مليكة الفاسي.. مغربية كان بيتها قبلة لمقاومي الاستعمار الفرنسي
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
مليكة الفاسي، مناضلة سياسية وكاتبة وناشطة اجتماعية، ولدت عام 1919، انضمت إلى الحركة الوطنية المغربية المقاومة للاستعمار الفرنسي، وتعد المرأة المغربية الوحيدة من أصل 66 سياسيا ممن وقعوا عام 1944 على وثيقة تطالب باستقلال المغرب من الحماية الفرنسية، مارست الصحافة وكرست جهدها للدفاع عن تعليم الفتيات وحقوق المرأة وتمكينها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، توفيت في مدينة فاس يوم 12 مايو/أيار 2007.
ولدت مليكة المهدي الفاسي في مدينة فاس يوم 19 يونيو/حزيران 1919 لعائلة غنية ومثقفة أنجبت قضاة وأساتذة جامعيين وأطباء ومسؤولين بارزين في الدولة، وذات مكانة خاصة في العاصمة العلمية (فاس)، ومن أقربائها علال الفاسي مؤسس حزب الاستقلال.
والدها المهدي الفاسي كان قاضيا في عدد من المدن وعالما لامعا، وكان يعد التربية والتعليم أساس الالتزام بالدين الإسلامي، وبفضل مجهوداته تمكنت مليكة من مجالسة كبار العلماء في جامعة القرويين، لأن بيت "آل الفاسي" كان قبلة للعلماء ومكان الاجتماعات السرية لمناضلي الحركة الوطنية المقاومين للاستعمار الفرنسي.
كما تأثرت بوالدتها طهور بن الشيخ التي كانت حريصة على حسن تربيتها ورعايتها، خصوصا أنها الفتاة الوحيدة إلى جانب 3 إخوة ذكور.
تزوجت عام 1935 وهي في ريعان شبابها من ابن عمها محمد الفاسي المناضل والمقاوم، والذي كان يعيش في بيت عائلتها بعد أن فقد والديه.
عام 1956 ومباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال وتعيين أول حكومة بعد الاستعمار أصبح زوجها أول وزير للتعليم في المغرب، وتولى في ما بعد مسؤولية وزارة الثقافة، ثم أصبح رئيسا لعدد من الجامعات المغربية.
أنجبت 4 أبناء، أولهم سعيد الفاسي الذي أصبح في ما بعد وزيرا للإسكان، فأطلق عليها لقب "زوجة الوزير وأم الوزير"، رزقت بابن ذكر ثان اسمه عبد الواحد على اسم جده، وأصبح عضوا في الديوان الملكي، وأنجبت ابنتين، هما فاطمة الزهراء، وأمينة التي سارت على نهج والدتها وأكملت دراستها إلى أن أصبحت أستاذة جامعية.
كان بيتها قبلة للمناضلين والسياسيين ومكانا لالتقاء أعضاء الحركة الوطنية السرية، وبحكم طبيعة عمل زوجها اضطرت إلى مغادرة فاس مسقط رأسها، والتوجه للاستقرار بالعاصمة الرباط، ثم عادت إلى فاس واستقرت فيها مجددا.
عُرفت بتعدد هواياتها، ومنها ركوب الخيل والعزف على بعض الآلات الموسيقية (آلة العود)، وكانت من عشاق الطرب الأندلسي الذي تشتهر به مدينتها، وأسست جمعية هواة الموسيقى الأندلسية مع الموسيقار إدريس التويمي.
المسار التعليمينشأت وترعرعت في أسرة أغلبها ذكور لأنها الفتاة الوحيدة وسط إخوتها، لكن والدها حرص على ضمان تعليمها، وأرسلها إلى الكتّاب القرآني المخصص للفتيات قبل أن تنتقل لاستكمال تعليمها على يد علماء الفقه من أصدقاء والدها، ولا سيما حين أصبح الأب المهدي مديرا لجامعة القرويين في فاس.
قرر والدها أن تلتحق بمدرسة تعليم القرآن التي كانت تعرف في فاس بـ"دار الفقيهة"، وهي مدرسة مخصصة لتعليم القرآن للفتيات، ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية الإسلامية.
كان التعليم الجامعي محظورا على الفتيات آنذاك، فخصص والدها لها جناحا في المنزل لمتابعة دراستها، حيث كان يدرّسها عدد من أساتذة جامعة القرويين، فدرست العربية والفرنسية والتربية الرياضية وغيرها.
شكّل هذا الأمر بالنسبة إليها غصة، لذلك خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الـ20 ناضلت ليسمح للفتيات بمتابعة دراستهن في جامعة القرويين عوض منعهن بحجة أنهن إناث.
اغتنمت فرصة تعيين زوجها محمد الفاسي مديرا لجامعة القرويين، فبادرت بتوجيه رسالة إلى الملك محمد الخامس والتمست منه فتح أبواب الجامعة في وجه الفتيات، فلم يتردد في ذلك وأمر بفتح فرع خاص بالطالبات.
المسار النضالي والسياسيانخرطت عام 1937 وعمرها لا يتجاوز 18 ربيعا في الحركة الوطنية التي تأسست لمكافحة الاستعمار الفرنسي، ثم التحقت بالحزب الوطني لتحقيق الإصلاحات المغربية وبعدها بحزب الاستقلال.
انضمت للعمل نهاية ثلاثينيات القرن الـ20 في خلية سرية تعرف بـ"الطائفة"، وشاركت في الأنشطة التي يقوم بها الوطنيون المقاومون، وكشفت بعض الكتابات أنها كانت من بين أعضاء الخلية الذين أدوا القسم أمام الملك محمد الخامس وتعهدوا بعدم خيانة الأمانة وبكتم الأسرار وعمل ما في وسعهم من أجل مصلحة البلاد.
كُلفت بربط جسور التواصل بين المقاومين والقصر الملكي في شخص الملك محمد الخامس، وبوصولها إلى القصر منذ 1942 ضمنت تعزيز حضور المرأة في الساحة السياسية.
كانت المرأة الوحيدة من بين 66 سياسيا وقعوا الوثيقة التاريخية التي سُلمت إلى السلطات الفرنسية يوم 11 يناير/كانون الثاني 1944 للمطالبة بمنح البلاد الاستقلال، ولم ينحصر دورها في التوقيع، بل أسهمت في إعداد الوثيقة منذ بدايتها.
وتشير بعض التقارير إلى أن السماح لها بالتوقيع على عريضة المطالبة بالاستقلال لم يكن أمرا سهلا ولا هينا، فقد كانت اللائحة كلها من الرجال، وأغلب الموقعين فيها علماء دين محافظون، وكان من بينهم زوجها محمد الفاسي وعدد من أقاربها.
مليكة الفاسي أثناء استقبالها من قبل الملك الحسن الثاني (مواقع التواصل الاجتماعي)توطدت علاقتها بالقصر وبالعائلة الملكية، خصوصا أن زوجها شغل منصب مدير المدرسة المولوية التي شيدت في القصر لتدريس الأمراء والأميرات وبعض المتفوقين المنتقين من عامة الشعب، فتولى تلقينهم مبادئ الدين الإسلامي وتعليمهم اللغات، وكانت تتحمل مسؤولية كتابة ونسخ جميع الوثائق التي يرغب رجال الحركة الوطنية في إيصالها إلى ملك البلاد.
ليلة 19 أغسطس/آب 1953 كانت آخر من التقى بملك المغرب محمد الخامس في قصره، جددت أمامه عهد الوفاء بالوطن، قبل نفيه في اليوم التالي إلى جزيرة كورسيكا من قبل الاستعمار الفرنسي لرفضه التنازل عن العرش.
المسؤوليات السياسيةالمرأة الوحيدة ضمن نواة الحزب الوطني الذي كان قبل عام 1937 بمثابة كتلة لتنسيق عمل ومجهودات الوطنيين وتنظيم أشكال مقاومتهم ضد الاستعمار.
عايشت مرحلتي الشد والجذب التي تعرض لها الحزب من قبل السلطات الفرنسية التي كانت تنسف كل عمل منظم يسعى إلى مواجهة مخططاتها الاستعمارية في البلاد.
كانت في قلب السياسة، وعندما تم الإعلان في ما بعد عن تأسيس حزب الاستقلال مباشرة بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التحقت بركبه شأنها شأن أغلب أفراد عائلتها "آل الفاسي"، بمن في ذلك زوجها محمد الفاسي، وتولت مسؤولية فرعه النسائي.
عام 1955 وخلال الفترة التي تزامنت وقرب حصول المغرب على الاستقلال من فرنسا بدأت في تعبئة النساء للانخراط في العمل السياسي، كما باشرت نضالها لإعطاء المرأة حق الإدلاء بصوتها وإمكانية الترشح للانتخابات.
رغم رصيدها السياسي والمسؤوليات التي تحملتها نضاليا فإنه ولكونها زوجة وزير وفي ما بعد أم وزير لم تتمكن من الاضطلاع بمناصب في بدايات بناء مؤسسات الدولة للفترة ما بعد الحصول على الاستقلال، بقيت تنشط سياسيا دون أن تتحمل مسؤوليات حكومية.
وحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن الملك محمد الخامس اقترح عليها أن تتولى حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، لكنها رفضت لأن زوجها وزير.
مليكة الفاسي انخرطت في أول جمعية نسائية بالمغرب (مواقع التواصل الاجتماعي) التجربة الاجتماعيةإلى جانب اهتمامها السياسي والنضالي بصم اسمها الحقل الاجتماعي، إذ تعد من المناضلات المدافعات الشرسات عن حقوق المرأة المغربية والنهوض بمكانتها، ولم يتوقف نشاطها عند هذه الحدود، بل امتد إلى العمل الخيري والإحساني.
عام 1946 انخرطت في أول جمعية نسائية في المغرب كان يطلق عليها اسم جمعية "أخوات الصفاء".
وخصصت جزءا كبيرا من نضالها للدفاع عن تعليم الفتيات، وفي عام 1947 بدأت تحركاتها تؤتي أكلها بعد أن بادر عدد من المقاومين الوطنيين إلى تسجيل فتياتهم في المدرسة (السلك الثانوي)، ففي عام 1955 حصلت 6 فتيات على شهادة الإجازة (البكالوريوس) من جامعة القرويين.
بعد استقلال المغرب يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 شنت مليكة الفاسي حربا على الأمية المتفشية، خصوصا في صفوف النساء، وبتنسيق مع ابنة الملك محمد الخامس الأميرة للا عائشة أسست مع فريق عمل مؤسسة التعاون الوطني بإشراف الدولة للاهتمام بالأشخاص الذين كانوا في وضعية هشاشة اجتماعية.
كما أنشأت برفقة بعض النساء من الرباط جمعية المساواة التي تولت رئاستها منذ عام 1960 لرعاية ودعم الأشخاص المحتاجين.
نالت العضوية في جمعية النساء الاستقلاليات وكُلفت بتوعية النساء اللواتي ينتمين إلى العائلات البرجوازية، فيما كُلفت زميلتها في النضال ثريا السقاط بالتوعية في الأوساط النسائية الشعبية.
المؤلفاتتركت مقالات صحفية عدة كتبتها في ثلاثينيات القرن الـ20، وتناولت فيها قضايا تعليم الفتاة وإدماج المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، كما خصصت مقالاتها لمعالجة موضوع تهميش المرأة، علما أنه في تلك الفترة لم يكن مقبولا أن تكتب امرأة مقالا وأن توقع كتاباتها باسمها الحقيقي، وعدّت أول صحفية مغربية مارست مهنة المتاعب التي كانت وقتها حكرا على الرجال فقط.
عام 1934 نشرت أول مقالاتها الصحفية في عدد من المنابر نددت عبرها بالظلم الذي كانت تتعرض له النساء في فترة الحماية، ودافعت عن حق الفتيات في التعلم وإتمام دراستهن في جامعة القرويين.
قبل حصول البلاد على الاستقلال التحقت بـ"مجلة المغرب" وكانت المرأة الوحيدة في هيئة تحريرها.
الفاسي حصلت على ميدالية من العصبة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية (مواقع التواصل الاجتماعي)تميز قلمها بالحدة والشراسة دفاعا عن حقوق المرأة وعن تعليم الفتيات، وحث الآباء على عدم حرمان بناتهم من التوجه إلى المدرسة.
وبالنظر إلى الظروف السياسية في تلك المرحلة فضلت في البداية توقيع مقالاتها باسم مستعار، وأشارت بعض التقارير إلى أنه في البداية كانت توقع مقالاتها باسم عبد الكريم الفاسي، ثم بعد ذلك بـ"فتاة المدينة"، مقتبسة هذا الاختيار من الكاتبة والشاعرة المصرية ملك حفني ناصف رائدة معارك النضال الصحفي في القرن الـ20 التي ناضلت بكتاباتها تحت اسم "باحثة البادية" من أجل تحرير المرأة المصرية ضد التغريب وضد الاحتلال البريطاني.
عندما تزوجت مليكة الفاسي بدأت توقع باسم "باحثة المدينة"، واستمرت في الدفاع من خلال مقالاتها عن حقوق المرأة وتأكيد ضرورة تعليمها.
من بين أبرز مقالاتها مقال تحت عنوان "الشمس أشرقت من أجل المرأة المغربية" نشرته عام 1943 في مجلة "رسالة المغرب"، ووصفت الكاتبة منح الشهادة الابتدائية للفتيات في تلك المرحلة بالحدث الوطني الكبير، وشجعت جميع الآباء المغاربة على السماح لفتياتهم بتطوير مهاراتهن من خلال التعلم والتثقيف.
كتبت عن سعادتها عندما رأت الفتيات يغادرن أسوار "مدرسة باب الجديد" في فاس وهن يحملن شهادة الدراسة الابتدائية ويبرهن على تفوقهن ونبوغهن.
إلى جانب استمرارها نشر مقالات في منابر عدة شرعت في كتابة سيناريوهات بعض المسرحيات والروايات، أشهرها رواية "دار الفقيه" نشرتها عام 1938، وهي سيرة ذاتية، ورواية "الضحية" التي نشرت عام 1941 في مجلة "الثقافة المغربية"، وتعالج من خلالها قضية الزواج التقليدي.
الأوسمة كرمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لنضالها الكبير ضد تفشي الأمية وحصلت على ميدالية في هذا الشأن. حصلت على ميدالية من العصبة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية. منحتها الحكومة الروسية وساما لمساهمتها في تعزيز الصداقة المغربية الروسية. وتخليدا للذكرى 61 لتقديم وثيقة الاستقلال توجها ملك المغرب محمد السادس يوم 11 يناير/كانون الثاني 2005 بوسام العرش من الدرجة الأولى، لما قدمته من تضحيات من أجل الوطن. الوفاةتوفيت مليكة الفاسي يوم السبت 12 مايو/أيار 2007 في مدينة فاس عن سن ناهز 88 عاما بعد مرض عضال.
دفنت في الرباط بجانب قبر زوجها محمد الفاسي، تاركة وراءها إرثا من النضال بعد أن أمضت حياتها في سبيل الوطن، وبقي اسمها رمزا من رموز المقاومة والتضحية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الملک محمد الخامس الحرکة الوطنیة على الاستقلال القرن الـ20 التی کانت فی ما بعد من بین عدد من من أجل
إقرأ أيضاً:
وزير خارجية الصومال: مصر كان لها دور مشرف مع بلادنا في نضالها ضد الاستعمار
أعرب أحمد معلم فقي، وزير الخارجية الصومالي، اليوم الإثنين، عن سعادته بالجهود المصرية في دفع العلاقات الثنائية إلى مستويات متميزة.
وشدد فقي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي، على العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع بين الصومال ومصر، وتستند إلى أسس الأخوة والروابط الاجتماعية والصلات الأسرية.
وقال: « إن مصر كان لها دور مشرف في الوقوف إلى جانب الصومال منذ النضال الوطني ضد الاستعمار، حيث استشهد كمال الدين صلاح في سبيل نيل الصومال لاستقلاله في عام 1957».
وأضاف: «كان الدور المصري مميزًا في مراحل بناء الدولة الصومالية بعد الاستقلال في المجالات العسكرية والاقتصادية»، متابعًا: «كما ساهمت مصر في برنامج إعادة الأمل الأممي بعد انهيار الدولة في الصومال، وفي مؤتمرات المصالحة الوطنية في مسيرة حافلة من إعادة بناء الدولة».
وزير الخارجية يستقبل المرشحة المصرية لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي
اتصالات هاتفية لوزير الخارجية مع نظرائه من الإمارات والأردن والعراق والجزائر
وزير الخارجية يعقد لقاء افتراضيا مع أعضاء الجالية المصرية في أستراليا