيف بالطيران، بعد انتهاء المرحلة البرية الأولى على الحدود اللبنانية.

تهجير السكان من الجنوب 

وأضاف في تصريحات مع الإعلامية منى عوكل، عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، على قناة «القاهرة الإخبارية»: «في المرحلة الأولى، جرى تدمير نحو 37 قرية و15 بالإضافة إلى تهجير الجنوبيين، والمهجرين من الجنوب يحتاجون إلى سنوات للعودة، بينما شمال إسرائيل، فإنهم يمكنهم العودة إلى أماكنهم في غضون أسبوع من وقف إطلاق النار».

وتابع: «ما يحصل الآن في جنوب لبنان بريا اشتباكات ومحاولات من إسرائيل على المنطقة المؤمنة، وحماية الجنود من التعرض للقتل».

ضرب جوي وقصف تدميري

وواصل: «هناك مدن كبرى تعرضت للاعتداءات أمس مثل الهرمل والنبطية وصور، وتتعرض البيئة الحاضنة لحزب الله لضرب جوي وقصف تدميري، من أجل التهجير الطويل وليس التهجير القصير، إنه مشروع ديموغرافي واستراتيجي، ونتنياهو أصبح معه ضوء أخضر مطلق لتوسيع الحرب».

مقالات مشابهة

  • غالانت لعائلات المختطفين: قرار الموافقة على صفقة تبادل الأسرى بيد نتنياهو وحده
  • سرقة مواد عسكرية إسرائيلية سرية .. وأصابع الاتهام تشير لـ ديوان نتنياهو
  • محللون: انتهاء الضغوط الانتخابية لا يعني تغيير بايدن لمواقفه تجاه نتنياهو
  • غالانت يفتح النار على نتنياهو
  • وحده الحب.. فيلم عن معاناة الناس بسبب إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر
  • خبير عسكري: لبنان يتعرض لاجتياح جوي وتدمير منهجي بالطيران الإسرائيلي
  • خبير دولي: التاريخ لن يغفر لـ نتنياهو ما فعله في غزة ولبنان
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يريد استثمار فوز ترامب لتحقيق مكاسب عسكرية
  • الأمم المتحدة: 120 مليون نازح ولاجئ حول العالم.. والتحديات تزداد
  • صحف مدريد وبرشلونة.. «معركة الفار» تُشعل «النار»!