دبي.. حاضنة ملتقيات الأدب والفكر والثقافة
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
دبي (الاتحاد)
القراءة مفتاح المعرفة والثقافة وأداة تساعد الشعوب على تحديد مسارات مستقبلها، وعلى هذا النهج سارت دبي التي تحتفي سنوياً باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، حيث تحرص من خلال مبادراتها على تحفيز أبناء المجتمع على ممارسة القراءة والاهتمام بالكتاب لدورهما في الارتقاء بوعي الأفراد ومستوياتهم الفكرية.
كما سعت، عبر تشريعاتها القانونية وبيئتها الإبداعية، إلى حفظ حقوق المؤلفين وتشجيعهم على مواصلة إنتاجهم الفكري والمساهمة في تعزيز قوة الصناعات الثقافية والإبداعية فيها، وهو ما يجسد الرؤى الطموحة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي قال: «أبواب المستقبل مفتوحة لمن يحمل راية العلم والمعرفة.. المستقبل موجود بين دفتي كتاب.. ومن يقرأ اليوم سطراً، يخط غداً فصولاً في كتاب المستقبل».
وفي إطار سعيها لتحقيق رؤية دبي الثقافية الرامية إلى ترسيخ مكانة الإمارة مركزاً عالمياً للثقافة، حاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب، تبدي هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» اهتماماً كبيراً بالمؤلفين وأهل الفكر والأدب وصناع الإبداع، وذلك من خلال تنظيمها سلسلة برامج ومبادرات وفعاليات قرائية وثقافية نوعية، تساهم في تفعيل الحراك الثقافي المحلي، ودعم مختلف مكونات القطاع الثقافي والإبداعي في دبي، ومد جسور التعاون والتواصل بين المثقفين والرواد في مختلف المجالات الثقافية، إضافة إلى تشجيع الشباب وأصحاب المواهب الأدبية على إطلاق العنان لمخيلاتهم والتعبير عن إمكانياتهم المتنوعة في هذا المجال، وهو ما يتناغم مع أهداف الهيئة الرامية إلى خلق بيئة إبداعية وثقافية تتوافق مع أولوياتها القطاعية الساعية إلى توفير الثقافة للجميع وجعل القراءة أسلوب حياة في المجتمع المحلي، وهو ما يتجلى في مجموعة الملتقيات والورش الأدبية والنقاشات المتنوعة التي تنظمها دبي للثقافة في إطار «منصة تعبير» التي تجمع تحت مظلتها كلاً من «الملتقى الرقمي للنشر»، و«الطاولة الأدبية»، و«ملتقى تعبير الأدبي»، وتسعى إلى تعزيز دور الأدب على الساحة المحلية بشتى أصنافه، الشعر والرواية والقصة القصيرة وغيرها، وتفعيل التواصل بين الكتاب والأدباء والشعراء، وتسليط الضوء على أعمالهم وإنتاجاتهم الأدبية وأفكارهم وتجاربهم الاستثنائية وتطلعاتهم المختلفة للقطاع الثقافي والإبداعي.
مهرجانات ومعارض
تحرص «دبي للثقافة» على دعم العديد من المهرجانات الأدبية ومعارض الكتب التي تستضيفها دبي سنوياً، ومن أبرزها رعايتها لمحور «بالإماراتي» الذي يطل سنوياً بسلسلة تجارب إبداعية وثقافية نوعية تحتفي بإنتاجات المثقفين الإماراتيين الأدبية، وتشجعهم على التفاعل وتبادل الخبرات والأفكار مع نظرائهم من أهل الثقافة والفكر وضيوف «مهرجان طيران الإمارات للآداب» الذي يقام سنوياً بشراكة استراتيجية مع الهيئة، حيث تحول المهرجان الذي يعد أحد أهم الفعاليات الثقافية على أجندة دبي إلى ملتقى سنوي يجمع تحت سقفه نخبة من أهل الثقافة والفكر لمناقشة مواضيع تهم الجمهور على اختلاف شرائحه وثقافاته وجنسياته، فضلاً عن توفيره فرصاً نوعية للتفاعل مع أصحاب المواهب الإبداعية في المجالات الأدبية المختلفة، ما ينعكس إيجاباً على المشهد الثقافي المحلي.
تستضيف دبي سنوياً معرض «بيغ باد وولف» أكبر سوق لتخفيض أسعار الكتب في العالم، الذي يقام بشراكة استراتيجية مع «دبي للثقافة»، ويوفر أكثر من مليوني كتاب متنوع في كافة التخصصات الأدبية والفكرية والعلمية، متيحاً لعشاق الكتب والقراءة والباحثين والطلبة والجامعات والمؤسسات التعليمية، فرصة الحصول على كتب بأسعار مخفضة جداً تصل إلى أكثر من 75% من سعر الكتاب الأصلي.
وبهدف الإسهام في نشر المعرفة، وجعلها في متناول الجميع، تنظم الهيئة سنوياً في مكتبات دبي العامة «معرض الكتاب المستعمل» الذي تسعى من خلاله إلى غرس ثقافة القراءة في نفوس الأجيال القادمة، وتشجيعها على الاهتمام بالكتاب وإعادة تدويره، فيما توفر «دبي للثقافة» لرواد مشروعها «مدارس الحياة» وأعضاء نوادي القراءة مساحة واسعة لمناقشة العديد من الكتب وأحدث الإصدارات الأدبية والفكرية، وذلك من خلال تشكيلة من الجلسات وورش العمل التي تنظمها ضمن «نادي الكتاب»، الذي يندرج تحت مظلة مشروع «مدارس الحياة» الهادف إلى بناء المهارات الثقافية والإبداعية والحياتية للنشء والكبار.
من جهة ثانية، تنظم الهيئة مبادرتها السنوية «صندوق القراءة» بهدف إثراء المخزون المعرفي لكافة فئات وأفراد المجتمع وفتح آفاقهم على عوالم القراءة وتشجيعهم على جعلها عادة وأسلوب حياة، بفضل ما يقدمه الصندوق ضمن جلساته من تنوع معرفي وتعليمي وترفيهي. وتشكل هذه المبادرة جزءاً من التزام «دبي للثقافة» بدعم الاستراتيجية الوطنية للقراءة 2016 - 2026 الرامية إلى ترسيخ القيم الثقافية في المجتمع، ودعم كافة مجالات الثقافة من فنون وآداب، كقوة ناعمة قادرة على عكس تطلعات دبي الحضارية. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: دبي للثقافة مبادرات فعاليات القراءة دبی للثقافة
إقرأ أيضاً:
وهمُ الأدب الرفيع
يُطرَح دومًا الأدب الرفـيع أو الصفويّ أو النخبويّ مقابل الأدب الشعبيّ فـي مغالطة مقصودة، مدسوسة، ذلك أنّ مقابل الأدب الرفـيع هو الأدب الوضيع حتْما، ولقد استأنس بعض الأدباء عبر التاريخ وَهْم المقابلة بين الأدب الرفـيع والأدب الشعبيّ، وكأنّ العامَّة التي يُمكن أن يسود فـيها فنٌّ أو أدبٌ وينتشر هي علامةُ الوضاعة والسقوط والهبوط والميل إلى الضّلال! لابدّ أن نُدرك، ونحن فـي أمسِّ الحاجة اليوم إلى مناقشة رِفْعة الأدب ووضاعته، إنّنا إزاء سبيلين متباينين لا ينبغي أن نُداخل بينهما، السبيل الأوَل هو وجود أدبٍ شعبيّ منتشر دومًا على مرّ الدّهور، وهو الأكثر انتشارا وسريانًا بين النَّاس، هو أدبٌ سطحيٌّ وبسيطٌ، ومحقِّقٌ لحاجة النّاس منه فـي عصرٍ من العُصور، ويُمكن أن نأخذ على ذلك عيِّنةً من تراثنا العربيّ، «ألف ليلة وليلة»، هذه المدوَّنة السرديَّة الكونيّة التي اختزلت عمقًا شعبيًّا فـي التناول والتداول والرّواج، فهي قصص من أدبِ الشعب إنتاجًا وتلقيًّا، ولعلّ هذا الانتساب الشعبيّ لألف ليلة وليلة هو الذي جعلها خارج دائرة النقد العربيّ قديمًا، وحديثًا، ولم تُصبِح موضوعًا للنقد والنظر إلاّ بعد أن سوّغ الغرب دراستها وأحلّ اعتمادها فـي خانة الأدب، وبعد أن أصبح الأدب الشعبيّ موضوعًا مرشَّحا للدراسة والبحث، وما زالت بعض الجامعات العربيّة الصفويّة ترفض لحدّ اليوم اعتماد بحوثٍ تختصّ بالأدب الشعبيّ.
الأدب الشعبيُّ ليس أدبًا وضيعًا، وإنَّما هو أدبٌ بسيطٌ محقِّقٌ لذائقةٍ عامَّةٍ، مُدرَكٌ بيسْر، واضحةٌ معالمه ومقاصده، ينحو منحى الإمتاع والترفـيه، لا منحى بناء عقلٍ مُدرِك، مفكِّر. أمَّا مفهوم الأدب الرفـيع، فهو مفهومٌ ضالٌّ مُضِلٌّ، يضعُ الأدب فـي علوٍّ تمييزيٍّ، ويُعلِّقه فـي مرتبةٍ متسامية، مُفارقة لحدود الإدراك البشريّ، تقتضي من طالبه أن يرتفع بذهنه وإدراكه لبلوغه، وهو أيضًا مفهومٌ غائم، ملتبسٌ، فما الذي يُحدِّدُ رفعة الأدب؟ الأخلاقيُّون، ودعاة الأخلاق الجدد يرون فـي «الأدب النظيف» الموصول بمقاصد الوعظ والتوجيه والإرشاد رِفعةً، ويرون فـي نقيض ذلك وضاعةً وسقوطًا، المتحرِّرون المتقدِّمون المُستغربون، يرون فـي الانفتاح وإسقاط المحرّمات والمعطِّلات تحقيقًا لسموّ الأدب، الفلاسفة وأصحاب العقول يرون فـي الأدب الحامل لفكرٍ، النَّاظر فـي قضايا الوجود، المفكِّر والداعي إلى التدبُّر صفاءً وقيمةً ومنزلة، المتديّنون يرون فـي أدب الدّين وما يأخذ من الدّنيا محاسن الدّين وتحقيق مقاصده أدبًا جديرًا بالكتابة وما عداه لغو كلام ومفسدة رأي ونفسٍ، المنحلُّون العدميّون المائعون، يرون فـي أدب المفاسد ركنًا مكينًا ومطلبًا أثيرًا، فـيا ليت شعري ما الصحيح؟ وليتَ شعري ما الأدب الرفـيع؟ لقد شهد العالم العربيّ طيلة القرن العشرين نزاعًا حول موضوع الأدب الرفـيع، ودخل الأدباء فـي محاورات عميقة أحيانًا، عقيمة أحايين عديدة، حول ما يُكتَب بعد نزوع الأدب إلى الخروج عن الأنماط الكلاسيكيّة فـي الكتابة، فالمنفلوطي وإبراهيم المازني ومصطفى صادق الرافعي وأحمد شوقي والعقّاد، كلّهم وأمثالهم كُثر سعوا إلى المسكِ بالأدب الرفـيع فـي منظورهم، وهو الأدب العربيّ القديم شكلاً لا ضمنًا، حافظوا على لغةٍ عربيَّة سليمة، بليغةٍ، مبينةٍ، هي فـي اعتقادهم جوهر الأدب، وقد يكون رأيهم سليمٌ، فالأدب فـي جانبٍ كبيرٍ من جوانب جماليّته هو شكلٌ يتحقَّق، غير أنّ كتابتهم كانت بمثابة من يلبس لباسًا من القرن الثاني للهجرة ويذهب بها إلى الدّوام كلّ يومٍ، كانت عبارتهم وأشكال كتابتهم غير باقيةٍ، كما بقيت الأصول التي يتّبعونها، الجاحظُ باقٍ، والمتنبي باقٍ، والأصفهاني باقٍ، وهم مندثرون، فمن يقرأ المنفلوطي أو المازني اليوم؟
من جهةٍ أخرى ينتج عالمنا اليوم أدبًا هو فـي منظور النخبة «أدب وضيعٌ» لا عمق فـيه، ولا أثر، وإن اتَّسع جمهوره، والأمثلة عديدة، لا أريد أن أسمّيها لأنّها فـي الحقيقة لا تعنيني ولا أهتمّ بها إلاَّ خبرًا عابرًا، هذا الأدب المنتشر الجماهيريّ -على حدّ وسْم البعض- لا أراه أدبًا، وإنَّما هو شكلٌ تعبيريّ يوميّ، مثل ما تقصُّ الجدّة قديمًا لأحفادها، ومثل الحكايا اليوميّة الشائعة بين النّاس، فليست كلّ حكاية تُكتَب هي أدبٌ، الأدبُ خاصّ، سواء كان شعبيًّا أو عالمًا، فهو مرتفعُ بالضّرورة، ولهذا فإنّ المُقابل للأدب الشعبيّ هو الأدب العالم، وكلاهما شكلٌ تعبيريّ رفـيعٌ، محقّقٌ لمقصَدٍ ما، يجمع بين تخيّر الشكل وترشيح المضمون وتحديد المقصد.
اليوم نحن نلفظ أنماطًا من الكتابة ونرفضها ولا نراها جديرة بأن تكون أدبًا، كأنَّا وقفنا بشكل جليّ على ماهيَّة الأدب وحدّه، كما رفض مَن سبقنا أنواعًا من الكتابة وردّوها وأقصوها ولكنَّها مع ذلك صارت مراجع تقليديّة، ومقصَدًا وموطنًا للأدب الرفـيع، خذ مثالا بسيطًا على ذلك ما ورد فـي كتاب «أخبار أبي تمّام» للصولي من وسْمٍ لشعر أبي تمّام، يقول: «حدَّثني هارون بن عبد الله المهلبي قال: سئل دعبل عن أبي تمام قال: ثلث شعره سرقة، وثلثه غثٌ، وثلثه صالح. وقال محمد بن داود، حدثني ابن أبي خيثمة قال، سمعت دعبلًا يقول: لم يكن أبو تمام شاعرًا، إنما كان خطيبًا، وشعره بالكلام أشبه منه بالشِّعر، قال: وكان يميل عليه، ولم يدخله فـي كتابه - كتاب الشعراء -. وحُكي أنَّ ابن الأعرابي قال، وقد أنشد شعرًا لأبي تمام: إن كان هذا شعرًا فما قالته العربُ باطلٌ».
هذا ما قيلَ -ومنه الوفـير فـي تراثنا النقدي- فـي شأن شاعر أصبح من بعد ذلك عُمدة الشعر العربيّ، فتنقّل من وضيع الأدب إلى رفـيعه، بتبدُّل الذائقة، وقس على ذلك، ما شهدناه فـي شعرنا المعاصر، من رفضٍ لقصيدة التفعيلة، ثمّ تحوّل رموزها إلى مراجع يُضرَب بها المثل فـي جودة الشعر.
الأدب الرفـيع، إذن مفهوم عائمٌ، غير ثابت، فما هو مرفوضٌ اليوم قد يصبح نموذجًا للأدب فـي لاحق الزمن. زد على ذلك، ما نعيشه اليوم من هرجٍ ومرجٍ فـي انتشار أنواعٍ من الأدب سطحيّة وساذجة هي عنوانٌ كبير لمرحلة قادمة قد ينقرض فـيها الأدب بالمعنى السائد والرائج، فالآلة أصبحت تكتب وتبدع، وأعرف من الجامعيين من هو على قادرٌ على ترجمة كتابٍ فـي ليلةٍ واحدة، استعبادا للذكاء الصناعيّ، وأعرف من المبدعين من صار يتعاون مع ذات الذكاء فـي التعبير عن خوالجه، فهل ما زال لنا الحقّ أن نتحدّث عن أدب رفـيع وآخر وضيع؟