وكيل الأزهر: السلام والتسامح لا يعني التفريط في الحقوق
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن السلام غاية الوجود فلا يتصور للحياة معنى بدون سلام، ومن جميل ما يذكر أن مصر قد عرفت السلام والايمان والتسامح منذ القدم فعاش المصريون القدماء على ترابها وكان ملوكهم يحرصون على إقامة السلام والعدل بين الرعية.
تحالف اليونيسكو للثقافة الإعلاميةجاء ذلك خلال كلمته اليوم نيابة عن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بالمؤتمر الدولي الذي ينظمه تحالف اليونيسكو للثقافة الإعلامية والمعلوماتية عن دور الثقافة الإعلامية في دعم التفاهم والسلام العالمي وذلك بمقر جامعة الدول العربية، بحضور أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالإضافة إلى سفير إسبانيا في مصر وممثل منظمة اليونسكو.
وقال «وكيل الأزهر» إن ثقافة السلام والتسامح فضيلة حث عليها وحي السماء للتخلي عن الأمراض النفسية والاجتماعية كالكراهية والحقد واعنف، التي تترك آثار هدامة في حياة الشعوب والأفراد وما من دين عرفته البشرية إلا وجاء بالسلام، لكن هناك من يفتقد الأمن والسلام وكأن أوامر السماء وتوجيهات الأنبياء والمصلحين تتردد في عالم غير عالمنا ويخاطب به غيرنا.
الشرائع السماوية تتفق في القيموأشار الضويني، إلى أن الشرائع السماوية تتفق في القيم والفضائل، إذ أن التسامح بين البشرية مطلب ديني إنساني نبيل، مؤكدا أن روح السلام والتسامح تسري في شريعة موسى عليه السلام في العهد القديم، وعند عيسى عليه السلام في العهد الجديد، وفي الإسلام فقد تعددت نصوص القرآن والسنة، وتأتي وثيقة المدينة دليلا علميا تشرح كيف نشر النبي صلى الله عليه وسلم السلام والتسامح في دستور نظم مكونات المجتمع الجديد مع اختلاف أعراقهم وتوجهاتهم على أساس المواطنة في المدينة.
وأكد أن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية لم يقف عند حد التنظير ولكنه امتد للفعل عبر العفو والصفح، مشددًا على أن السلام والتسامح الحقيقي لا يعني التفريط في الحقوق ولا الاعتداء على الخصوصيات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وكيل الأزهر الضويني الشرائع السماوية السلام والتسامح
إقرأ أيضاً:
الحلقة الثانية من كتاب ..عدسات على الطريق .. !!
بقلم : حسين الذكر ..
تلاشت الحركة العامة وخفة زحمة المرور وانقطع وقع آثار زحف المارة ، بعد أن اغلقت المتاجر والأسواق ،وصرير أبوابها ملأ المسامع . لم يتبق في المحطة الا شخصين احدهما بعنفوان الشباب ،كان يتلفت يمينا وشمالا ويدون بين الحين والآخر بعض الملاحظات بدفتر كان يحمله ، أما الآخر فرجل عجوز تبسمر باحدى زوايا المحطة ، أبيض الشعر أحدب الظهر، عميق التجاعيد ، إنفرد بزيه الموغل بالقدم ، حتى صار دالاً عليه ، يضع على عينيه نظارات ذات عدسات كبيرة مدورة ،يغطي رأسه بقبعة فرو لا تفارقه ابداً ، يدعى العم كاظم الحزين ، هو لقب أطلقه عليه أصدقاؤه في العمل ممن لم يشاهدوه يوماً والابتسامة تعلو شفتيه ، جلس كأنه كتلة لحم جامدة ، لمّ يديه تحت ساقيه واخذ يحرك ركبتيه بلطف بين الحين والاخر ، كان يضع كيساً من القش أمامه يحمل فيه بعض بضاعته التي يعمل بها ، بعد ان تقاعد من سلك التعليم منذ مدة طويلة ، فيما راتبه التقاعدي لا يسد رمق عائلته لأكثر من اسبوع في احسن الاحوال ، اذ بلغ التضخم أعلى درجاته تحت ويل الحصار واجراءات التقشف الحكومية التي عانى من آثارها واكتوى بنيرانها الفقراء والموظفون وكل أصحاب الدخل المحدود ، وقد أنهكته السنين الحبلى بمسلسل المصاعب ، ظل يعمل في بيع وشراء الكتب القديمة على إحدى أرصفة ساحة الميدان التي تكتظ ارصفتها بانواع البضائع القديمة والمستهلكة والمسروقة والتالفة التي كانت تعرض على شكل مجموعات من الانقاض والمتروكات ، لا تفرق بينها وبين حال من يبيعها ،اذ كان الباعة من ضعاف الحال ، سيماؤهم يعلوها التعب والملل واليأس بعد أن رمت بهم الضرورة القسرية وسوء الأوضاع بهذا المستنقع الوحل . ظل وحيداً تحت خيمة المحطة غير مكترث بما يدور غير آبه لما هو آت .
إستغرب الشاب متسائلا في قرارة نفسه !
لِمَ يجلس بهذه الحالة اليائسة ؟ آه كم جميل منظر هذا العجوز .. كأنه أسد كبير ، يتطلع ويتأمل من على قمة جبل شاهق ، غابته المحترقة التي تجري فيها الحيوانات هائمة على وجوهها من كل ناحية ولا يدري ماذا يفعل لأجلها ، على الرغم مما هو فيه ، إلا ان هيبته آخذة للعيان .. (دعني اقترب مسلماً عليه سائلاً عن أحواله ، إذا أمكن ذلك ..) ؟
خطا الشاب خطوات متأنية أمام العجوز وأطلق كلمات مرتبكة : مرحباً يا عم .
رفع العجوز رأسه ووضع سبابته وسط نظارته ، ثم نظر شزراً باتجاه الشاب وقال : أهلاً . ( إنه جواب لا ينم عن كثير من الارتياح وقد لا يشجع على المواصلة ، لكن لا يهم إنها البداية وغالباً ما تكون البدايات متعثرة . سأكرر عليه ). يا عم أنا طالب دراسات عليا وأُعد بحثاً عن الشرائح الاجتماعية العراقية وسط صعوبات الحصار الاقتصادي ، واني أراك رجلاً مسناً ، سطرت حكمته الايام وصقلها الدهر فأرجو ان لا تبخل عليّ بما ينفع من اجابات ، وآمل ان تجود بما في قريحتك .. اذا لم يضايقك ذلك ؟.
تبسم العجوز ، وأومأ اليه بالجلوس .. ان الدنيا حبلى ، بما لا نعلم ، لعل فيك مايؤنسنا وينسينا ! شكراً ياعم ، هذا لطف منك ، قبل كل شيء أرجو الاجابة وتفسير ما أنت فيه الآن ، لماذا انت هنا حتى هذه الساعة وقد أطبق الليل فكيه . تنفس العجوز عميقا وهز رأسه قليلاً ثم قال :-
ــ إني أعمل هنا في بيع وشراء الكتب القديمة ، وأنا من أصحاب الدخل المحدود جداً ، إذ أن راتبي التقاعدي لم يعد يكفي لسد رمقي الشخصي ، فكيف برب أسرة مثلي ، والحصار كما نراه ونتحسسه وحشاً ظالماً ، وقع شره وأثره علينا نحن الفقراء ، وأنا لا أملك غير هذه البطاقة التي توزعها المنشأة العامة لمصلحة نقل الركاب ، بأسعار زهيدة تكون عوناً لي وأمثالي لتخفيف حدة تكاليف وسائط النقل المكلفة جداً ، لاسيما الخاصة منها ، التي كما اظنك تعلم بأنها لا تناسبنا ولا نمتلك القدرة على استخدامها واستئجارها . إني آسف جداً .. هون عليك ذلك .. سنجد مخرجاً فيما بعد .. ولكن جلوسك هنا بهذه الحالة السلبية ، لا يعد اجراء صحيحاً لحل المشكلة ، وكان الأجدر بك أن تحاول الوصول الى دارك ،كما فعل بقية المواطنين ممن كانت تكتظ بهم المنطقة قبل ساعات بأي طريقة .. المهم أن تصل وتخرج مما أنت فيه !
ــ يا بني إن جلوسي هنا، ما هو إلا جزء من محاولتي للخروج من المأزق الذي تعرضت الى أمثاله مرات عديدة في حياتي من قبل واخرجتني عناية السماء التي اؤمن بها وأدعو لها سالما معافى . فان سبل الرحمة لا تغلق جميعها ولكن تبقي دائماً وأبداً على منفذ للخروج منه الى ذلك العالم الفسيح .
ــ لكنني لم أر منك ما يوحي بانك تصلي أو تدعو أو تعبد ربك !
ــ إن المناجاة ليس فقط بالتعبد الظاهري وفي الصلاة والصوم والقيام والقعود ، إذ ان في التأمل والتفكير والتطلع نحو السماء والتوسل بثقة في الخالق العظيم أرقى واقدس انواع المناجاة.
ــ طيب ، هل عندك فكرة عن نوع المساعدة التي سيقدمها لك الرب في هذا الظرف الصعب الذي تمر فيه .. وهل تعتقد أنه سيرسل لك باصاً خاصاً ! أم أنه سيضع في جيبك النقود ؟؟
ــ السماء حاضرة دوماً معي ، ولن تخيبني يوما ما، وما حضورك في هذه البقعة وبهذا الوقت إلا لتقديم أي نوع من المساعدة ، فهل تمتلك من الشجاعة ،ما يمكنك من مغادرة المكان دون أن تمد يد العون لي ..؟
ــ تبسم الشاب قائلا : أصبت في ذلك تماماً .. وأعلم باني اشتري مقابلتي مساعدتي لك ، بما لا يعادله ثمن !
ــ يا بني إن الإمدادات التي يتوخاها المؤمنون ، لا تنقطع غيبية كانت أم مادية ، وهذا ديدن السماء لمن يؤم وجهه إليها !
ــ ولكن كيف لرجل مسن ورب أسرة لا يمتلك مبلغا تافهاً من المال في مثل هذه الظروف .. ماذا لو تعرضت لطاريء يتطلب الكثير من المال مما لا يحمله تصورك .. حقا إني أفزع لمجرد التفكير بمثل هكذا مواقف ، ثم كيف أنك صابر على ذلك .. وأسمح لي أن أقول : إما أنت بليد ، لا تقدر عواقب الأمور ، أو أن ايمانك مثالي خيالي ، كالذي نسمع ونقرأ عنه ولا نراه على أرض الواقع !!
ــ يا ولدي لكل حادث حديث ولا شيء خارج حدود السيطرة الانسانية .. جل عمري انقضى ، صراعاً مريراً مع الدهر ، لم يحدث لي ما يرعبك .. لذا فهو غير موجود ، في الوقت الحاضر- في الاقل – ولا يستحق أن أشغل بالي فيه .. ثم ان الغالبية العظمى من أبناء بلدي ، هم مثلي أو أسوأ حالاً مني ، وهم يعيشون ، يفرحون ويحزنون يضحكون ويبكون ، أناس طيبون ، لهم مشاعر وأحاسيس وأمنيات وتطلعات وهم يمثلون السواد الأعظم من الشعب الذي أنت جزء منه !
ــ إعلم يا عم .. ان عنكبوتك أخذ ينسج حولي وحبك اخذ بتلابيبي ، دعني أكلمك بصراحة ولا تزعل مما سأدلوا فيه فقد اتضح لي أنك رجل كسول تعتمد الغيب لتبرير إخفاقاتك ، فكيف تعبر لي عن عمر وصفته بالطويل وأنت على هذه الحال الضائع ، تسرح في نهارك وتخمد في ليلك لا تفكر في تغيير أوضاعك نحو الأفضل ، ان الذي أنت فيه يدعو للعجب والسخرية ، فانت تمثل منتهى الفشل المذل والموت في الدنيا قبل موت الآخرة !
ــ يا ولدي .. هون عليك ولا تكن لاذعاً معي فاني شخت كما ترى ، بعد أن افنيت دهراً في ساحة الجهاد الأكبر وساحة الحرب الأبدية ، حتى آحدودب ظهري ، وما زلت في غاية الصبر والرضا أتحمل الويل والهوان في سبيل اتمام رسالتي الابوية ولن أبرح ساحة الوغى التي أراها عزاً وتكليفاً وتراها مستنقعاً للرذيلة ، حتى يغير الله أشياء كثيرة ونحن جزء منها .
ــ عجبي منك يا شيخ ، سنين طوال وحالك ترثي من وقعه حتى البهائم وأنت كما أنت ، لا تشكو ولا تهتز لنفسك وعيالك .. أين إيمانك بالله الذي تدعي ، اظنك تحسب الكسل عبادة والرضوخ إيماناً .
هنا حاول العجوز مقاطعته ، لكن الشاب أصر على تكملة الحديث .. يا عم إني جبلت على معرفة أن الله عادل ويدعونا للعدل والمساواة والعدل كل العدل أن لا نرضى بما لا يلق ببني البشر ، الذين كرمهم الخالق أحسن تكريم ، كما دعانا لمجاهدة ومحاربة سوء الحال أين ما كان وحل ، وأمرنا أن نسعى في الارض بحثاً عن الارقى لسيد الكائنات ( الانسان ) وأن لا نفعل كالنعامة التي تغطي رأسها كلما داهمها الخطر .
عندها تفتحت أسارير الشيخ وصفق قائلاً : أحسنت قولاً يا ولدي ، على ما يبدو اني اليوم أمام محاور صعب المراس ومتسلح بشكل جيد وأكبر ما يبدو من عمره .
ــ إن الأمور لا تحتاج الى الكثير من الاستعداد والتسليح ، والايمان الحق يدعوك دائماً الى الثورة والتغيير بالشكل والمضمون ، لأوضاعك السيئة التي لا تتناسب مع كرامة الانسانية التي وهبها الله لعباده وخلقه .
ــ حسن إنني رضيت بك قدوة لي ، فدعك من تبجحك هذا ، وأرني بما تشير علي في مثل هذا الظرف والوضع الذي انا فيه .
ــ عفواً ياعم ، فانا لا أقصد الإساءة وأتمنى لك حسن الحال والتوفيق ، وان لا تبقى نائماً ويائساً تنتظر الفرج يحط عليك من السماء وأنت غاط في سباتك العميق ، حتى يزيح عنك الستار ويكشف الغطاء ، ويغرقك بفيض الماء كي تصحو ، وأعلم أن مدد السماء لا ينزل على أرض الكسل والجهل .. فقم ناهضاً من فراشك نافضاً غبار الموت عن جسدك وروحك ، مستفيداً من عون السماء الذي هو في داخلك وليس بعيداً عنك كما تعتقد وتتصور متوهماً !
ــ كفاك توبيخاً ، ودعني أطلع على آرائك ( المعجزة ) فانها أعجبتني وأنا مشتاق جدا لسماعها !
تبسم الشاب ابتسامة ملؤها الامل والزهو ، ثم وقف امام المحطة ،متطلعاً للشوارع الخاوية . وقال : لقد داركنا الوقت ، فما رأيك بمعاودة الحديث يوم غد ؟
ــ أنا لا أحب التاجيل ، وأرجو منك أن تكمل ما بدأته معي !
ــ حسنا ، ما دمت مصراً على ذلك ، فدعنا نحتسي الشاي من ذلك الكشك القريب حتى نكمل بقية الحديث بمزاج أفضل .
ــ حسنا هيا انهض .. حسين الذكر