صدى البلد:
2025-03-15@03:35:05 GMT

أحمد ياسر يكتب: حرب الظل

تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT

لعقود من الزمن، ظلت إيران وإسرائيل متورطتين في ما يوصف غالبا بأنه "حرب الظل"، التي تنطوي على وكلاء، وهجمات سيبرانية، وعقوبات اقتصادية، وخطاب عدواني بدلا من المواجهة العسكرية المباشرة، ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة، مثل القصف الإسرائيلي المفترض على نطاق واسع للقنصلية الإيرانية في سوريا، أدت إلى تفاقم التوترات بشكل كبير.

 وشكلت هذه العملية، التي أسفرت عن خسائر عسكرية إيرانية كبيرة، عتبة جديدة في الصراع، ويمثل الهجوم الصاروخي المباشر الذي شنته إيران لاحقًا على الأراضي الإسرائيلية في 13 أبريل 2024 تحولًا كبيرًا، مما يدل على استعداد طهران للانخراط بشكل أكثر صراحة وحزمًا.

تتمتع حرب الظل بين إيران وإسرائيل بتاريخ معقد، غارق في عوامل دينية وإقليمية وجيوسياسية. فإيران، وهي دولة إسلامية ذات أغلبية شيعية، تنظر إلى إسرائيل باعتبارها غازياً غير شرعي للدول الإسلامية، في حين تنظر إسرائيل إلى إيران باعتبارها تهديداً بسبب دعمها للجماعات المسلحة وطموحاتها النووية، وقد أدت هذه الكراهية المتبادلة إلى عدد من الصراعات والحروب بالوكالة على مر السنين.

كما أنه يسلط الضوء على الطبيعة المعقدة للديناميكيات الإقليمية، فضلاً عن المصالح المتنافسة لمختلف الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، ولطالما شعرت إسرائيل بالقلق إزاء دعم إيران للجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس، وهو ما تعتبره تهديدًا مباشرًا لأمنها.

ومن ناحية أخرى، ترى إيران أن دعمها لهذه الجماعات هو جزء من استراتيجية أكبر لمعارضة الهيمنة الإسرائيلية والغربية في المنطقة، وقد غذت هذه الديناميكية دائرة من التصعيد والانتقام، مما يجعل من الصعب الحفاظ على السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.

 إن فهم هذه التعقيدات أمر بالغ الأهمية لإيجاد حلول طويلة الأمد للصراع الإيراني الإسرائيلي ومعالجة الأسباب الجذرية الأساسية للصراعات في الشرق الأوسط.

ويمكن إرجاع هذا الخلاف إلى الهجوم الإسرائيلي على المجمع الدبلوماسي الإيراني في سوريا، ورأت إيران في ذلك انتهاكا مباشرا لسيادتها، مما دفعها إلى توجيه ضربة انتقامية إلى إسرائيل.

وهذا التصاعد في التوترات له تداعيات خطيرة على الجانبين وعلى المنطقة ككل، بالنسبة لإسرائيل، تشير التطورات الأخيرة إلى التهديد المتزايد الذي تشكله إيران وحلفاؤها، وكان الهجوم الإسرائيلي على المقر الدبلوماسي الإيراني في سوريا خطأً فادحاً، أدى إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

بالنسبة لإيران، يعتبر التصعيد اختبارا لمصداقيتها وقدرتها على الردع.

وتتأثر المنطقة الأوسع أيضا، مع احتمال امتداد الصراع إلى البلدان المجاورة وزيادة زعزعة استقرار المنطقة المضطربة بالفعل.

إن الخطر الأساسي الذي يواجه إسرائيل والولايات المتحدة حالياً هو أن الأزمة تتوسع إلى ما هو أبعد من حدودهما، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية لتجنب التصعيد، فقد أظهر النزاع بالفعل إمكانية انتقال العدوى.

إن اختيار حزب الله عدم استخدام ترسانته من الصواريخ الثقيلة خلال الضربة الإيرانية يشير إلى وجود فرصة ضئيلة لمنع الوضع من التدهور.

كما أثار التصعيد تساؤلات حول دور الدول غير الأطراف في المنطقة، وقد راقبت الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لإسرائيل، الوضع عن كثب وأكدت دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس.

 وعلى الرغم من دعمها العسكري، فإن الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ محدود في إسرائيل، كما يتضح من افتقارها إلى المعرفة السابقة بالضربة الإسرائيلية على المنشأة الدبلوماسية الإيرانية في سوريا، وهذا يسلط الضوء على مدى تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة، فضلا عن المشاكل التي تواجهها الجهات الفاعلة الخارجية في إدارة الحرب.

علاوة على ذلك، فإن للتصعيد عواقب على منطقة الشرق الأوسط برمتها، إن الحرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل، والتي تصاعدت الآن إلى معركة أكثر خطورة ومباشرة، ليست سوى واحدة من عدة توترات وتنافسات في منطقة تعاني بالفعل من انعدام الأمن والعنف.

ومن الممكن أن يؤدي تصعيد هذه الحرب إلى زيادة التوترات القائمة وإشعال صراع إقليمي أكبر، ولمنع المزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي، يجب على جميع الأطراف المشاركة أن تتحلى بضبط النفس وأن تسعى إلى إيجاد حلول سلمية.

يمثل هذا التصعيد الخطير لحظة فاصلة في نزاعهما الطويل الأمد، مما يشير إلى التحول من المواجهات السرية إلى المواجهات المباشرة، ويؤكد هذا التغيير على الطبيعة المتقلبة للمنطقة والتفاعل المعقد بين المصالح الجيوسياسية.

ومع تطور الوضع، يجب على جميع أصحاب المصلحة إعطاء الأولوية للمناقشة والدبلوماسية لتجنب المزيد من التصعيد ودعم الاستقرار الإقليمي.

إن العقبات هائلة، ولكن المخاطر أعلى؛ ولن يتسنى بناء الطريق إلى السلام الطويل الأمد في الشرق الأوسط إلا من خلال الجهود الموحدة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی المنطقة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

الصراع بين الكنيسة المصرية ومخطط الشرق الأوسط الجديد

منذ العصور القديمة، كان الشرق الأوسط مركزًا دينيًا وثقافيًا شكّل هويته الفريدة.

ومع بداية الألفية الجديدة، بدأت القوى الغربية، التي تحركها الصهيونية العالمية، في تبني سياسات تهدف إلى إعادة رسم حدود المنطقة من خلال مخطط يسعى إلى طمس الهويات التاريخية العميقة التي تشكل نسيجها الثقافي والديني.

ومن بين هذه الهويات، تبرز الهوية المسيحية الشرقية، وفي قلب هذا الصراع، تقف الكنيسة المصرية كحجر عثرة أمام محاولات إعادة تشكيل مكونات الهوية الدينية والثقافية للمنطقة.

تبنت القوى الغربية المتحالفة مع الصهيونية سياسة "الفوضى الخلاقة" كوسيلة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بهدف تفكيك الأنظمة السياسية وزرع الفوضى، مما أدى إلى تصاعد الجماعات الإرهابية، وانتشار النزاعات الطائفية، وتهجير المسيحيين من العديد من دول المنطقة. وكان لهذا التدمير الممنهج أثر بعيد المدى على هوية المنطقة، حيث سعت تلك القوى إلى فرض مشروع "مسار إبراهيم" كرمز ديني ثقافي يربط بين اليهودية والمسيحية والإسلام. وتجسد ذلك في "بيت العائلة الإبراهيمي"، الذي رفضت الكنيسة المصرية الانضمام إليه، باعتباره محاولة لتكريس واقع جديد يخدم أهدافهم.

محاولة الترويج لمسار إبراهيم كمرجعية دينية وثقافية تجمع الديانات الثلاث ليست سوى وسيلة لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى"، الممتد - وفقًا لتصورهم - من النيل إلى الفرات، مستندين إلى رحلة النبي إبراهيم التي شملت عدة دول في المنطقة وصولًا إلى مصر.

يهدف هذا المشروع إلى تحقيق حلم إقامة "مملكة داوود"، استنادًا إلى الإيمان اليهودي بقدوم "المسيح الملك الأرضي"، الذي سيقيم ملكوته على الأرض ويقود "مملكة داوود".

ويتماشى هذا التصور مع الفكر المسيحي المتصهين للكنيسة البروتستانتية، التي تؤمن بمفهوم "حكم الألفية"، أي نزول المسيح في آخر الزمان لحكم العالم لمدة ألف عام. وكليهما يتفقان على أن كرسي حكم هذا الملك هو هيكل سليمان، وهو ما يتناقض تمامًا مع العقيدة المسيحية الشرقية، خاصة الكنيسة القبطية المصرية، التي ترفض هذا الفكر.

المواجهة الحقيقية بين الكنيسة المصرية والمشروع المتفق عليه بين المسيحية المتصهينة والمعتقد اليهودي تتجلى في صراع المسارات، بين "مسار إبراهيم" و"مسار العائلة المقدسة".

فوفقًا للتاريخ المسيحي، هرب السيد المسيح وأمه العذراء إلى مصر هربًا من بطش هيرودس، وتوقفت العائلة المقدسة في عدة مناطق مصرية، مما يجعل مصر نقطة محورية في تاريخ المسيحية.

هذا الأمر يتناقض مع الفكر المسيحي المتصهين والمعتقد اليهودي، اللذين يسعيان إلى ترسيخ الاعتقاد بأن القدس وحدها هي المركز الديني الأوحد وكرسي حكم "مملكة داوود" من داخل هيكل سليمان، وتهيئة الأجواء لقدوم "المسيح الملك" عبر مسار إبراهيم.

وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يتم حتى الآن تفعيل "مسار العائلة المقدسة" كحج مسيحي عالمي رغم أهميته في تاريخ المسيحية وذكره في الإنجيل المقدس؟ الإجابة تكمن في أن أصحاب مشروع "مملكة داوود" يسيطرون على شركات السياحة العالمية ويوجهونها بما يخدم مخططاتهم، كما أنهم نجحوا في اختراق عدد من المؤسسات الدينية في الغرب، مما جعل بعض الكنائس الغربية أداةً في خدمة هذا المشروع، متجاهلين الدور التاريخي لمصر في المسيحية.

الكنيسة القبطية لا تعترف بمفهوم "الملك الألفي" الذي تروج له المسيحية الصهيونية، حيث يتناقض مع الإيمان الأرثوذكسي بالمجيء الثاني للمسيح، وهو ما تم تأكيده في مجمع نيقية عام 325م ومجمع القسطنطينية عام 381م. حيث جاء في العقيدة المسيحية أن المسيح سيأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، وليس كملك أرضي يحكم العالم. كما أن الكنيسة القبطية تدحض المعتقد اليهودي الذي لا يعترف بالمسيح الذي جاء بالفعل، إذ لا يزال اليهود في انتظار "المسيح الملك الأرضي" القادم لإقامة مملكتهم.

كان للبابا شنودة الثالث بُعد نظر استراتيجي ورؤية واضحة حول المخطط الصهيوني، فاتخذ موقفًا حازمًا ضد أي تطبيع مع إسرائيل، وأصدر قرارًا تاريخيًا بمنع الأقباط من زيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن "القدس لن يدخلها الأقباط إلا مع إخوانهم المسلمين". وقد جعل هذا الموقف الكنيسة القبطية في مواجهة مباشرة مع المشروع الصهيوني الذي يسعى إلى تحقيق "مملكة داوود".

ومع تولي البابا تواضروس الثاني قيادة الكنيسة المصرية، استمرت هذه السياسة الوطنية، وبرز ذلك في مقولته الشهيرة: "وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن"، وهي رسالة قوية تؤكد أن الكنيسة المصرية لا يمكن أن تكون جزءًا من مشروع يهدف إلى طمس الهوية الوطنية المصرية.

كما لعب البابا تواضروس دورًا مهمًا في تعزيز علاقات الكنيسة بالأقباط في الخارج، ودعم دورهم كصوت وطني مدافع عن مصر في مواجهة محاولات التشويه والتأثير الخارجي. لم تقتصر مواقف البابا تواضروس على الجاليات القبطية في الخارج فقط، بل عمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة حول أوضاع الأقباط في مصر، مؤكدًا أن ما يتم الترويج له بشأن "اضطهاد الأقباط" هو مجرد افتراءات تهدف إلى زعزعة استقرار الوطن.

وقد أظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديره الكبير للكنيسة المصرية وللبابا تواضروس في عدة مناسبات، أبرزها حضوره احتفالات عيد الميلاد المجيد في الكاتدرائية، مما يعكس العلاقة القوية بين الكنيسة والدولة في مواجهة المخططات الخارجية التي تستهدف مصر وهويتها الوطنية.

مقالات مشابهة

  • لغز بلا أدلة.. رصاصة فى الظلام تنهى حياة صحفى بريطانى فى القاهرة 1977
  • «مجموعة السبع» تصدر بياناً بخصوص الأوضاع في الشرق الأوسط
  • مسوغات المواجهة بين برلمان وحكومة إيران واحتمالات التصعيد
  • الصراع بين الكنيسة المصرية ومخطط الشرق الأوسط الجديد
  • أمريكا والإرهاب في الشرق الأوسط.. اليمن نموذج لمقاومة الهيمنة والفوضى
  • معهد التخطيط القومي ودراسات الشرق الأوسط يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة في البحث العلمي
  • معهد التخطيط والقومي لدراسات الشرق الأوسط يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة
  • تمارا حداد: إسرائيل قد لا تكون قادرة على الدخول فى حرب ثانية
  • الاتحاد الأوروبي: حل الدولتين السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط
  • القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح بقيادة القطاع الأوسط والشرقي بقيادة القائد أحمد قيدوم تحركت نحو المحور الجنوبي لكنس بقايا المليشيا