جاء ردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني الذي استهدف بشكل خاص عددًا من قواعدها الجوية، محدودًا وحذرًا، حيث كان حجم هذا الرد أقل مما تحسّبت له طهران. فقد اختارت إسرائيل استهداف منظومات دفع جوي في محيط مدينة "أصفهان"، دون أن تتبنّى مسؤوليتها عن هذا الاستهداف؛ لرغبتها في إنهاء أول مواجهة عسكرية علنية مع إيران.

وهناك العديد من الأسباب التي حدَت بالقيادة الإسرائيلية إلى الرد بشكل محدود على الهجوم الإيراني، الذي جاء بدوره ردًا على اغتيال إسرائيل عددًا من قيادات "فيلق القدس" في دمشق، قبل حوالي شهر.

فقد لعب التوقيت دورًا مهمًا في اختيار إسرائيل الردّ بشكل محدود على الرد الإيراني. فإسرائيل منغمسة في مواجهة عسكرية بمستويات مختلفة في كل من قطاع غزة، ولبنان والضفة الغربية؛ حيث إنّ جيش الاحتلال مستنزَف إلى حد كبير في الساحات الثلاث. وإن كان الوزير غادي آيزنكوت، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي قد أقرّ – الأسبوع الماضي في كلمة أمام "مركز الديمقراطية" الإسرائيلي – بأنّ جيش الاحتلال فشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة بعد ستة أشهر، وفي استخدامه قوة نار هائلة؛ وأن دائرة صنع القرار في تل أبيب تعي أن الدفع نحو فتح مواجهة شاملة مع إيران في هذا التوقيت، يمثل مخاطرة إستراتيجية غير محسوبة.

إلى جانب ذلك، فإن التصعيد العلني مع إيران، يعني تفجُّر مواجهة شاملة تخشى تل أبيب، أن تدفع حزب الله تحديدًا إلى الانغماس فيها بشكل كامل، مما سيمثّل تهديدًا غير مسبوق للجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وإنْ كان حزب الله حاليًا، في إطار إسناده للمقاومة في غزة، يحرص على شنّ هجمات محدودة، سواء على صعيد النطاق الجغرافي وطابع الوسائل المستخدمة والمواقع المستهدفة؛ فإنّ محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تفترض أن مواجهة شاملة مع إيران، ستدفع الحزب إلى استخدام كل الإمكانات التي تحوزها ترسانته الصاروخية.

فحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن ترسانة حزب الله الصاروخية تضمّ عشرات الآلاف من الصواريخ التي يمتاز الكثير منها بأنه ذو مديات بعيدة، ويحمل رؤوسًا متفجّرة ثقيلة، فضلًا عن أن بعضها ذو دقة إصابة عالية، مما يمكن الحزب من استهداف المرافق الحيوية والحسّاسة في إسرائيل.

وإن كان موقع "واللا" الإسرائيلي، قد نقل الأسبوع الماضي عن مصادر في جيش الاحتلال، تقديرَها أن حزب الله استخدم منذ بداية الحرب على غزة 5% فقط من ترسانته الصاروخية، وأن عملياته أجبرت، مع ذلك، عشرات الآلاف من سكان المستوطنات اليهودية في الشمال، على ترك منازلهم.

ولا حاجةَ للتذكير بأزمة القوى البشريّة التي يعاني منها جيش الاحتلال، والتي دفعت إلى تجنيد عدد غير مسبوق من ضبّاط وجنود الاحتياط؛ في ظل نجاح الأحزاب الدينية الحريدية المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو – حتى الآن- في الحيلولة دون سنّ أيّ قانون يلزم بتجنيد أبناء التيار الحريدي.

إلى جانب ذلك، فإنّ إسرائيل تخشى أن يفضي التّصعيد العلني مع إيران، إلى اندلاع حرب إقليميّة تفضي نتائجها إلى تهاوي الدعم الغربي الذي حظيت به بعد الهجوم الإيرانيّ.

فقد حذّر غيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي من أن تفجّر حرب إقليمية شاملة، يمكن أن يدفع إيران إلى استهداف مرافق النفط في الخليج بشكل يفضي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني، مما سيجعل الدول الغربية تحمّل تل أبيب المسؤولية.

في الوقت ذاته، فإن استهداف إيران في إطار حرب شاملة، دولًا عربية ترتبط بإسرائيل باتفاقات "سلام" أو تطبيع، سيهدّد علاقات تل أبيب الهامة والحيوية بهذه الدول. فقد أدركت إسرائيل الأهمية الجيوستراتيجية الفائقة لعلاقاتها بعدد من الدول العربية، عندما لعب تعاون هذه الدول دورًا حاسمًا في احتواء الهجوم الإيراني.

من ناحية ثانية، فإن إسرائيل تبرّر محدودية ردها بأنه يمثل أيضًا استجابة للضغوط الغربية، وتعمل حاليًا بكل قوة من أجل توظيف ذلك في دفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى الانخراط في تحرك سياسي ودبلوماسي ضد إيران، عبر فرض قائمة طويلة من العقوبات التي تطال مشروعها النووي، وترسانتها الصاروخية. وبالفعل فقد شرعت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات ضد إيران.

إلى جانب ذلك، فإن القيادات الإسرائيلية تفصح عن رغبتها الجامحة في بناء تحالف أمني إقليمي بقيادة الولايات المتحدة، يجمعها بدول عربية؛ من منطلق أن العوائد الإستراتيجية التي ستجنيها من هذا التحالف أكثر من حرب إقليمية مع إيران.

هل يسدل الستار؟

لكن على الرغم من كل ما تقدم فإنه من الصعوبة بمكان الجزم، إنْ كانت محدودية الرد الإسرائيلي ستفضي بالفعل إلى إسدال الستار على المواجهة العلنية الأولى مع إيران.

وإنْ كانت المواجهة الحالية قد تفجّرت في أعقاب اغتيال إسرائيل عددًا من قادة "فيلق القدس" الإيراني في دمشق؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستردّ إيران بشكل مباشر على إسرائيل في حال استأنفت استهداف قادتها العسكريين في سوريا؟ أم أن رد طهران جاء فقط لأن اغتيال قادة "فيلق القدس" كان داخل القنصلية الإيرانية؟ مع العلم أن قادة إسرائيل – وتحديدًا وزير الحرب يوآف غالانت – يواصلون التأكيد على أن إسرائيل ستواصل استهداف "كل من يشكل خطرًا عليها".

وفي حال امتنعت إسرائيل عن مواصلة استهداف القيادات العسكرية الإيرانية في سوريا، على وجه الخصوص، فإن هذا مؤشر على نجاح إيران في فرض معادلة ردع جديدة ضد إسرائيل، وتغيير قواعد الاشتباك معها.

وعلى صعيد آخر، فإن كلًا من إيران وإسرائيل قد ترغمان على الاشتباك مجددًا في حال تفجّرت مواجهة بين جيش الاحتلال وحزب الله. صحيح، أن إسرائيل تخشى تبعات المواجهة مع حزب الله؛ بفعل المحاذير من تأثير ترسانته الصاروخية على جبهتها الداخلية، لكن قادة تل أبيب التزموا أمام الرأي العام الإسرائيلي – وتحديدًا أمام سكان مستوطنات الشمال- بأنهم لن يسمحوا بمواصلة إخلاء هذه المستوطنات بفعل نيران حزب الله؛ وأنه في حال لم تنجح الجهود الدبلوماسية في التوصل لتسوية تضمن وقف حزب الله عملياته، فإن مواجهة عسكرية ضد الحزب ستكون حتمية.

وفي حال تفجّرت مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، فإن هذا يزيد من فرص حدوث تصعيد علني آخر بين طهران وتل أبيب.

لقد تفجّرت المواجهة العلنية الأولى بين إيران وإسرائيل؛ لأن قادة تل أبيب أخطؤُوا في تقدير ردة فعل طهران على اغتيال قادة "فيلق القدس" في القنصلية الإيرانية في دمشق. ولا يوجد ضمانة ألا تسفر التقديرات الخاطئة لأحد الطرفين بشأن نيَّات وتوجهات الطرف الآخر، عن دفعهما مرة أخرى إلى مواجهة جديدة، قد تكون أكثر شراسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الهجوم الإیرانی جیش الاحتلال فیلق القدس مع إیران حزب الله تل أبیب فی حال

إقرأ أيضاً:

إيران تهدد إسرائيل بـ حرب مدمرة في حال شنت هجوما واسعا على لبنان

قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في منشور على منصة إكس إنه إذا هاجمت إسرائيل لبنان بعدوان عسكري شامل فسوف يؤدي ذلك إلى حرب مدمرة.

وأكدت أنه على الرغم أخذ طهران بالاعتبار أن تهديدات تجاه لبنان تقع في إطار "الحرب النفسية"، إلا أنه إذا خاضت إسرائيل حربا في لبنان فإن "كل الخيارات بما في ذلك المشاركة الكاملة لمحور المقاومة" ستكون مطروحة على الطاولة.

Albeit Iran deems as psychological warfare the Zionist regime’s propaganda about intending to attack Lebanon, should it embark on full-scale military aggression, an obliterating war will ensue. All options, incl. the full involvement of all Resistance Fronts, are on the table.

— I.R.IRAN Mission to UN, NY (@Iran_UN) June 28, 2024

وتتزايد المخاوف من اتساع رقعة الحرب في المنطقة على خلفية تبادل القصف بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. وارتفع مستوى التوتر هذا الشهر بسبب تزايد القصف.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قد صرح مؤخرا أنه في نهاية "المرحلة المكثفة" من هجومه على قطاع غزة، سيكون الجيش الإسرائيلي "قادرا على إعادة نشر بعض القوات في الشمال" بالقرب من الحدود مع لبنان، ما يزيد المخاوف من توسع النزاع.

أعلن الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي أنه تمت "المصادقة" على خططه لشن هجوم على لبنان، ما أدى إلى صدور تهديدات جديدة من الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله.

والخميس، أعلن حزب الله إطلاق "عشرات" الصواريخ على قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل ردا على ضربات إسرائيلية على لبنان.

المتحدثة باسم "اليونيفيل" للحرة: الوضع يبعث على القلق تثير التوترات الحاصلة في شمال إسرائيل وجنوب لبنان مخاوف أمنية خاصة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان المعنية في حفظ السلام، على ما أكدت مسؤولة من "اليونيفيل" لقناة "الحرة".

وأفاد الحزب الموالي لإيران مقتل أربعة من مسلحيه فيما ذكر الجيش الإسرائيلي بأن ثلاثة من عناصر حزب الله قتلوا في ضربات جوية.

وجماعة حزب الله اللبنانية، التي كثيرا ما تعلن عن هجماتها، استخدمت من حين لآخر الصاروخ "بركان" قصير المدى برأس حربي يصل وزنه إلى 500 كلغم.

واستخدمت الجماعة في كثير من هجماتها المعلنة أسلحة ذات رؤوس حربية أصغر بكثير، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات التي عادة ما تحمل رؤوسا حربية تزن أقل من 10 كلغم.

وإثر القصف الأخير، قال الجيش الإسرائيلي إنه رصد "إطلاق حوالي 35 قذيفة صاروخية من لبنان، حيث اعترضت الدفاعات الجوية معظمها بدون وقوع إصابات".

والخميس، استهدفت غارة إسرائيلية بلدة سُحمر في شرق لبنان، وذلك غداة غارة استهدفت مدينة النبطية في جنوب لبنان وأدت لإصابة 20 شخصا بجروح. 

وأعلن حزب الله مقتل أحد عناصره في سُحمر.

وأدى العنف المستمر منذ أكثر من ثمانية أشهر بين حزب الله والجيش الإسرائيلي إلى مقتل 482 شخصا على الأقل في لبنان، أغلبيتهم من مسلحي حزب الله و94 مدنيا، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس.

وفي الجانب الإسرائيلي، قتل ما لا يقل عن 15 عسكريا و11 مدنيا، بحسب السلطات الإسرائيلية.

عبر منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة الأربعاء عن قلقه من احتمال اتساع رقعة الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة إلى لبنان، محذرا من أن ذلك يمكن أن يكون "مروعا".

وتحذر الولايات المتحدة من أن النزاع بين إسرائيل وحزب الله قد يؤدي إلى حرب إقليمية.

مقالات مشابهة

  • إيران وإسرائيل.. تهديدات تنذر بحرب كبرى
  • ليبرمان ينتقد إدارة الحرب في غزة.. "مواجهة إيران لا مفر منها"
  • ليبرمان: لا خيار أمام إسرائيل سوى مواجهة إيران مباشرة
  • روسيا تحذر.. الرد على صواريخ واشنطن بأوروبا قادم
  • وزير خارجية إسرائيل يهدد إيران وحزب الله: سنتحرك بكل قوة
  • رغم تحذير إيران.. هل تهاجم إسرائيل لبنان؟
  • إيران تحذر إسرائيل من "حرب إبادة" إذا هاجمت لبنان
  • إيران: الهجوم الإسرائيلي على لبنان سيعني "حرب إبادة"
  • إيران تحذر إسرائيل من "حرب إبادة" إذا هاجمت لبنان
  • إيران تهدد إسرائيل بـ حرب مدمرة في حال شنت هجوما واسعا على لبنان