تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الاثنين، التأكيد على معارضته الشديدة لأي هجوم إسرائيلي على رفح الفلسطينية، محذرًا من تصاعد الوضع الكارثي في قطاع غزة وزيادة مخاطر التصعيد في المنطقة.

وفي اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد ماكرون ضرورة ضمان دخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية عبر جميع المعابر إلى قطاع غزة، معربًا عن الأولوية التي توليها فرنسا للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.

وفي مواجهة الوضع الإنساني العاجل في غزة، دعا ماكرون إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، مؤكدًا على ضرورة المضي قدمًا نحو حل الدولتين كوسيلة أساسية لتحقيق السلام الدائم في المنطقة.

وأبدى الرئيس الفرنسي إدانته الشديدة لتصاعد أعمال العنف والاعتداءات التي ينفذها المستوطنون في الضفة الغربية، داعيًا السلطات الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات فعّالة لوقف هذه الأعمال العدوانية. وأكد ماكرون أن الاستيطان يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ويعرقل جهود تحقيق السلام على أساس حل الدولتين.

من جهة أخرى، أبدى ماكرون تضامنه مع الشعب الإسرائيلي عقب الهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران ضد إسرائيل في الليالي الماضية، والذي تم صده بدعم من شركاء إسرائيل الدوليين. وأكد ماكرون على تمسك فرنسا بأمن إسرائيل وضرورة مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة.

وشدد ماكرون على خطورة الهجوم غير المقبول الذي شنته إيران، محذرًا من خطر التصعيد العسكري في المنطقة. ودعا إلى تجنب تفاقم الوضع الحالي وممارسة أقصى درجات ضبط النفس من قبل جميع الأطراف المعنية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إيمانويل ماكرون رفح غزة

إقرأ أيضاً:

جيمي كارتر.. عرّاب كامب ديفيد الذي اقتنع أن إسرائيل لا تريد السلام

هناك قوى سياسية نافذة في أميركا تحاول منع أي تحليل موضوعي للمعضلة في الأرض المقدسة. وهذا الأمر عائد إلى العمل المؤثر الذي يقوم به اللوبي الأميركي الإسرائيلي في أميركا، والذي يُعرف بالأيباك، حيث يقومون بمهمة إقناع الأميركيين بدعم سياسات الحكومة الإسرائيلية.

الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في مقابلة تلفزيونية عام 2007

للمفارقة، بدأت حكاية الرجل بالتزامن مع فوضى كبيرة في السياسة الأميركية، ليس كبطل لتلك الفوضى، ولكن كمطهّر، جاء لـ"تنظيف" واشنطن من آثارها.

بدأت الأمور في عام 1972، حين كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يحاول الفوز بولاية ثانية مهما كان الثمن، ولأن السياسة ميدان ملوّث في غالبه، فقد أقدم نيكسون على التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي في مبنى "ووترغيت"، البناية التي ارتبط اسمها بالفضيحة الأكبر في التاريخ السياسي الأميركي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا يستهدف اللوبي الإسرائيلي بأميركا أسامة أبو ارشيد؟list 2 of 2كيف كشف طوفان الأقصى "كذبة الصهيونية" الكبرى؟end of list

لوهلةٍ بدا أن الأمور تسير على ما يرام، فقد حقق نيكسون فوزا ساحقا على منافسه الديمقراطي جورج ماكغفرن، لكن فضيحة التجسس سرعان ما بدأت بملاحقته كظل لم يستطع منه فرارا، مجبرة إياه على الاستقالة يوم 8 سبتمبر/أيلول 1974، قبل أن يستفيد من عفو رئاسي من طرف نائبه السابق وخليفته في مقعد الرئاسة دون انتخابات "جيرالد فورد" الذي أنهى أزمة "ووترغيت" نظريا، لكن تفاصيلها وهواجسها ظلت مهيمنة على المشهد السياسي الأميركي، الذي صار يفتقر إلى الثقة، وتضربه العديد من العواصف والغيوم.

الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون (غيتي)

وسط هذه الأجواء الملبدة، أعلن جيمي كارتر ترشحه للرئاسة شاقا طريقه إلى البيت الأبيض في  قلب المياه المضطربة للسياسة الأميركية. كان كارتر، ابن ولاية جورجيا، سياسيا جنوبيا من خارج مصاف نخب العاصمة التقليدية، لا يكاد يعرفه أحد خارج ولايته قبل اللحظة التي قرر فيها الترشح للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

إعلان

ولكن في غضون أقل من عامين، ارتقى كارتر المقعد البيضاوي عام 1976 كأول مرشح ينجح في هزيمة رئيس شاغل للمنصب منذ عام 1932، وكرئيس ديمقراطي توسط سلسلة من الرؤساء الجمهوريين، بدأت بنيكسون وفورد، وخُتمت برونالد ريغان وجورج بوش الأب.

استفاد كارتر من أجواء فضيحة ووترغيت، وهزيمة أميركا في حرب فيتنام، وتعثرها الاقتصادي، مقدما نفسه كمصلح غير ملوث لواشنطن يحمل مشروعا لإعادة بناء بلاده داخليا. لكن بعد أربعة أعوام فقط قضاها في مقعده، بدا أن كارتر لم يقنع الأميركيين، فسقط سقوطا مدويا في انتخابات عام 1980 أمام منافسه الجمهوري رونالد ريغان.

بيد أن الإرث الأعظم لكارتر لم يكن متعلقا بالسياسة الداخلية، بل كان مرتبطا أكثر بالسياسة الخارجية التي أثر فيها حتى آخر أيام حياته التي ناهزت 100 عام كاملة، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط التي رسمت سياسات الرجل وجها جديدا لها، وخطت ملامحها لعقود طويلة بعد تركه منصبه.

 

السائح

إنه حين سفك أول دم بين أبنائه، سأل الله قابيل، القاتل، أين أخوك هابيل؟ وقال هابيل: أنا لا أعرف، وهل أنا الحفيظ على أخي؟ وقال الله: ماذا فعلت؟ إن صوت دم أخيك يصرخ مستغيثا بي من الأرض، والآن تكون أنت ملعونا .."

(سفر التكوين 9:4.   11)

شديد التدين، يمكن تمييز هذا المعلم في شخصية جيمي كارتر بسهولة، لذلك نجده يستهل كتابه "فلسطين.. السلام لا الأبارتهايد" بآية من أحد الأسفار المقدسة. يخبرنا الكتاب بالكثير عن كارتر، عن مسيحيته، وعن رؤيته للدين والسياسة، ونظرته للسلام وشعوره بالخذلان، وأخيرا وليس آخرا، عن الفصل العنصري.

الرئيس الأميركي السباق جيمي كارتر يحمل الكتاب الذي ألّفه "فلسطين.. السلام لا الأبارتهايد" (أسوشيتد برس)

شأنه شأن الكثير من المسيحيين الإنجيليين، اعتنق كارتر إسرائيل بشدة، لذا فإنه حلم كثيرا -كما كان يقول- بأن يمنحها سلاما دائما، وكبر حلمه كثيرا بعدما زار دولة الاحتلال مرات ومرات، وتمكن من إقامة علاقات شخصية جيدة مع عدد من قياداتها أمثال موشيه ديان وغولدا مائير وآبا إيبان وإسحق رابين.

إعلان

تعلم جيمي كارتر دروس الكتاب المقدس منذ نعومة أظافره، وعلّمه بنفسه لمدة 20 عاما، لذلك عاش الرئيس الأميركي الأسبق مفتونا بالأراضي المقدسة. وبدافع من هذا الإيمان "المعمداني"، سيرتب كارتر وزوجته زيارة إلى دولة الاحتلال في العام 1973 بدعوة من رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير. تشع السطور التي يحكيها كارتر عن زيارته تلك بالكثير من التقدير الذي يصل أحيانا إلى حد "القداسة" للشعب المزعوم الذي يعمر الأرض المقدسة ويحاول أن يعيش فيها.. بسلام، كما زعمت العبارات التي خطها الرجل.

وإبان زيارتهما للجولان -المحتل- تحدث كارتر وزوجته عن "تلك الروح الطليعية" في المستوطنين الفخورين تماما بعملهم اليدوي الشديد الصعوبة، وبقلة السلع الدنيوية في بيوتهم. وكما هو واضح، وقع السياسي المحنك في شباك البروباغندا الصهيونية مدفوعا بعاطفته الدينية، فهو يقول في كتابه إنه عند زيارته لإسرائيل كان هناك 1500 مستوطن فقط، وكان كارتر يظن حينها أن دولة الاحتلال ستفكك هذه المستوطنات غير القانونية لمراعاة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي دعمتها الولايات المتحدة.

ولا يُعرف من أين جاء كارتر بهذا الاعتقاد، في ظل إنكار غولدا مائير نفسها مرارا لوجود الشعب الفلسطيني أساسا، وهو تصريح لا يمكن بحال تصنيفه خارج محاولة الإبادة المعنوية للعرب، التي تلتقي في محطات كثيرة مع الإبادة الدموية، لكن هذه الأمور، كلها أو جلها، لم تدر حينها في رأس كارتر.

في نهاية هذه الزيارة سيلتقي كارتر مع غولدا مائير، يحكي الرئيس الأميركي حول اللقاء وعن السؤال غير المتوقع الذي سأله لرئيسة الوزراء الإسرائيلية حول خطورة ابتعاد دولة الاحتلال عن التدين والشريعة اليهودية، وهو ما تسبب مرات عديدة تاريخيا في هزيمة الشعب اليهودي، خصوصا أن حزب العمل الإسرائيلي الحاكم حينها كان يساريا وعلمانيا.

إعلان

مائير لم تُبد أي قلق من هذا الاستنباط القادم من الكتاب المقدس العبراني، فهي كانت ترى أن اليهود الأرثوذكس ما زالوا موجودين، وهم عبارة عن اللقاح الذي سيجعل إسرائيل العلمانية تتجنب "غضب الرب". لم تكن مائير ولا كارتر معها يعلمان أن مناحيم بيغن، الرجل القادم من خلفية دينية عميقة، وزعيم اليمين الإسرائيلي، سيصبح في غضون 4 سنوات فقط رئيسا لوزراء إسرائيل، فاتحا الطريق لنهاية سيطرة اليسار العلماني على مقاليد السياسة الإسرائيلية، منذ تأسيس الصهاينة دولتهم الغاصبة بقيادة ديفيد بن غوريون.

 

العرّاب

"كلنا نعرف أن إسرائيل يجب أن تحظى بسلام شامل ودائم، وأن هذا الحلم كان يمكن أن يكون قد تحقق لو أن إسرائيل قد التزمت باتفاقات كامب ديفيد وأحجمت عن استعمار الضفة الغربية".

جيمي كارتر

شكلت حرب عام 1973 صفحة محورية في تاريخ الصراع بين العرب والإسرائيليين، وكان لها وقع كبير على الداخل الإسرائيلي. وفي يونيو/حزيران 1974 قدمت غولدا مائير استقالتها وجاء مكانها إسحق رابين، وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أعلن الزعماء العرب منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات؛ ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني، وبالتالي أضحى الفلسطينيون "بالنسبة للأميركيين" للمرة الأولى "شعبا" سيتمكن الآن من الحديث عن نفسه بنفسه.

خلال حملته الانتخابية، أكد كارتر غير مرة أنه سيعمل من أجل السلام. صحيح أن كارتر كان مسيحيا إنجيليا داعما لإسرائيل، لكن يمكن وصفه بأنه "إنجيلي تقدمي" من نواح كثيرة، حيث أبدى اهتماما بمسائل الحريات وحقوق الإنسان أكثر مما يظهره المحافظون السياسيون التقليديون. لأجل ذلك، كان كارتر يرى أن السلام لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحصلت عليها بالقوة (في عام 1967 وما بعده) لأن ضمها لهذه الأراضي غير قانوني.

وأبعد من ذلك، اعتقد الرجل أنه كي تنعم إسرائيل بالسلام داخل حدود آمنة معترف بها كما أراد، ينبغي حل القضايا الجوهرية الأخرى المتعلقة بالصراع وفي مقدمتها مسألة اللاجئين. لم يكن مستغربا إذن أنه في مارس/آذار 1977، وبعد بضعة أسابيع فقط من انتخابه رئيسا، أصدر كارتر بيانا عاما أكد فيه على ضرورة أن يتوفر اللاجئون الفلسطينيون على وطن يمكن أن يعودوا إليه، مشيرا إلى أن هذا لن يحدث دون مساندة وجود دولة فلسطينية.

إعلان

بعد أسبوعين من هذا البيان، سيأتي الرئيس المصري أنور السادات إلى واشنطن في زيارة رسمية، يقول كارتر إنه بعد محادثات طويلة مع السادات لمس لديه الرغبة في العمل على التوصل إلى سلام في المنطقة، بل وبعد ذلك سيقول السادات مباشرة للرئيس الأميركي، بأنه يريد العمل على "سلام مع إسرائيل" تسطره قرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

بعد شهر من هذا اللقاء الدافئ بين السادات وكارتر، سيحل مناحيم بيغن محل إسحاق رابين رئيسا لوزراء إسرائيل، وهو ما أنهى سيطرة حزب العمل اليساري على مقاليد الحكم هناك، وعلمت الولايات المتحدة أن تيارا متشددا وصل إلى رأس إسرائيل، وفهم البيت الأبيض أن الوضع مختلف الآن، وأن السلام قد يكون أصعب.

حاول كارتر أن يوسع مفاوضات السلام لتضم العاهل الأردني الملك حسين، والرئيس السوري حافظ الأسد، لكن الزعيمين العربيين رفضا حينها الدخول في الجهود التي تضم السادات وبيغن. لم تضم واشنطن حينها الفلسطينيين في محاولات النقاش، ذلك لأن البيت الأبيض بات يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية. لكن رغم ذلك، يقول كارتر إنه حاول عبر قنوات غير رسمية استمالة ياسر عرفات وإقناعه بقبول القرارات الرئيسية للأمم المتحدة لكي تلتحق المنظمة بالمفاوضات، لكنه رفض.

في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977 كانت طائرة الرئاسة المصرية تحط في مطار بن غوريون، في مشهد لم يتوقعه أكثر المتفائلين في إسرائيل، بمن فيهم مناحيم بيغن الذي كانت دائرته المقربة تعتقد أن السادات قد لا يأتي أبدا، وأنه ربما يضع إسرائيل كلها في موقف محرج في نهاية المطاف. وفي أعقاب ذلك، جاءت زيارة بيغن إلى القاهرة، لكن المفاوضات التي حدثت فيها لم تكن مرضية للجانب المصري، حيث رفض الإسرائيليون فك المستوطنات في سيناء. وفي غضون ذلك، كانت مجموعة من الدول العربية تساند تحرك السادات لعقد اتفاقية سلام مع الإسرائيليين، رغم البلاغات النارية والرنانة التي كانوا يخرجون بها في العلن، كما يقول كارتر في كتاباته.

إعلان

في النصف الأول من العام 1978، كان السادات ينوي السفر إلى الولايات المتحدة لإدانة بيغن على العلن واتهامه بخيانة عملية السلام، حينها دعا كارتر وزوجته الرئيس المصري وقرينته إلى منتجع كامب ديفيد في زيارة شخصية، وبعد أسبوع من الأخذ والرد، تراجع السادات مقتنعا بعدم الإقدام على إخراج خلافاته مع بيغن إلى العلن.

في تلك الفترة، لم تكن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب جيدة، حيث أقدمت دولة الاحتلال على غزو لبنان واستخدمت القنابل العنقودية الأميركية الصنع في بيروت وأماكن حضرية أخرى، بما تسبب في مقتل مئات المدنيين، وهو ما خرق اتفاقية البيع التي تعطي لإسرائيل الحق فقط في الدفاع عن نفسها بالأسلحة الأميركية وليس في الهجوم. وقتها شعر الرئيس الأميركي بنوع من الخذلان من قبل حلفائه الإسرائيليين، واليأس من إمكانية تقدم مفاوضات السلام. لم تكن إسرائيل بيغن تسير في اتفاقية السلام كما حلم كارتر ولم تقترب من ذلك حتى، لذلك كان الحل هو العودة إلى ذلك المكان الهادئ الذي أثبت قدرته على حل الكثير من القضايا المهمة.. كامب ديفيد.

كان السادات هو العضو الأكثر حماسا للوصول إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل في كل الوفد المصري كما يحكي كارتر، وكانت متطلباته واضحة: أن يغادر الإسرائيليون كل سيناء، وأن يتم ضمان حقوق الفلسطينيين، ثم أخيرا وليس آخرا أن تعِد إسرائيل بحل نزاعاتها مع جيرانها بطريقة سلمية. تبدو البنود بهذه الطريقة مقبولة، بيد أن المفاوضات كادت تفشل في أكثر من مرة، بل وكان السادات وبيغن قاب قوسين أو أدنى من العودة من حيث أتيا احتجاجا على تصلب الموقف.

في النهاية تم توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (اتفاقية كامب ديفيد) التي غيرت الشرق الأوسط إلى الأبد، لكنها لم تجلب السلام الذي أراده كارتر أبدا، وأسباب ذلك واضحة وجلية، فإسرائيل لا تخضع لأحد، ولا تحترم الاتفاقيات ولا تحتفي بأي سلام مهما أظهرت للعلن خلاف ذلك.

إعلان

دفع ذلك كارتر إلى زيارة طارئة للمنطقة بعد 6 أشهر فقط من توقيع الاتفاقية بغية إيجاد حلول للقضايا العالقة، لكنه رجع بخفي حنين لأن الإسرائيليين لم يلتزموا بشروط مهمة ضمن الاتفاق، على رأسها منح الفلسطينيين حكما ذاتيا وسحب قواتهم من الأماكن التي تعهدوا بالانسحاب منها.

الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر (وسط) ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن (يمين) والرئيس المصري السابق أنور السادات (رويترز)

وكما أدرك كارتر لاحقا، لم يكن بيغن متحمسا للسلام، وكل ما أراده منه هو تلك اللقطة التي تظهر زعيما عربيا يحط رحاله في إسرائيل ويلقي خطابا متحمسا عن السلام معها أمام الكنيست، والأهم من ذلك قطعا، وفق رؤية كارتر، تحييد دولة عربية مهمة على خط المواجهة، وتقييد الجيش العربي الأهم عن مواجهة إسرائيل من خلال اتفاقية لم تنو دولة الاحتلال الالتزام بالعديد من مقتضياتها أبدا.

وقد عبّر الرئيس الأميركي الراحل عن إحباطه من حلفائه الإسرائيليين بالقول: "كلنا نعرف أن إسرائيل يجب أن تحظى بسلام شامل ودائم، وأن هذا الحلم كان يمكن أن يكون قد تحقق لو أن إسرائيل التزمت باتفاقية كامب ديفيد وأحجمت عن استعمار الضفة الغربية".

المتجَاوَز

"سنتذكّر دائماً دور الرئيس كارتر في اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر"

بنيامين نتنياهو

 

عند كتابة أي مقال حول شخص أو قضية ما، يجد الكاتب نفسه أمام العديد من المعلومات والحقائق المتباينة في كثير من الأحيان، وفي مرحلة ثانية يتم فرز هذه المعلومات إلى معلومات مهمة وأخرى أقل أهمية تجنبا لإغفال جوانب جوهرية. وفي هذا المقال، لم يكن هناك بد من الإشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد، ليس فقط لكونها الإرث الأكبر للرئيس الأميركي الراحل عن دنيانا مؤخرا جيمي كارتر، ولكن أيضا بسبب حقيقة أنه بالرغم من أن تلك الاتفاقية غيّرت الكثير في الشرق الأوسط بلا رجعة، فإنها لم تُغير شيئا يذكر بالنسبة لأحد طرفيها، وهو الطرف الإسرائيلي.

إعلان

وحسب الواقع المُشاهد للجميع اليوم، تسببت الاتفاقية في لَجم الجانب العربي، مصريا كان أو فلسطينيا، بينما استمرت دولة الاحتلال في سياساتها القمعية الاستئصالية التي يشاهدها العالم آثارها الدموية يوميا، على الهواء مباشرة، بأعلى جودة ممكنة.

تغيّر كارتر، أو على وجه الدقة، تغيّرت بعض قناعاته بعد خروجه من البيت الأبيض، وبدا لوهلة أنه أضحى معارضا للكثير من سياسات الدولة التي تربع على عرشها ذات يوم. في العراق مثلا، لم يكن كارتر متحمسا للحرب "الاستباقية" التي خاضها جورج بوش ضد ما زعم أنه "مشروع أسلحة الدمار الشامل" الذي تمتلكه بغداد صدام حسين، فقد هاجم في مقال له نشرته "واشنطن بوست" الجمهوريين الذين اتهمهم بأنهم يتخفون وراء الحرب لتحقيق تطلعاتهم القديمة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب.

وقبل اجتياح العراق بسنة، كان الرئيس الأميركي الأسبق في زيارة للزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ذلك الخصم التقليدي للولايات المتحدة، الشيوعي عدو الرأسمالية. ومن قلب هافانا أكد كارتر أن متخصصين أميركيين أكدوا له أن الجزيرة الشيوعية ليست متورطة أبدا في تطوير أي أسلحة بيولوجية، بعكس البروباغندا التي تروجها الأجهزة الأميركية باستمرار حول الدولة "المتمردة".

تغيرت وجهة نظر كارتر أيضا في حليفته إسرائيل التي حاول خدمتها رافعا بيده اليسرى القوة السياسية لواشنطن، وبيده اليمنى الكتاب المقدس بعهديه، القديم والجديد. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012 هاجم جيمي كارتر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وسياسة حكومته التي قال إنها لم تعد تتبنى حل الدولتين، ذلك الحلم القديم الذي مسّه هو المسيحي المتدين ذات مرة.

سيعبّر كارتر في نفس التصريح عن أسفه لتوقف بلاده عن استخدام نفوذها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في الوقت الذي أصبحت فيه تل أبيب تعتبر وجود دولة فلسطينية نوعا من الهرطقة، ويجهر المسؤولون الإسرائيليون بإنكار هذا الحق الفلسطيني مطلقا، في حين لا يجد المتطرفون منهم، وهم الغالبية اليوم، غضاضة في الحديث عن حلم إسرائيل الكبرى، ملوحين بنهمهم في الاستيلاء على مزيد من الأراضي، ليس فقط الأراضي الفلسطينية، ولكن أراضي الجيران في الأردن وسوريا وغيرهما.

إعلان

لم تزد السنوات كارتر إلا يقينا بأن إسرائيل لم تهتم يوما بأيّ اتفاقيات أو سلام، أو أنها لم تعد تهتم بذلك في أدنى الأحوال. في زيارة للرجل إلى إسرائيل بمناسبة مرور 40 عاما على اتفاقية السلام مع مصر، وفي لقاء له مع الصحفية الإسرائيلية، طالي ليبكين شاحك، قال كارتر إنه لا يرى طريقة لصنع السلام مع وجود نتنياهو كرئيس للوزراء، مشيرا إلى أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ترامب، كان قد جاء إليه طلبا للمشورة، فأعطاه بعض النصائح التي يبدو أنه لم يعمل بها.

المخذول

"إهداء إلى أول حفيد لنا، هنري لويس كارتر، مع الآمال بأنه سيرى السلام، والعدالة في الأرض المقدسة".

جيمي كارتر

لقد تغير الشرق الأوسط كثيرا عن ذلك الذي كان في عهد رئاسة كارتر، وربما يكون الرجل أحد المسؤولين عن هذا التغيير الذي لم يتوقعه، ولم يرُق له على الأغلب. لقد طوقت إسرائيل الضفة الغربية والتهمت المزيد من أراضيها، وضمت القدس بأسرها وأعلنتها عاصمة لها بمباركة أميركية، ونثرت المستوطنات والمستوطنين المتطرفين في كل هذه المناطق، وأرسلت جنودها لحماية كل هذه الخروقات.

وأكثر من ذلك، شنت حروبها المتواصلة لإبادة الفلسطينيين، بما فيها حربها الأخيرة المتواصلة على غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي المجمل، قتلت القيادة الإسرائيلية سلام كارتر علنا في وضح النهار، وارتوت بدمائه ورقص جنودها وسياسيوها فوق جثته.

لقد رأى كارتر ذلك قادما بالفعل، ربما ليس بذات البشاعة، لكن مقدماته كانت بادية ومرصودة. تحدث الرئيس الأميركي الأسبق عن الفراغ الدبلوماسي في المنطقة، وعدم وجود أي ضغوط عربية أو دولية حقيقية، مما دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى اتخاذ بعض القرارات الأحادية، متجاوزين كل رادع، وحتى الضوابط التي وضعتها واشنطن نفسها. وفي النهاية، استخدم الإسرائيليون هيمنتهم السياسية والعسكرية لفرض نظام فصل عنصري، بحسب تعبير كارتر نفسه.

President Jimmy Carter directly calls out AIPAC's influence in 2007:

"AIPAC is not dedicated to peace. They’re dedicated to inducing the maximum support in America, in the White House, in the Congress and in the public media, for whatever policies the Israeli government has at a… pic.twitter.com/LBxPKac4Db

— AIPAC Tracker (@TrackAIPAC) December 30, 2024

إعلان

في كتابه "السلام لا الأبارتهايد" الذي خلّف ردود فعل واسعة، يقول كارتر إن الانسحاب من غزة كان هو الخطوة الأولى أحادية الجانب التي أقدم عليها الإسرائيليون، تاركين خلفهم كيانا غير قابل للحياة، لا اقتصاديا ولا سياسيا، كيانا محاصرا ومنعزلا، وليس له من مدخل جوي ولا بحري، ولا يمكنه حتى مد جسر أي تواصل مع باقي الفلسطينيين.

بشكل مماثل، اعتبر الرئيس الأميركي الراحل أن جدار الفصل هو لب المشكل، حتى إن جورج بوش الابن وصفه بالمشكل الذي يتلوى كالأفعى، كان يتحدث عن الجدار لا الرئيس الديمقراطي للتوضيح. كما اعتبر كارتر أن الجدار يخرّب العديد من الأماكن المهمة للمسيحيين، بخلاف أنه يطوق بيت لحم، وهو الأمر "الذي ينفطر له القلب"، على حد تعبيره.

كل هذه الأمور وغيرها جعلت من الوضع في فلسطين المحتلة غير قابل للحل، بل وصفة للانفجار بحسب كارتر، لأن الفلسطينيين مطوقون تطويقا كاملا في الداخل ويعيشون وضعا لا يمكن بحال قبوله، وهو ما سيعني أن الوضع الداخلي لإسرائيل سيظل مضطربا لأن الضرورة تقول إن هناك شعبا محروما سيحارب الاضطهاد.

أحس كارتر بالطوفان قادما من بعيد، فقد حذر في العام 2015 من أن اندلاع أي حرب في غزة سيكون كارثيا على سائر المنطقة، وقد كان، وحذر قبل ذلك بأن أحد أكثر الأمور التي تزيد من خطر الهجوم على إسرائيل، هو احتجازها للأسرى، لأن المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين يعلمون أن أسر جندي إسرائيلي أو حتى مدني إسرائيلي واحد سيكون عملة لإخراج المئات من الأسرى العرب لديها، فقد سبق للفلسطينيين أن أخرجوا 1150 أسيرا فلسطينيا مقابل 3 إسرائيليين في العام 1985، و123 لبنانيا مقابل رفات جنديين إسرائيليين في العام 1996، و433 فلسطينيا مقابل رجل أعمال إسرائيلي واحد ورفات 3 جنود إسرائيليين عام 2004، و1027 أسيرا فلسطينيا مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2008.

إعلان

رغم ذلك، ينكص كارتر على عقبيه في إدانة الاحتلال قائلا إن المسؤولية مشتركة بين الطرفين نوعا ما، فالإسرائيليون يرون أنهم يملكون الحق في مصادرة الأراضي ويقمعون الفلسطينيين، بينما يرفض الفلسطينيون شرعية إسرائيل ويهددون بتدميرها. بيد أن هذا التفسير "المضطرب" لم ينجح في منح كارتر السلام النفسي الذي ينشده، فختم كتابه وحياته محمَّلا باليأس والخذلان.

كانت كامب ديفيد بشارة كارتر "المسيانية" أو "المسيحانية" بالسلام، لكنها لم تحقق سلاما قط، وكل ما فعلته أنها حمت ظهر إسرائيل وأطلقت يديها في إبادة الفلسطينيين، بالنار أحيانا، وبالجوع والبرد أحيانا أخرى.

مقالات مشابهة

  • اللواء سمير فرج: الشرطة الفلسطينية ستتولى إدارة غزة بعد انسحاب إسرائيل
  • جيمي كارتر.. عرّاب كامب ديفيد الذي اقتنع أن إسرائيل لا تريد السلام
  • الإمارات: نرفض الممارسات الإسرائيلية لتغيير الوضع القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة
  • سليمان: لا بديل عن الوطن الواحد الذي يحتضن جميع المواطنين
  • معاناة نازحي غزة في مواجهة الشتاء القارس: مأساة إنسانية تتفاقم
  • الوزير الذي أصبح جاسوسًا.. ما قصة الفيلم الوثائقي الذي أثار جدلا في إسرائيل
  • عاجل | مصادر للجزيرة: إصابة 3 مقاومين جروح أحدهم خطيرة في هجوم قوات أمن السلطة الفلسطينية في عتيل شمال طولكرم
  • بشأن اليمن.. ما الذي تريده “إسرائيل” من “ترامب” فور وصوله الى السلطة..!
  • إسرائيل: الكابينيت الأمني والسياسي يجتمع غدا لمناقشة الوضع بالضفة عقب هجوم كدوميم
  • ماكرون يجدد شكره لجلالة الملك على دوره في الإفراج عن الرهائن الفرنسيين ببوركينا فاسو