تجاوزت دولة الإمارات التصورات التقليدية في مقاربة أزمة القراءة في المجتمعات العربية، عبر إطلاق مبادرات عملية مبتكرة تسهم في تحويل المطالعة إلى سلوك يومي لدى جيل النشء والدفع به ليكون في صلب عملية الإنتاج والإبداع المعرفي العالمي.
وتراهن الإمارات على القراءة لاستئناف حضارة الأمة العربية، حيث تقود منذ نحو عقد من الزمن جهودا حثيثة نحو تأسيس جيل عربي قارئ متسلح بالمعرفة، وذلك عبر طرح العديد من المبادرات القرائية والثقافية التي تجاوزت بأهدافها وتأثيراتها الإطار الوطني إلى الإطار العربي والإسلامي.


ويعد “تحدي القراءة العربي” الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، في عام 2015 أكبر مشروع معرفي عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي.
وتتمحور رسالة “تحدي القراءة العربي”، حول إحداث نهضة بين الطلبة في مدارس الوطن العربي، وأبناء الجاليات العربية في الدول الأجنبية، إذ يسعى التحدي إلى تنمية الوعي العام بواقع القراءة، وضرورة الارتقاء به للوصول إلى موقع متقدم عالمياً.
واستقطب “تحدي القراءة العربي” أكثر من 100 مليون طالب وطالبة منذ انطلاقه في العام 2015، وترك بصمة واضحة في رفع نسب القراءة على مستوى المنطقة العربية، خاصة في ظل ما يقدمه من جوائز تحفيزية للمشاركين، ففي دورة 2022 – 2023 حصل الفائز بالمركز الأول على 500 ألف درهم، ما يمنحه فرصة متابعة تحصيله العلمي والثقافي، كما حصل صاحب المركز الأول عن فئة أصحاب الهمم على 200 ألف درهم، وحصلت المدرسة الفائزة بلقب “المدرسة المتميزة” على مليون درهم، فيما حصل “المشرف المتميز” على 300 ألف درهم.
وفي يناير الماضي أعلنت مؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم” العالمية، ممثلة بمبادرة “تحدي القراءة العربي”، عن تقديم 40 ألف كتاب في مواضيع مختلفة للمكتبات التربوية والمدرسية في الجمهورية العربية السورية، وذلك في سياق خططها لدعم المكتبات في الدول العربية، وزيادة عدد المؤلفات الحديثة التي تساهم بالارتقاء بالعملية التعليمية، ومستويات الطلبة.
ويعد النهوض بواقع القراءة من الأولويات الوطنية في دولة الإمارات التي اختتمت مؤخرا فعاليات “شهر القراءة”، الذي يمثل مناسبة وطنية تقام طوال شهر مارس من كل عام، وتشارك فيها مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة عبر مبادرات وبرامج تسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة، وقادر على قيادة مسيرة التنمية في الدولة.
بدورها أسهمت معارض الكتاب الدولية التي تنظمها الإمارات سنويا في التأسيس لحراك ثقافي وإبداعي متميز على مستوى المنطقة، بعد تحولها إلى قبلة يقصدها أهم دور النشر العالمية وأبرز الكتاب والمؤلفين، فضلا عن دورها في التشجيع على القراءة من خلال طرح أفضل المؤلفات بأسعار مناسبة لزوار المعرضين من داخل الدولة وخارجها.
وتنطلق في 29 أبريل الجاري في الإمارات فعاليات الدورة 33 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي اختار هذا العام الروائي المصري نجيب محفوظ ليكون “الشخصية المحورية” للمعرض، وجمهورية مصر العربية ضيف الشرف، نظراً لمكانتها الثقافية المرموقة، وتأثيرها الفاعل في إثراء الفكر والمعرفة العربية.
وسيبدأ البرنامج المهني للمعرض يوم 28 أبريل 2024 بتنظيم النسخة الثالثة من فعاليات المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية.

وفي سياق الحديث عن دور معارض الكتاب في تشجيع القراءة، لابد من التطرق إلى الدورة الـ 42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب في نوفمبر الماضي، التي شهدت تقديم أكثر من 15 مليون كتاب في مختلف مجالات المعرفة والإبداع عرضها أكثر من 2033 ناشراً من 109 دول حول العالم.
وأقيمت في المعرض أكثر من 1700 فعالية ثقافية وفنية، منها 460 فعالية ثقافية تناولت قضايا مهمة في الأدب، والترجمة، والاتصال، والفكر، والبحث والتاريخ، كما رسخ المعرض دور المكتبات في نشر المعرفة، حيث وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتقديم منحة مالية قدرها 4.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة العامة بأحدث إصدارات دور النشر المشاركة في المعرض.
وتنظر الإمارات إلى الترجمة كعامل رئيس ومؤثر في التشجيع على القراءة، ومن هذا المنطلق أخذت على عاتقها مهمة إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال، عبر ترجمتها إلى “العربية”، إضافة إلى إبراز الوجه الحضاري للأمة عبر ترجمة أبرز الإبداعات العربية إلى لغات العالم.
وتقود الإمارات أكبر حركة ترجمة علمية على المستوى العربي، للنهوض بالعمل الثقافي العربي وانفتاحه على ثقافات العالم ومعارفه المختلفة.
ويعد “تحدي الترجمة” الذي أطلقته الإمارات في سبتمبر 2017، أحد أبرز مبادرات الترجمة التي تهدف إلى توفير محتوى تعليمي شامل ومتكامل في مجالي العلوم والرياضيات، باعتبارهما من أهم روافد التطور الحضاري.
وفي السياق ذاته، تتولى مبادرة “كلمة” منذ عام 2007، مهمة إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ودعم الحراك الثقافي الفاعل الذي تشهده أبوظبي، للمساهمة بدورها في خارطةِ المشهدِ الثقافي الإقليمي والدولي، من أجل تأسيس نهضة علمية ثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية، وقد ترجمت “كلمة” آلاف الكتب من أهم المؤلفات العالمية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة من مختلف دول العالم إلى اللغة العربية.
وتعتبر الإمارات أن صون اللغة العربية يعد أحد أبرز ركائز مشروعها في تشجيع القراءة بين جميع الناطقين بـ “لغة الضاد”، ومن هذا المنطلق تحتضن الدولة سنويا العديد المبادرات والفعاليات التي تستهدف تطوير اللغة العربية، واستشراف التحديات التي تواجهها وتقديم المقترحات والحلول لها، مثل المؤتمر الدولي للّغة العربية الذي تستضيفه إمارة دبي سنويا.
من جهتها خرجت قمة اللغة العربية في دورتها الأولى لعام 2023 التي عقدت في العاصمة أبوظبي، بتوصيات تؤكد ضرورة تكريس استخدام جماليات اللغة العربية وروائعها الخالدة في الشعر والنثر، وتدعو إلى تفعيل دور المؤسسات الإنتاجية في صناعة المحتوى المتخصص بالطفولة المبكرة ورياض الأطفال باللغة العربية وتفعيل دور المؤسسات الإعلامية في ترسيخ العربية في حيز المجتمع والهوية.وام


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: تحدی القراءة العربی اللغة العربیة أکثر من

إقرأ أيضاً:

من الجامعة العربية.. دعوة للعمل الجماعي لمواجهة تحديات حقوق الإنسان في الوطن العربي

في إطار جهودها المستمرة لتعزيز حقوق الإنسان، انطلقت أعمال الدورة السابعة والعشرين للجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، حيث تم تخصيص الجلسة لمناقشة التقرير الدوري الثاني لدولة الإمارات العربية المتحدة. 

وأكد المشاركون على أهمية دعم العمل الحقوقي العربي وتعزيز التنسيق، وشددوا على ضرورة العمل الجماعي لمواجهة التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة، مثل النزاعات المسلحة والتفاوت الاقتصادي. وشدد الحاضرين أن  تعزيز مبادئ العدل والكرامة الإنسانية يتطلب التزامًا جماعيًا من جميع الأطراف لضمان حياة كريمة وآمنة للجميع، مما يعكس التزام الدول العربية بالتعاون لتحقيق أهداف الميثاق العربي لحقوق الإنسان.

أكدت السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في مجال حقوق الإنسان، مشددة على أن بناء منظومة قوية لحقوق الإنسان ليس خيارًا٠وأشارت إلى أهمية مشاركة الشباب في هذه المناقشات، معتبرة أن ذلك استثمار في مستقبل حقوق الإنسان. وأشادت بدور دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز حقوق الإنسان،  وخاصة مع الدولة تقريرها الدوري الثاني للجنة.

 وأكدت أن هذا التقرير يعد خطوة مهمة في الالتزام بمبادئ الميثاق العربي ويعكس حرص الإمارات على حماية وتعزيز حقوق الإنسان على المستويين الوطني والإقليمي.

وفي سياق حديثها، أثنت على دور لجنة الميثاق في دعم الدول الأعضاء من خلال مناقشة تقاريرها الدورية. 

و تطرقت إلى التحديات الحالية في المنطقة، بما في ذلك النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية، مشددة على ضرورة تعزيز التعاون العربي لمواجهة هذه التحديات. وأكدت على أهمية بناء استراتيجيات موحدة تركز على حماية الكرامة الإنسانية وتعزيز العدالة الاجتماعية.

تناقش اللجنة على مدار يومي 27 و28 يناير الجاري التقرير الدوري الثاني لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويشارك في هذه الدورة السفير طلال المطيري، رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى رئيس البرلمان العربي، محمد أحمد اليماحي، وعدد من مندوبي الدول العربية ومنظمات المجتمع المدني.

 

المستشار جابر المري رئيس لجنة الميثاق العربي

ومن جانبه ، أكد المستشار جابر المري رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أهمية تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية، مشددًا على ضرورة التوجه نحو بناء أنظمة وسياسات تضمن حقوق الإنسان للجميع وتحقق العدالة والمساواة. وأوضح أن تقديم هذا التقرير يعكس التزام دولة الإمارات بمبادئ الميثاق العربي.

كما أعرب المري عن شكره لطلبة كلية القانون المشاركين في أعمال اللجنة، معتبرًا أن إشراكهم يعد استثمارًا في مستقبل حقوق الإنسان من خلال تعزيز الوعي الحقوقي لدى الشباب.

وأشار إلى أن العام الماضي شهد مناقشة تقارير أربع دول، متوقعًا أن يكون هذا العام حافلاً بالتقارير الجديدة، ما يعكس التزام الدول العربية بالتعاون في مجال حقوق الإنسان.

كما تطرق المري إلى التحديات المتعددة التي تواجه حقوق الإنسان في المنطقة العربية، مشددًا على أهمية تعزيز التضامن العربي ورسم ملامح مستقبل مشرق للأجيال القادمة.

وأكد على التزام اللجنة بتقديم توصيات موضوعية وبناءة، داعيًا إلى تحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان من خلال الحوار وتبادل الخبرات.

 

دعم العمل الحقوقي العربي

ومن جانبه أكد السفير طلال المطيري، رئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، على أهمية دعم العمل الحقوقي العربي وتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني، محذرًا من التحديات العديدة التي لا تزال تواجه المنطقة العربية، بما في ذلك النزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي، والتفاوت الاقتصادي، وتأثيرات التغير المناخي. 

ودعا إلى ضرورة العمل الجماعي لمواجهة هذه التحديات، مؤكدًا أن حقوق الإنسان يجب أن تكون في صلب أولويات الدول والمؤسسات والأفراد لضمان حياة كريمة وآمنة للجميع. وأثنى على الدعم المستمر الذي تقدمه الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، مشددًا على دورها المحوري في دعم نظام حقوق الإنسان في المنطقة، مؤكدًا أن عمل اللجنة يُعتبر إضافة نوعية للنظام العربي لحقوق الإنسان، حيث يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة.

وفي ذات السياق أكد القاضي عبدالرحمن مراد البلوشي، الوكيل المساعد لقطاع التعاون الدولي والشؤون القانونية في وزارة العدل، أن دولة الإمارات تعمل باستمرار على نشر مفاهيم السلام والتسامح والحوار والتعايش بين المجتمعات والثقافات، مؤكدًا على أهمية هذه القيم في تعزيز حالة حقوق الإنسان.

وأشار إلى أن دستور الدولة وقوانينها تشكل مرجعية حقوقية خالصة، حيث لا تقتصر حقوق الإنسان على الاتفاقيات الدولية، بل تشكل جوهر النظام القانوني للإمارات. كما أكد البلوشي أن الفكر والعمل الحقوقي جزء لا يتجزأ من توجهات القيادة، مما يعكس حرص الإمارات على تطوير أطرها التشريعية ومؤسساتها بشكل مستمر.

مقالات مشابهة

  • شيخ العربية الذي حذر من تغييب الفصحى وسجن لمعارضته إعدام سيد قطب
  • رئيس البرلمان العربي بثمن دور ليبيا في دعم القضايا العربية
  • مجموعة إيليت القابضة تقود الابتكار والتميز في قطاع التنقل مع الظهور الأول لعلامة سوإيست موتور في الإمارات
  • تقدير عربي لجهود الإمارات في دعم ملف حقوق الإنسان
  • تقدير عربي لجهود الإمارات في دعم ملف حقوق الإنسان إقليمياً ودولياً
  • جامعة الدول العربية: الموقف العربي رافض لتصفية القضية الفلسطينية
  • صندوق النقد العربي: انخفاض في النطاق المستهدف لسعر الصرف بالدول العربية في 2024
  • من الجامعة العربية.. دعوة للعمل الجماعي لمواجهة تحديات حقوق الإنسان في الوطن العربي
  • انطلاق الترشيحات لجائزة أفضل باحث عربي متميز والمجلة العربية المتميزة 2025
  • ميثاء بنت محمد تقود فريق الإمارات أمام بنجاش في «فضية البولو»