الحرب في السودان “أعطني إعلامًا بلا ضمير، أُعطك شعبًا بلا وعي”
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
أحمد إبراهيم أبوشوك
(1)
بول يوزف غوبلز (Paul Joseph Goebbels)، سياسي ألماني (1897-1945)، شغل منصب وزير الدعاية النازية في حكومة أدولف هتلر (1889-1945) أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وكان يتمتع بمهاراتٍ خطابيةٍ فائقة وقدراتٍ استثنائيةٍ في تحريك الشارع العام؛ إلا أن خطبه التعبوية افتقرت إلى القيم الأخلاقية، لأنها استندت إلى إحدى مقولاته التأسيسية: "أعطني إعلامًا بلا ضمير، أُعطك شعبًا بلا وعي.
(2)
يرى الناظر في الساحة السودانية بإمعانٍ وتجردٍ أنَّ أنماط هذا الخطاب التحريضي المختزلة قد ظهرت بجلاء أثناء ثورة ديسمبر 2018، وبعد إسقاط الرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019، وأثناء عملية التفاوض لوضع لبنات الفترة الانتقالية. وقد استشهد البروفيسور محمد الحسن ود لبات بنماذج منها، مثل اتهام بعض قيادات قوى الحرية والتغيير لقادة منظومة الدفاع والأمن (القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والأجهزة الأمنية) بأنهم و"كلاء للنظام" القديم، وعملاء "يأتمرون بأمر القوي الأجنبية"، و"أعداء حقيقيون للشعب، لا تربطهم به وشائج الدم، وليس لديهم أي شعور بالتعاطف معه. إنَّ الجلوس معهم على طاولة المفاوضات يعتبر خيانة للثورة وإساءة إلى أرواح الشهداء." (السودان على طريق المصالحة، ص 94) وعلى الضفة الأخرى، اتهم بعض العسكريين ومناصريهم قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير بأنها "مجرد حثالة من المرتزقة الأجانب، ومن مدمني المخدرات، ومن المغامرين، يتخذون لبوس الشيوعيين، والناصريين، والبعثيين، والديمقراطيين، والوحدويين، والوسطيين، والمتمردين على الدولة الخارجين على القانون، ومن أحزاب بالية عفا عليها الزمن، ولم يعد لها مكان إلا في متحف التاريخ." وفعلاً قد صدق حدس ود لبات أن الخطاب التحريضي الذي أشار إليه قد قاد البلاد إلى الانزلاق في "مهاوي الفوضى المدمرة." (السودان على طريق المصالحة، ص 95).
(3)
وبعد اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023 زاد الخطاب التحريضي كيل بعير، عندما اختزل المشهد العام في أنَّ الذين يساندون القوات المسلحة وينادون باستمرار الحرب بأنهم "الكيزان" و"فلول" النظام القديم، والذين يرفعون شعار "لا للحرب" بأنهم "القحاتة" وأنصار قوات الدعم السريع المتمردة على القوات المسلحة. وفي وسط هذا الخطاب التضليلي راجت عبارات مختزلة كثيرة، مثل "بل بس" و"جغم بس"، والقضاء على "قيادة دولة 1956"، وأبعاد أبناء الشريط النيلي" من مركز السلطة، وأقصاء "أبناء الغرب" المساندين للدعم السريع من الولايات الشمالية الآمنة. ونتج عن ذلك سلسلة من الصراعات الهامشية والتحالفات الآنية، التي أبعدت الحادبين على مصلحة البلد عن مناقشة جذور الأزمة المزمنة التي قادت إلى الحرب، واقعدتهم عن التصدي للأسئلة الجوهرية: كيف تُوقف الحرب المدمرة؟ وكيف يعوض الذين احتلت قوات الدعم السريع منازلهم ونهبت ممتلكاتهم؟ وكيف تعالج قضايا حقوق المواطنة المتساوية في سودان ما بعد الحرب، وإدارة التنوع الثقافي والاجتماعي والديني، ووحدة الجيش السوداني وإعادة تأهيله، وحل المليشيات العسكرية باختلاف مسمياتها، وتداول السلطة ديمقراطياً، وتحقيق التنمية المتوازنة، ومعالجة مشكلات الفقر والجهل والمرض.
(4)
إلا أن تفشي هذا الخطاب ذي السقوفات المتدنية قد جعل الحلول الممكنة والموضوعية لإيقاف الحرب تتوارى خوفاً من اتهام أصحابها بالخيانة، وغيَّب الرؤى الاستراتيجية الواعية التي يمكن أن تسهم في تقديم أطروحات موضوعية لإعادة بناء دولة سودان ما بعد الحرب، وفق أسس راشدة يتوافق الناس عليها للخروج من نفق الأزمة الراهنة والبحث عن مستقبل أفضل لبنات وأبناء السودان. وهنا يصدق قول الأستاذة لولوة راشد الخاطر، وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطرية، في خطابها أثناء انعقاد مؤتمر باريس (15 أبريل 2024): "أنَّ الحل للأزمة السودانيّة لن يكون من خلال استدامة الوضع الحالي، تحت أيّ ذريعة"، كانت، لأن "ترسيخ الوضع الراهن"، يُسهم في "تحويل المجتمع السوداني إلى مجتمع من اللاجئين بدل الإسهام في حل جذور الأزمة ومساعدة الشعب السوداني الشقيق ومؤسسات بلاده في خلق الظروف الملائمة؛ ليتمكن من العيش في وطنه بكرامة." لكن للأسف ابتعد الفاعلون السياسيون عن مناقشة الأطروحات الكبرى، وشغلوا أنفسهم بتصفية خصوماتهم السياسية وخدمة مصالحهم الشخصية الضيقة على حساب المواطن السوداني الضحية. فانشغال هؤلاء السياسيون غير الأخلاقي بالقضايا الهامشية واصطحاب الرأي العام معهم، قد أبعد أهل السودان عن مناقشة مشكلاتهم الأساسية التي أفضت إلى الحرب، وانحطت الممارسة السياسية إلى دركها الأسفل. هداكم الله يا هؤلاء! انتقلوا من مربع الخصومات الشخصية غير المنتجة إلى مربع القضايا الاستراتيجية، المرتبطة بمعالجة مشكلات السودان الأساسية، عل الله يرفع عندكم مناسيب الأمل لطرح الحلول الممكنة لمواجهة أزمة الراهنة، قبل أن يصبح السودان أثراً بعد عين.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذا الخطاب
إقرأ أيضاً:
الإعلام “المتصهين”
عندما كانت إسرائيل تقاتل دولاً أو جيوشاً عربية فهي لم تمارس قصف وتدمير المباني السكنية، وحتى الإبادة الجماعية كانت تستعملها ولكن مع الجيوش، كما حدث لمئات وآلاف الأسرى المصريين في حرب 1967م..
إسرائيل لم تقصف القاهرة أو مدناً مصرية في حربي 1967م، 1973م، بل أن إسرائيل لم تمارس قصف دمشق في حرب 1973م بمستوى ما تمارسه الآن، والسؤال لماذا؟..
الإجابة هي أن ما دامت إسرائيل تنتصر في جبهات القتال فهي لا تحتاج لتدمير مدن وأبنية سكنية ولا تحتاج لاستهداف ممنهج للمدنيين أو تفعيل الإبادة الجماعية، وبالتالي فإسرائيل لو كانت تعرضت في الجبهات لتنكيل وانهزام لمارست التدمير والإبادة الجماعية، وعلينا التذكير بأن أمريكا مارست تهديد عبدالناصر بالنووي في حرب 1967م ثم هددت السادات بالنووي 1973م..
في السابع من أكتوبر 2023م بما استدعاء أساطيل أمريكا والغرب وتقاطر زعماء كل الدول الغربية فإسرائيل لا يمكنها خوض الحرب بذات الطريقة التي مورست مع الجيوش العربية..
ولهذا فإسرائيل في هذه الحرب لا تقاتل ولا تواجه في الجبهات وإنما تقصف المدن والأبنية السكنية وتستهدف المدنيين وتمارس الإبادة الجماعية وبما لم يعرف في تاريخ الحروب منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، فيما الغرب الاستعماري القديم والجديد يغطي بكل قدراته على هذا الإجرام والجرائم وله تخريجات تبرير وتضليل كما لديه إمبراطورية إعلامية عالمية، بل وأصبح لهذه الإمبراطورية حضور واسع وفاعل كأمركة وصهينة وبمسمى أنه إعلام عربي..
إذا المقاومة في غزة ومن ثم المقاومة في جنوب لبنان تصمد وتقهر وتذل إسرائيل لأكثر من عام فكيف يقارن ذلك بهزيمة واحتلال أراضٍ لخمس دول في أسبوع خلال حرب 1967م؟..
إنني لا أشفق في هذا المشهد أو المعمعة إلا على إعلام ناطق وبالعربية ولا يريد فقط أن يكون أمريكياً أكثر من أمريكا بل صهيونياً أكثر من الصهاينة إلى درجة أنه يتبجح بالدمار وقصف المدنيين والإبادة الجماعية على أنها إنجازات بل وانتصارات لجيش الصهاينة..
إنني شخصياً لا أتأثر البتة بكل حملات هذا الإعلام الخياني الهزيل والرذيل بل أنني أشفق عليه من هذا الانكشاف والانفضاح الذي يعيشه ويتعايش معه، فكلنا نسلم بأن كل قدرات الغرب وأحدث أسلحته فتكاً قادرة على أوسع تدمير وعلى ارتكاب أكبر إبادة جماعية ما دامت أمريكا والغرب قادرين على منع تفعيل القرارات والقوانين الدولية والإنسانية، ولكن أن يقدمها إعلام تحت مسمى عربي على أنها إنجازات وانتصارات فذلك بالنسبة لي لا يستحق غير الإشفاق خاصة وعامة الشعوب العربية تعرف هزيمة الأسبوع واحتلال أراض لخمس دول، فكيف لنا مجرد أن نقارن في ظل انتصار أي وجه للمقارنة..
مبعث إشفاقي هو أن هذا الإعلام وبهذا التعاطي المخزي لم يعد من خلال كل ذلك إلا أنه يدين نفسه بنفسه ويكشف خيانته لعروبته وإسلامه ودينه..
كل قادة الحروب التاريخية العالمية بما فيهم “هتلر” يجمعون على أن أكثر من يحتقروهم حتى وهم يحاربون معهم وفي اصطفافهم هم الخونة لأوطانهم وأديانهم، وهذا الإعلام العربي المتأمرك المتصهين بات يقدم ويؤكد كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة رذالته وخيانته أكثر من أي تأثير آخر ومن أي أهداف أخرى..
الخونة عادة ما يتحفون أو يجدون قدرات حبكة وتغطية للتخفي وإخفاء خيانتهم، ولكنه لم يحدث – وفي كل أحداث ومحطات وحروب التاريخ البشري ـ انبطاح وانفضاح كما حالة الإعلام المتصهين والمُصِّر على مسمى “عربي”..
ولهذا فإني أعتبر كل من يتفاعل أو ينفعل من هذا الإعلام هم إما انزلقوا للخيانة بوعي أو بدونه أو من الحمقى وفاقدي الوعي..
شخصياً أفضّل استمرار هذا الإعلام المتصهين الخياني، لأن متراكمه من الفشل وفقدان التأثير يجعل الأفضلية في استمراره لأنه أصبح حاجية للوعي في الحاضر والمستقبل بل هو البوصلة الأهم لقياس الوعي..
إنه إعلام لم يعد يقدم غير عمالة أنظمة وسقف خيانتها، وبالتالي هو إعلام لنيل رضا الأمركة والصهينة ولا علاقة له بالشعوب ولا شعبية له، وبالتالي هو من أدوات الارتزاق النفعي النحبوي، وبالتالي فهذا الإعلام لم يعد لديه ما يخيف أو يخوفنا به..
مفيد أن نتتبع كل أشكال الخونة وكل تشكلات الخيانات، وهاهي فضائية “روسيا اليوم” هزمت إمبراطورية الإعلام الأمريكية الغربية بما فيها الأذيال والذيول العربية، ولا تنسوا أن هؤلاء لهم الفضل في تقديم السيد حسن نصرالله كزعيم عربي يساوي ويوازي جمال عبدالناصر.!!