وكيل الأزهر: الإسلام من أعدل المناهج لتحقيق التعارف والتواصل وخدمة الإنسانية
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
قال الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن السلام غاية الوجود، فلا يتصور أن يكون للحياة معنى بلا سلام، ولا يتصور أن يكون للإيمان معنى بلا سلام، موضحا أن مصر قد عرفت السلام والإيمان والتسامح منذ القدم، حيث عاش المصريون القدماء منذ آلاف السنين على ترابها وكانوا يعتقدون أن المجتمع المثالي على الأرض صورة مطابقة للنظام السماوي الأعلى، فكان ملوكهم يحرصون على إقامة السلام والعدل بين الرعية، وقد ورثت الديار المصرية إلى يومنا هذا السلم والسلام والأمن والأمان والتسامح والتعايش، وقدمت أنموذجا يتحذى في التعايش السلمي بين أبناء الوطن، في ظل مواطنة حقيقية راقية، تضمن للجميع حياة آمنة مستقرة.
وأوضح الضويني خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «الثقافية الإعلامية والمعلوماتية»، بجامعة الدول العربية، أن ثقافة السلام والتسامح التي تحيا بها بلادنا هي فضيلة إسلامة إنسانية بامتياز، حث عليها وحي السماء، وغرسها في نفوس البشر وضمائرهم من أجل التخلي عن الأمراض الاجتماعية، والنفسية والثقافية، كالكراهية والحقد والعنف وغيرها من الأمراض التي تترك آثارا هدامة في حياة الأفراد والمجتمعات، لافتا أن السلام والتسامح قد حظيا في الشرائع بقسط وافر من النصوص، فما من دين عرفته البشرية إلا ورسالته تحمل السلام والمحبة والعفو، ولو أن أتباع الوحي سلموا قوادهم لنصوصه الواضحة لما خشي أحد على نفسه ولو نام بين ترسانة سلاح، وما خشي على ماله ولو كان ملقى في عرض الطريق، ولكن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس ممن يدينون بدين سماوي، ومما لا يدينون بدين أيضا، يفتقدون الأمن والسلام، وتشوب حياتهم مظاهر خوف وفزع، وكأن أوامر السماء وتوجيهات الأنبياء والمرسلين والمصلحين، تتردد في عالم غير عالمنا، يخاطب بها غيرنا.
وأكد وكيل الأزهر أن السلام والتسامح ضمانة حقيقية لاستقرار الأمم والشعوب ورقي المجتمعات ونهضتها، وتكاد الشرائع السماوية تتفق في الدعوة إلى الأخلاق ورفض الأفكار والأفعال البشرية المنحرفة، ليس فقط في العناوين العامة، وإنما تكاد تتفق في الألفاظ، ولا غرابة في ذلك، فالله وحده هو الذي شرع القيم والفضائل، وإن اختلفت ألسنة الأنبياء والمرسلين لا فتا أن الناظر بتأن فيما تضمنته تعاليم الملل الأخرى يجد بابا كبيرا للسلام والتسامح فيها، مما يؤكد أن السلام هو الأصل وأن التسامح بين البشرية مطلب ديني إنساني نبيل أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفطرة الإنسانية السوية، وأوجبته النشأة الاجتماعية وفرضته المجتمعات المتحضرة.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن روح السلام والتسامح تسري في ملل الأرض التي تعلي من شأن هذه المعاني النبيلة، لا يختلف عنها في ذلك إلا ملة منحرفة أو تطبيق أعوج، وأما في الإسلام فقد تعددت نصوص القرآن والسنة، مضيفا أن وثيقة المدينة قدمت دليلا عمليا يشرح كيف أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الجديد على تأكيد السلام والتعايش السلمي والتسامح والتعاون بين أبناء المجتمع، فكانت وثيقة المدينة دستورا ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد مع اختلاف أعراقهم وعقائدهم وتوجهاتهم، على أساس متين من المواطنة التي تقيم فيهم العدل وتحفظ عليهم الأمن وتحمي الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي.
وبين الدكتور محمد الضويني أن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم لم يقف بالسلام والتسامح عند حد التنظير، وإنما نقله إلى واقع حين دعا في آياته إلى العفو والصفح وجعل مكافئة أهل التسامح أن ينيلهم عفو الله مغفرته، قال تعالى: "إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا"، وقال عز وجل: " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"، ونقله إلى واقع حين ربى أتباعه من خلال تعاليمه على قبول الخلاف والتعددية في الحراك العلمي، وهذه الجملة المأثورة عن العلماء والفقهاء ناطقة بذلك، فقد كانوا يقولون "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، مشددا أن الإسلام قد نقله إلى واقع حين جعل الإيمان بجميع الأنبياء السابقين ركنا من أركان العقيدة، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم" بل دعا إلى التواصل الفعال مع أتباعهم ما دامت السماحة حاكمة، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، وبهذا السلام والتسامح البناء، يشهد التاريخ الإسلامي، فكم من دولة وخلافة وإمارة وحكومة عاش فيها جنبا إلى جنب مسلمون وغير مسلمين، والأمثلة كثيرة.
واختتم أ. د/ محمد الضويني وكيل الأزهر بأن من حق هذا البلد الطيب أن نصون أرضه وأن نسعى في ترجمة مبادراته الطيبة إلى واقع عملي، وأن نعمل على تعميمها ونشرها في كل ربوع العالم، فهذا هو المحك الحقيقي الذي يفرق به بين الصدق والكذب في حوار الحضارات والتقائها، في الوقت الذي تقوم فيه دول وأجهزة بتجزئة قيم التواصل والتعايش والتسامح، والكيل فيها لا بمكيال واحد ولا بمكيالين، بل بعدة مكاييل، فتمنح من حقوق الإنسان وتمنع منها حسب اللون والجنسية وغير ذلك من معايير مصطنعة تأباها الفطر السليمة والعقول المستقيمة، فضلا عن الأديان، مشيرا إلا أننا وإذ نشكر هذه التوجهات التي تشتد حاجة العالم المعاصر إليها، فإننا نؤكد أن الإسلام من أعدل المناهج لتحقيق التعارف والتواصل، وأن الإسلام يدعم التعايش بين مكونات المجتمع ويهدف إلى خدمة الإنسانية وتحقيق مصالح البشرية ونؤكد في الوقت نفسه أن السلام والتسامح الحقيقي لا يعني أبدا التفريط في الحقوق ولا الاعتداء على الخصوصيات ولا مسخ الهويات ولا الإساءة إلى المعتقدات ولا انتهاك حقوق المستضعفين ولا تشويه التاريخ والحقائق، وأن التسامح يمشي على ساقين لا على ساق واحدة، ويرى بعينين لا بعين واحدة، والتسامح الذي نبذله لغيرنا لا بد أن يقابله تسامح يبذله غيره لنا، وإلا استحال الأمر تخاذلا وهوانا.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: وكيل الأزهر الاسلام الدول العربية مواطنة المصريون القدماء في التعايش السلام والمحبة السلام والتسامح وکیل الأزهر أن الإسلام أن السلام إلى واقع
إقرأ أيضاً:
عضو الأكاديمية الصينية يشيد بدور وزارة الأوقاف في تعزيز السلام والتسامح
استقبلت قيادات وزارة الأوقاف ممثلة في الشيخ خالد خضر، رئيس القطاع الديني بالوزارة، والدكتور طارق عبد الحميد، رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير، والدكتور أسامة رسلان، المتحدث الرسمي لوزارة الأوقاف، شينغ قوانغتشنغ، عضو الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، رئيس مؤسسة الدراسات الصينية للأراضي الحدودية، والوفد المرافق له، لبحث أوجه التعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والمؤسسات الصينية، وتعزيز المشاركة في المنتديات العلمية المشتركة.
ترسيخ الفكر الوسطيضم الوفد الصيني كلًّا من: وانغ يانون، نائب المدير بمكتب الإعلام بمجلس الدولة الصينية؛ وتشانغ تشنيا، كادر بمكتب الإعلام بمجلس الدولة الصينية؛ وجي قوانغنان، عضو بمعهد البحوث الثقافية والتاريخية بشينجيانغ؛ وتورسون آياي، أستاذ مساعد بكلية الإعلام بجامعة شينجيانغ؛ وعبد الرحيم إسلام، الإمام الصيني بشينجيانغ؛ وما تشنغ، المستشارة السياسية بالسفارة الصينية؛ ودو بنغيوه، الملحقة بالسفارة الصينية.
بدأ اللقاء بترحيب الدكتور أسامة رسلان بالوفد الصيني، مشيدًا بأهمية التعاون الثقافي والديني بين البلدين، كما نقل تحيات معالي وزير الأوقاف إلى الوفد، مؤكدًا حرص الوزارة على تعزيز التواصل مع مختلف المؤسسات الدولية في إطار رسالتها لنشر الفكر الوسطي المستنير.
واستعرض الجانب الصيني أهم جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية في منطقة شينجيانغ خصوصًا وفي الصين عمومًا؛ مع الإشارة إلى أن حرية الاعتقاد وممارسة العبادة مكفولة لكل المواطنين بنص الدستور الصيني.
فيما أعرب عضو الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، عن تقديره لوزير الأوقاف المصري، مشيدًا بدور الوزارة في تعزيز قيم السلام والتسامح والحوار بين الأمم، كما أعرب الجانب الصيني عن تطلعه إلى الاستفادة من التجربة المصرية في تحقيق الوئام الاجتماعي ومكافحة التطرف وترسيخ المواطنة.
وأعقب ذلك تبادل الرؤى ووجهات النظر حول آفاق التعاون الممكنة على مستوى المنح الدراسية والتدريب والإصدارات وغيرها من أجل التوسع في التعاون الثقافي بعد ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
واستعرض الجانبان الجهود المبذولة في ترسيخ الفكر الوسطي في الصين من خلال مؤسساتها الوطنية، وأكد الطرفان أهمية تعظيم التعاون في المجالات العلمية والثقافية والدينية، بما يعزز قيم التعايش المشترك.
وأوضح قيادات الوزارة أن مصر دولة المواطنة الكاملة التي إذا اقترنت بالوعي الرشيد أصبحت درعًا للوطن من كل المهددات والأخطار، وأن التنوع إرادة الله في أرضه، وينبغي اعتبار التنوع من أسباب القوة والتماسك في الدول، مستشهدين بمصر وتجربتها في العناية بدور العبادة على صعيد الإنشاء والإعمار المادي والروحي، وأن التراكم الحضاري المصري قد جعل من مصر نموذجًا يحتذى في التسامح والانفتاح كما أشاد بذلك الوفد الصيني.
نشر الفكر الوسطيوفي ختام اللقاء، أعرب الوفد الصيني عن إعجابه بالنهضة التنموية المتحققة في مصر، وعن اهتمام الصينيين بالحضارة المصرية القديمة، وعن رغبتهم في تكرار الزيارة إلى مصر وتطلعهم إلى تبادل الزيارات الرسمية واستقبال وفد من الوزارة للصلاة في المساجد في الصين والتجول في مناطقها الأثرية المتنوعة حضاريًا.
وأهدت قيادات الوزارة إلى الوفد الصيني نسخًا من كتاب الوزير «الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين» باللغة الصينية، تأكيدًا لحرص الوزارة على نشر الفكر الوسطي، وتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة، وبيان المنهج العلمي في الرصد والتحليل والتفنيد لكل مزاعم التطرف وحجج المتطرفين.