جرت مياه كثيرة تحت جسر منبر جدة.!!
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
المثل يقول: الذي يأبى الصلح لابد وأنه سيندم، وما اندلعت حرب إلّا ووضعت أوزارها بانعقاد مجلس للصلح بين أطرافها، ومنبر جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ومعهما الرباعية الدولية، هو المنبر الأوحد الذي لاقى قبولاً من جميع الأطراف التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بحرب السودان، القطر المحتوي على ثروات خام طائلة تحت جوف أرضه وعلى سطحها، وكذب من راهن على الداخل السوداني وحده وأهمل الدور المحوري الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية، في حل المعضلة، فالمصالح الاقتصادية هي المسيّرة لكوكب الأرض ببلدانه وإنسانه، ولكي تتمتع الدولة المعنية بالأمن والسلام والاستقرار، لابد لها من أن تحافظ على علاقات تجارية وأمنية متوازنة، بينها ومحيطها الإقليمي والعالمي، وفي الحالة السودانية رأينا كيف انحازت الأنظمة الحاكمة منذ الاستقلال لحلف بعينه، وعزفت عن الالتحاق بالأحلاف والتكتلات الأخرى، وكلنا تابع مسيرة الدولة الست وخمسينية في تخبطاتها بين موالاة الشرق والتحول لحضن الغرب، ونظام جعفر نميري خير شاهد على هذا التأرجح الكبير ما بين نجمة لينين وتمثال الحرية، ثم بؤرة الإرهاب الدولي – جماعة الإخوان المسلمين (التي غطّست حجر نميري)، فالبلد الذي رأس أولى حكوماته أستاذ الرياضيات – إسماعيل الأزهري، وختم آخرها العميد عمر حسن البشير، لم يهنأ بالاستقرار السياسي ولا بالأمن الاجتماعي في جهاته الأربع، فعاش حياة مليئة بالتناقضات والإرهاق الذهني الذي تأصل وتجذّر في الفرد، نتاج الحالة السائلة التي ميّزت كل مراحله الحكومية، هذا البلد الذي وصل لنهاية مؤسفة ومأساوية باندلاع الحرب الشاملة فيه، والتي حذّر منها حكماء الأمة منذ زمان بعيد، أصبح فيه الصلح بين أكبر مكونين عسكريين متحاربين ضرورة وطنية قصوى.
بعد عام من الحرب التي شنها الاخوان المسلمون، من خلف واجهة الجيش الذي يسيطرون عليه بالكامل، ثبت بالأدلة القاطعة أن قوات الدعم السريع المُستهدفة بهذه الحرب، ما فتئت تتمدد في غرب ووسط وشرق البلاد بكثافة، يحسدها عليها الجيش الذي يقوده الاخوانيون، لقد أنهت هذه القوات الداعمة أسطورة الدولة القديمة الرافضة للتغيير، وجعلت ما تبقى من جهابذة المؤسسة العسكرية يعلنونها داوية، بأنهم ضد التغلغل الاخواني في المؤسسة، وقد أعلن هذا الأمر الجنرالات العظام الملتفون حول قائد الجيش المهزوم، الذي فقد غالبية القواعد العسكرية والمواقع الاستراتيجية في العاصمة والولايات، نتيجة لإصراره الأحمق على الذهاب وراء الجماعات الإرهابية الحافر وقع الحافر، ما أدخله في حرج مع الشعب الذي صُدم بحقيقة هشاشة الجيش الرخو، الذي عجز في الذود عن مقرّاته الأساسية، بعد ارتكابه لخطيئة إشعال الحرب، وهذه النكبات والهزائم التي تكبدها الاخوان المسلمون وهم يختبئون خلف راية الجيش، ستكون القشة القاصمة لظهر بعيرهم الذي جثم على صدر الوطن خمسة وثلاثون عاماً، لما لهم من إسهام كبير في إيصال السودان لحربٍ، كانت كل العوامل مساعدة على عدم اشتعالها لولاهم، وكما هو معهود فإنّ الشعب السوداني لديه ميل طبيعي للسلم والأمن المجتمعي، وأن دعاة الحرب ما لبثوا أن أصبحوا قلة معدودة ومحدودة ومهزومة، هذا فضلاً عن أصدقاء السودان في الشرق والغرب وإفريقيا، الذين يبادلون هذا الوطن الجريح وداً بود، وما أدل على حديثنا هذا غير مؤتمر باريس، الذي عكس الوجه الآخر للذين يريدون لهذا البلد وشعبه الخير الوفير، لكل ذلك أمست مسألة إيقاف الحرب ضرورة وطنية قصوى، لا يقف ضدها إلّا أنصار النظام القديم أملاً منهم في الحفاظ على مكتسباتهم غير المشروعة.
مفاوضات جدة لابد وأن تصل لوقف دائم لإطلاق النار التي أوقد عود ثقابها قائد الجيش غير المسؤول، هذا الرجل الذي يتباهى بتفكيكه لبلاده مع سبق إصراره وتخطيطه وتدبيره، لكي يعيد النخبة الاخوانية الإرهابية لسدة الحكم مرة أخرى، وفاء لها بما قدمته من جزاءات ومكافئات جراء خدماته الجليلة، منذ الانقلاب الذي أقدم عليه ثمانية وعشرون ضابطاً، في شهر رمضان من العام التالي لانقلاب الاخوان المسلمين، فهذه الحرب لم يتضامن مع أجندتها الشعب النازح واللاجئ داخلياً وخارجياً، بل نطق بلا الناهية بعد سماعه للطلقة الأولى الخارجة من مدفعية الكتائب والمليشيات الاخوانية، في ذلك اليوم المشؤوم، الذي قرر فيه قائد الجيش تحت إمرة المتطرفين خوض حرب بلهاء، الخاسر الأول فيها رب الأسرة السوداني البسيط، الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشرّداً في أصقاع البلاد القريبة والبعيدة، لكل ذلك ستصل جدة لوقف لإطلاق النار شاء الارهابيون أم أبوا، وإذا لم يبذل الجنرالات الذين قالوا لا للحرب جهداً صادقاً في القبول بالأمر الواقع، ستكتسح قوات الدعم السريع ما تبقى من حاميات صغيرة وفرق عسكرية غير ذات قوة، وسوف يتم فرض السلام والأمن على البلاد، رغم أنف أنصار النظام القديم الساديين العاشقين لامتصاص دماء بني الإنسان، فالواقع الحاضر الذي يشي بعلو صوت الاعلام المغرض مقابل ثبات وتقدم القوات المدافعة عن نفسها وكيانها، المستجيبة لتطلعات الأمة وطموحها المشروع في الحصول على منظومة حكم مدنية، لا تتغول فيها مؤسسة الجيش بنهب ثمانين بالمائة من موارد الدولة، ولا يعمل قائدها على إشعال الحرب تلبية لخزعبلات وأضغاث أحلام حلم بها أحد المقربين منه، فوقف وانهاء الحرب يعني هزيمة دولة الدجل والشعوذة.
إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هندرة الدولة السودانية
*السؤال:*
*أَنْ كيف نبني أمة سودانوية مُوحدة في دولة سودانية واحدة ؟؟*
*لقد تَغَشّت دولتنا السودانية الحديثة منذ تأسيسها غاشيات عديدة عصفت بها حين غادرها جنوبنا الحبيب مُختاراً لإستقلاله بعد أطول صراع أهلي دموي (56 عام تقريباً) شهدته قارة إفريقيا بدأ في توريت من العام 1955 وإنتهي في يوليو 2012* *بل ومُرشح لأن يستمر صِراعاً بين دولتين كانتا يوماً ما دولة واحدة* *بسبب منطقة أبيي ومناطق حُدودية أخري* *لم يتم حسم تبعيتها بعد.*
*رغم تزامُن صراعاتنا الدموية في جنُوبِيِّنا وغرِبيِّنا لفترة لا تقل عن ثمانية سنوات هي تاريخ إندلاع الحرب في* *دارفور غربي البلاد من العام 2003 وإستقلال جنوبِيِّها في العام 2011 وما تلاها وصاحبها من حُروب في جنوبِي كردفان والنيل الأزرق إلا أن الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة السودانية تبدو حائرة من غير إعتراف أمين بحيرتها من الإجابة علي السؤال الماثل أمامنا الآن وبعد إنقضاء سِت عقود ونيف وهو لِمهْ كل هذا الكَمْ والكَيْف من الصراعات والحروب ؟؟*
*لقد تعددت وتنوعت الصراعات والحروب في الدولة السودانية وإن إتفقت وتشابهت في بداياتها المطلبية التي لم تَتعدَ سقوف الفيدرالية أو الحكم الذاتي في جنوبِيِّنا أو التنمية المتوازنة في غربِيِّنا ورغم ذلك فإن ذات الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة لم تنتبه لنوعٍ معروف من الحروب وهي الحرب الإقتصادية التي نشبت في شرقي البلاد (يوليو 2021) وما جَرّته عليها من مُهددات لوحدة الدولة والمشروع الفطري لبناء الأمة إلي جانب خسائر إقتصادية يصعب تعويضها علي المدي القريب..*
*لم ينحسر تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب ليقف مُصطدماً بحائط صَد يُعيد ولو قليل من الرُشْد الوطني لعُقول وقلوب وأوجدة وضمائر ساسة وقادة تِلكمُ الصراعات والحروب، فشهدنا عما يُعرف بظاهرة (الدروع) كدرع البطانة في الوسط ودرع الشمال في شمالِي البلاد وقوات أحزاب الشرق في شرقِيها، وأخيراً بِنُشوب حرب الخرطوم في الخامس عشر من أبريل 2023 بين من يُفترض أنهما عِماداً أساسياً لحائط الصد الوطني فبلغ وللأسف تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب في الدولة السودانية مداهُ الأقصي، إن غياب حائط الصد من وجهة نظري هو ما يشرح وبوضوح مدي الحاجَة إلي مشروع وطني لهندرة الدولة السودانية ..*
*إن هذا المقال وبمَدْخلِيَته في الطَرْح هو مجرد دعوة تَنافُس مُبرَّأ من أسقامِنا وعِلَلنِا التي أنهكت كل القوي السياسية والمدنية وبكل أطيافها وألوانها كيما تجترح حُلولاً ذات صلةٍ وثيقةٍ بما أُسميه بالواقع الأصيل للمجتمعات السودانية داخل الدولة وإمتداداتها أيضاً خارج الحدود، بالطبع فإن عملية إجتراح الحلول هذي لابد أن تتسم بصِدْقِية مُتناهية وعَقلٌية مّتفَتِحة لا تُصيبها أي دهشة عند إصطدامها بمطلوبات حائط الصد الذي نُريد ونشتهي لبقاء دَولتِنا كدولة واحدة وناهضة وناشدِة لتَحوُل مُجتمعاتها إلي أُمة مُوحدة، لذا تأتي وفي صدارة هذه المطلوبات هي التنازلات العظيمة عِظم التاريخ الطارف والتليد لحضارتنا المخبوءة تحت دُخَان صراعاتنا ولهيب شهواتنا ومن غير أُفٍ ولا شُحٍ بعيداً عن أي قَوْلبة عَقَدية يميناً كانت أم يساراً ..*
من مقالتي بعد 45 يوماً فقط من الحرب