السوداني زيارة ناجحة لواشنطن فهل نحن مستعدون لجيل سياسي جديد ماأجمل أن تكتب وأنت تترفع عن الثمن، وترى الثمن هو الوطن حين يشرق، فقد مللنا من فكرة تسخير الأوطان لخدمة الطغيان
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
بقلم: هادي جلو مرعي ..
تقديم ..
حين لاتريد من الحاكم مالا، ولاأن تلتقط معه صورة، ولاتتملقه، بل لتدفعه الى النجاح لأنك من داعمي مشروع الدولة فأكتب، ولاتخش ردات الفعل، وترفع عنها.
كما الصغار حين تحتشد في خواطرهم الأفكار والعقائد والضغائن والثأريات، وربما نوايا الفشل، والشعور بالدونية، وحتى الغيرة والحسد يمكن أن يكون ذلك منسحبا على مجموعات بشرية كاملة، وعلى شعوب، وعلى نخب فاعلة في السياسة والثقافة والإعلام، فيتحول الفشل الى ثقافة، واليأس الى وسيلة لتحقيق الغايات البائسة، فلايعودوا يتحملون أن يتحقق لهم النجاح، ولا لغيرهم لأنهم وريثو أزمنة اليأس والكبت والدونية التاريخية بفعل عوامل الإضطهاد والقمع والدكتاتوريات القومية والدينية التي أشبعت بعض الجماعات بشعور النقص والتابعية والفوضى الفكرية وفوضى الوجدان المعطل إلا عن البكائيات والصراخ، ثم الإنسحاب نحو ساحة الخنوع التي يريدها المسيطر والمتحكم حتى إذا جاءت اللحظة التاريخية وتحول المنهزم في ذاته الى متحكم منقوص تسامح مع أدوات الفشل، وجعلها تسيطر على سلوكه، فلايتحمل أن يرى سياسة، ولادولة، ولاقائدا ينجح، فينكفيء نحو زعامات شكلية، وولاءات سطحية، وتغيب عنه الدولة الجامعة فلا يتحملها لأنها تذيب طموحاته الشخصية، ورغباته البسيطة التي يظنها النهايات، وماتتمناه النفس على قاعدة:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ولكي لايزعلوا منا نقول: إنها زيارة يمكن أن يقوم بها رئيس كل دولة الى دولة أخرى، وتنتهي بتصريحات وإجتماعات وصور، وقبل ذلك كانوا يقولون : السوداني يتوسل قبولا أمريكيا لإستقباله في واشنطن، بينما تأتيه دعوات رسمية في العلن من القيادة الأمريكية، ويريدوننا أن نصدق ماينسجونه في السر من أكاذيبهم، ونكذب الدعوات الرسمية، وتوزع البعض بين راغب في نيل الرضا الرسمي فصار يهول الأمور الى فوق ماتحتمل، وبين صاخب في رفضه وتنكيله وأمله في فشل الزيارة، وكان يتخيل إن طائرة السوداني حين ستنزل في مطار رونالد ريغان سيمتنع الأمريكيون عن فتح بابها خشية أن ينزل السوداني، وكانت الرحلة في وقت محدود وإطار محدود الى العاصمة الفدرالية، وربما الى ميشيغن التي تتوفر على جالية عراقية كبيرة ذرفت دموع الشوق الى وطن فارقته من سنين، ثم رأت واحدا من ابنائه ممن عايش المغتربين قبل غربتهم، ثم لم يغادر حين غادروا، بل عاش محنة مابعد ٢٠٠٣ كما عاشها في الثمانينيات وتسعينيات الحصار والجوع والإحباط، فإجتمعت لديه المعاناة القديمة برغبة تقديم شيء مختلف لاليكتب له التاريخ مايتمناه، بل ليكتب هو لنفسه ولناسه شيئا مختلفا يجعله ويجعلهم يعيشون أملا وتطورا وجمالا كلنا يتشوق له لعله يتحقق كاملا خلال الفترة المقبلة على أمل أن يمسك الحالمون بالسلطة والمليارات أعصابهم فلايكثرون من كمية الألغام والأحقاد التي ينوون زرعها في طريقه.
جيل المعارضة للنظام السابق الذي حكم بعد العام ٢٠٠٣ والذي بدأ يهرم، وعايش الإحتلال والموت المجاني، وساهم بنصيب من الفشل والفساد عليه أن يتشجع، ويمنح الفرصة لجيل جديد من السياسيين، فقد مللنا من فكرة تسخير الأوطان لخدمة الطغيان، وأظنكم تتذكرون سيرة الحاكمين عبر التاريخ، وكم حكموا لأنفسهم متجاهلين الوطن حتى مع خديعة أن واحدا منهم عمل حديقة مدرجة لحبيبته المصابة بالإكتئاب، وواحدا نقش إسمه على طابوق مفخور في معامل النهروان شرق بغداد، وواحدا صنع حربا، وواحدا ذبح شعبا وكلهم ذبحوا ببرود أعصاب، ثم ذهبوا الى النسيان برغم تعلق المنتفعين منهم بهم، متجاهلين الحق لحساب التعصب القومي والطائفي والمناطقي والنفعي في أحيان. فليس الشرف والمسؤولية من يدفع في الغالب لتعلق الناس بالرموز، بل المصالح والأوهام والخديعة التي يصنعونها لأنفسهم، ويطوقونها بها، وإلا فالحق أحق أن يتبع، ولامجد لفاسد، ولا لقاتل، ولالسجان، ولا لقامع للمستضعفين، وعلى قاعدة: من أعان ظالما ولو بكلمة حشره الله معه في النار يوم القيامة.
إدعموا السوداني شرط أن لاتطمحوا في صورة معه، ولامكافأة تتمنونها، ولاتقربا لمحيطين به أو لتكونوا في قائمة المفضلين للظهور على القنوات الفضائية فالرجل يستحق أن ندعمه بتجرد دون أن نقترب منه وأن نشجعه ليستمر في العمل ولعله يساهم في صناعة جيل سياسي جديد بدلا من جيل مقرف هدعايشناه وأجيال مقرفة عبر تاريخنا المقرف الذي سجلناه حروبا ومجاعات وحصارات وسجون وهناك من يريده أن يستمر للأسف لأنه لايستطيع أن يعيش إلا مع القرف.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
أطفال السودان يدفعون الثمن
لن تكتمل مناقشتنا لمقولة «الحلقة الشريرة» إلا بالحديث عن كيفية كسرها وتفكيكها، وسنتطرق إلى ذلك في مقالات قادمة. أما في مقال اليوم والمقال القادم فسنناقش ما نعتقده بدور للمجتمع الدولي في تغذية «الحلقة الشريرة» في السودان، ومدخلنا لذلك ما دار في جلسة مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 مارس/آذار الجاري حول الكارثة الإنسانية في السودان، حيث قدمت كل من منظمة «اليونسيف» ومنظمة «أطباء بلا حدود» تقارير صادمة عن الكارثة والمعاناة التي لا تُصدق والعنف المروع في البلاد.
بالأرقام والشواهد الميدانية، يدلل تقرير «اليونسيف» على أن حرب السودان المشتعلة قرابة العامين أنتجت أكبر أزمة إنسانية وأكثرها تدميرا في العالم. فبالإضافة إلى الموت والمجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية، وغير ذلك من الانتهاكات لحقوق الناس الأساسية، فإن ما يعادل ثلثي السكان، منهم 16 مليون طفل، سيحتاجون هذا العام إلى مساعدات إنسانية، وثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون للموت بسبب تفشي الأمراض المميتة، وأن 16.5 مليون طفل، أي جيل كامل تقريبا، أصبحوا فاقدي التربية في المدراس، وحولي 12.1 مليون امرأة وفتاة وعددا متزايدا من الرجال والفتيان والأطفال معرضون لخطر العنف الجنسي المنتشر في السودان اليوم. ويقول التقرير إن «العنف الجنسي في السودان يُستخدم لإذلال شعب بأكمله وإرهابه والسيطرة عليه وتفريقه وإعادة توطينه قسرا» وأن الصدمة التي يعاني منها الأطفال جراء ما يصيبهم من أذى جسدي ونفسي ستخلف ندوبا عميقة لن تنتهي بتوقيع وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام. وأن كل هذه الانتهاكات تحدث في السودان وهو يشهد انهيارا لسيادة القانون وإفلاتا تاما من العقاب. واختتمت منظمة «اليونسيف» تقريرها بدعوة العالم أن يقف متحدا لحماية أطفال السودان والبنية التحتية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة، وأن يمنع جميع أشكال الدعم العسكري للأطراف، وأن يضمن استمرار «اليونيسف» وجميع المنظمات الإنسانية الأخرى في تقديم خدماتها للأطفال في السودان، مؤكدة أن التعبئة المكثفة للموارد وحدها يمكن أن تنقذ حياتهم ومستقبلهم.
أما منظمة «أطباء بلا حدود» فشددت في تقريرها على أن حرب السودان يتم تأجيجها من الخارج، ويوميا تتأكد حقيقة أنها حرب على الناس، وأن العنف ضد المدنيين ليس مجرد نتيجة ثانوية للصراع، بل هو جوهر شن هذه الحرب في جميع أنحاء السودان! وأن الآثار المدمرة للحرب تتفاقم بسبب القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية إما عمدا أو نتيجة للشلل البيروقراطي أو إنعدام الأمن أو انهيار الحكم. وضرب التقرير مثالابالعقبات البيروقراطية التي تفرضها قوات الدعم السريع من خلال «الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية» مؤكدا أن منظمات الإغاثة التي تحاول إيصال المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع تواجه خيارا مستحيلا. ووجه تقرير منظمة «أطباء بلا حدود» انتقادا لاذعا لمجلس الأمن الدولي في تعامله مع كارثة السودان قائلا: «بينما تُدلى البيانات في هذه القاعة، يظل المدنيون في السودان بلا حماية، يتعرضون للقصف والحصار والاغتصاب والتشريد، وهم محرومون من الطعام والرعاية الطبية والكرامة. وأن فشل مجلس الأمن في ترجمة نداءات المنظمات الإنسانية المتكررة إلى أفعال، يبدو وكأن المجلس يتخلى عن مواجهة العنف والحرمان في السودان، مشيرا إلى أن إعلان جدة كان ينبغي أن يكون لحظة فاصلة، لكنه أصبح مجرد درع خطابي مناسب يُستدعى للتعبير دون إتخاذ إجراءات حقيقية وملموسة».
وشدد التقرير على أن ملايين الأرواح في السودان تتطلب من المجتمع الدولي تحولا جذريا عن نهج الماضي الفاشل، داعيا إلى ميثاق جديد يصون بقاء الشعب السوداني وكرامته، ويخضع لمراقبة مستقلة، تدعمه آلية مساءلة قوية تضمن التزام جميع أطراف النزاع بتعهداتها.
وبالطبع، فإن ما جاء في التقريرين هو تأكيد للمؤكد الذي يعرفه ويحسه المواطن السوداني البسيط في لحمه ودمه، ومع ذلك يجب أن نحمد للمنظمتين مواصلتهما الطرق على الكارثة ومحاصرة مجلس الأمن للانتقال من ردود الفعل الكلامية المكررة والمعروفة سلفا، والتي لا تخرج عن نطاق الإحاطة والشجب والإدانة والمطالبة، إلى اتخاذ أفعال وتدابير ملموسة بموجب القوانين والشرعية الدولية. وحتى الميثاق الجديد الذي اقترحته منظمة «أطباء بلا حدود» رغم وجاهته، ليس هناك ما يؤكد أنه لن يظل حبيس وثائق اجتماعات مجلس الأمن الدولي. أما إيرادنا التقريرين وردة فعل مجلس الأمن تجاههما فكمدخل لمناقشتنا حول دور المجتمع الدولي في استمرار دوران «الحلقة الشريرة» في السودان، وسنفصل ذلك في مقالنا القادم. ولكن، مادمنا ننتقد تقصير وتقاعس المجتمع الدولي ومجلس الأمن في مجابهة كارثة السودان التي يصفها الجميع بأسوأ كارثة في العالم، فمن الطبيعي أن يتوجه إلينا أحدهم بسؤال حول ما الذي يمكن أن يفعله مجلس الأمن أو المجتمع الدولي تجاه هذه الكارثة ولم يفعله؟ ونجيب بأن هناك مجموعة من الخيارات كان يمكن تفعيلها ولم يتم ذلك، مع أن تنفيذها في متناول اليد، ولكنه يتطلب إرادة سياسية. ونكتفي هنا برصد خيارين نراهما رئيسيين وأساسيين،
الخيار الأول يتعلق بإعادة النظر في منهج تعامل المجتمع الدولي مع المساعدات الإنسانية للسودان. وهنالك العديد من المقترحات المقدمة في هذا الصدد منها، توصيات مؤتمر القضايا الإنسانية الذي نُظم في القاهرة، نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي تتضمن خارطة طريق واضحة المعالم قدمت للمنظمات الدولية المعنية وقيادات المجتمع الدولي ولكنها ظلت حبرا على الورق حتى الآن. ومنها اقتراحات الخبراء السودانيين العديدة، وآخرها اقتراح الدكتور صلاح الأمين بإشراك الخبراء والفاعلين السودانيين في المؤتمر الذي ستنظمه بريطانيا حول السودان للخروج بخطة عمل وآليات تنفيذها. أما الخيار الثاني فهو اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في حظر تدفق الأسلحة إلى البلاد ومن جهات معروفة لديه، إلا إذا كان من أهدافه تشجيع استمرار الحرب وتغذية «الحلقة الشريرة» في السودان!
نقلا عن القدس العربي