«كلما رحل صديق مات جزء، وكلما غادرنا حبيب مات جزء، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة، فيحملها ويرحل».. هكذا عبّر الشاعر والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران عن رؤيته لنفسه، وللإنسان بشكل عام في رحلة الحياة، وبرغم رحيل "جبران" عن دنيانا قبيل مولد الفنان الكبير صلاح السعدني بـ"عقد زمني كامل"، إلا أنه وصف رحلته بأدق كلمات، ذاك "العمدة" ظلت أجزاء منه تموت بموت "أصحابه"، و"أحبائه"، لينزوي شيئاً فشيئاً عن البريق، يزهد في الشهرة، وينسحب من هالات الضوء، في عز الوهج، ماتت بداخله أجزاء فأصبح غير قادر على التواصل مع العالم المتلاهث، وأتى الموت الأكبر صبيحة الجمعة، ليحمل بقية الأجزاء إلى مأواها الأخير، فتسدل الستار على رحلة استثنائية لأحد أعمدة خيمة الدراما المصرية.

مطلع الستينيات، كان أول "سرادق عزاء جماهيري" يقام لـ"السعدني"، حين مات (درامياً) خلال أحداث مسلسله "لا تطفئ الشمس"، ثم حلت نُذُر "رحيل" آخر، اسمًا فقط، في مسلسل "الرحيل"، ضمن ثلاثية درامية عملاقة (مع الساقية والضحية)، بتوقيع المخرج الكبير "نور الدمرداش"، الذي أطلق على "السعدني" وقتذاك لقب "ملك الدراما"، وبرغم كونه يجسد دور "أبو المكارم الأخرس"، إلا أن صوت موهبته كان أعلى من أن تخرسها حكومة "السبعينيات" بسبب "آرائه السياسية" التي لم تعجب أحدهم!

تلك الآراء (المشاكسة والمُحبة للوطن)، شربها وتشرّبها من شقيقه الأكبر، الصحفي الكبير محمود السعدني، الذي كان "الأب والرمز والملاذ والمثل الأعلى"، تلك الآراء دفع ثمنها غاليًا من "رصيده الفني"، وبلغت الذروة حين تم اعتقال الأخ الأكبر بسبب "سخريته السياسية من بعض الرموز"، وألقيت الظلال القاتمة على الأخ الأصغر، بـ"منعه" من المشاركة في عدد من الأعمال الفنية، وأشهرها (كما تردد)، مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التي رشحه لها زميل كفاحه "عادل إمام"، وذهب الدور في النهاية للشاب (وقتها)، أحمد زكي، وكان محمود السعدني قد خصص في كتابه "المضحكون" فصولاً بأكملها عن "الأصحاب الثلاثة" صلاح السعدني وعادل إمام وسعيد صالح، واعتبرهم مكملين لبعضهم في الموهبة والذكاء والثقافة، وأطلق عليهم اسم "شلة الصيع"!!

وبرغم "الظلم" الذي تعرض له "صلاح" في حقبة السبعينيات، إلا أن بشائرها أهدته دور "علواني" في فيلم "الأرض" ليوسف شاهين، ثم منحه القدر أدوارًا مميزة خلدته في ذاكرة "سينما الحرب"، بفيلمي "أغنية على الممر"، و"الرصاصة لا تزال في جيبي"، واستأنف نجاحاته في حقبة الثمانينيات، وبحلول عام 1987، كتب القدر موعده الأهم والأقوى مع النجومية، في دور "بديل" لصديقه المقرب سعيد صالح، بشخصية "عُمدة" في ملحمة حفرت تاريخًا دراميًّا خالدًا، في "5" أجزاء، تحت عنوان "ليالي الحلمية".

شخصية "العمدة سليمان غانم" التي أصبحت "أيقونة" في ذاكرة الدراما المصرية والعربية، على مدار "8" سنوات، شكلت وجدان جيل بأكمله، وأصبحت "قطعة من أعمارنا"، بالملابس والإيفيهات والسكنات والحركات وحتى "الصرخات"، استلهمها صلاح من شقيقه الأكبر، محمود، الذي لم يكن في حياته مجرد "فرد"، وإنما كان "قبيلة" بأكملها، على حد تعبير "صلاح".

وبالتزامن مع أول أجزاء "الحلمية"، اختار المخرج يوسف مرزوق "السعدني" لأداء شخصية "ياسين" الابن الأكبر لـ"سي السيد"، في جزأي "بين القصرين"، و"قصر الشوق"، ضمن ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، ثم تأتي مرحلة "أرابيسك" بشخصية "حسن أبو كيفُه"، التي كانت "الجناح الدرامي الثاني" بعد "العمدة سليمان غانم"، ويبدو أن شخصيته الدرامية في "أرابيسك" انطبعت في وجدان "صلاح الإنسان"، فتقمّصها في حياته بعيدًا عن الكاميرات، وتشكّلت "نمنماتها المدهشة" على جدار روحه، ليصبح "أبو كيفُه"، الصنايعي الفنان الذي يبدع بـ"كيفُه" وقتما يشاء "مزاجه العام".

وتختتم حقبة التسعينيات، بمسلسل "حلم الجنوبي"، الذي راهن مخرجه الكبير جمال عبد الحميد، على "صلاح" بإسناد دور الصعيدي "نصر وهدان القط"، مدرس التاريخ عاشق الحضارة المصرية، الذي يكتشف مقبرة الإسكندر الأكبر، ويطلق أول صرخة وطنية ضد "مافيا الآثار"، فيحقق جماهيرية كبيرة تضاف لرصيد "نوعي" فريد، لا يضاهيه نجم في سماء الدراما التليفزيونية.

مطلع الألفية الثالثة، وبالتحديد 2002، التقى الأصدقاء الثلاثة صلاح السعدني، وفاروق الفيشاوي ومحمد وفيق، في بطولة مشتركة لمسلسل يحمل اسم "الأصدقاء"، كعنوان واقعي لحياة هؤلاء النجوم الذين ألفت بين قلوبهم رابطة صداقة وأخوة، حوّلت كلمات تتر المسلسل إلى حقيقة، حين كتبها الشاعر الكبير سيد حجاب: "يا صديق عمري يا صاحب ذكرياتي.. يا كنز أيامي يا تحويشة حياتي"، أما عن صداقته مع العملاق الراحل نور الشريف، والتي امتدت لأكثر من "40" سنة، فبرغم أنها لم تثمر عن أعمال فنية ناجحة، بحكم تركيز "نور" على السينما وقت توهج "صلاح" تليفزيونيًا، إلا أن صداقتهما، و"صفاء روحيهما"، كانت تدفع "نور" كلما أتقن دورًا، إلى القول بأنه "لا يستطيع ممثل أن يؤدي هذا المشهد أحسن مني إلا صلاح السعدني"!

تعددت الوجوه الدرامية لـ"صلاح"، في مطلع الألفية الجديدة، بـ"كفر عسكر"، و"رجل في زمن العولمة"، و"الباطنية"، و"الإخوة الأعداء"، و"أوراق مصرية"، وغيرها، حتى اختتم مشواره في 2013، بمسلسل "القاصرات" الذي قرر بعده أن يستريح من "وعثاء" الرحلة، ربما جاء قرار "انسحاب الفنان" بمثابة "استراحة محارب" في بداية الأمر، ولكن فواجع القدر، كانت خبطات موجعة لقلب "صلاح الإنسان"، الذي كان لتوّه تعافى (جزئيًا) من صدمة رحيل شقيقه الأكبر (2010)، واستطاع بـ"شِق الأنفس" أن يقف أمام الكاميرات، لتنهال "قواصم الظهر" برحيل رفيق الدرب، الفنان سعيد صالح (2014)، ثم يجتاحه عام الحزن الأكبر (2015)، بصبغته السوداء، برحيل محمد وفيق، ثم نور الشريف، ليبدأ "العد التنازلي" لاعتزال "شغلانة العمر"، كما كان يسميها "صلاح".

بوفاة نور الشريف، انهالت الأحزان على قلب "صلاح"، وانهارت حالته الصحية، وبدا وكأن "أجزاء" ماتت بالفعل داخل روحه، وكيف لا، وهو الصديق الصدوق الذي ارتضى أن يلعب دور "المحاور التليفزيوني" لـ"عِشرة العمر"، شريك الحلم الناصري، النجم نور الشريف، والذي بدأ حواره بمقولة الأستاذ محمد حسنين هيكل، في تعريف "الصديق" بأنه "هو الذي تستطيع أن تجلس معه لساعات طويلة دون أن تتبادلا كلمة ودون أن ينقطع خط الحوار بينكما"، وكان يقصد "نور" شريك الحلم والثقافة والإبداع.

صلاح السعدني، خريج كلية الزراعة جامعة القاهرة، مرتاد مقاهى "متاتيا" بالعتبة و"محمد عبد الله" بالجيزة، صاحب أكثر من "200" عمل بين السينما والمسرح والتليفزيون، المتحدث اللبق والكوميديان التراجيدي الفلسفي الساخر، العمدة "صايع الدراما" الزاهد في البريق من فرط لمعانه، اختار الصمت من غزارة الكلمات بداخله، لخّص نظرته لمشواره الفني قائلاً: "الحياة بالنسبالي تركيبة مختلفة، فيها إيمان بأشياء خاصة جدًّا، لا يعنيني مين اسمه أكبر، يمكن ده حجم موهبتي ومن خلال حجمها عملت لنفسي مكانة".

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: صلاح السعدني وفاة صلاح السعدني أعمال صلاح السعدني صلاح السعدنی نور الشریف إلا أن

إقرأ أيضاً:

ياسين شيوكو حارس ميسي حديث مواقع التواصل الاجتماعي

أصبح ياسين شيوكو المكلّف بالحماية الشخصية للأرجنتيني ليونيل ميسي لاعب إنتر ميامي الأميركي حديث مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وذلك بعد انتشار عدد من مقاطع الفيديو ظهر فيها وهو يتلقى تدريبات قاسية جدا.

وذاع صيت شيوكو في صيف عام 2023 بعد اختياره ليكون الحارس الشخصي لأفضل لاعب في العالم 8 مرات، ومنذ ذلك الوقت يرافقه في جميع الأماكن سواء داخل الملعب أو خارجه.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موعد مباراة الرجاء البيضاوي ضد مانيما بأبطال أفريقيا وقنوات البث المباشرlist 2 of 2الذكاء الاصطناعي يتوقع الفائزين بالكرة الذهبية لـ10 سنوات قادمةend of list

وظهر شيوكو في أحد مقاطع الفيديو وهو متمدد على قضيب حديدي ويتلقى ضربات قوية على بطنه من قبل أحد الأشخاص وذلك بواسطة إطار ضخم.

Messi'nin koruması Yassine Cheuko'nın antrenmanı ???? pic.twitter.com/YVOvEZRJMF

— Asist Analiz (@asistanaliz) January 5, 2025

وفي فيديو آخر ظهر شيوكو وهو يتلقى لكمات قوية على بطنه، بالإضافة إلى العديد من الضربات بواسطة قضيب حديدي بالمكان نفسه.

???? Yassine Cheuko é guarda-costas de Lionel Messi desde que o argentino chegou ao Inter Miami, em 2023. O ex-militar norte-americano, especialista em artes marciais, é uma espécie de sombra do craque pic.twitter.com/tsIoOi3kLE

— Record (@Record_Portugal) January 18, 2025

إعلان

وعن ذلك قالت صحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية "لقد جذب تفاني واحترافية شيوكو الاهتمام ليس لأنه يوجد إلى جانب ميسي فقط خلال المباريات، ولكن أيضا في المناسبات العامة وفي الحياة اليومية".

وأضافت "لإبعاد الأخطار المحتملة التي قد تهدد ميسي، يخضع شيوكو لتدريب صارم يستعد فيه لمواجهة الأخطار المحتملة وتجنّبها".

من ياسين شيوكو ؟

ياسين شيوكو هو جندي سابق في البحرية الأميركية وكان ضمن عناصر الجيش الأميركي الذي شارك في الحرب على العراق وأفغانستان.

وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع شيوكو بخبرة كبيرة في فنون رياضات الدفاع عن النفس مثل التايكواندو والملاكمة وفنون القتال المختلط.

وسبق لشيوكو أن شارك في العديد من نزالات فنون القتال المختلط قبل أن يختاره الإنجليزي ديفيد بيكهام المالك الشريك لإنتر ميامي بعناية من أجل مهمّة توفير الحماية الشخصية لميسي.

كيف يحمي شيوكو ميسي؟

خلال عام ونصف العام هي الفترة التي قضاها ميسي منذ وصوله إلى إنتر ميامي، انتشرت العديد من مقاطع الفيديو رصدت شيوكو وهو يراقب اللاعب "كالصقر" من أجمل حمايته من "غزاة الملاعب"، وفق صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

ووثق مقطع فيديو وجود شيوكو بالقرب من الخطوط على جانبي الملعب من الخارج ويتحرك بالتوازي مع ميسي، قبل أن يدخل الملعب مباشرة بعد صفارة النهاية.

????Lionel Messi'nin Kickboks şampiyonu koruması Yassine Cheuko sahaya inen minik taraftara müdahale etti.

????Messi, küçük taraftarın fotoğraf isteğini kırmadı ???? pic.twitter.com/5ztRLpQZk1

— Kontraspor WEB (@Kontrasporweb) October 8, 2024

وفي مقطع آخر، حاول أحد المشجعين الوصول لميسي والتقاط صورة تاريخية معه، لكن الحارس الشخصي للنجم الأرجنتيني حرمه من تحقيق أمنيته.

مقالات مشابهة

  • حارس نيوكاسل يرفض عرض الشباب ويُفضل البقاء في أوروبا
  • الأرصاد السعودية تحذر من طقس اليوم في هذه المناطق
  • بايرن ميونخ يجدد مفاوضاته لضم حارس كولن في الميركاتو
  • مهيب عبد الهادى يكشف عن عرض ضخم لنجم الأهلي
  • منصة واتش ات تكشف عن صور عدد من مسلسلات رمضان 2025
  • لواء المكوك -النصر للعمدة عبد الباسط عبد الله
  • ياسين شيوكو حارس ميسي حديث مواقع التواصل الاجتماعي
  • الدراما الوثائقية (2)
  • كابوس يناير الذي لا ينتهي
  • الشباب يتغلب على صحار في مسابقة كأس جلالة السلطان