د. حامد أبو العز تشهد القضية الفلسطينية هذه الأيام حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق سواء من خلال الوساطة التركية أو الاجتماعات المزمع عقدها في القاهرة. استهلت تركيا هذه العمليات الدبلوماسية عبر استضافة إسماعيل هنية ومحمود عباس على أمل أن يكون هذا اللقاء مقدمة للتصالح بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. ولكن وعند الغوص أكثر في المواقف سيتضح بأن دعوة الرجلين إلى أنقرة وعقد مفاوضات هناك ما كان إلا مجرد تغطية على المحاولات التركية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بشكل كامل وسعيها من جهة أخرى إلى ترتيب لقاء بين محمود عباس ونتنياهو حيث سيعقد هذا الاجتماع خلال اليومين القادمين.

في الحقيقة لدينا ما يكفي من الأدلة لتوضيح هذه الحجج وأهمها أن حركة حماس تدرك تماماً عمق الهوة ووسعتها بينها وبين السلطة الفلسطينية ولذلك كان التنبؤ بألا يخرج هذا الاجتماع بأي نتائج تذكر مجرد “تحصيل حاصل”. فيما قبل لقاء الجزائر الذي جمع هنية وعباس كان واضحاً للجميع المواقف المتشددة للسلطة الفلسطينية تجاه عملية المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية. وما حدث في أنقرة هو ترسيخ معادلة عباس القائمة على التعويل على التنسيق مع إسرائيل والانخراط في الوعود الأمريكية. فبشكل قاطع وبشكل مستدرك أكد عباس على أن السلطة لن تفرج عن أي معتقل سياسي قامت السلطة باعتقاله. وبالطبع عباس يدرك جيدأ بأن رفض مبادرة هنية بإطلاق سراح المعتقلين سيكون مقدمة لإفشال لقاءات القاهرة وهذا ما حدث بالفعل عندما أعلنت فصائل فلسطينية مقاطعتها لاجتماعات القاهرة مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الصاعقة. وبالعودة إلى الوساطة التركية بين السلطة الفلسطينية وبين نتنياهو فيبدو بأن العاقل سوف يصل إلى نتائج مهمة وهي بأن هذه الوساطة تهدف إلى ترسيخ أكبر للعلاقة بين السلطة الفلسطينية بقيادة عباس وبين إسرائيل بقيادة نتنياهو. وكل ذلك يصب في صالح تركيا التي ترغب في إعادة العلاقة مع إسرائيل تحت مسمى الوساطة. وإذا كان الرأي العام العربي قد اغتر ببعض المواقف الشعبوية من قبل الرئيس أردوغان فها هو اليوم الموعود ليتم الكشف عن الأصدقاء الحقيقيين للشعب الفلسطيني. نحن اليوم أمام سؤال مصيري وهذا السؤال مشروع للغاية وهو: لماذا يعمل من كان يوصف في الأمس القريب بالصديق للشعب الفلسطيني كشركة علاقات عامة لإنقاذ نتنياهو من مزبلة التاريخ؟ لماذا يعمل هؤلاء على منع حدوث حرب أهلية في إسرائيل فهم يكثفون الجهود هذه الأيام لتثبيت موقف نتنياهو خارجياً. وقد تكاتفت هذه الجبهات جميعا لتحقيق هذا الهدف، فالرئيس بايدن يرسل وفداً رفيع المستوى إلى السعودية لدفعها إلى التطبيع مع إسرائيل والرئيس أردوغان يجمع كل من عباس ونتنياهو في أنقرة!!! وأما أولئك الذين يبررون للرئيس أردوغان هذا الموقف تحت مسمى البراغماتية أو مسمى السعي وراء مصالح تركيا أو من يستند إلى قاعدة “أن ما تمنعه الأخلاق قد لا تمنعه السياسة”، فعلينا تذكيره بأن عليه أن يدرس بعضا من الفلسفة السياسية ويراجع مدارسها الفكرية التي ترجح أفضلية الأخلاق على السياسة. یقترح بعض الفلاسفة السياسيين أنه على الرغم من أن السياسة قد لا تكون أخلاقية تمامًا، إلا أن هناك قيودًا أخلاقية ينبغي أن تحد من الأفعال السياسية. قد تتضمن هذه القيود حقوق الإنسان، وسيادة القانون، واحترام الحرية الفردية. ويؤكدون أنه ينبغي احترام حدود أخلاقية معينة حتى في سبيل تحقيق الأهداف السیاسية ولا تنسى عزيزي القارئ بأنه لا يختلف عاقلان على أرجحية دعم أخر قضايا التحرر الوطني على تحقيق أي أهداف سياسية أو اقتصادية. ختاماً، لا ينتظر الشعب الفلسطيني ولا شعب جنين المنتصر، من لقاء المهزومين (عباس ونتنياهو) شيئا، فهم قالوا كلمتهم في الميادين جمعاء في القدس وغزة والخليل وجنين وطولكرم وكل مكان. ولكنه في الوقت نفسه ينتظر توضيحاً من إسماعيل هنية يوضح فيه ما الذي دفعه إلى عقد هذه اللقاءات وننتظر جميعنا أن يقدم لنا هنية فائدة واحدة او مخرج واحد نتج عن هذه اللقاءات. في الوقت الذي كنا ننتظر منهم أن يجتمعوا في فلسطين أو أي دولة يختارونها للتنسيق فيما بينهم لاستغلال حالة الانقسام الداخلي الذي تعيشه إسرائيل وكيف يمكن تحويل هذا الانقسام إلى حرب أهلية طاحنة نراهم يجتمعون لالتقاط الصور!!! على أي حال الكلمة الأولى والأخيرة في القضية الفلسطينية هي للشعب الفلسطيني الذي حافظ على هذه القضية وحماها من الأعداء هذا الشعب الذي أصبح قادرا وبشكل جيد على تمييز العدو من الصديق وعليه فسيقول كلمته الأخيرة في الشارع عند مقاومة الاحتلال وليس خلف الأبواب الموصدة، والصيف الساخن بيننا. باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: بین السلطة الفلسطینیة مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

الخارجية الفلسطينية: استقدام دبابات العدو الصهيوني إلى جنين خطوة لتوسيع العدوان

يمانيون../
حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية، من استقدام جيش العدو الصهيوني دبابات ثقيلة إلى محيط مدينة جنين، واعتبرته مقدمة لتعميق عدوانه وتوسيع جرائمه ضد الشعب الفلسطيني عامة، وفي شمال الضفة ومخيماتها خاصة.

وقالت الخارجية الفلسطينية في بيان مساء اليوم الأحد، إن تصريحات وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس واستقدام الدبابات وترهيب المواطنين المدنيين العزل وتهديدهم باستخدامها، يمثل تصعيداً خطيراً للأوضاع في الضفة، ومحاولة مكشوفة لتكريس حرب الإبادة والتهجير ضد شعب اعزل.

وشددت على ضرورة تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل للجم عدوان الاحتلال المنفلت من أي قانون أو اتفاقيات موقعة، وإجباره على وقف عدوانه ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه وفي مقدمتها بقاؤه على أرضه.

مقالات مشابهة

  • الرئيس المشاط: السيد حسن نصر الله هزم كيان العدو ودمّر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
  • الخارجية الفلسطينية: استقدام دبابات العدو الصهيوني إلى جنين خطوة لتوسيع العدوان
  • الخارجية الفلسطينية: استقدام العدو الدبابات بالضفة استكمال للإبادة والتهجير
  • المؤسسة الفلسطينية لمكافحة المقاومة.. ما الذي جرى لأجهزة السلطة؟
  • مؤشر خطير.. السلطة الفلسطينية تدين اقتحام نتنياهو مخيم طولكرم
  • محلل سياسي فلسطيني: رؤية عباس بالقمة العربية تركز على تمكين السلطة في غزة
  • «الريادة»: حان الوقت لتمكين الحكومة الفلسطينية الشرعية من قطاع غزة
  • عضو بـ«النواب»: خطة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة خطوة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار
  • وكيل خارجية الشيوخ: السلطة الفلسطينية تقدم تصورا لإدارة غزة خلال القمة العربية
  • أبو مازن: ندعو لإجراء انتخابات في القدس وجميع الأراضي الفلسطينية