قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن السلام غاية الوجود، فلا يتصور أن يكون للحياة معنى بلا سلام، ولا يتصور أن يكون للإيمان معنى بلا سلام، موضحا أن مصر قد عرفت السلام والإيمان والتسامح منذ القدم، حيث عاش المصريون القدماء منذ آلاف السنين على ترابها وكانوا يعتقدون أن المجتمع المثالي على الأرض صورة مطابقة للنظام السماوي الأعلى، فكان ملوكهم يحرصون على إقامة السلام والعدل بين الرعية، وقد ورثت الديار المصرية إلى يومنا هذا السلم والسلام والأمن والأمان والتسامح والتعايش، وقدمت أنموذجا يتحذى في التعايش السلمي بين أبناء الوطن، في ظل مواطنة حقيقية راقية، تضمن للجميع حياة آمنة مستقرة.

وأوضح خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «الثقافية الإعلامية والمعلوماتية»، بجامعة الدول العربية، أن ثقافة السلام والتسامح التي تحيا بها بلادنا هي فضيلة إسلامة إنسانية بامتياز، حث عليها وحي السماء، وغرسها في نفوس البشر وضمائرهم من أجل التخلي عن الأمراض الاجتماعية، والنفسية والثقافية، كالكراهية والحقد والعنف وغيرها من الأمراض التي تترك آثارا هدامة في حياة الأفراد والمجتمعات، لافتا أن السلام والتسامح قد حظيا في الشرائع بقسط وافر من النصوص، فما من دين عرفته البشرية إلا ورسالته تحمل السلام والمحبة والعفو، ولو أن أتباع الوحي سلموا قوادهم لنصوصه الواضحة لما خشي أحد على نفسه ولو نام بين ترسانة سلاح، و ما خشي على ماله ولو كان ملقى في عرض الطريق، ولكن الواقع يشهد أن كثيرا من الناس ممن يدينون بدين سماوي، ومما لا يدينون بدين أيضا، يفتقدون الأمن والسلام، وتشوب حياتهم مظاهر خوف وفزع، وكأن أوامر السماء وتوجيهات الأنبياء والمرسلين والمصلحين، تتردد في عالم غير عالمنا, يخاطب بها غيرنا.

الأزهر يكشف ملامح التطرف الفكري وتأثيره على صناعة القرار داخل الكيان الصهيوني

وأكد وكيل الأزهر أن السلام والتسامح ضمانة حقيقية لاستقرار الأمم والشعوب ورقي المجتمعات ونهضتها، وتكاد الشرائع السماوية تتفق في الدعوة إلى الأخلاق ورفض الأفكار والأفعال البشرية المنحرفة، ليس فقط في العناوين العامة، وإنما تكاد تتفق في الألفاظ، ولا غرابة في ذلك، فالله وحده هو الذي شرع القيم و الفضائل، وإن اختلفت ألسنة الأنبياء والمرسلين لا فتا أن الناظر بتأن فيما تضمنته تعاليم الملل الأخرى يجد بابا كبيرا للسلام والتسامح فيها، مما يؤكد أن السلام هو الأصل وأن التسامح بين البشرية مطلب ديني إنساني نبيل أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفطرة الإنسانية السوية، وأوجبته النشأة الاجتماعية وفرضته المجتمعات المتحضرة.

وأشار إلى أن روح السلام والتسامح تسري في ملل الأرض التي تعلي من شأن هذه المعاني النبيلة، لا يختلف عنها في ذلك إلا ملة منحرفة أو تطبيق أعوج، وأما في الإسلام فقد تعددت نصوص القرآن والسنة، مضيفا أن وثيقة المدينة قدمت دليلا عمليا يشرح كيف أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الجديد على تأكيد السلام والتعايش السلمي والتسامح والتعاون بين أبناء المجتمع، فكانت وثيقة المدينة دستورا ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع الجديد مع اختلاف أعراقهم وعقائدهم وتوجهاتهم، على أساس متين من المواطنة التي تقيم فيهم العدل وتحفظ عليهم الأمن وتحمي الدولة الجديدة من أي عدوان خارجي.

وبين الدكتور محمد الضويني أن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم لم يقف بالسلام والتسامح عند حد التنظير، وإنما نقله إلى واقع حين دعا في آياته إلى العفو والصفح وجعل مكافئة أهل التسامح أن ينيلهم عفو الله مغفرته، قال تعالى: "إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا"، وقال عز وجل: " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"، ونقله إلى واقع حين ربى أتباعه من خلال تعاليمه على قبول الخلاف والتعددية في الحراك العلمي، وهذه الجملة المأثورة عن العلماء والفقهاء ناطقة بذلك، فقد كانوا يقولون "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، مشددا أن الإسلام قد نقله إلى واقع حين جعل الإيمان بجميع الأنبياء السابقين ركنا من أركان العقيدة، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم" بل دعا إلى التواصل الفعال مع أتباعهم ما دامت السماحة حاكمة، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، وبهذا السلام والتسامح البناء، يشهد التاريخ الإسلامي، فكم من دولة وخلافة وإمارة وحكومة عاش فيها جنبا إلى جنب مسلمون وغير مسلمين، والأمثلة كثيرة.

واختتم فضيلته بأن من حق هذا البلد الطيب أن نصون أرضه وأن نسعى في ترجمة مبادراته الطيبة إلى واقع عملي، وأن نعمل على تعميمها ونشرها في كل ربوع العالم، فهذا هو المحك الحقيقي الذي يفرق به بين الصدق والكذب في حوار الحضارات والتقائها، في الوقت الذي تقوم فيه دول وأجهزة بتجزئة قيم التواصل والتعايش والتسامح، والكيل فيها لا بمكيال واحد ولا بمكيالين، بل بعدة مكاييل، فتمنح من حقوق الإنسان وتمنع منها بحسب اللون والجنسية وغير ذلك من معايير مصطنعة تأباها الفطر السليمة والعقول المستقيمة، فضلا عن الأديان، مشيرا إلا أننا وإذ نشكر هذه التوجهات التي تشتد حاجة العالم المعاصر إليها، فإننا نؤكد أن الإسلام من أعدل المناهج لتحقيق التعارف والتواصل، وأن الإسلام يدعم التعايش بين مكونات المجتمع ويهدف إلى خدمة الإنسانية وتحقيق مصالح البشرية ونؤكد في الوقت نفسه أن السلام والتسامح الحقيقي لا يعني أبدا التفريط في الحقوق ولا الاعتداء على الخصوصيات ولا مسخ الهويات ولا الإساءة إلى المعتقدات ولا انتهاك حقوق المستضعفين ولا تشويه التاريخ والحقائق، وأن التسامح يمشي على ساقين لا على ساق واحدة، ويرى بعينين لا بعين واحدة، والتسامح الذي نبذله لغيرنا لا بد أن يقابله تسامح يبذله غيره لنا، وإلا استحال الأمر تخاذلا وهوانا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر جامعة الدول العربية التعايش السلمي التسامح السلام والتسامح أن الإسلام أن السلام إلى واقع

إقرأ أيضاً:

حقيقية منشور خطيب الحرم المكي ياسر الدوسري.. «الأرض تتهيأ لأمر عظيم»

«يبدو أن الأرض تتهيأ لأمر عظيم».. كلمات سطّرها إمام وخطيب الحرم المكي في السعودية، ياسر الدوسري، في منشور عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، جرى تداوله على نطاق واسع، وحصد آلاف التعليقات والمشاركات وأثار جدلًا واسعًا حول طبيعة الأمر العظيم الذي تتهيأ له الأرض، فما قصته؟

حقيقية منشور الشيخ ياسر الدوسري 

الصفحة المُعرّفة للشيخ ياسر الدوسري إمام وخطيب الحرم المكي على فيس بوك، أثارت الجدل بمنشور يقول: «يبدو أن الأرض تتهيأ لأمر عظيم لا يعلمه إلا الله استعدوا للقاء الله تعالى»، لتنهال التعليقات التي تتسائل عن ماهية الأمر، في حين انقسمت التعليقات الأخرى إلى دعوات بحسن الخاتمة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُنشر فيها هذه الكلمات على الصفحة ذاتها، فـ خلال شهر مايو الماضي، جرى تداول المنشور ذاته الذي يقول: «يبدو أن الأرض تتهيأ لأمر لا يعلمه إلا الله فالتوبة التوبة، الشيخ/الحويني، من علامات يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يكثُرَ الهَرجُ وحتَّى تعودَ أرضُ العرَبِ مُروجًا وأنهارًا)».

حسابات الأئمة والخطباء على مواقع التواصل الاجتماعي

ومن خلال عملية بحث أجرتها «الوطن» عن حقيقية حساب الشيخ ياسر الدوسري عبر فيس بوك، تبين أنّ هذه الصفحة وهمية على الرغم من توثيقها بالعلامة الزرقاء، وليست صفحة إمام وخطيب الحرم المكي، ولا تُدار بواسطته، وذلك بحسب الموقع الرسمي للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

وبسبب كثرة الصفحات الموثقة بالعلامة الزرقاء والتي تحمل أسماء أئمة وخطباء الحرمين الشريفين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد وكيل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام، المشرف على مكتب رئيس الشؤون الدينية بدر آل الشيخ خلال شهر مايو الماضي؛ إنّه لا توجد حسابات للأئمة والمؤذنين بالحرمين الشريفين في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لافتًا إلى المكانة الرفيعة للأئمة والخطباء وما لهم من شرف وفضل ومكانة في نفوس المسلمين في شتى أنحاء العالم، كما شدد على ضرورة الحذر من الحسابات الوهمية أو المنتحلة التي تهدف إلى التشويش وإثارة البلبلة لأغراض مشبوهة.

كما أكد «آل الشيخ» أنّ هذه الحسابات وهمية غير رسمية، ولا تمثل أصحاب الأئمة والمؤذنين، مُحذرًا من الانسياق وراء هذه الحسابات المنتحلة، وما يُنشر فيها، مطالبًا الجميع بالتحري والتثبت، والاعتماد على الحسابات الرسمية لرئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي.

مقالات مشابهة

  • حقيقية منشور خطيب الحرم المكي ياسر الدوسري.. «الأرض تتهيأ لأمر عظيم»
  • وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية في مادة الأحياء
  • بالصور.. وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الشهادة الثانوية في مادة الأحياء
  •  شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام
  • نساء في حديث خاص لـ (الأسرة): الولاية إكمال للدين وإتمام النعمة لأمة محمد وغلبة وفلاح للموالين
  • خطيب الجامع الأزهر: العلم طريق الرقي والتقدم للأفراد والمجتمعات
  • إفتتاح مسجد الواحد الأحد بقرية الخيام بدار السلام
  • عيد الغدير.. استحضار للبلاغ التاريخي وترسيخ لمبدأ الولاية في الإسلام
  • الحث على طلب العلم وبيان أهميته ومكانته في الإسلام
  • الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم الأمة؟