تأملات في الآية الكريمة ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النّاس لَا يَعْلَمُونَ﴾
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾: لها هنا معنى خاص في هذا السّياق وهو أن النّاس يدبرون ويمكرون، ويتآمرون ويفعلون كلّ ما يبدو لهم، والأمر في الأول وفي النهاية في يد الله وهو جلّ وتقدّس غالب كلّ مكر، وكل ظلم، وكل استبداد، وكل قهر، حتّى إنك أيها الظالم لا تدري ما في أمر الله، وربما كان في أمره أن هذا المظلوم الّذي أنت قاهر عليه سيأتي اليوم الّذي يكون فيه قاهراً عليك، فافعلوا ما شئتم أيها المجرمون، وتأكدّوا أنّ تدابير القدر ليس في أيديكم منها شيء، وإنّما هي في يد واحد، في يد الغالب على أمره، وإن كان أكثر النّاس لا يعلمون، ولو علمت أيها الإنسان المتعالي أنّه لا تسقط ورقة إلّا وهو يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس، لو علمت ذلك لعرفت حجمك، ولو عرفت حجمك لسهرت ليلك تدعوه تضرّعاً ورجاء وخيفة.
– ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ وفيه ملمح آخر من ملامح التمكين ليوسف عليه السلام وإن كان النظم في هذا الحكم جاء مغيراً عمّا سبقه فقد جاء بالسياق الاسميّ، ولم يرد بالسياق الفعليّ، وإلا لقيل: (ويغلب الله). وذلك لكون هذا الحكم كالقانون الّذي لا يتبدّل مع يوسف ومع غيره، والجملة الاسميّة أكثير دلالة على الثبات من الجملة الفعليّة، خصوصاً إذا كان الخبر اسماً، كما هو الحال.
وفي بدء الجملة بلفظ الجلالة: ﴿والله﴾، ما يشعر بالهيبة والعظمة، إضافة إلى ما في مادة الغلبة في قوله – جلت قدرته -: ﴿غالب﴾ من دلالة القوّة كما لا يخفي، ويؤيّد ذلك حرف الجر: (على) الدّال على الاستعلاء بأصل وضعه. قال ابن عاشور مشيراً إلى هذه الدلالة: وحرف: (على) بعد مادة الغلب ونحوها يدخل على الشيء الّذي توقع فيه النزاع، كقولهم: غلبناهم على الماء. وهذا التركيب: – ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ يعني: والله متم ما قدّره ولا راد لحكمه وتدبيره، وهذا يشير إلى أنّ إخوة يوسف أرادوا شيئاً، وأراد له ربه خلافه فكان ما أراد الله سبحانه، وفي ذلك إلماح إلى برهان واقعي للتمكين، وليكون أكثر تطميناً ليوسف عليه السلام.
– ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ أي: على كلّ أمر يريده ويقدره، فلا يغلب على شيء منه، بل يقع كما أراد، فكلّ ما وقع ليوسف من إخوته، ومن مسترقّيه وبائعيه، ومن توصية من اشتراه لامرأته بإكرام مثواه، ومما وقع له مع هذه المرأة، وفي السجن قد كان من أسباب ما أراده الله تعالى له من تمكينه في الأرض، وإن كان ظاهراً على خلاف ذلك، ويجوز أنْ يكون المعنى: والله غالب على أمر يوسف، فهو يدبره ويعلمه الخير ولا يكله إلى تدبير نفسه، واتباع هواه.
– ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾: فلا يستعصي عليه أمر، ولا يمانعه شيء، وهو القائل: ﴿إنّما أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]. أو: والله متولّ على يوسف لا يكله إلى غيره، وقد أرادوا هلاكه، وأراد الله تعالى سلامته ونجاته، فكان ما أراده سبحانه. فلا راد لقضائه، ولا غالب لمشيئته. ولمّا كان هذا الأمر وهو غلبة الله على أمره ووقوع ما قدّره سبحانه، مما يغفل عنه النّاس، أو يعقلون ضد مقتضاه جاء الاستدراك المبيّن لحال النّاس المخالف لذلك:
– ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النّاس لَا يَعْلَمُونَ﴾: لايعلمون أنّه تعالى غالب على أمره بل يأخذون بظواهر الأمور، كما استدلّ إخوة يوسف بإبعاده على أن يخلو لهم وجه أبيهم ويكون من بعده قوماً صالحين، ويقابل الأكثر في هذا المقام يعقوب عليه السلام فقد كان يعلم أنّ الله غالب على أمره، وأقواله صريحة في الدلالة على علمه ما تقدم منها وما تأخر في هذه القصّة، ولكن علمه كلي إجمالي لا يحيط بتفصيل الجزئيات المخبوءة في مطاوي الأقدار.
مراجع
من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، ص 79. التحرير والتنوير، (5/663). جماليات النظم القرآني، ص 16. تفسير المنار، (12/272-273). التفسير الموضوعي، (4/151). تفسير أبي السّعود، (4/263). تفسير المنار، (12/272-273).ويمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: علیه السلام على أمره
إقرأ أيضاً:
رئيس قسم السموم بقصر العيني: مخدر GHB تهديد جديد بالنوادي الليلية والرياضية
كشفت الدكتورة شيرين غالب، رئيس قسم الطب الشرعي والسموم بكلية طب قصر العيني، عن مخاطر مخدر الـ GHB المعروف بمخدر الاغتـ صاب، الذي تصدر العناوين مؤخرًا بعد ضبط 180 لترًا منه بحوزة بلوجر شهيرة وشخص أجنبي.
وأوضحت غالب خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي مصطفى بكري ببرنامج "حقائق وأسرار" على قناة صدى البلد، أن الـ GHB مادة عديمة اللون والطعم، تُستخدم بشكل غير قانوني في النوادي الليلية وأحيانًا في الصالات الرياضية.
وأشارت إلى استخدام هذا المخدر في بعض صالات الجيم كوسيلة لتحسين مظهر العضلات، محذرة من أن هذه الممارسات تعرض حياة الرياضيين والشباب للخطر، وتستدعي فرض رقابة مشددة على هذه الأماكن للحد من انتشار هذه المادة الخطيرة.
وأضافت أن تأثيرات مخدر الـ GHB على الجسم خطيرة، حيث تبدأ بفقدان التوازن وضعف السيطرة على القدرات الجسدية، يليها شعور بالنشوة، وتنتهي بفقدان كامل للوعي، ما يجعله أداة مثالية لاستغلال الضحايا وارتكاب الجرائم.
وأكدت أهمية التوعية بمخاطر هذه المادة وتشديد الإجراءات الأمنية في النوادي الليلية والرياضية لحماية الشباب من الوقوع فريسة لهذا المخدر القاتل.