تأثير إنقطاع التعليم على سوق العمل في السودان
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
د. أحمد جمعة صديق
المقدمة:
نهدف من هذا المقال أن نلفت نظر الفصائل المتحاربة بأن لا جدوى من هذا القتال، لأن لا أحد سيحقق انتصاراً على الآخر، في ظل المعطيات الحالية. ولو تحقق انتصار أحدِهما على الآخر، فلابد أن يكون هذا الانتصار مقابل دفع ثمن باهظ في الارواح والعتاد والمال. والمنتصر أيضاً خاسر - كما ظللنا نردد - لان من يحقق النصر في اي حرب لا يحققه الا بعد خسائر فادحة.
هذا الحديث للذكرى ولعل الذكرى ان تنفع المؤمنين إن كان في قلوبهم ذرة من ايمان.
نبدأ المقال بهذه الصورة القاتمة التي قدمتها اليونسيف، فبحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة"يونيسف" في إحصائية أعلنتها بعد 6 أشهر فقط من بداية الصراع، فإن نحو 19 مليون طفل في السودان باتوا خارج المدارس، من بدء النزاع المسلح، محذرة من "كارثة لجيل بأكمله". وقالت المنظمة - في بيان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي- إن حوالي 6.5 ملايين طفل فقدوا إمكانية الوصول إلى المدرسة جراء تزايد العنف وانعدام الأمن في مناطقهم، مع إغلاق 10 آلاف و400 مدرسة على الأقل في المناطق المتضررة من النزاع. وينتظر أكثر من 5.5 ملايين طفل يقيمون في مناطق أقل تأثرا بالحرب، أن تؤكد السلطات المحلية إمكانية إعادة فتح المدارس. وقالت ممثلة المنظمة في السودان، مانديب أوبراين "السودان على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ أزمة تعليمية في العالم. لقد تعرض الأطفال لأهوال الحرب لحوالي نصف عام. الآن، بعد أن أُجبروا على الابتعاد عن فصولهم الدراسية ومعلميهم وأصدقائهم، فإنهم معرضون لخطر الوقوع في فراغ سيهدد مستقبل جيل كامل".
التعليم كما نعلم بالضرورة، هو ركيزة التنمية الفردية والتقدم الاجتماعي. يمكن أن يسبب إنقطاعه او توقفه عواقب بعيدة المدى، خاصة في المناطق المضطربة بالصراعات كما يحدث الآن بالسودان، حيث الحرب تعيق الوصول إلى التعليم. ونريد في في هذا المقال ان نتحرى آثار إنقطاع التعليم على سوق العمل بشكل خاص في سياق الحرب الدائرة في بللادنا الآن.
ونهدف من خلال هذه الخواطر ان نضع خطوات استباقية ان أمكن لعلاج ما يمكن علاجه بعد أن يستتب الامن، إن شاء الله، اذ يمكن للمناطق المتأثرة بالنزاع استغلال الإمكانيات الكاملة لرأس المال البشري ووضع الأسس لتحقيق التنمية المستدامة والسلام.
ويتطلب الأمر جهدًا منسقًا من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمجتمع الدولي لمواجهة التحديات المعقدة التي يفرضها النزاع وإطلاق العنان للصمود والإبداع لدى السكان المتضررين. فمن خلال الاستثمار المستمر في التعليم، وتطوير المهارات، وريادة الأعمال، وتمكين المرأة، والمشاركة المجتمعية، والدعم النفسي الاجتماعي، والحكم الرشيد، والتعاون الإقليمي، يمكن لهذه المناطق التغلب على تأثيرات النزاع وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
إن إنقطاع التعليم يحمل عواقب عميقة على سوق العمل، مع تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي والسياسي. في سياق حرب السودان، حيث انتشار التعطيلات التعليمية، فإن العواقب تكون أكثر فتكًا. لمواجهة هذا التحدي، تتطلب جهود مشتركة لإعادة بناء البنية التحتية التعليمية، وتوسيع الوصول إلى التعليم ذي الجودة، والاستثمار في برامج تطوير المهارات. فقط من خلال مثل هذه الإجراءات يمكن للسودان، وغيرها من المناطق المتأثرة بالنزاعات، استغلال إمكانات رأس المال البشري الكاملة ووضع الطريق نحو التنمية المستدامة وبناء السلام.
• التأثير على تطوير رأس المال البشري:
التعليم أساسي لتنمية رأس المال البشري، حيث يزود الأفراد بالمهارات والمعرفة الأساسية للإنتاجية الاقتصادية. يحرم إنقطاع التعليم الأفراد من هذه الموارد الحيوية، مما يؤدي إلى وجود قوة عمل غير مستعدة لتلبية متطلبات اقتصاد حديث. في السودان، قامت الحرب المستمرة بتعطيل المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى معدلات تسرب واسعة الانتشار بين الأطفال والشباب. هذا الخسارة في رأس المال البشري يضعف الآفاق الاقتصادية طويلة الأمد للبلد، مما يعيد دورة الفقر والتخلف.
• البطالة والتشغيل غير الكامل:
يزيد النقص في التعليم من معدلات البطالة والتشغيل غير الكامل. بدون المؤهلات الكافية، يواجه الأفراد فرص عمل محدودة وغالبًا ما يُخصصون لقطاعات غير مهنية منخفضة المهارة مع ظروف عمل غير مستقرة. في سياق حرب السودان، يستمر غياب التعليم في تكريس دورة من الفقر، حيث يتعذر على السكان المشردين تأمين فرص عمل ثابتة وسط فوضى الصراع. هذا لا يضر بسبل العيش الفردية فحسب، بل يعيق أيضًا جهود الانتعاش الاقتصادي الأوسع.
• عدم التطابق بين المهارات:
يسهم إنقطاع التعليم في التناسق بين المهارات داخل سوق العمل. فبدون الوصول إلى التعليم الجيد والتدريب المهني، يفتقر الأفراد إلى المهارات المطلوبة من قبل أصحاب العمل، مما يؤدي إلى عدم التطابق بين الباحثين عن عمل والوظائف المتاحة. في السودان، حيث يعطل النزاع البنية التحتية التعليمية ويعرقل برامج تطوير المهارات، وقد تجد القوة العاملة صعوبة في تلبية احتياجات الصناعات المتطورة، مما يعيق النمو الاقتصادي والتنويع.
• التأثير على النمو الاقتصادي:
ترتد آثار إنقطاع التعليم على الاقتصاد بشكل كبير، مما يعيق النمو الاقتصادي والتنمية بشكل عام. وفي وضعنا الحالي، حيث يظل رأس المال البشري غير مستخدم بسبب تعطيلات التعليم الواسعة، سيعاني الاقتصاد من تحقيق إمكاناته الكاملة. ويقيد نقص القوة العاملة المهارية مكاسب الإنتاجية والابتكار، مما يحد من الفرص للتنويع والتحول الهيكلي. ونتيجة لذلك، تظل البلاد محاصرة في دائرة من الفقر، غير قادرة على الخروج من قيود التخلف الناتج عن النزاع الى مدى طويل.
• التداعيات الاجتماعية والسياسية:
وخارج نطاق تأثير التعليم الاقتصادي، سيزيد إنقطاعه من التوترات الاجتماعية والسياسية، اذ سيعيد نقص التعليم تكريس التفاوتات الاجتماعية، موسعاً الفجوة بين الطبقة النخبوية المتعلمة والشرائح المهمشة. وسيشجع هذا التفاوت على الاستياء والاضطرابات الاجتماعية، مما يغذي الشكاوى التي يمكن أن تزيد من عدم استقرار المجتمعات الهشة. وفي بلادنا، حيث تتقاطع الانقسامات العرقية والإقليمية مع تأثيرات الحرب، فإن استبعاد بعض الفئات من الفرص التعليمية سيزيد من التوترات الكامنة، مما يعيق الجهود المبذولة نحو التوفيق وبناء السلام.
تسعى المناطق المتأثرة بالنزاعات، إلى التغلب على التحديات الكبيرة التي تواجه استغلال رأس المال البشري في ظل التقلبات الناتجة عن الحروب وعدم الاستقرار. ومع ذلك، يمكن اتخاذ إجراءات استباقية لاستخدام الإمكانيات الكاملة للموارد البشرية وتعزيز التنمية المستدامة والسلام. وسنقدم في الاسطر التلية بعض الاستراتيجيات الرئيسية التي يمكن للمناطق المتأثرة بالنزاعات تنفيذها لتحقيق هذه الأهداف في حدها الادنى متى ما توافرت الظروف الملائمة.
• الاستثمار في التعليم
- التعليم هو الأساس لتطوير رأس المال البشري. يعتبر الاستثمار في التعليم ذو جودة عالية وسهولة الوصول أمراً حاسماً لتجهيز الأفراد بالمهارات والمعرفة اللازمة للإنتاجية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.
- يجب على المناطق المتأثرة بالنزاعات أن تعطي الأولوية لإعادة بناء البنية التحتية التعليمية، وتوفير برامج تدريب المعلمين، وضمان الوصول المتساوي إلى التعليم للجميع، بما في ذلك السكان المهمشين واللاجئين.
• التدريب المهني وتطوير المهارات
- إلى جانب التعليم التقليدي، فإن البرامج المتخصصة في التدريب المهني وتطوير المهارات ضرورية لمعالجة التناقضات في المهارات وتعزيز فرص التوظيف.
- من خلال التعاون مع الصناعات المحلية وأصحاب العمل، يمكن للمناطق المتأثرة بالنزاعات تصميم مبادرات تدريب مهني مصممة لتلبية احتياجات سوق العمل.
• دعم ريادة الأعمال
- يمكن أن تكون ريادة الأعمال محركًا قويًا للنمو الاقتصادي والتمكين الاجتماعي.
- يجب أن تشجع المناطق المتأثرة بالنزاعات على توفير بيئة تشجيعية لريادة الأعمال من خلال توفير آليات الدعم مثل الوصول إلى التمويل الصغير، ومراكز البحوث، وبرامج التوجيه.
• تمكين المرأة
- تشكل النساء نسبة كبيرة من قوى العمل في المناطق المتأثرة بالنزاعات، ولكنهن غالباً ما يواجهن عوائق نظامية للمشاركة الاقتصادية والقيادية.
- يمكن أن تساهم الترويج لتمكين المرأة من خلال التعليم، والتدريب المهني، والمبادرات المستهدفة في فتح إمكانياتهن كدافعين للتنمية المستدامة.
• مشاريع التنمية القائمة على المجتمع
- تلعب مشاريع التنمية القائمة على حاجة المجتمع دوراً حيوياً في إعادة بناء التماسك الاجتماعي والصمود في المناطق المتأثرة بالنزاعات.
- من خلال إشراك الجهات المحلية في التخطيط وتنفيذ المشاريع التنموية، يمكن لهذه المشاريع أن تعزز الإحساس بالملكية وتعزز التعاون.
• الدعم النفسي الاجتماعي وشفاء الجروح
- يترك النزاع ندوباً نفسية عميقة على الأفراد والمجتمعات، مما يعيق قدرتهم على المشاركة الكاملة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
- من خلال توفير خدمات الدعم النفسي الاجتماعي للأفراد والمجتمعات المتضررة من النزاع، يمكن بناء المرونة وتعزيز الرفاهية النفسية.
• الحكم الرشيد وسيادة القانون
- تتطلب التنمية المستدامة والسلام هياكل حكومية فعالة والالتزام بسيادة القانون.
- يجب على المناطق المتأثرة بالنزاعات الأولوية لجهود تعزيز المؤسسات، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة.
• التعاون الإقليمي وبناء السلام
- تمتد الكثير من النزاعات عبر الحدود، مما يؤثر على الدول والمناطق المجاورة.
- لذلك، فإن التعاون الإقليمي ومبادرات بناء السلام أساسي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع وتعزيز الاستقرار.
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة رأس المال البشری إنقطاع التعلیم إلى التعلیم بناء السلام الوصول إلى فی السودان فی المناطق فی التعلیم سوق العمل من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى
مرتضى بن حسن علي
في عصر تتغير فيه الخرائط المعرفية بوتيرة جنونية، وتتحول الجامعات حول العالم إلى مختبرات للأفكار واختراع الغد، وتسوده الثورة التكنولوجية الكاسحة والذكاء الصناعي، لا تزال مُعظم مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي محاصرة في قوالب الماضي، وتواجه تحديات جذرية تُعيقها عن أداء أدوارها كقاطرة للتقدم وابتكار المستقبل لأنها مُثقلة بكثير من المُعوِّقات التي تبعدها عن أداء رسالتها الحقيقية.
الجامعات هي مصادر للفكر والعلم ومراكز للأبحاث، مهمتها التعايش مع الحياة العملية والعلمية وأن تجعل الأجيال الجديدة على دراية بالواقع وتطوراته ودراسة همومه والتعرف على مشاكله الفعلية، وتطوير الطلبة علمياً وفكرياً وبكل ما تملك من قدرة على البحث والتشخيص والتحليل، وتكون على صلة وثيقة بينها وبين دنيا العمل والتكنولوجيا. وحتى تتحول من مجرد مانحة للشهادات إلى حاضنات للإبداع والخريجين قادة للتغير، فهي بحاجة إلى بيئة أكاديمية ورؤساء وعمداء ذوي رؤية واضحة وأكفاء يواكبون الاتجاهات الحديثة في التعليم على المستوى الدولي واختيار الموارد البشرية المؤهلة، واتباع مناهج حديثة، والاهتمام بالبحث العلمي.
والوظيفة الأساسية لمؤسسات التعليم العالي هي تأهيل الشباب علميا وسلوكيا وفكريا وأن تبتكر مع مرور الوقت، مسارات للتقدم ونقل المعرفة إلى مجتمعاتها وأن تكون مشاعل للتقدم. غير أن الأنظمة التي تخضع لها تحد من قدراتها على مواكبة التقدم العلمي الذي يحصل في مثيلاتها من البلدان المتقدمة.
ولعلَّ قدرًا كبيرًا وملحوظًا لذلك يتصل بضعف مرحلة التعليم الأساسي، وافتقار المجتمعات العربية لمؤسسات إنتاج حقيقية من معامل ومصانع ومراكز للأبحاث الجادة. لقد اختزلت أدوار التعليم العالي في مجرد المانح للشهادات التي هي في أغلبها خالية من المحتوى وتعلق داخل البيوت والمكاتب كجزء من الديكور الداخلي الذي يستر عيوبا عديدة في البناء الداخلي، لا تنتج فكرا ولا تبني أُمَّة. وفي ظل هذا الوضع لم يكن غريباً أن يقوم كل من التعليم والعمل بنفي الآخر ومحاصرة أدواره.
التحديات التي تعيق التعليم العربي كثيرة منها:
المناهج البعيدة عن التقدم التكنولوجي:لا تزال العديد من الجامعات العربية تعتمد مناهج قديمة في زمن جديد، نظرية تركز على الحفظ والتلقين، بدلًا من تنمية مهارات التحليل والتفكير النقدي. فمثلا في مجال الهندسة، يفتقد الطلبة إلى مختبرات متطورة أو التدريب العملي في الميدان، وينهون دراستهم دون أن يلمسوا مختبرا متقدما، أو يشاركوا في مشروع عملي واحد تهيئهم لسوق العمل، مما يخلق فجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطالب يدرس نظريات القرن العشرين أو قبله، بينما العالم يتسابق في تطبيقات الذكاء الصناعي وعلوم البيانات.
بيروقراطية بدون أفق وتمويل بدون رؤية وضعف التمويل وطريقة صرفه:تعاني الجامعات من هياكل إدارية معقدة وترهل إداري وقرارات متضاربة، ولا سيما الحكومية منها، تعيق تبني مشاريع بحثية مبتكرة؛ حيث تُهدر أشهر على إجراءات الموافقة على بحوث طلاب الدكتوراه، بينما تُوجه ميزانيات محدودة إلى فعاليات شكلية بدلًا من دعم الابتكار، أو تبني الأفكار الخلّاقة وموتها في مهدها، كما تفتقد إلى الأموال الأهلية "الوقف والخمس".
الانفصال عن قطاع الإنتاج وسوق العمل:قلة المشاريع الإنتاجية وغياب الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي الموجود يجعل الأبحاث الأكاديمية حبيسة الأوراق، في الوقت الذي نجحت ماليزيا مثلا في تحويل أبحاث جامعاتها إلى منتجات تجارية وصناعية عبر إنشاء "مدن التكنولوجيا" التي تربط بين الباحثين والمستثمرين.
في بيئة واحدة تُحول الأفكار إلى منتجات.
البطالة المُقنَّعة:في مصر- على سبيل المثال- يُشكِّل خريجو الجامعات نحو 30% من الباحثين عن عمل، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بسبب عدم مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل المتغير. وأيضًا بسبب عدم وجود المؤسسات الإنتاجية الكافية.
البطالة والتطرُّف:وجود خريجين عديدين ولمدة طويلة بدون عمل، يدفعهم للهروب إلى العالم الافتراضي. ولجوئهم إلى الجماعات المتطرفة أو الغرق في وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية هربًا من واقعهم، كما حدث مع عدد كبير من الشباب في عدد من الدول العربية الذين تحولوا إلى التنظيمات المُتطرِّفة بعد فشلهم في ايجاد فرص عمل. وهكذا فإن الشهادة الجامعية أصبحت عبئا بدلا من أن تكون جواز مرور إلى العمل.
نماذج نجاح تُلهم الحلول
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية استثمرت في بناء شراكات دولية وإنشاء مراكز متطورة في الطاقة المتجددة، مما جعلها تحتل مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في مجالات الطاقة والمياه والتقنية الحيوية. مبادرة "مليون مبرمج عربي" في الإمارات، والتي ربطت بين التعليم التقني واحتياجات سوق العمل المتبدلة عبر تدريب الشباب على مهارات البرمجة، مما خلق فرص العمل عن بُعد مع شركات عالمية. إنها تجربة ناجحة في ردم الفجوة بين التعليم التقليدي واحتياجات العصر الرقمي. تجربة الجامعة الأمريكية في بيروت؛ فرغم التحديات نجحت الجامعة في دمج البحث العلمي مع قضايا المجتمع، مثل تطوير حلول لمشكلة النفايات في لبنان وتحويلها إلى طاقة.وفيما يلي نوضِّح كيفية الخروج من النفق واعادة بناء التعليم العربي العالي كمنصة للابتكار واعادة الاعتبار للجامعة:
تجديد الدماء في الإدارات الجامعية وتعيين قيادات شابة ذات رؤية استشرافية، كما فعلت جامعة زايد في الامارات بتعيين أكاديميين من خريجي جامعات مرموقة مثل هارفارد وستانفورد، لتطوير برامجها. ربط التمويل بالنتائج، من خلال منح الجامعات ميزانيات وفقا لجودة الأبحاث المنشورة وعدد براءات الاختراع المسجلة، كما يحدث في سنغافورة مثلًا. خلق مسارات مهنية مرنة، عبر متابعة ما يجري في العالم من تطورات علمية وتكنولوجية وادخال التخصصات الضرورية المتعلقة بتلك التطورات مثل "الذكاء الاصطناعي" و"الاقتصاد الرقمي" أو إدخال تخصصات مستقبلية، وتدريسها بمناهج قابلة للتحديث السنوي، كما تفعلها بعض الجامعات في العالم مثل جامعة "CODE" في المانيا مثلًا.التعليم كاستثناء استراتيجي
لا يمكن لمجتمعاتنا أن تبني مستقبلًا دون تعليم عالٍ يُحرر طاقات الشباب ويحوّل أحلامهم إلى مشاريع ملموسة. آن الأوان لنتوقف عن التعامل مع الجامعة كمجرد مبنى أو عنوان على ورقة الشهادة، والتعامل معها كجبهة فكر، ومصنع للقيادات، ومحرك للتنمية. فكما قال نيلسون مانديلا: "التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم".
لقد آن الأوان لنجعل من جامعاتنا منارات للفكر، لا مجرد جدران تُعلَق عليها الشهادات!
رابط مختصر