مَنْ يحكم (إسرائيل)؟ الإرهابيّ بن غفير أمْ العنصريّ نتنياهو؟ الاثنان يرفضان أيّ “حلٍّ سلميٍّ” مع الفلسطينيين
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
سرايا - عاد وزير الأمن القوميّ في حكومة الاحتلال الاسرائيلي، الإرهابيّ إيتمار بن غفير إلى الواجهة السياسيّة بعدما تعرّض لانتقاداتٍ واسعةٍ من داخل الحكومة عقب تعليقاته على أحداث إيران واستخفافه بحجم الرد واصفًا ذلك بــ”المسخرة”، خلافًا لموقف تل أبيب التي لم تصدر أيّ تعليقٍ علنيٍّ على الواقعة.
وعلى الرغم من مطالبة وزراء من الحكومة بتوبيخه من قبل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فإنّ الأخير لم يجرؤ على ذلك، لأنّه يعلم بأنّ ذلك قد يُزعزع حكومته المتزعزعة أصلاً، إذْ أنّ انسحاب بن غفير، وهو الذي أُدين مرتيْن بمحكمةٍ إسرائيليّةٍ بتهمٍ تتعلّق بالإرهاب، يعني سقوط حكومة نتنياهو السادسة، الأمر الذي دفع العديد من المُحلِّلين الإسرائيليين إلى القول الفصل إنّ بن غفير هو الحاكم الفعليّ لدولة الاحتلال.
جسّد إيتمار بن غفير (48 عامًا)، وعائلته مُستجلبة من إقليم كردستان بالعراق، ويسكن قرب مدينة الخليل المُحتلّة، جسّد بعد وصوله إلى منصب وزير الأمن القومي، ظاهرة حلّت محل حركة (كاهانا)- كاخ، ذلك أنّه تبنّى أفكارها ومشاريعها التي تحضّ على العنف والعنصريّة المفرطة في الكيان المؤقت، كما أنّه ينطق بخطاب الحركة، ويدعو إلى تطبيق ونشر رؤيتها. فرغم أنّ الكاهانيّة لم تعد موجودة بشكلها القديم، لكن لا يزال لديها تأثير أيديولوجي عميق على المجتمع الإسرائيليّ.
ومن أبرز مشاريع بن غفير، مقترح قانون إعدام منفّذي العمليّات الفلسطينيين الذي طرحه بالفعل أمام الكنيست. آنذاك، قال بن غفير في حديث لصحيفة (إسرائيل هيوم) العبرية: “عقوبة الإعدام للإرهابيين هي الأمر الأخلاقي والمنطقي والمطلوب الآن. لا يوجد سبب في العالم لأنْ يواصل حثالة البشر الذين يقتلون العائلات ويقتلعون حياتهم رؤية النور، أوْ يتّم إطلاق سراحهم في صفقات لتحرير الإرهابيين. لن تقلل هذه العقوبة من الدافع وراء تنفيذ هجمات إرهابية فحسب، بل ستمنع أيضًا الأحلام بصفقات الخطف”.
ويعرب بن غفير عن اعتقاده بأنّ الحل الأنسب للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هو إعادتهم للوضع الذي كانوا عليه قبل اتفاق أوسلو، دون سلطة تمثلهم أوْ تدير شؤونهم، والاعتراف بأنّ هذه الأرض هي أرض دولة (إسرائيل) اليهودية، وإلّا فإن عليهم أنْ يرحلوا.
كما يدعو إلى حظر الزواج المختلط بين اليهود والأغيار، أي غير اليهود. وإلى تجريد العرب من الجنسية الإسرائيليّة.
وطرد أعداد كبيرة منهم كلّما أمكن ذلك. بل ووعد المتطرّف الصهيوني بإنشاء وزارة لتشجيع هجرة المواطنين الفلسطينيين الأعداء من (إسرائيل).
يُعارض بن غفير، مثل معظم اليمين الإسرائيلي، إنشاء دولة فلسطينيّة مستقلّة، كما تعهّد أيضًا بتفكيك السّلطة الفلسطينيّة، مع الرفض المطلق لفكرة الحكم الذاتي للفلسطينيين.
استفاد بن غفير من إحباط التيار الديني المتطرّف من الأزمة السياسية الإسرائيليّة، التي أحدثت فراغًا في اليمين بعد انهيار حزب “يمينا” بزعامة نفتالي بينيت. وركّز خطابه على مواجهة ما يُسمى بـ “العنف العربي”، فكسب في صفِّه غالبية الشارع المتدين.
شهد السّياسي المتطرّف غالبيّة التوترات مع الفلسطينيين، وأشهرها حملة تهجير سكان حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة. وفي القدس أيضًا دعا بن غفير جنود الاحتلال إلى استخدام الذخيرة الحية مُلوِّحا بمسدسه.
يرفض بن غفير الاعتراف بفلسطين، كما يرفض تمثيلهم بأي شكل من أشكال السلطة، ووفي حديث صحافي قُبيل الانتخابات، قال: “لا يوجد شيءٌ اسمه دولة فلسطين. ولا سلطة حكم ذاتي”، مؤكدًا أنّه يرفض أنْ يكون للشعب الفلسطينيّ في الضفة الغربية وقطاع غزة أي سلطة تمثله، كما يرفض إلحاقهم بدولة (إسرائيل) والسماح لهم بالتصويت في الكنيست.
يشارك بن غفير في برامج تلفزيونية شهيرة، تلقى متابعة واسعة من قبل الإسرائيليين، يستخدم فيها خطابًا عدائيًا وعنيفًا، ويقول: “نحن اليهود الأقوى والأحسن وسنقمع العرب”.
وقد استطاع، بعد ثلاث محاولات فاشلة، من الفوز في الانتخابيات البرلمانية التي جرت بداية شهر آذار من العام 2021 إثر قيادته لتحالف يضم أحزابًا صهيونية ودينية، وفوزه كان بمثابة رسالة واضحة مفادها أنّ التعايش بين اليهود والعرب قد انتهى، إذ أنّ وجوده في البرلمان الإسرائيليّ عزز فكرة العنف الذي تمارسه مجموعات يهودية صغيرة وعنصرية على الفلسطينيين ومبدأ الإفلات من العقاب، وقد صرح بالقول “يجب إزالة أعداء (إسرائيل) من أرضنا”، في إشارة للفلسطينيين عامة.
وسبق أنْ نظم بن غفير مسيرات في الداخل الفلسطيني، أبرزها اقتحامات لمدن كفر قاسم والناصرة وأم الفحم ووادي عارة، دعا خلالها إلى تهجير عرب 48، واعتبرهم قنبلة موقوتة، تشكل خطرًا على يهودية (إسرائيل).
ويغذّي شعبيته، بأوساط تيار معسكر اليمين والمستوطنين، عبر المسيرات الاستفزازية، والدعوات إلى طردهم مما يسميها أرض (إسرائيل)، فهو عرّاب التحريض الدموي ضد الفلسطينيين، والذي تسبب بتضاعف اعتداءات المستوطنين.
وكانت قد حذّرت الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة من أنْ يقود إرهاب المستوطنين المتنامي، إلى تفجير الأوضاع بالضفة الغربيّة، وخاصّةً في المناطق المُحاطة بالمستوطنات.
وفي الختام وَجَبَ التأكيد أنّ شعبية الإرهابيّ بن غفير ترتفع من يومٍ لآخر، بحسب الاستطلاعات التي تُنشَر في (إسرائيل)، الأمر الذي يُدلِّل على أنّ ظاهرة بن غفير ليست عابرةً، بل متجذرةً في المجتمع الصهيونيّ.
رأي اليوم
إقرأ أيضاً : شاهد لحظة تنفيذ عملية القدس البطولية .. مشاهد تسر الناظرين إقرأ أيضاً : مخيم نور شمس .. ظهور قائد كتيبة سرايا القدس بعد يومين من شائعة استشهاده إقرأ أيضاً : "النتن ياهو" يتهم "غالانت" بتسريب المعلومات
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الاحتلال الحكومة إيران الحكومة رئيس الفصل مدينة الخليل العالم غزة القدس القدس الاحتلال غزة شهر سرايا العالم فلسطين إيران مدينة الخليل الحكومة القدس غزة الاحتلال الفصل رئيس الوزراء شهر بن غفیر
إقرأ أيضاً:
ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي شديد الوضوح، فقد نظرت القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حيث شرعت منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد بشن سلسلة من الاعتداءات والغارات الجوية وقامت بتوغلات برية أسفرت عن ضم واحتلال مزيد من الأراضي السورية. وقد أعلنت إسرائيل دون لبس أو مواربة عن عدائها للقيادة السورية الجديدة، وكشفت عن رغبتها وعزمها على إبقاء سوريا دولة هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية. وعبّرت إسرائيل بجلاء عن قلقها وخوفها من تنامي النفوذ التركي المتصاعد، وأكدت على خوفها وخشيتها من عودة وإحياء الإسلام السياسي السني الذي بات يسيطر على دمشق، وأثره وتداعياته على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة غير سارة للكيان الإسرائيلي، لكنه كان خبرا سعيدا لتركيا، ففي الوقت الذي تريد تركيا أن تكون سوريا الجديدة دولة ناجحة، ترغب إسرائيل بوجود دولة سورية جديدة فاشلة، ولذلك سارعت إسرائيل بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بشن سلسلة من الهجمات، ولم تكتف تل أبيب بالدخول إلى المنطقة العازلة، بل سيطرت على مرصد وقمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنت أكثر من 300 غارة جوية أدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية التي تركها النظام السوري ومستودعات السلاح والصواريخ الإستراتيجية ومراكز البحث العلمي والتصنيع العسكري.
انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت
ورغم أن تركيا وإسرائيل استفادتا بشكل كبير من تفكك المحور الذي تقوده إيران، وخاصة في سوريا، لكن تركيا كانت الرابح الأكبر، بينما تضاربت المشاعر الإسرائيلية وأفضت إلى نشوة مؤقتة أعقبها قلق دائم، فالعداء بين إسرائيل وتركيا لا يقارن بالصراع الطويل والدموي بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والتحديات التي تواجه العلاقات التركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الأسد تشير إلى تشكل منعطف حاسم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، الأمر الذي يغير بصورة جذرية الديناميكيات التي طبعت العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، والتي تأرجحت بين نسق من التحالفات البراغماتية والانقسامات الأيديولوجية، وقد أدى زوال عدوهما المشترك في سوريا إلى تحول في توازن القوى الإقليمي، وهو ما خلق تحديات جديدة وأخل بمرونة علاقاتهما الهشة.
إن انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت، فالدعم التركي العلني الذي يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأعداء إسرائيل وفي مقدمتهم حركة حماس، قد يتطور إلى آفاق بعيدة.
وبحسب تقرير لجنة "جاكوب ناجل" بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الذي نُشر في السادس من كانون الثاني/ يناير 2025، فإن طموحات تركيا إلى "إعادة التاج العثماني إلى مجده السابق" تشكل تحديا أمنيا ملحا، وقد أوصت اللجنة في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. ونبهت اللجنة في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، وفقا للجنة التي تم تشكيلها عام 2023، قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، ويترأس اللجنة يعقوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.
إن التهديد الذي تشكله تركيا لإسرائيل يشكل تحديا جديا كبيرا لأمن إسرائيل في ضوء التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، وهو تحد بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعد الجيش التركي أحد أكبر الجيوش وأكثرها قوة في الشرق الأوسط، ويتألف الجيش التركي من 425 ألف جندي نشط و380 ألف جندي احتياطي. ووفقا لمصادر أمنية، فإن النفوذ المتزايد لتركيا في سوريا كقوة مهيمنة يستلزم دراسة جدية لقدراتها العسكرية، وتشكل المليشيات العسكرية الموالية لتركيا في سوريا، مثل "الجيش الوطني السوري"، تهديدا محتملا لإسرائيل، وخاصة على طول الحدود السورية الإسرائيلية. ويمكن للرئيس أردوغان أيضا الاستفادة من مجموعات مثل هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع ضد إسرائيل.
وقد أعلن الجولاني، في السابق ذات مرة أنه "بعون الله، لن نصل إلى دمشق فحسب؛ بل إن القدس تنتظرنا". وكان أردوغان قد أصدر تهديدات مباشرة لإسرائيل، ففي 28 تموز/ يوليو 2024، صرح في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بالقول: "كما دخلنا قره باغ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل".
إن السيناريو الإسرائيلي المفضل في سوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية، فأُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب.
وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن من سمتهم الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديدا لحدودها. ووفقا لرويترز، فقد ذكرت ثلاثة مصادر أميركية أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا كحليف للإدارة السورية الجديدة.
في هذا السياق أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 شباط/ فبراير الماضي تحذيرا أشبه بإعلان حرب للإدارة الجديدة في دمشق، إذ قال: "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل، وأكد نتنياهو على أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية" في المنطقة. وتزامنت هذه التصريحات مع سلسلة هجمات واستهدافات عسكرية شنتها إسرائيل في ريف دمشق وجنوبي سوريا، ولاحقا شنت إسرائيل سلسلة هجمات في 25 شباط/ فبراير الماضي على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين.
وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان إن الهجمات "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".
وعقب حالة التوتر في الأول من آذار/ مارس 2025، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا قرب دمشق، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين بجروح، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وقال بيان صادر عن مكتب كاتس إن المدينة "تتعرض حاليا لهجوم من قبل قوات النظام السوري"، وقال كاتس: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه". وأضاف: "نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إيذاء إخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامتهم".
تستند إسرائيل في سياساتها العدوانية في سوريا إلى دعم أمريكي عسكري وسياسي مطلق، فما تقرره القيادة الإسرائيلية كضرورة للحفاظ على أمنها القومي تصادق عليه الإدارة الأمريكية، وتعتبر واشنطن ممارسات إسرائيل العدوانية بداهة استراتيجية من باب حق الدفاع عن النفس، فالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية حجر الزاوية الأساس في مشروع الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، والاشتراطات الأمريكية على القيادة السورية الجديدة هو الالتزام بأمن إسرائيل ومحاربة أي مجموعة أو كيانات تناهض إسرائيل، وهو ما عبرت عنه واشنطن بوضوح، فعندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الجماعات التي تهدد أمن المستعمرة والتي تختزل بتسميتها بالإرهابية هي جوهر البحث والمداولة. فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء:سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر إن أبو محمد الجولاني التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، فالولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني).
خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر يؤدي إلى تنامي النفوذ التركي المتصاعد، ويشير إلى عودة وإحياء الإسلام السياسي السني، الذي تخشى الولايات المتحدة من تداعيات انتشاره على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
ولذلك لن تفلح تطمينات النظام الجديد في سوريا، وسوف يبقى تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب بذريعة "الإرهاب"، ولن ترضى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية عن الحكم الجديد دون شرط الخضوع التام، ولذلك فإن أولوية سوريا الجديدة هي تعزيز روابط التحالف مع تركيا، والعمل بجد على تأسيس جيش موحد قوي، وإخضاع كافة النزعات الانفصالية. فالرد على الكيان الاستعماري الإسرائيلي يجب أن يكون داخليا أولا باتخاذ قرارات وإجراءات قانونية وعسكرية وسياسية حاسمة تجاه المكونات الانفصالية؛ بدءا بقوات سوريا الديمقراطية ثم الانعطاف إلى بقية الكيانات الموازية.
x.com/hasanabuhanya