محمد بن زاهر العبري

لم تذرف ولاية شمال الشرقية وحدها الدمع الأحمر، وإنما كل عُمان من أقصاها إلى أقصاها قد اعتصرها الألم لفقد السلطنة أولادها في أعمار الزهور، قاموا صباحا فلبسوا دشاديشهم البيضاء، وحملوا على أكتافهم الحقائب المدرسية، وودعتهم أمهاتهم ربما وداعاً مشوباً ببعض القلق، نظرًا لسوء الأحوال الجوية، ولكن أيا من هذه العائلات ما كانت تستطيع أن تتخيل المأساة التي كانت تنتظر هؤلاء اليافعين الصغار.

لقد ذهبوا من دون رجعة!

لم ينتهِ الأمر إلى هذا الحد، بل تجاوزه، فهناك عثور لمفارق للحياة في مجرى وادي حلفين بولاية أدم، وعثورٌ على مفقود بسمد الشأن مفارقاً للحياة، وعثورٌ على طفل مفارق للحياة في وادي البطحاء بالمضيبي، وإنقاذ آخرين بعد أن كاد الوادي يُغرقهم، وما إلى ذلك من الحالات.

لقد كتبت مجموعة من الأقلام العمانية عن هذه المأساة، وحمّلت بعض تلك الأقلام وزارة التربية والتعليم المسؤولية، وبعضها حملّتها لجهات أخرى، والبعض شكك في مصداقية شعار "عمان جاهزة" الذي دشنته اللجنة المركزية لإدارة الحالات الطارئة، وبعض المقابلات تناولت أزمة يُعاني منها المركز الوطني للإنذار المبكر تمثلت في ضعف وعطل بعض الأجهزة الحساسة الأساسية للقيام بواجب الإنذار المبكر، كما وأن بعض الصحف المحلية طرحت سؤالين لم يُعلن أحد عن جواب لهما وهما: من المسؤول؟! وإلى متى؟!

إلى متى سيظل المطر يسوق الموت معه بهذا الشكل الفظيع على هذه الأرض الطيبة؟

لقد لعب التخطيط السيئ الدور الأبرز في هذه المأساة، وسيلعب مستقبلا كذلك، ما لم نقم بتهيئة المناطق المأهولة بالسكان لتكون بمنأى عن جريان السيول، وما لم نخطط لإبعاد الشوراع عن مجرى الوديان.

إنَّ الذين خططوا في السابق تُرى هل كانت تنقصهم المعلومات الكافية التي ربما لو توفرت لما بُنيت منازل على مجارف الوديان، أو المدارس، أو الشوارع سواء المُعّبدة منها أو غيرها، فضلاً عن غياب مذهل لمجاري تصريف مياه الأمطار؟ وإلا فمئات من الدول التي نحفظ أسماءها ونزورها في إجازاتنا، لا يتوقف المطر انهمارا فيها، لكننا بالكاد نجد بركة مياه متجمعة.

لقد أصبحنا واحدة من الدول التي يموت مواطنوها جراء أمطار ما دون مستوى الأعاصير أو الفيضانات.

من المسؤول؟ وإلى متى؟

لا يُعرف بالفعل من هو المسؤول عن ترك البُنية التحتية للبلد دون تعميرها بحيث تكون مهيئة لاستقبال منخفض أشد تأثيرا من هذا الذي ألهب مشاعرنا ألماً، وبالتالي من هو الذي عليه الآن أن يتخذ قرارا لإعادة تخطيط مسارات الأودية والسيول بعيدا عن مناطق عيش المواطنين ومواقع مرورهم، ليصبح البلد كغيره من بلدان العالم، يشهد حركة طبيعية من ذهاب وإياب دون أن يقدم فلذات أكبادهم ضحايا.

إن تحسين البُنى التحتية للبلد وإنقاذها من بلوغ السيول المنازل والشوارع هو العزاء الحقيقي الذي ينبغي تقديمه للسلطنة على فقدها لصغارها في المنخفض المار.

لا شك أن الأرواح البريئة التي فارقت أبدانها الصغيرة في حادثة لن تنساها عُمان على مدى السنين، لن تذهب سُدى، وأنَّ القرار الذي لا يُعرف المسؤول عن اتخاذه لا بد وأن يتم اتخاذه، عاجلا، فالله وحده يعلم عدد المنخفضات القادمة ومدى شدتها وخطورتها وما الذي ينتظر المواطنين أثناء مرورها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تقرير البنك الدولي بشأن الدور المحوري للقطاع المصرفي في تمويل الأنشطة المناخية

سلَّط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، الضوء على التقرير الصادر عن البنك الدولي بعنوان "القطاع المالي في الأسواق الناشئة عند مفترق طرق: المخاطر المناخية والفجوات التمويلية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة"، والذي كشف فيه عن الحاجة الملحة لتعزيز التمويل الموجه لمواجهة التغيرات المناخية في الاقتصادات النامية، موضحاً أن 60% من البنوك في الاقتصادات النامية لا تخصص سوى أقل من 5% من إجمالي محافظها الاستثمارية للمشاريع المتعلقة بالمناخ، في حين يمتنع ربع هذه البنوك عن تمويل الأنشطة المناخية بشكل كامل، وهذا الوضع يشير إلى تحديات كبيرة قد تؤثر على استقرار الاقتصادات النامية التي تعتمد بشكل كبير على القطاع المصرفي.

وشدد التقرير على أن هذه الفجوة في التمويل تشكل عقبة رئيسة أمام مواجهة تحديات المناخ في الاقتصادات النامية، ففي هذه الدول، تلعب البنوك دورًا حاسمًا في القطاع المالي، بخلاف الاقتصادات المتقدمة التي تتميز بتنوع أكبر في مصادر التمويل، ومع تصاعد تأثيرات تغير المناخ على التنمية الاقتصادية في الأسواق الناشئة، تبرز الحاجة إلى زيادة الاستثمارات الموجهة للمناخ بشكل كبير، حيث يمكن للبنوك أن تكون جزءًا أساسيًا من الحل في سد الفجوة التمويلية.

وأشار التقرير إلى الفجوات الكبيرة في التمويل المطلوب للحد من الانبعاثات الكربونية وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ في هذه الاقتصادات، ودعا التقرير إلى تعزيز العمل المناخي بشكل فوري واستقطاب الاستثمارات الخاصة بشكل أكبر، مشددًا على الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع المصرفي في تمويل مسارات التنمية المستدامة والخضراء، هذا بالإضافة إلى ضرورة تكثيف الجهود لزيادة التمويل الموجه للأنشطة المناخية في الاقتصادات النامية لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتطرق التقرير إلى الجهود العالمية الرامية لتطوير أساليب جديدة لدعم تمويل الأنشطة المناخية، دون التأثير سلبًا على استقرار القطاع المالي أو على الشمول المالي للفئات المحرومة، مؤكدًا أهمية اعتماد التصنيفات الخضراء والمستدامة (نظام تصنيف يحدد الأنشطة والاستثمارات اللازمة لتحقيق الأهداف البيئية)، حيث أشار إلى أن هذه التصنيفات لا تغطي سوى 10% من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، مقارنةً بـ 76% في الاقتصادات المتقدمة.

وأشار التقرير إلى مشكلة نقص التمويل الموجه لأنشطة التكيف مع المناخ، حيث أشار إلى أن 16% فقط من التمويل المناخي المحلي والدولي في الاقتصادات النامية، باستثناء الصين، يُوجه لهذه الأنشطة، معتبرًا أن هذه النسبة ضئيلة جدًّا. وأوضح التقرير أن 98% من هذا التمويل إما من موارد عامة أو من تمويل جهات رسمية، مما يشير إلى الحاجة الماسة لزيادة قروض البنوك الموجهة لهذه الأنشطة. كما أكد التقرير أهمية توسع أسواق رأس المال والتأمين في هذه الاقتصادات لتوفير التمويل الضروري للبنية التحتية الحيوية القادرة على مواجهة تغير المناخ.

وفيما يتعلق بتعزيز الاستقرار المالي، سلَّط التقرير الضوء على تفاوت استقرار القطاعات المالية في الدول النامية، واستدل التقرير بتحليل تم إجراؤه على 50 دولة نامية للإشارة إلى بعض التحديات التي ستواجه القطاع المالي في الدول النامية خلال الفترة المقبلة، مناديًا بالحاجة الملحة لإطار ملائم للسياسات العامة والقدرات المؤسسية اللازمة لمواجهة هذه التحديات.

وأشار مركز المعلومات في ختام التقرير إلى تقديم البنك الدولي مجموعة من التوصيات للدول النامية، أبرزها ضرورة الإسراع بتنفيذ الإجراءات الخاصة بتقوية هوامش الأمان المصرفية، وتفعيل شبكات الأمان المالي، وإجراء اختبارات تحمل الضغوط بشكل دوري.

وأوصى التقرير بتطبيق مجموعة متنوعة من الأدوات الأساسية، بما في ذلك آليات إدارة الأزمات المصرفية المشتركة بين البنوك والهيئات المصرفية، والتفعيل الكامل لمساعدات السيولة الطارئة، وتطوير أطر تسوية الأوضاع المصرفية.

وأكد التقرير أهمية توفير التمويل الكافي للتأمين على الودائع، للحد من احتمالية حدوث ضغوط مالية قد تؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد بشكل عام.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: الدول المتقدمة مسئولة عن توفير التمويل لمواجهة التغيرات المناخية
  • حقول المستقبل الذكية تقاوم هبات التهديدات المناخية
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • سودانيون يوثقون رحلة نزوحهم الصعبة من ولاية الجزيرة
  • " التغيرات المناخية وتأثيرها على التنمية المستدامة " فى منشأة رحمي بالفـيوم
  • "سفراء المناخ" تختتم فعاليات COP 29 بمنتدى العدالة المناخية والتمويل الجديد
  • وزير الدفاع يشدد على رفع الجاهزية لحفظ الأمن في حضرموت
  • ريال مدريد عينه على "الصفقة الصعبة"
  • تقرير البنك الدولي بشأن الدور المحوري للقطاع المصرفي في تمويل الأنشطة المناخية
  • ندوة عن التغيرات المناخية ودعم المشروعات الخضراء الذكية بمجمع إعلام السويس