الجزيرة:
2024-07-05@06:25:47 GMT

أوهام وأصنام المشهد الثقافي المصري الراهن

تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT

أوهام وأصنام المشهد الثقافي المصري الراهن

الوهم والصنم وجهان لعملة واحدة هي "الزّيف" أو مخالفة الحقائق، والأدب رغم أنه ليس من المجسمات المادية، فإنه يشكل الذائقة ويتحكم في الوعي والسلوك، وفي حياة المصريين مثال مشهور، هو مثال "توفيق الحكيم وجمال عبدالناصر"، فقد كتب الحكيم روايته "عودة الروح " في ثلاثينيات القرن الماضي، فقرأها الشاب الذي أصبح رئيسًا للجمهورية فيما بعد، وقال ما معناه؛ إنه تأثر برواية الحكيم، واعتبرها من مكونات رؤيته السياسية.

والقصد من سرد هذا المثال، توضيح خطر "الوهم الصنميّ " أو "الصنم الوهميّ " في ميدان الأدب والنقد، وكشف خطورة هؤلاء الذين خلقت الأقلام المأجورة حولهم الأساطير، ومنحتهم المكانة التي لا يستحقونها.

ومن هذه الأصنام من يعيش بيننا بجسده، ويأكل ويكتب ويمارس سطوةً روحيّةً مستمدة من "الأقدميّة المُطلَقة "ومن منجز قديم، نال عنه التكريم الأدبيّ والماديّ مئات المرات، ورغم هذا مازال يمثل نموذج "الصنم" الفريد، العصيّ على الزمن، وما قلته ينطبق على الشاعر "أحمد عبدالمعطي حجازي" الذي انقطع عنه الوحي الشعريّ، وفارقه شيطانه الذي يُملي عليه القصائد منذ ما يقارب أربعين سنة.

زفرة أخيرة لشاعر ميت

وكانت قصيدته التي كتبها في أوائل تسعينيات القرن الماضي، زفرةً أخيرةً لشاعر ميت، بل متحلل، وكانت القصيدة لمناسبة ذكرى محاولة اغتيال "نجيب محفوظ" بسكين شاب مصاب بهَوَس دينيّ، ونشرت القصيدة في مجلة "المصور " في عهد المرحوم "مكرم محمد أحمد"، واختاره فاروق حسني لرئاسة تحرير مجلة إبداع، وكتب مقدمة فقال: إن مجلته لن تكون مجلة "الحرافيش والرعاع"، وهاجمه المبدعون يومها، فماتت المجلة بين يديه، ولأنه "صنم " من أصنام "23 يوليو/تموز" مازال موجودًا في المشهد الثقافي، جعلوه الرئيس لبيت الشعر التابع لصندوق التنمية الثقافية.

ومن المضحك في سلوك هذا الشاعر الشيخ، أنه أحيا "عيد الأم " في مارس/آذار الماضي، بندوة دعا إليها عددًا من الشاعرات، وخصص لنفسه "محاضرة" تكلم فيها عن "المرأة الفرنسية "، وكان من الأوْلَى والأنسب أن يتحدث عن المرأة المصرية، لكنه الحنين الذي استبد بقلب الشاعر الشيخ الذي قضى سنوات من عمره، في باريس، ولم يعد قادرًا على صوغه في قصائده، ففرضه على جمهور "بيت الشعر" في يوم مخصص للأمهات المصريات.

وقبل أن نطوي صفحة هذا الصنم الأكبر، نذكّر القارئ المُحِبَّ للشعر بالمجلد الضخم الذي صدر في القاهرة عن "دار سعاد الصباح" منذ سنوات، محتويًا الدواوين الكاملة للشاعر، ومن ضمنها قصيدة عن "الاتحاد الاشتراكي العربي "، الكيان الورقيّ الذي ابتدعه "عبدالناصر" واعترف فيما بعد بأنه كيان يضم في صفوفه الانتهازيين والباحثين عن المكاسب، وهذا ما جعله ينشئ ما أسماه "طليعة الاشتراكيين" وهو تنظيم سريّ داخل الاتحاد، تحت رعاية "شعراوي جمعة " وزير الداخلية.

لكن قصيدة " حجازي " لم ترَ من هذا كله سوى أنه الاتحاد الذي نهض بالبلاد وحقق المعجزات، وكأنه الحزب الشيوعي الكوبي أو السوفياتي أو الصيني!

ومن المواقف الدالة على وهميّة " حجازي" أنه عاش على ذكرى معركة بينه وبين العقَّاد، حول الشعر الحر أو المرسل والشعر العمودي التقليدي، وكان العقاد رئيسًا للجنة الشعر في المجلس الأعلى للفنون والآداب، فأحال قصائد "حجازي" إلى لجنة النثر، رفضًا منه للشعر الحر وإنكارًا لما هو غير عموديّ، ودارت الأيام دورتها، وامتد العمر بالشاعر المرفوض من العقاد، ومارس نفس الفعل مع شعراء شبان يكتبون "قصيدة النثر" وكأنّ "المتنبّي " مات ولم يخلّف خليفةً له غير " حجازي " أو كأنه الوصيّ على الشعراء العرب وحارس بوابة الشعر العربيّ!

"الحساسية الجديدة"

ومن الشعر إلى الرواية، نصادف صنمًا كبيرًا، ما زال معبودًا لدى فرقة "البنيوية "، وهي فرقة لها كاهن واحد هو "إدوارالخرَّاط" صاحب شعار "الحساسية الجديدة"، وملخص هذه الحساسية أن الإبداع ليس انعكاسًا للواقع، وبالتالي ليس مطلوبًا من الروائيّ أو القاصّ الالتزام بقضايا مجتمعه، أو حتى الاشتباك معها، باعتبار "النص الأدبي " مُنزَّلًا على قلب الأديب، أو مُرسَلًا إلى عقله ودماغه من منطقة خارج الواقع الموضوعيّ.

وعلى مستوى الممارسة السياسية، كان "إدوار الخرَّاط"، لصيقًا بالضابط "يوسف السباعي " وزير الثقافة في عهد السادات والناطق السينمائي والأدبي باسم الضباط الأحرار، وقضى معه سنوات في وظيفة مدير مكتبه في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ورغم هذا القرب من الضابط المُقرَّب من سلطة "يوليو/تموز" كان يزعم انتماءً لتنظيم شيوعيّ "تروتسكيّ ".

وخطورة "إدوار الخرَّاط" تكمن في السنوات التي قضاها قبل رحيله، في موقع "رئيس لجنة القصة " في المجلس الأعلى للثقافة في زمن "جابر عصفور"، وطوال تلك السنوات استطاع أن يتعهَّد مجموعةً من أرباع وأنصاف الموهوبين الذين يزعمون أنهم يكتبون القصص والروايات، وما زال هؤلاء يعيثون في الواقع الثقافي المصري فسادًا، ويروِّجون مقولاته، ويقيمون له الليالي، ويترحَّمون عليه، ويكذبون على الناس بقولهم؛ إنَّ عمَّهم وشيخَ طريقتهم، كان من المُرشَّحين لنيل جائزة نوبل، وهذا كذب بالطبع، رغم أن الراحل تبنَّى كل ما يقربه زُلفى إلى الأميركان والغرب.

وكان من الممكن ألا يحدث هذا كله، لو أن القدر عاجله يوم اغتيال قائده "السباعي " في قبرص، وكان معه في تلك الرحلة، فهو كما قلت لم يكن يفارقه أبدًا، ومن قُربه منه اصطنع لنفسه مكانة سلطويَّة، وكان يقول في أحاديثه الصحفية "نحن السلطة الثقافية".

والمشهد الروائيّ المصريّ الراهن، بكل ما فيه من زيف، هو من صنع "إدوار الخراط" وتابعيه وتلاميذه الذين مازالوا يقودون مواقع حسَّاسة في وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة أو "محميّة الجبلاية " كما أسميه، فهو يقع في منطقة " الجبلاية "بالقاهرة، وفيه كهنة "الفساد الثقافي " وحراس العهود "العصفوريّة الخرَّاطية " المقدَّسة.

ركاكة وثرثرة

والروائي المُلغِز في المشهد الثقافي المصري ـ في الوقت الراهن ـ هو "يوسف القعيد" الذي رضي عنه الشيوعيون والناصريون وضباط جهاز المباحث العامة في زمن عبدالناصر، وضباط جهاز أمن الدولة في زمن حسني مبارك، وتسلَّل بالتعيين ليصبح عضوًا في مجلس النواب في العصر الحالي، وهو نفسه كان عضوًا في لجنة القصة، وكان من "الحرس الحديديّ " المحيط بالكاتب الراحل "نجيب محفوظ" مع "جمال الغيطاني ".

وهذا ـ الوهم ـ مسؤولٌ عن وجوده في الخريطة الأدبية المصرية، جهدُه المباحثي بالطبع، وهذا أمر لا يحتاج أدلة، ومما يؤسف له أن "يوسف إدريس" اعترف به كاتبًا، في حوار إذاعي أذاعته "صوت العرب ".

وعلى مسؤوليتي أقول؛ إن "يوسف القعيد" ليس روائيًا، وهو في أفضل حالاته، محرر ثقافيّ متواضع القدرات، ولكن ما حدث هو العكس، اعتبروه روائيًا وحوَّلوا ما كتبه إلى أفلام سينمائية، ومسلسلات تلفزيونية، وكم تألّمت وأنا أقرأ رواياته: "أخبارعزبة المِنيسي "، و"وجع البعاد"، و"لبن العصفور"، وكنت أقرؤُها مضطرًا، وأنا أعمل في القسم الثقافي في إحدى الصحف، واكتشفت هشاشةً فيه وركاكة وثرثرة تخرجه من قائمة الروائيين، لكنّ انتماءه السلطويّ منحه ما لا يستحق.

ومن الكوميديا السوداء قوله في حديث صحفي أدلىَ به لمجلة "الشروق " الإماراتية منذ سنوات ـ مجيبًا عن سؤال: "كيف ترى جمال عبدالناصر؟" ـ "هو الزعيم الذي بعثته العناية الإلهية للوطن العربي وأفريقيا، هو زعيم عمري، ويغضبني أن يتعرض أحد لعبدالناصر بسوء". ولسنا في معرض تقييم لتجربة "عبدالناصر" ولكنَّ المُدهش أن القعيد قال كلامه هذا وهو يؤيد "مبارك"، ويعتبره أيضًا "زعيم عمره" الذي حقق الاستقرار والتنمية والديمقراطية!

تجربة روائية متواضعة

والحديث عن ـ القعيد ـ يقودنا بالضرورة للحديث عن توأمه، الراحل " جمال الغيطاني " وكان متنفذًا، يرأس تحرير مجلة "أخبار الأدب "، وكان المراسل الحربي لمؤسسة "أخبار اليوم" في حرب أكتوبر/تشرين الأول، وكان شيوعيًا في يوم من الأيام، وكان "إمبراطور" الثقافة في المحيط العربي، له نفوذ في كل العواصم العربية، رغم ضحالة منجزه الإبداعي.

فالرجل عاش ومات ولم يترك رواية تسهُل قراءتها غير "الزَّينى بركات "، وهي منهوبة من "ابن إياس" المؤرخ المملوكي، ومن يرغب في معرفة حجمه الإبداعي أنصحه بقراءة كتاب "في الرواية العربية المعاصرة " للناقد الراحل "فاروق عبدالقادر"، وصدر عن دار الهلال منذ عشرين عامًا، وفيه كل شيء عن تجربة "الغيطاني" الروائية متواضعة المستوى والقيمة.

وتجربة "بهاء طاهر" نسخة من تجربتَي "القعيد" و "الغيطاني" ملخصها "موهبة متوسطة، والقُرب من السلطة يصنع منك نجمًا مشهورًا". والعجيب أن الثلاثة طمعوا في وراثة مكانة نجيب محفوظ، ولكن مواهبهم ـ القَزميّة ـ لم تدعم أحلامهم الفادحة.

وفي الختام أقول؛ إنّ الأكاديمي الوحيد الذي امتلك القدرة على فضح "عصابة عصفور" وفروعها في الصحف والجامعات، هو الراحل الدكتور عبدالعزيز حَمُّودة، في كتابه "المرايا المُحدَّبَة" الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بدولة الكويت، وفيه فَضْحٌ لهؤلاء، وكَشْفٌ لما ارتكبوه من تخريب متعمَّد وتشويش مقصود وإفساد مُركَّب للواقع الثقافي المصري.

ولكن الفساد الثقافي لم ينتهِ رغم موت "الكهنة"؛ لأنَّ المريدين والتابعين مازالوا يواصلون، مسيرة التخريب والتجريف، حتى بلغ المشهد الأدبي المصري درجة من التردِّي والانحطاط لم يعرف التاريخ لها نظيرًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الثقافی المصری کان من من الم

إقرأ أيضاً:

نحن السودانيين اعداء انفسنا بتدخلنا في ما لا يعنينا (4)

نحن من العادة نعطي بكرم ونبل والآخرون يتصرفون نحونا بلؤم وخسة .
اقتباس
في حوار ساخن بين الاستاذ الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الامبن من مركز الاهرام بالقاهرة الباحث ايهاب محمود ومن القاهرة ايضا المحامي الاستاذ المعز حضرة .
المفاجئة الكبرى تمثلت في تفجير الاستاذ عبد الرحمن قنبلة تاريخية عزز بها قوله ان السودان ظل وفيا لخصوصية العلاقة مع مصر ولو استدعى الامر تلبية طلب عبد الناصر تسليمه المفكر الاسلامي سيد قطب لتنفيذ حكم الاعدام عليه بعد فراره من القاهرة وتمكنه من الاختباء في مدينة عطبرة .

نهاية اقتباس
ما حدث مع سيد قطب ووجود مفكرين باحثين او صحفيين في مصر وحتى النقاش مع المصريين بالنسية لى يعتبر خيانة للوطن . نحن في حالة حرب مع مصر منذ 1821 ويجب ان لا ننسى هذا اذا اردنا ان نعش . تسليم سيد قطب كتبت عنه كثيرا . وطالبت بأن تسلم مصر النميري كما سلم السودان تسليم سيد قطب . رددت قصة سيد قطب قبل اكثر من عشرين سنة ولكن يفتقد الحكام السودانيون ،، القلقات الضرعات ،، تجدوها تحت عنوان المسكوت عنه .... سودانيز اون لاين .
حاولت ان الفت نظر الناس من قديم الزمان لدخول الاخوان المسلمين الهاربين من مصر في الاستثمار الذي بدا بسيطا وانتهى بأن استلم تنظيم الاخوان المسلمين العالمياقتصاد السودان ولا يزالون .. بدأت المؤامرة بمحل مرطبات اطلقوا عليه اسما كيزانيا ،، خيرات ،، في المحطو الوسطى امدرمان . كان يديره شخصان لم يلفقوا مع تصور من يعمل في1ذلك المجال . كانا من المتعلمين وهما مصطفى وجمال .
اقتباس
بعض المسكوت عليه....

الحالة السياسيه في مصـــر كانت تحدد سياسة السودان وتوثر اليوم وسوف توثر في المستقبل اذا لم نهتم . المصريين علي اقتناع كامل ب(السـودان ده بتاعنا) ويتصرفون علي اقتناع كامل من هذا المنطلق . محمود فخري سفير مصر في باريس وصهر الملك فاروق يقول للسـيد عبد الرحمن (الســودان ده بتاعنا واحنا فتحناه بالسلاح و..مش حنسيبو.. والسودانيين كانو راضيين وسعيدين بتبعيتهم لمصر الي ان تدخل الانجليز وافسدوا السودانيين , وان السودانيين كانو راضيين بتبعيتهم عندما كان والده حاكما علي السودان في التركيه السـابقه.
هذا المنطلق يعشعش في رؤوس المصريين الي الان , صلاح سالم صرف مئات الالاف من الجنيهات لشراء السياسيين في السودان ،، فيما بعد ذكرت مصر انهم صرفوا 5 مليون جنيه ،، واضطر حتي لخلع ملابسه والرقص عاريا في رومبيك لكي يتقرب الي الجنوبين واذكر ان العم عبدالله والد زميلنا دونقرين قد صحبه الي تلك النقاره وهو من زعماء الدينكا الاقر . حسين صبري ذوالفقار شقيق علي صبري الاشتراكي الذي سجنه السادات وتعرض للاساءة ، كان علي راس الجيش السوداني وله كتاب جميل اسمه سياده السودان كانت له محاولات جميله من موقف نبيل لطرح فكره الوحده ، جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كانت لهم نظرة دونيه نحو السودانين ولم يكن لهما اي علاقه مع السودانين طيلة سكنهم في جبل اولياء وفي قشلاق عباس في الخرطوم علي عكس محمد نجيب الذي كانت والدته امدرمانية من اصول مصرية درس المدرسه الابتدائيه في مدني ثم كلية غردون كان سودانيا وامينا لا يخلوا من ،، طيبة ،، السودانيين وكانت له علاقات اسريه مع اغلب السودانين وكذلك شقيقه على الذي كان ياورو الحاكم العام.
عندما لم ينفذ الازهري الاوامر المصريه باعلان الوحده رفض ناصر ان يحيهم في موتمر باندونق في جاكارتا اندونيسيا 1955لانه كان عن اقتناع بانه هو المسؤول والوصي علي السودانيين ويجب ان لا ننسي هنا ان الازهري رجع من لندن واعلن الاستقلال من داخل البرلمان وهنالك وثيقه في جامعة دارام مرسلة من الخرطوم لوزارة الخارجيه البرطانيه للضغط علي الازهري بسبب قضية خاصة؟؟؟؟؟تكلم عنها الاستاذ بشير محمد سعيد .توصل اليها عندما كان يراحع الوثائق في بريطانيا لكتابة خبايا واسرار السياسة السودانية الذي يجب ان يقرأه كل سوداني .
موضوع السد العالي ليس بجديد نوقش في العشرينات , وكان الملك فاروق يدفع ل،، الاتحاديين ،، منذ الاربعينات . وعندما استلم عبد الناصر السلطه احيى هذا الموضوع و لم يزعن مرغني حمزه للشـروط المصريـه. مرغني حمزه لم يقبل بثلث مياه النيل وطالب 35 مليون جنيه سوداني لترحيل اهل حلفا. في تمثيلية محاولة اغتيال ناصر في الاسكندرية كان الغرض قتل ميرغني حمزة والتخلص منه وتوجيه التهمة للاخوان المسلمين الذين كان ناصر في تنظيمهم بعد ان ترك الشيوعيين . اصيب ميرغني حمزة ولم يمت وتم الفتك بالكيزان . ونذكر هنا ان طلعت فريد قبل 18 بليون متر مكعب التي هي اقل من الربع ـ ولان السودان لا يمتلك طاقه تخزينيه فنحن نستهلك اقل من اربعه عشر بليون متر مكعب والباقي يذهب كدين علي المصريين ـ وثلاثه عشر مليون جنيه مصري لم تدفع وراحت كسور وبواقي منها برنامج زياره الطلبه السودانيين لمصر.
حاولت المخابرات المصريه اول محاولة انقلاب عسكري في السودان وكان انقلاب كبيده 57 وكانت المخابرات المصريه قد نجحت في تشكيل تنظيم للظباط الاحرار في السودان بواسطة فواد شريف مدير الخطوط الجويه المصريه بالسودان والقنصل المصري في ذلك الزمان وكان معهم محمد عبدالحليم واحمد عبد الحليم الذان كانا يعملان في الجيش المصري وتحولا الي السودانبواسطة المخابرات المصرية وسط مجموعه من الظباط والطلبه الحربيين ، وكان والدهم يعمل كجنايني عند حيدر باشا رئيس الجيش المصري المشهور بالفساد . محمد واحمد طردا من الخدمه بعد محاوله كبيده .محمد كان يعمل في مكتب العمل واحمد في مصنع النسيج. وفي هذا الانقلاب ورد اسم نميري واوقف من الخدمة بنصف مرتب وعلي حسب قانون الخدمة العسكرية فان الايقاف لمدة سنتين يتبعه تسريح نهائي من الخدمه العسكريه. نميري ارجع للخدمه عندما استلم القوميين العرب السلطه بانقلاب شنان ومحي الدين احمد عبدالله في 59 الذي كان بمباركه المصريين لتخلص من عدو مصر ورجل الانصار احمد عبد الوهاب. الضابطان كانا في طريقهم لحلايب بعد طرد المصريين منها في زمن عبد الله خليل . عاد الضابطان ووجها اسلحتهم الى صدور اهلهم وبدأت سيطرة مصر . مصر لم تنسي ان احمد عبدالوهاب قد قال لعبود امام الجميع ـ وكان عبود في طريقه للسودان وقد مر علي مصر ووصف عبد الناصر بانه ولد ابن ناس ـ قال احمد عبد الوهاب ...... عاوز ايه عمل ليك عزومه نعمل ليك عزومه هنا,عمل ليك ميزيكه نعمل ليك مزيكه هنا. ومن المشاركين في انقلاب كبيده عوض احمد خليفة شاعر اغنية عشرة الايام التي كانت سببا في ارجاع نميري لعوض الذي طرد من الجيش . عوض كان اول دفعه نميري والثاني كان مبارك عثمان رحمة الذي كان قائد القيادة الجنوبية وارسل برقية مؤيدا انقلاب هاشم العطا كارها سيطرة المصريين . اعتقل بعد رجوع نميري وتعرض للاهانة من جنوده . ارسله نميري كسفير في براغ . كان وزيرا للدفاع في عهد الصادق . كان من اميز الضباط ـ
المقبولون في الدفعه خمسه عشر والمتخرجون ثلاثه عشر ...النميري كان طيش الدفعه ـ عوض احمد خليفه وضع في الاستيداع بعد انقلاب كبيده وعمل في التعاون. فواد شريف كان يدفع مرتبات شهريه للموقوفين واخرين واسماء وهميه. والمولفة قلوبهم من بند المخابرات المصريه , كل الموقوفين بما فيهم نميري كانو في هذه اللائحة التي ضمت اسماء وهمية . كان ولا يزال هناك تبرير بان كل ما يتعلق بالقوميه العربيه هو يعني النقاء ،الوطنيه والشرف وحتي كثير من الشيوعيين يخلطون بين الشيوعيه والقوميه العربيه, والغريب ان الكثير من الذين يدعون للقوميه العربيه في السودان كانو من القبائل الغير ناطقه بالعربيه مثل محمود حسيب وهو من النوبه الميري . كان وزيرا للشباب ثم وزيرا للمواصلات . طرد من الوزارة لان على صبري ذو الفقار الاشتراكي لم يقبل تقاربه من الوزير المصري زكريا محي الدين رجل امريكا . محود حسيب قتل في مكتبه بواسطة شاب اسمه محمد احمد. ونميري من الدناقله . ولقد حاول بدرالدين مدثر ان يجند جون قرنق لحزب البعث العربي كما قال لنا قرنق !!!!
مادام النيل يجري من الجنوب الي الشمال ستكون هناك اطماع لمصر في السودان. يجب ان لا ننسي ان كل الارض المزروعة في مصر منذ زمن الفراعنة حتي الان لم تبلغ 6 مليون فدان بما في ذلك مشروع توشكي الذي لم يكتمل ودفع فيه الشيخ زايد مبلغ ثلاثمئه مليون دولار في حين ان مشروع الجزيرة وحده يمثل اثنين مليون فدان وهو اكبر مزرعه في العالم تحت ادارة واحدة. والاراضي المصريه قد صارت اقل خصوبه خاصة بعد ان حجز السد العالي الطمي
الذي ياتي من اثيوبيا وقد قال الشاعر الكردي احمد شوقي في وصف النيل
حبشي اللون كجيرته من منبعه وبحيرته صبغ الشطين بسمرته لون كالمسك وكالعنبر
محمد علي عندما حضر بجيوشه الي السودان في سنة 1820 كان بسبب الذهب والرجال والسبب الذي لم يهتم به احد هو مطاردته للمماليك بعد مذبحة القلعه وفرارهم للسودان.الاخوان المسلمون كونوا فرع في السودان لحماية ظهرهم لان السودان كان ومايزال العمق الاستراتيجي لمصر واول تنظيم كان برئاسة ابراهيم المفتي الذي صار وزيرا في حكومة الازهري الاولي ونائب الرئيس بدوي مصطفي الذي صار وزيرا للمعارف في الديمقراطيه الثانية والذي ادخل مادة الدين الاسلامي كماده اساسيه في امتحان الشهادة السودانية وبسكرتارية علي طالب الله
ونسبة لان الحدود كانت مفتوحة بين مصر والسودان فلقد انتقل كثير من الاخوان المسلمين المصريين اوضحهم كان (الكتبي) الذي كان يدير مكتبة بالقرب من نادي الخرجين في ام درمان . يجب ان نلاحظ ان وجود الديمقراطية في السودان يسبب صداعا للمصريين لانه عادة ياتي بالسوال (ماهو حتي البرابرة دول عندهم ديمقراطيه اشمعنا احنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اذكر ان احد اهلنا الرباطاب قد ذكر في ماأتم انه عندما كان ناظرا علي احد محطات السكه حديد في صحراء العتمور(قديما كان القطار ينطلق من ابوحمد متجنبا انحناء النيل متجها شمالا شاقا صحراء العتمور ولان هذه المنطقة غير ماهوله كانت المحطات تعرف بالنمر) الناظر يكتشف ان احد عربات البضاعة (30 طن)المتجهه الي حلفا فارغه ويفتح الباب لينزل منها (سيد قطب) ـ الذي كان علي راس تنظيم الاخوان المسلمين المصري و يمثل بعبعا للنظام الناصري ـ ليذهب الي دورة المياه ويصلي ويرجعه الحرس الي العربة التي كانت خالية الا من مرتبة علي الارض وهذا بعد ان سيطر المصريون علي نظام عبود واذكر انه عندما رفض المصريون تسليم نميري لان سياستهم لا تسمح بذلك قد ذكرت لبعض السياسيين السودانيين ان السودان قد سلم المصريين (سيد قطب) في ايام عبود فلما لا يسلم المصريين النميري ويبدو ان هذه المعلومه غير معروفه للسودانين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
من مصلحة مصر الا تكون هناك شخصيات قوية تحكم السودان. عبود كان رجلا بسيطا وطيبا ..
عندما رفض (فوراوي) وكيل وزاره الاستعلامات والعمل في حكومة عبود ان يشترك السودان في موتمر منظمة العمل الدوليه حاول شيخنا واستاذنا محمد توفيق ـ وزير الخارجيه السابق في الحكومة الديمقراطيه الاخيرة وكاتب عمود جمرات لعشرات السنين, من اهالي حلفا, من انظف واعظم السودانيين ان لم يكن اعظمهم ـ ان يتفادي فوراوي في السنة التي تلت . فوراوي كان من احسن المتحدثين باللغة الانجليزية وكان مترجم بالجمعية التشريعية والبرلمان, كان المحجوب يمازحه بان ياتي بالشعر الصعب والايات القرانيه وكان فوراوي يترجمها ببراعة وبطريقه فوريه. (فوراوي) كان رجعيا كلاسيكيا واقعا في غرام الانجليز يكره العمال والتنظيمات النقابيه فنظم استاذنا محمد توفيق لمندوب هيئة العمل الدوليه مقابله مع عبود وكان الخواجه يحس برهبه بانه سيقابل الدكتاتور..الفريق..الخ الا ان عبود كان بانتظارهم في المدخل ورحب بهم بشدة وجلس ببساطة واخرج من جيبه صندوق سجاير بنسون صغير وقدم سيجاره للخواجه ثم اخرج علبة كبريت ابوورده صناعة سودانيه رديئه وبعد عدة محاولات نجح في ان يشعل السيجارة. وكما حكي لي استاذي محمد توفيق سال عبود الخواجه عن المنظمه التي لم يكن لديه اي فكرة عنها بعد اقل من عشر دقائق وافق عبود بان يذهب وفد للموتمر القادم
مامون بحيري كان محافظا لبنك السودان في زمن الديمقراطيه الاولي وامضاءه كان علي العمله السودانية الثانية.الاولي احرقت لان ازهري وضع امضاءه عليها وفي الديمقراطيه ليس لرئيس الوزراء هذه الصلاحيات وخرجت جماهير العاصمة تهتف حريق العملة حريق الشعب وهذا تضليل شارك فيه المصريون لان عبدالله خليل كان قد استلم السلطة كرئيس للوزراء وهو ليس من الرجال الذين يمكن السيطرة عليهم فحتي عندما ناداه السيد عبد الرحمن في 15 نوفمبر 1958 في اجتماع القبة (ياعبدالله...ياعبدالله) ادار ظهره وخرج بدون ان يرد عليه وهذا شئ غير مسبوق في السودان . في حكومة عبود الاولي كان عبد الماجد احمد وزيرا للمالية وبعد اعداد الميزانيه ذهب عبد الماجداحمد ومامون بحيري الي عبود في القصر والميزانيه حتي في ايام الجمعيه التشريعيه تناقش بواسطة الاعضاء ولقد افلح الدكتور علي بدري وزير الصحه الاول في ايام الاستعمار وعبد الرحمن علي طه وزير المعارف في نفس الزمان في جعل ميزانية التعليم والعلاج تساوي 25% من ميزانية الدوله وهذه النسبة الخرافيه لن نبلغها ابدا وعندما احتج وكيل المعارف البريطاني لبعض سياسات عبد الرحمن علي طه قام بطرده وطلب من علي بدري بطرد وكيله اذا لم يتعاون. وحسب ماسمعت من مامون بحيري ان عبود قابلهم عند الباب قائلا (احمد..ومامون تعالوا خشو) ولم ياخذ الموضوع الا ساعتين وكانت الميزانيه قد اجيزت
المصريون لم يكونوا سعداء باكتوبر, تعرضت صحفهم التي تسيطر عليها الدولة بالتجريح والاستهزاء بالسودان ولقد قرأت في احدي الصحف اللبنانية وبالمانشت العريض .... حتي السودان يرفض الحكم العسكري. وكانما السودان لا يسكنه بشر يفهمون .
انطلقنا في سنة 1956 ونحن اطفالا صغارا في مظاهرات هادرة نحو السفارة المصريه لدعم اشقائنا بمناسبة حرب السويس وبعد اكتوبر مباشرة انطلقت الجماهير السودانيه نحو نفس السفارة لتحطيمها وتمزيق العلم المصري بسبب الاعلام المصري الكريه.
وكما اورد المحجوب في كتابه الديمقراطيه في الميزان فان السفير المصري قد اتصل به في محاولة( لوي ضراع) وبانه لن يرفع العلم المصري في السفاره حتي يشارك رئيس الوزراء السوداني ووزير الخارجيه وكان رد المحجوب مامعناه (العلم بتاع بلدك اذا عاوز ترفعه ارفعه واذا ما عاوز علي كيفك) هل ياتري كان من الممكن ان يتوجه السفير المصري بطلب مثل هذا الي الرئيس البريطاني او الامريكي؟؟؟
وكما اورد بطرس غالي ـ سكرتير الامم المتحده السابق ـ في كتابه الخلافات العربيه في جامعة الدول العربيه فان ناصر قد اختلق مشكلة حلايب حتي تتاجل الانتخابات السودانيه لان الحزب الوطني الاتحادي لم يكن مستعدا للانتخابات وكان سيخسر امام حزب الامه. ناصر كان قد تعب من مناطحة حزب الامه وفشل في الوصول الي اتفاقيه مياه النيل
بالرغم من ان (أل فريد) يتمتعون بسمعه جيده في السودان وهم وطنيون. و(صديق فريد) كان اول كاتب مسرحي وممثل وشارك عبيد عبد النور وصالح عبدالقادر كاول مذيعين الا ان شهادات ميلادهم كان مكتوب عليها تركي عثماني لان كلمه سوداني لم تكن تكتب علي شهادات الميلاد, واللواء طلعت فريد هو الذي قبل باتفاقيه مياه النيل المجحفه في حق السودان. لقد تواجد طيلة الوقت اناس في السودان وهم مواطنيين اقحاح علي استعداد للموت من اجل مصر وسنعود اليهم.. وعندما سؤل مولانا بابكر عوض الله ـ رئيس الوزراء في حكومة نميري التي كانت صناعة مصرية ـ لماذا قبل بمنصب اقل في نفس الحكومة قال (من اجل مصر حتي لو عملوني قنصل في الاسكندريه لوافقت
بعد اكتوبر مباشرة وردا علي المحجوب والشارع السوداني بدأت تحركات الضباط الاحرار الذين كونتهم المخابرات المصريه وعلي راسهم مامون عوض ابوزيد وخالد حسن عباس و(ابو القاسمين) وجعفر نميري والرشيد ابوشامه والرشيد نورالدين ....واخرين . وتحركت المخابرات العسكريه في السودان واعتقلت مجموعه منهم وعلي راسهم نميري بتهمه التعامل مع دوله اجنبية بدون ان يشيروا الي مصر . وفي ايام المعتقل انهار النميري وقام بتمزيق ملابسه بهستريا وكان يصرخ (سوف يعدمونا المره دي). جعفر نميري كان مشهود له بالقوة الجسدية ولكن الشجاعه لم تكن ابدا احد صفاته . في ايام ما عرف بالغزو الليبي كان مختبئا في منزل بابتوت لم يظهر الا بعد نهاية المعركة.
شوقي .

shawgibadri@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • الانتخابات البلدية وأثرها على المشهد الراهن في ليبيا
  • الشاعرة زوات حمدو: الشعر موهبة لها أسس ومقومات
  • إيدرسون يقترب من الرحيل عن السيتي
  • المشهد المؤلم الذي يتكرر أمام العالم ولا يحرك ساكناً
  • عبري تودع أحد رجالها الأخيار
  • ثلاثة شعراء يتغنون بالحب والطبيعة بـ«بيت الشعر» بالشارقة
  • نحن السودانيين اعداء انفسنا بتدخلنا في ما لا يعنينا (4)
  • تطوان تسدل الستارة على مهرجان الشعراء المغاربة
  • محللان سياسيان: إسرائيل تعيش صراعا على هويتها والجيش أدرك خطوة الوضع الراهن
  • “اللافي ” يلتقي مع “تكالة ” لبحث آفاق المشهد السياسي الراهن