موقع النيلين:
2025-02-02@04:31:20 GMT

التصور الإسلامي للاجتماع الإنساني

تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT


الإنسان هو الوحدة الأساسية التي تقوم عليها الحياة البشرية في كوكب الارض. وهو العنصر الذي تلقى تكليفه المباشر من خالقه اذ علمه العلوم ومصادرها ومنحه العقل القادر على استنباط المعارف وتطويرها وترك له مطلق الحرية في الانتظام مع مخلوقات الكون الأخرى وسخر له مخلوقات الارض ليسخرها وفقا للنواميس التي أودعها المولى فيها فيتبارك سعيه وتنمو عمارته للأرض ويصبح اثره his foot print نماء وحضارة.

– ومن بين قواعد الانتظام مع نواميس مخلوقات الارض والكون حوله، فصل المولى الهدي في علاقة الإنسان باخيه الإنسان وأوضح له قواعد علاقته مع الوحدات البشرية التي قد يجد نفسه فيها او تلك التي يدرك حاجته إلى تطويرها لتعظيم كسبه.

– فالإنسان يولد في وحدة بشرية هي الاسرة والده ووالدته ( وان جاهداك على ان تشرك بي شيئا …). والانسان يولد في عائلة ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون ايهم اقرب إليكم رحما ) والانسان يجد نفسه منتسبا إلى قبيلة ( أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ).

– وخلال هذه الوحدات البشرية بين المولى للإنسان قواعد التوالي والانتظام في علاقة لا تمس أصول تكليفه فلا تنتقص من حريته وحقوقه ولا تلغي شيئا من واجباته وتكاليفه الممنوحة له او المكلف بها من خالقه. بل جعل الانتظام في هذه العلاقات الرحمية سبيلا إلى تعزيز الإنسان كوحدة اساسية مستقلة مكتملة الخصائص.

– وبذات الخصائص والحقوق والحريات والواجبات ينتقل الإنسان إلى الانتظام في علاقة اوسع هي علاقته باخيه الإنسان الذي لا تربطه به علاقة رحمية قريبة. وبالطبع فان الجغرافيا تلعب دورا في تقريب الإنسان إلى أخيه الإنسان الاخر لكنها ليست العامل الحاسم المطلق او كما عبر الشاعر :
– على ان قرب الدار ليس بنافع
– إذا كان من تهواه ليس بذي ود

– او كما عبر القران ( يا ايها الذين آمنوا ان من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )

– فخلال جميع هذه الدرجات من وشائج العلاقة الإنسانية، حرص المولى على صيانة استقلالية الانسان كوحدة اساس للاجتماع البشري. ذلك لان سلامة هذه الوحدة الأساسية في بناء الاجتماع البشري تجعل البنيان كله سليما مثل قطع الطوب السليمة تجعل البناء كله سليم.

– والقاعدة الأساسية هنا أن جميع وحدات الاجتماع البشري التي تبدا بالاسرة وتنتهي بالامة والبشرية لا تقوم فوق الإنسان كسقف يحجب عنه خالقه ويقطع عنه مصدر تكاليفه او حقوقه او حرياته. واذا حدث ذلك فالإنسان مامور بهجران كيان الاجتماع البشري هذا هجرة إلى الله ( فلا تطعهما ..) ( الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها )

– وكما انه لا يجوز للإنسان التنازل عن حقوقه وحرياته او نقل تكاليفه إلى والديه او ابنائه او ترجيح علاقته بقبيلته وعشيرته على علاقته المباشرة مع ربه، فانه لا يجوز للإنسان التنازل عن حرياته وحقوقه وتكاليفه لسلطة اعلى من الاسرة والقبيلة والعشيرة تقوم فوقه فتحتكر دونه بعض وظايف الحياة التي كلفه المولى بأدائها من ذروة الجهاد ( حتى لا تكون فتنة) اي حتى لا تقوم قوة او سلطة تمنع أخيه الانسآن في اي مكان يستطيع هو الوصول اليه من التمتع بحرياته او القيام بواجباته. فالقتال ليس فقط دفاعا عن ارض او عرض او مال وان كانت هذه كلها مقدمة بالطبع ، ولكن القتال والجهاد في الإسلام دفعا لفتنة الانسان عن فطرته التي فطره الله عليها.

– ولا يجوز للإنسان كذلك التنازل عن واجباته في الرعاية الاجتماعية لاخيه الانسان لصالح سلطة اسرية او عشائرية او سياسية، فالقوانين والنظم التي تحكم تكليف الانسان بالرعاية الاجتماعية دقيقة جدا وبعضها مفصل تفصيل شديد من الخالق نفسه ولا سبيل إلى نقلها إلى جهة اخرى.

– بهذا المفهوم فان الانسان كوحدة اساس يشارك في تاسيس وجوده داخل كيانات الاجتماع الانساني والبشري مشاركة متساوية حرة كاملة. وأيما كيان من هذه الكيانات يتاسس بمعزل عن مساهمة الانسان فيه بحرية كاملة فهو كيان باطل. وأيما كيان من كيانات الاجتماع البشري يدعي الحق في احتكار حريات او حقوق او تكاليف الانسان ومن ثم منحه منها ما يراه ذلك الكيان ، فهو كيان باطل !!

– فالأسرة ليست مستودع الحقوق الذي يحتاج الانسان إلى تصاديق ليصرف منها حقوقه ، والعشيرة ليست مخزن الحريات الذي يشتري منه الانسان حرياته ، والدولة ليست الكيان الذي ينوب عن الانسان في اداء تكاليفه إلا بالقدر الذي تسمح به تعاليم التكاليف كما اصدرتها الجهة صاحبة التكليف وهي الخالق.

– هذا هو النظام الذي تتاسس عليه قواعد واصول التعاقد الاجتماعي في الإسلام وكما هو معلوم فهو نظام سابق بملايين السنين والقرون لجان جاك روسو وجون لوك وهوبز وغيرهم من الذين نقلوا في كثير من عناصر فكرهم من مساهمات علماء العالم العربي والإسلامي.
– التاريخ البشري لم يبدا حينما انتبهت أوروبا من غفوتها على طريقة ( قام من نومه لقى كومه) فوجدت ان الإسلام قد اكمل للناس دينهم واتم عليهم نعمته فانطلقت جحافلهم تعمر الارض بالمعرفة والعلوم وتخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .

صديق محمد عثمان

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

دعما للعمل الإنساني للعام 2025

لقد مرَّت العديد من بلدان العالم بالكثير من الأزمات والصراعات السياسية التي انعكست آثارها على المجتمعات الإنسانية؛ فالمعاناة التي يكابدها الشعب الفلسطيني في غزة، ومعاناة السودان، وأوكرانيا وغيرها، وما صنعته تلك الاعتداءات التي اتسمت بالضراوة والقسوة، من قتل وتشريد وتخريب للممتلكات الخاصة والعامة، وما أحدثته من دمار في البُنى التحتية للبلدان، وأضرار في البيئة عموما، وما تعرَّض له الناس وخاصة الفئات الأكثر هشاشة في تلك المجتمعات من أضرار صحية وعنف نفسي، سيكون له الأثر البالغ في المستقبل إلى المدى البعيد.

إن تلك الأضرار والتخريب والدمار، تقدِّم صورة مؤسفة من صور الأزمات الإنسانية التي تجعل ملايين الأطفال في العالم يعيشون في مناطق نزاع مضطربة أو يفرون منها ليكونوا لاجئين في أماكن غير مؤهلة للحياة، ناهيك عما تُحدثه الكوارث الطبيعية (الأعاصير، والفيضانات، والجفاف، والحرائق، وموجات الحر وغيرها)، من أضرار ودمار وتهجير؛ فبحسب تقرير الأمم المتحدة (لمحة عامة عن العمل الإنساني العالمي 2025)، أن استمرار هذه الكوارث يؤدي إلى (انخفاض معدلات التطعيم، وتدهور التعليم، وارتفاع معدلات وفيات الأمهات، وازدياد انتشار شبح المجاعة).

يكشف لنا تقرير الأمم المتحدة أن (305) ملايين شخص حول العالم سيحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والحماية (بشكل عاجل) خلال العام 2025، خاصة في ظل تفاقم الأزمات السياسية حول العالم؛ ففي السودان ما يقرب من 35% من إجمالي المحتاجين للمساعدة، تليها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث يحتاج 59 مليون شخص إلى المساعدة، من بينهم 33 مليون في سوريا، وفلسطين، ولبنان. إن هذه الأرقام المتصاعدة تزداد كلما استمرت تلك الأزمات والصراعات، فلقد (كان عام 2024 من أكثر الأعوام قسوة في التاريخ الحديث بالنسبة للمدنيين العالقين في النزاعات، وقد يكون عام 2025 أسوأ من ذلك إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة)- حسب التقرير.

إن الصراعات السياسية أسهمت بشكل مباشر في النزوح القسري وما تبعه من أزمات إنسانية حادة، إضافة إلى أزمة في الأمن الغذائي والصحي؛ إذ تؤثر على حوالي (280) مليون شخص يوميا مع عدم قدرة المجتمعات التي تعاني تلك الصراعات على إنتاج الغذاء في ظل صراعات العنف والنزوح، إضافة إلى ذلك فإن عدم احترام المواثيق الدولية الخاصة بالقوانين الإنسانية أدى إلى الانتهاكات الجسمية خاصة للأطفال والنساء، الأمر الذي كان بمثابة كارثة إنسانية على المستوى العام خاصة في مناطق النزاعات المسلَّحة التي تتجاهل القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

يخبرنا تقرير الأمم المتحدة أيضا أنه من بين الأزمات الإنسانية تلك المتعلِّقة بحالات الطوارئ المناخية العالمية؛ حيث يتجاوز العالم مستوى 1.5 درجة مئوية من متوسط الحرارة مما (يُنذر بدق ناقوس الخطر)، مع تزايد حدوث الكوارث وشدتها وما يتبعها من دمار إنساني وبيئي يطال أرواح ملايين الناس، ويؤثر على سبل عيشهم، وقدرتهم على الاستقرار؛ فلقد كان العام 2024 (العام الأشد حرا على الإطلاق) -حسب التقرير- الأمر الذي تسبَّب في نزوح ما يقارب (26.4) مليون شخص حول العالم، نتيجة للأعاصير وحالات الجفاف المدمرة، وتفاقم أزمات الأمن الغذائي وغير ذلك.

إن الأزمات الاقتصادية والكوارث البيئية، والصراعات السياسية المسلحة، وغيرها، تنعكس آثارها على الحياة الإنسانية، وقدرة المجتمعات على الاستقرار وتحقيق العيش الكريم، ولهذا فإن العالم يحتاج دوما إلى تعزيز أنماط العمل الإنساني الداعم للمجتمعات، وتأكيد أهمية الحفاظ على الحقوق الإنسانية وحمايتها بما يضمن الحياة الكريمة، ويؤسِّس لمجتمعات قائمة على الإخاء والمحبة والسلام، ولأننا نعيش في كون واحد فإن هذه المسؤولية تقع على عاتق دول العالم كلها، في تكاتفها وقدرتها على دعم العمل الإنساني والعطاء باعتبارهما أولوية إنسانية ملحَّة.

ولعل اعتماد الرابع من فبراير من كل عام يوما دوليا للأخوة الإنسانية، يمثِّل رمزا مهما للتذكير بأهمية العمل الإنساني والمساهمة في التوعية بتعزيز آفاق التسامح والحوار والتعاون من ناحية، واحترام الحياة الإنسانية وإنهاء العنف، واحترام المواثيق الإنسانية الدولية من ناحية ثانية، وتقديم الدعم والتكافل الاجتماعي للدول التي تعاني من أزمات إنسانية من ناحية ثالثة. إنها دعوة للسلام ونبذ الحروب والعنف والدمار، وبناء ركائز الحوار والإيجابية والتشارك، القائم على حلِّ النزاعات عبر التفاهم المشترك.

إن رسالة اليوم الدولي للأخوة الإنسانية تقوم على ترسيخ العمل الإنساني الذي يكون فيه السلام والعمل الإيجابي الطوعي بديلا للعنف والصراع، والفرقة بين الأمم؛ وكما شهد العالم صراعات ونزاعات وكوارث، شهد في مقابل ذلك مواقف إنسانية مشرِّفة قدمتها العديد من الدول، سواء من خلال المواقف الداعية إلى السلام ونبذ الحروب والاعتداءات والإبادات الإنسانية التي حدثت خلال العام المنصرف خاصة في فلسطين، أو في دعم الدول المنكوبة، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، التي تهدف إلى التخفيف من آثار تلك الكوارث والأزمات، وتحاول حماية حياة الناس وصون حقوقهم الإنسانية.

ومن تلك الدول كانت عُمان، التي عُرفت بمواقفها المشرِّفة الداعمة للسلام والمحبة والإخاء، ونبذ العنف والصراعات السياسية المسلَّحة؛ فقد كانت لها مواقف معروفة وراسخة سواء في دعمها للقضية الفلسطينية وإدانة الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني، أو في إدانتها لكل الاعتداءات التي حدثت في لبنان وسوريا واليمن والسودان وغيرها، وهي مواقف تنم عن مبادئها الراسخة التي لا تحيد عنها في سياساتها الخارجية القائمة على الحوار وحسن الجوار والتفاهم والدعوة إلى السلام.

إن عُمان في مواقفها الإنسانية كلها تعتمد سياسة واضحة تدين الاعتداءات أينما كانت في العالم، انطلاقا من المفهوم الإنساني الذي يحترم الإنسان ويصون كرامته وحقوقه، وتدعو دوما للتفاهم والحوار وحل النزاعات؛ ولعل وساطتها في حل الأزمة اليمنية لخير دليل على ذلك، إضافة إلى الجهود الكبرى التي قدمتها في الملف النووي الإيراني بين أمريكا وإيران، ودورها الإقليمي المهم الذي يعوِّل عليه الكثير من دول العالم، في حل العديد من النزاعات أو التحديات التي تمر على المنطقة.

لقد قدَّمت عُمان وما زالت دورا مهما ليس في إرساء مفاهيم السلام والحوار وحسب، بل أيضا في الدور الإنساني الداعم للشعوب المنكوبة من خلال المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية وغيرها، فما تقوم به الهيئة العمانية للأعمال الخيرية في فلسطين، واليمن، وسوريا، وأفريقيا وغيرها، وما تقدمه الجمعيات الخيرية الأهلية المنتشرة في ربوع عُمان، يقوم على مبدأ الإخاء الإنساني، والمسؤولية المشتركة التي تعزِّز مبادئ التعاون والدعم الإنساني المنطلق من حماية كرامة الإنسان وصونها.

إن تلك المبادئ الراسخة قامت عليها عُمان منذ القدم، والتي يرسِّخها الوعي الشعبي الكبير، الذي يظهر من خلال التكاتف والتعاون الجماهيري من قِبل المجتمع العماني، فما من دعوة إلى دعم شعب من شعوب العالم إلَّا ويهب العمانيون من أجل العطاء والبذل، أملا في تخفيف حدة تلك الكوارث والأزمات الإنسانية. إنه شعب تربَّى على فكر العطاء والتعاون والمشاركة، وتشرَّب مفاهيم السلام والحوار والتفاهم.

فعُمان بمبادئها الراسخة والثابتة ودعمها الإنساني وعطائها المستمر، ومواقفها المشرِّفة التي لا تحيد عن الدعوة إلى السلام والحوار والتفاهم بما يبني المجتمعات، ويؤسِّس دواعم التعاون والمشاركة، تقدِّم نموذجا للعمل الإنساني الذي يُشار إليه بالبنان إقليميا وعالميا، لذا فإن واجبنا جميعا دعم تلك المبادئ وتعزيز دورها في العطاء الإنساني المشترك، وتقديم جل ما نستطيعه من أجل المساهمة في حماية كرامة الإنسان وصونها باعتبارنا جزءا من هذا العالم، وعلينا مسؤولية المشاركة الفاعلة والتعاون البنَّاء، ليس ماديا وحسب بل أيضا توعيةً وتوجيهًا؛ فكلنا سفراء محبة وسلام باسم عُمان.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • دعما للعمل الإنساني للعام 2025
  • عاجل | بيان مشترك للاجتماع السداسي العربي بالقاهرة: تأكيد على رفض تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم تحت أي ظرف
  • بيان مشترك للاجتماع العربي الوزاري بالقاهرة بشأن فلسطين ‏ورفض التهجير
  • مساعدات مصرية مستمرة لتحسين الوضع الإنساني والصحي في غزة
  • استمرار دخول المساعدات المصرية إلى غزة عبر معبر رفح لتحسين الوضع الإنساني
  • في لقاء مع صابري.. صناع النسيج والألبسة ينخرطون في ورش المنصة الرقمية التي تعدها كتابة الدولة المكلفة بالشغل
  • جامعة الحديدة تحصد المركز الثالث في المسابقات العلمية للجامعات اليمنية بتخصص الطب البشري
  • مناقشة الصُّعوبات التي تُواجه الطلاب «ذوِي الإعاقة» خلال الامتحانات
  • النفس بين الفضائل والرذائل ندوة لخريجي الأزهر بالغربية
  • وزارة العمل تشارك مع الوفد المصري في الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الانسان بجنيف