هل قرر المجلس العسكري في مالي البقاء في السلطة؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
ثلاث سنوات من الحكم العسكري عاشتها مالي على وقع التوترات الداخلية والتحول في العلاقات الخارجية وإعادة التموقع في المحيط الإقليمي.
ومع وصول الجيش للحكم في مالي عام 2020، اتخذت كتلة دول غرب أفريقيا والاتحاد الاقتصادي والنقدي لحكومات المجموعة إجراءات في يناير/كانون الثاني 2021 فرضت على العسكريين تحديد موعد لانتخابات تشريعية عام 2023 ورئاسية عام 2024.
وبعد فترة من الشد والجذب، أبرزها الحرب مع الحركات الانفصالية وتوتر العلاقات مع بعض دول الجوار والجفاء مع الاتحاد الأوروبي والقطيعة مع باريس، علق العسكريون في العاشر من أبريل/نيسان الجاري أنشطة الأحزاب السياسية في مالي، وأعلنوا أن تنظيم الانتخابات وعودة السلطة للمدنيين مرهون بالاستقرار الأمني والسيادي للبلد.
ويومها، قال المتحدث باسم الحكومة العقيد عبد الله مايغا إن الحوار الوطني الذي أطلقه غوينا يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2023 أفسح المجال أمام نقاشات عميقة، ملقيا باللوم على الأحزاب السياسية.
وهذا الإجراء يضيف المزيد من القيود على المعارضة والعمل السياسي مع عودة القتال لشمال مالي، حيث يصر المجلس العسكري على استعادة قرى ومناطق كانت تخضع لسيطرة متمردي الأزواد والحركات المسلحة.
بيد أن المعارضة التي أيدت العسكر في عامهم الأول، تتهمهم حاليا بالتخطيط للبقاء في السلطة، واتخاذ الوضع في الشمال ذريعة لتكميم الأفواه وقتل الحياة السياسية.
وتحظى مآلات العملية السياسية في مالي بكثير من الاهتمام الإقليمي والدولي، إذ تشكل مساحة لتحرك الجماعات المسلحة في منطقة الصحراء والساحل، كما تعتبر باماكو عراب القطيعة مع فرنسا ونقطة انطلاق للمجالس العسكرية، التي برزت مؤخرا في المنطقة مستندة على موسكو التي تعتبرها شريكا يمكن الاعتماد عليه.
آسيمي غويتا قاد انقلابيْن متتاليين وعمل على تقويض الوجود الفرنسي في بلاده (الفرنسية) مسار الأزمةفي 18 أغسطس/آب 2020، نفذ مجموعة من العسكريين انقلابا على الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وعينوا حكومة انتقالية جديدة برئاسة باه نداو، وبعد أشهر قاد العقيد آسيمي غويتا انقلابا جديدا يوم 24 مايو/أيار 2021 واعتقل الرئيس وقيادات الحكومة المدنية.
وسرعان ما سلك الحكام العسكريون الجدد مسارا سياسيا اتضح أنه يمثل جانبا من الصراع الدولي على منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة بين فرنسا وموسكو.
ولم يكتف العسكريون بالتقرب من روسيا، وإنما قطعوا العلاقات مع باريس وطردوا قواتها التي كانت -حسب ادعائها- تشارك في "الحرب على الإرهاب" في الشمال المالي منذ عام 2013.
ووفقا لبيانات وزارة الخارجية الفرنسية، فإن باريس كانت الشريك الأهم لباماكو، إذ تحتل المركز الأول ضمن العاملين في القطاع الخاص، ولها أكثر المنشآت الاقتصادية في الأراضي المالية، وتسهم بنسبة 20% من إجمالي إيرادات الدولة.
وكانت باماكو هي النواة الرسمية لميثاق ليبتاغو غورما الموقع يوم 16 سبتمبر/أيلول 2023 بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي نتج عنه ما عرف بـ"تحالف دول الساحل" القائم على عقيدة العداء لباريس والتقرب من موسكو.
وقد انسحبت الدول الثلاث في يناير/كانون الثاني 2024 من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وبررت ذلك بأن المنظمة حادت عن المثل العليا التي وضعها القادة المؤسسون، كما أنها تعمل لصالح فرنسا.
توترات ومواجهاتوقبل مغادرة الكتلة الاقتصادية الغرب أفريقية، عرفت العلاقات الخارجية لباماكو توترا مع دول الجوار، وخاصة الجزائر التي كانت ترعى اتفاق السلام والمصالحة (2015) بين الأطراف المتنازعة في الشمال المالي.
وبالتزامن مع خرق بنود الاتفاق، زارت شخصيات دينية العاصمة الجزائر، فاعتبرت باماكو أن ذلك تنسيق مع خلايا تعمل ضدها وسحبت سفيرها المعتمد لدى السلطات الجزائرئية.
ومنذ عام 2023 شهد الشريط الحدودي بين مالي وموريتانيا الكثير من الأحداث الأمنية التي تسببت في سقوط قتلى بسبب ملاحقة جيش مالي الجماعات المسلحة في الحدود الشرقية لموريتانيا.
وبعد خروجها من اتفاق السلام والمصالحة، خاضت باماكو منذ بداية 2023 معارك عنيفة ضد الحركات الأزوادية، واستطاعت تحرير مدينة كيدال بمساعدة مجموعة فاغنر الروسية.
المجلس العسكري علّق عمل الأحزاب والجمعيات السياسية واعتبر أنها تقوم بأعمال تخريبية (رويترز) التمسك بالسلطةوقد شكل النزاع المسلح الداخلي عقبة في وجه المسار الديمقراطي، فبعد تنظيم استفتاء دستوري 2023 تم تأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في العام نفسه.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وقع الرئيس آسيمي غويتا مرسوما يقضي بتنظيم حوار وطني تكون أطرافه محلية. وبعد أشهر من تشكيل اللجان والتشاور، انطلقت جلسات الحوار يوم 13 أبريل/نيسان الجاري، وسيستمر حتى العاشر من مايو/أيار القادم.
وفي خطوة مفاجئة، قام المجلس العسكري بتعليق عمل الأحزاب والجمعيات السياسية، واعتبر أنها تقوم بأعمال تخريبية، والتزم بإجراء انتخابات رئاسية في فبراير/شباط 2024 وتسليم السلطة للمدنيين يوم 26 مارس/آذار 2024.
وفي تصريحات بثها التلفزيون الوطني في مالي، قال رئيس الوزراء شوغيل مايغا إنه لن تنظم انتخابات رئاسية وتسلم السلطة للمدنيين إلا بعد عودة البلاد للاستقرار النهائي وإكمال السيادة على كل الأرض. وأضاف "إن الذين يريدون تنظيم الانتخابات في فترة عاجلة هم أعداء لمالي ولا يبحثون عن مصالحها".
شوغيل مايغا وصف الذين يريدون تنظيم الانتخابات في فترة عاجلة بأنهم "أعداء لمالي" (الأناضول) المطالبة بالعصيانوردا على قرار تأجيل الانتخابات ومنع وسائل الإعلام من بث نشاط الجماعات السياسية، دعا عدد من رموز السياسة إلى الوقوف في وجه العسكريين وتفردهم بالسلطة.
فقد طلب رئيس حزب "الوفاق من أجل تنمية مالي" حسين أميون من المواطنين الخروج إلى الشارع والعصيان المدني حتى سقوط النظام القائم، الذي يعتبره عاجزا عن توفير الحاجيات الأساسية للمواطنين.
كما دعت شخصيات دينية وسياسية إلى العصيان المدني، واعتبرت أن الحكومة الانتقالية بعد 26 مارس/آذار 2024 لم تعد مؤهلة للتحدث باسم الشعب المالي.
أما الإمام محمود ديكو فقال من الجزائر إن البلاد تعيش أوضاعا صعبة ولا يوجد حل في الأفق، معتبرا أن الانقلابيين عملوا على تقسيم البلاد، وأضاف ديكو أن أعضاء المجلس العسكري في حالة خلاف بين بعضهم.
وكان ديغو حذر في 2020 من انفراد العسكر برسم ملامح مستقبل مالي، ودعاهم لتنفيذ وعدهم بالتغيير، قائلا "طلبت من الجميع الالتفاف حول مالي، ما زلت أطلب ذلك، لكن هذا لا يعني أن العسكريين يملكون مطلق الحرية".
وعلى الصعيد الحقوقي، عبّرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن أسفها العميق إزاء قرار السلطات القاضي بتعليق مظاهر الحياة السياسية.
الإمام محمود ديكو يرى أن مالي تعيش أوضاعا صعبة وأن الانقلابيين عملوا على تقسيم البلاد (الأوروبية) في مربع الانقلابات من جديدومنذ أن تولى قيادة البلاد، أبرم المجلس العسكري اتفاقيات تعاون وشراكة مع روسيا وقواتها العاملة في أفريقيا بهدف تعزيز سيطرته على نقاط القوة المتمثلة في القواعد العسكرية، كما أن اتفاق ليبتاغو غورما يجعل القادة العسكريين في كثير من الحماية من العدوان الخارجي والداخلي على حد السواء.
لكن توجهات العسكريين في البقاء على رأس الحكم زادت من الضغط الداخلي، فبعد تأجيل الانتخابات ساءت العلاقات مع زعيم التيار الإصلاحي الديني في مالي الإمام محمود ديكو، الذي يوصف بصانع الرؤساء وصاحب الكلمة في نجاح الانقلابات.
وفي مارس/آذار الماضي، حلت السلطات في باماكو "تنسيقية الحركات والجمعيات والداعمين"، وهي إحدى الهيئات التابعة للإمام ديكو، واتهمتها بالعمل على زعزعة الاستقرار والأمن.
ويرى كثير من المراقبين أن الخلاف مع الزعيم الديني قد يزيد من الصعوبات التي يواجهها المجلس العسكري، إذ يتمتع الإمام بقدرة كبيرة على تحريك الشارع وله نفوذ قوي داخل المنظومة العسكرية والأمنية.
الخلاف مع الزعيم الديني محمود ديكو قد يزيد من الصعوبات التي يواجهها المجلس العسكري (الفرنسية)وخلال عام 2022 شهدت مالي محاولتين انقلابيتين ضد المجلس العسكري الذي يتولى قيادة البلاد منذ 2020، وفي يوليو/تموز 2021 تعرض الرئيس غويتا لمحاول اغتيال أثناء صلاة عيد الأضحى.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال المحلل السياسي سلطان البان إنه إذا لم يحدث انفراج في المشهد السياسي فإن المنظمات والأحزاب في باماكو ستكسر جدار الصمت وتخرج المظاهرات الشعبية للمطالبة برحيل الانقلابيين.
ويرى سلطان البان أنه إذا لم تعمل الحكومة على تنظيم انتخابات عاجلة، فإن الاحتقان الداخلي الذي تغذيه انتقادات الزعيم الديني النافذ محمود ديكو للعسكريين سيعيد البلاد إلى المربع المعروف، وهو انقلاب عسكري جديد يمسح العسكر من خلاله الطاولة ببعضم ويبدؤون مسارا جديدا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المجلس العسکری فی مالی
إقرأ أيضاً:
قيس سعيّد يعلن الحرب على مؤسسات وهمية.. يُصرف عليها ملايين الدنانير
قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، إن بلاده تعاني من "تضخم مؤسسي" مؤكدا خلال لقائه رئيس الحكومة، كمال المدوري، على ضرورة "تطهير البلاد وإزالة العقبات القانونية أمام إنجاز المشاريع".
ولفت سعيد في اللقاء إلى أن المؤسسات التي "لا توجد إلا في الرائد الرسمي" في إشارة إلى الجريدة الرسمية لتونس، يصرف عليها ملايين الدنانير رغم أنها غير موجودة فعليا.
ويتهم الرئيس التونسي دوما من يطلق عليهم بـ"المتآمرين" و"اللوبيات" بعرقلة سير الدولة، ويسجن خصومه والمعارضة في البلاد بتهمة "التآمر على الدولة".
وتابع في توجيهاته لرئيس الحكومة بأن "عملية البناء لا يمكن أن تتمّ إلا على أسس صلبة متينة لا على الأنقاض".
وطلب سعيد من الجميع "داخل أجهزة الدولة وخارجها الانخراط في حرب التحرر الوطني".
وأشار سعيد إلى أن بلاده تشكو منذ عقود من تضخم تشريعي وبأن انتظارات الشعب كثيرة ومشروعة.
وانتُخب سعيد، أستاذ القانون الدستوري، رئيسا ديمقراطيا في عام 2019، لكنه سرعان ما بدأ في تعزيز سلطته من خلال حل البرلمان وتعليق الدستور وسجن المعارضين.
ونشرت مجلة فورين أفيرز مؤخرا تقريرا قالت فيه إن تونس تبدو اليوم بشكل متزايد كما كانت في عهد زين العابدين بن علي، الدكتاتور الذي عمل التونسيون بجد للإطاحة به في عام 2011، فهناك القليل من حرية التعبير أو الصحافة، وتعمل قوات الأمن مع الإفلات من العقاب تقريبا.
وعلى الرغم من عدم مواجهة أي معارضة قابلة للتطبيق قبل انتخابه في عام 2024، أشرف سعيد في وقت سابق من هذا العام على اعتقال ما لا يقل عن اثني عشر مرشحا محتملا للرئاسة، تلقى العديد منهم أحكاما جنائية تحظر مشاركتهم في السياسة الانتخابية مدى الحياة.
وتم القبض على أحد المرشحَين اللذين وافقت الحكومة على خوضهما الانتخابات ضد سعيد، عياشي زامل، في أيلول/ سبتمبر، وأدين بتهم ملفقة بتزوير التوقيعات لوضع اسمه على ورقة الاقتراع. أدار حملته من السجن، حيث من المقرر أن يبقى هناك لأكثر من 30 عاما. كما منعت لجنة الانتخابات التابعة لسعيد اثنين من أبرز الهيئات الرقابية المحلية في البلاد من مراقبة الانتخابات، متهمة إياهما بتلقي "تمويل أجنبي مشبوه" - وهو مصطلح شعبوي شائع.
وسجن سعيد العديد من النشطاء والمعارضين الآخرين، وعلى مدى العامين الماضيين، استخدم قانونا مثيرا للجدل صدر عام 2022 يجرّم نشر "الأخبار الكاذبة" لسجن كل من شيماء عيسى، زعيمة حركة المعارضة جبهة الإنقاذ الوطني؛ وسامي بن سلامة، العضو السابق في لجنة الانتخابات التونسية؛ والمحامية والمعلقة السياسية سونيا الدهماني.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، حشدت الحكومة 51 شخصا من مختلف الطيف السياسي للمحاكمة في قضية واحدة. يواجهون بتهمة التآمر للإطاحة بالحكومة، اتهامات قد تشمل عقوبة الإعدام. حتى سهام بن سدرين، الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية - التي أنشئت للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال فترة ما قبل الثورة - اعتقلت في آب/ أغسطس بتهمة زائفة على الأرجح بأنها قبلت رشوة لتزوير التقرير النهائي للجنة.
وقالت كاتبتا التقرير، سارة يركس، الزميلة في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وسابينا هينبرغ، الزميلة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن نظام سعيد ليس وحشيا فحسب؛ ولكن في تونس، لا تزال الحكومة الحالية غارقة في الفوضى كما لا يمثل سعيد أي حزب سياسي ونادرا ما يتواصل مع مستشاريه. وقليل من المعينين في حكومته يستمرون في مناصبهم لأكثر من عام.
وفي آب/ أغسطس الماضي، أقال رئيس الوزراء، وعين خامس رئيس وزراء له في أقل من خمس سنوات، وبدأ تعديلا وزاريا أوسع نطاقا. وبعد بضعة أسابيع، استبدل جميع المحافظين الإقليميين في البلاد دون تفسير أو تحذير يذكر. وهذا التغيير المستمر في كبار المسؤولين يعني أن معظم السياسات تُصنع الآن بموجب مرسوم رئاسي مع القليل من المدخلات من أشخاص أو إدارات أخرى.