الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني: تصعيد المواجهة أم احتواؤها؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
جاء ردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني الذي استهدف بشكل خاص عددًا من قواعدها الجوية، محدودًا وحذرًا، حيث كان حجم هذا الرد أقل مما تحسّبت له طهران. فقد اختارت إسرائيل استهداف منظومات دفع جوي في محيط مدينة "أصفهان"، دون أن تتبنّى مسؤوليتها عن هذا الاستهداف؛ لرغبتها في إنهاء أول مواجهة عسكرية علنية مع إيران.
وهناك العديد من الأسباب التي حدَت بالقيادة الإسرائيلية إلى الرد بشكل محدود على الهجوم الإيراني، الذي جاء بدوره ردًا على اغتيال إسرائيل عددًا من قيادات "فيلق القدس" في دمشق، قبل حوالي شهر.
فقد لعب التوقيت دورًا مهمًا في اختيار إسرائيل الردّ بشكل محدود على الرد الإيراني. فإسرائيل منغمسة في مواجهة عسكرية بمستويات مختلفة في كل من قطاع غزة، ولبنان والضفة الغربية؛ حيث إنّ جيش الاحتلال مستنزَف إلى حد كبير في الساحات الثلاث. وإن كان الوزير غادي آيزنكوت، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي قد أقرّ – الأسبوع الماضي في كلمة أمام "مركز الديمقراطية" الإسرائيلي – بأنّ جيش الاحتلال فشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة بعد ستة أشهر، وفي استخدامه قوة نار هائلة؛ وأن دائرة صنع القرار في تل أبيب تعي أن الدفع نحو فتح مواجهة شاملة مع إيران في هذا التوقيت، يمثل مخاطرة إستراتيجية غير محسوبة.
إلى جانب ذلك، فإن التصعيد العلني مع إيران، يعني تفجُّر مواجهة شاملة تخشى تل أبيب، أن تدفع حزب الله تحديدًا إلى الانغماس فيها بشكل كامل، مما سيمثّل تهديدًا غير مسبوق للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وإنْ كان حزب الله حاليًا، في إطار إسناده للمقاومة في غزة، يحرص على شنّ هجمات محدودة، سواء على صعيد النطاق الجغرافي وطابع الوسائل المستخدمة والمواقع المستهدفة؛ فإنّ محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تفترض أن مواجهة شاملة مع إيران، ستدفع الحزب إلى استخدام كل الإمكانات التي تحوزها ترسانته الصاروخية.
فحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن ترسانة حزب الله الصاروخية تضمّ عشرات الآلاف من الصواريخ التي يمتاز الكثير منها بأنه ذو مديات بعيدة، ويحمل رؤوسًا متفجّرة ثقيلة، فضلًا عن أن بعضها ذو دقة إصابة عالية، مما يمكن الحزب من استهداف المرافق الحيوية والحسّاسة في إسرائيل.
وإن كان موقع "واللا" الإسرائيلي، قد نقل الأسبوع الماضي عن مصادر في جيش الاحتلال، تقديرَها أن حزب الله استخدم منذ بداية الحرب على غزة 5% فقط من ترسانته الصاروخية، وأن عملياته أجبرت، مع ذلك، عشرات الآلاف من سكان المستوطنات اليهودية في الشمال، على ترك منازلهم.
ولا حاجةَ للتذكير بأزمة القوى البشريّة التي يعاني منها جيش الاحتلال، والتي دفعت إلى تجنيد عدد غير مسبوق من ضبّاط وجنود الاحتياط؛ في ظل نجاح الأحزاب الدينية الحريدية المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو – حتى الآن- في الحيلولة دون سنّ أيّ قانون يلزم بتجنيد أبناء التيار الحريدي.
إلى جانب ذلك، فإنّ إسرائيل تخشى أن يفضي التّصعيد العلني مع إيران، إلى اندلاع حرب إقليميّة تفضي نتائجها إلى تهاوي الدعم الغربي الذي حظيت به بعد الهجوم الإيرانيّ.
فقد حذّر غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي من أن تفجّر حرب إقليمية شاملة، يمكن أن يدفع إيران إلى استهداف مرافق النفط في الخليج بشكل يفضي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني، مما سيجعل الدول الغربية تحمّل تل أبيب المسؤولية.
في الوقت ذاته، فإن استهداف إيران في إطار حرب شاملة، دولًا عربية ترتبط بإسرائيل باتفاقات "سلام" أو تطبيع، سيهدّد علاقات تل أبيب الهامة والحيوية بهذه الدول. فقد أدركت إسرائيل الأهمية الجيوستراتيجية الفائقة لعلاقاتها بعدد من الدول العربية، عندما لعب تعاون هذه الدول دورًا حاسمًا في احتواء الهجوم الإيراني.
من ناحية ثانية، فإن إسرائيل تبرّر محدودية ردها بأنه يمثل أيضًا استجابة للضغوط الغربية، وتعمل حاليًا بكل قوة من أجل توظيف ذلك في دفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى الانخراط في تحرك سياسي ودبلوماسي ضد إيران، عبر فرض قائمة طويلة من العقوبات التي تطال مشروعها النووي، وترسانتها الصاروخية. وبالفعل فقد شرعت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات ضد إيران.
إلى جانب ذلك، فإن القيادات الإسرائيلية تفصح عن رغبتها الجامحة في بناء تحالف أمني إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، يجمعها بدول عربية؛ من منطلق أن العوائد الإستراتيجية التي ستجنيها من هذا التحالف أكثر من حرب إقليمية مع إيران.
هل يسدل الستار؟لكن على الرغم من كل ما تقدم فإنه من الصعوبة بمكان الجزم، إنْ كانت محدودية الرد الإسرائيلي ستفضي بالفعل إلى إسدال الستار على المواجهة العلنية الأولى مع إيران.
وإنْ كانت المواجهة الحالية قد تفجّرت في أعقاب اغتيال إسرائيل عددًا من قادة "فيلق القدس" الإيراني في دمشق؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستردّ إيران بشكل مباشر على إسرائيل في حال استأنفت استهداف قادتها العسكريين في سوريا؟ أم أن رد طهران جاء فقط لأن اغتيال قادة "فيلق القدس" كان داخل القنصلية الإيرانية؟ مع العلم أن قادة إسرائيل – وتحديدًا وزير الحرب يوآف غالانت – يواصلون التأكيد على أن إسرائيل ستواصل استهداف "كل من يشكل خطرًا عليها".
وفي حال امتنعت إسرائيل عن مواصلة استهداف القيادات العسكرية الإيرانية في سوريا، على وجه الخصوص، فإن هذا مؤشر على نجاح إيران في فرض معادلة ردع جديدة ضد إسرائيل، وتغيير قواعد الاشتباك معها.
وعلى صعيد آخر، فإن كلًا من إيران وإسرائيل قد ترغمان على الاشتباك مجددًا في حال تفجّرت مواجهة بين جيش الاحتلال وحزب الله. صحيح، أن إسرائيل تخشى تبعات المواجهة مع حزب الله؛ بفعل المحاذير من تأثير ترسانته الصاروخية على جبهتها الداخلية، لكن قادة تل أبيب التزموا أمام الرأي العام الإسرائيلي – وتحديدًا أمام سكان مستوطنات الشمال- بأنهم لن يسمحوا بمواصلة إخلاء هذه المستوطنات بفعل نيران حزب الله؛ وأنه في حال لم تنجح الجهود الدبلوماسية في التوصل لتسوية تضمن وقف حزب الله عملياته، فإن مواجهة عسكرية ضد الحزب ستكون حتمية.
وفي حال تفجّرت مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، فإن هذا يزيد من فرص حدوث تصعيد علني آخر بين طهران وتل أبيب.
لقد تفجّرت المواجهة العلنية الأولى بين إيران وإسرائيل؛ لأن قادة تل أبيب أخطؤُوا في تقدير ردة فعل طهران على اغتيال قادة "فيلق القدس" في القنصلية الإيرانية في دمشق. ولا يوجد ضمانة ألا تسفر التقديرات الخاطئة لأحد الطرفين بشأن نيَّات وتوجهات الطرف الآخر، عن دفعهما مرة أخرى إلى مواجهة جديدة، قد تكون أكثر شراسة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الهجوم الإیرانی جیش الاحتلال فیلق القدس مع إیران حزب الله تل أبیب فی حال
إقرأ أيضاً:
تصعيد كردستان تزامنا مع المتغير السوري.. ورقة جديدة في مواجهة بغداد
14 يناير، 2025
بغداد/المسلة: تتواصل فصول الأزمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، وهذه المرة تحت عنوان ملف “رواتب موظفي الإقليم”، الذي يعاني من التجميد منذ عدة أشهر، مما أدى إلى تصعيد سياسي جديد.
و زيارة رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني إلى بغداد جاءت في إطار التفاهم مع القادة السياسيين هناك، حيث عُقد اجتماع ضم أبرز القوى السياسية لبحث هذه القضية.
الاجتماع الذي شارك فيه البارزاني شهد صدور بيان يؤكد أن قضية رواتب موظفي الإقليم بعيدة عن الأجندات السياسية. لكن الواقع يحمل وجهة نظر مغايرة لدى البعض، إذ يعتبرون أن الملف يتم تسييسه ضمن الصراعات المستمرة سواء داخل بغداد أو في الإقليم.
تصريحات المتحدث باسم حكومة الإقليم بيشوا هوراماني حملت نبرة تهديد واضحة، إذ أشار إلى احتمال انسحاب الكرد من العملية السياسية إذا استمرت الحكومة الاتحادية في عدم إرسال الأموال المخصصة للإقليم. لكن مصادر مقربة من المشهد السياسي ترى أن مثل هذا الانسحاب سيضر بأربيل أكثر مما قد يزعج بغداد، في ظل اعتماد الإقليم على موارد الحكومة الاتحادية لتمويل العديد من احتياجاته.
و الأزمات بين بغداد وأربيل ليست وليدة اللحظة، فالنزاع الممتد يعود إلى قضايا شائكة تشمل إدارة ملف النفط، حيث يتهم الطرفان بعضهما بعدم الوفاء بالتزامات متبادلة، مثل تسليم الموارد النفطية وغير النفطية لبغداد، مقابل تحويل حصة الإقليم من الموازنة.
وعلى الرغم من أن البرلمان العراقي أقر حصة الإقليم في الموازنة العامة للسنوات الثلاث المقبلة، والتي تبلغ 16.609 تريليون دينار، إلا أن توزيع هذه الأموال يظل رهيناً بالتفاهمات السياسية، ما يضع حكومة الإقليم في موقف حرج أمام مواطنيها الذين يطالبون برواتبهم ومستحقاتهم المتأخرة.
ورقة الانسحاب.. ضغط مألوف
تهديد الكرد بالانسحاب من العملية السياسية ليس جديداً؛ فقد استخدمته حكومة الإقليم في مرات سابقة كورقة ضغط، لكنها لم تحقق النتائج المرجوة، خصوصاً أن بغداد عادة ما تتعامل بحذر مع هذه التهديدات فيما الوضع الحالي يعكس رغبة أربيل في استغلال التغيرات الإقليمية والدولية، مثل التطورات في سوريا وصعود حكومة سنية مناوئة للقوى الشيعية المتحالفة مع إيران، لتحقيق مكاسب جديدة في علاقتها مع بغداد.
حسابات بغداد وأربيل
حكومة الإقليم تراهن على ضعف القوى الشيعية الحاكمة في بغداد حالياً، لكنها قد تكون أساءت التقدير. بغداد، رغم أزماتها الداخلية والخارجية، لن تكون مستعدة للرضوخ لضغوط أربيل بهذه السهولة، خصوصاً أن الأزمات المتكررة أظهرت قدرة الحكومة الاتحادية على تحمل مثل هذه التهديدات من دون تقديم تنازلات كبيرة.
ما وراء الأرقام
الأزمة الراهنة تتزامن مع ظروف اقتصادية صعبة يعاني منها العراق ككل حيث الحصة التي أُقرت للإقليم في الموازنة قد تبدو كبيرة، لكنها لن تكون كافية إذا استمرت الخلافات حول آليات تسليم الأموال، وهو ما يعيد التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين، ومدى إمكانية تجاوز هذا الصراع التاريخي الذي يعكس عمق الانقسام السياسي في البلاد.
تبدو الأزمة الحالية كجزء من لعبة شد الحبل الطويلة بين بغداد وأربيل، حيث يبقى المواطنون في الإقليم، وتحديداً الموظفون الحكوميون، هم الخاسر الأكبر وسط هذه التجاذبات السياسية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts