بين الدولة والبناء القاعدي: الفلسفة السياسية معقدة ومليئة بالمفارقات
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
التنبؤ بذبول الدولة شائع لدى أهل اليسا، وخاصة في أوساط الأناركيين والماركسيين اليساريين. كما قاد اليسار السياسي الراديكالي أيضًا جهود فكرية رامية إلى فضح الظلم المتأصل في أجهزة الدولة، خاصة لكونها عرضة دائمًا للوقوع في قبضة الطبقات الحاكمة.
لكن اليسار الراديكالي ليس العدو الوحيد للدولة. كما يكره الأناركيون اليمينيون (اللاسلطويون) الدولة ويدعون إلى تقليل حجمها والحد من وسلطاتها وتدخلاتها إلى أدنى ما يمكن.
لكن هناك فرق حاسم بين مدارس اللاسلطوية/الأناركية اليمينية من جهة، وبين الأناركيين الاشتراكيين اليساريين من جهة أخري. لذلك في الأدب السياسي المحترف ياتي مصطلح الأناركية معرفا فهي إما أناركية راسمالية أو ماركسية أو شيوعية أو سينديكاليىة أو فردية.
لذلك حاليا عادة ما يبذل اليسار في البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة والبلدان الأقل نموا جهودا كبيرة لتعزيز دور الدولة في الإدارة الفعالة للاقتصاد الرأسمالي وتوجيه تدخلاته نحو حماية اجتماعية أكبر من حيث التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية. ، دخل مضمون للفقراء وكبار السن والعاطلين عن العمل. كل هذه التدخلات تتطلب دولة قويةمقتدرا وطويلة الذراع.
من الناحية الأخرييسعي الأناركيون اليمينيون (اللاسلطويون) لتجريد الدولة من صلاحياتها ونقل هذه الصلاحيات إلى الشركات، بينما يدعو الاشتراكيون الأناركيون (اللاسلطويون أيضا ) إلى نقل سلطات الدولة إلى مراكز محلية أكثر ديمقراطية، بما في ذلك النقابات العمالية أو لجان الأحياء/المجتمع أو الهياكل التعاونية. فنقل سلطات الدولة للشركات ينقص بالمجتمع إلي الوراء في حين أن نقلها للشعب يشكل تقدما. وهذا يعني أن تحجيم دور الدولة قد يكون خطوة للأمام في سياق تاريخي وخطوة إلي الخلف في سياق آخر.
إن حقيقة أن اليسار في جميع أنحاء العالم يدعو إلى دولة أقوى تبدو وكأنها مفارقة، ولكنها ليست كذلك. يدرك اليسار أن إضعاف الدولة الآن في ظل توازن توازن قوي غير موات ينقل صلاحياتها إلى شركات ليست ديمقراطية، وليست منتخبة، ولا تخضع للمساءلة من قبل الشعب.
ولهذا السبب، وإلى أن يصبح المجتمع مستعداً لنقل السلطة إلى تكويات أكثر ديمقراطية، فإن أي تقليص لحجم الدولة، بغض النظر عن النوايا المعلنة، من شأنه أن يخدم مصالح الشركات التي يمكنها استغلال البشر في جميع أنحاء العالم وتدمير البيئة وإشعال الحروب.
ولنفس السبب فان اعداء الدولة وسلطاتها في الغرب هم جماعات اليمين واليمين المتطرف كما يعرف متابعو الصراع السياسي في أمريكا.
ويمكن للمهتمين بالمعاني السياسية للأناركية الرأسمالية أن يتابعوا البث المباشر من ممثلها رئيس الأرجنتين الحالي خافيير مايلي المتأثر بالمدرسة النمساوية والذي سيدخل بلده في جحر ضب.
في السودان، ليس لدينا تكوينات قاعدية تقدمية ناضجة وقوية بما يكفي لتحل محل الدولة. وهذا يعني أنه عندما تتراجع الدولة، فإن سلطاتها سترثها العصابات والميليشيات المحلية والقوى الأجنبية.
الدعوات للبناء القاعدي صحيحة ومهمة أيضًا، لكن النقطة الحاسمة التي نحتاج إلى فهمها هي أن البناء القاعدي الآن لا يمكن أن يكون بديلاً عن الدولة، لذلك يجب على الشعب السوداني الحفاظ على دولته ومؤسساتها وبذل كل ما في وسعه لإرساء الديمقراطية في داخلها وهياكلها. وفي الوقت نفسه علي الشعب الاستمرار في البناء القاعدي كمكمل للجهود الرامية إلى دمقرطة الدولة وأنسنتها.
نتفق تماما مع دعاة البناء القاعدي ولكن نضيف إنه ليس جاهزا ليحل محل الدولة ونحترم كل دعواته طالما لم تات في سياق هدم الدولة في هذا السياق التاريخي الشيطاني.
وكما قال قصي شيخ الدين لا توجد حاليا تكوينات غير الدولة قادرة علي قيام بمهام أساسية مثل:
“تشغيل وصيانة محطات وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وإنشاء وصيانة الطرق والجسور والموانئ، إلخ، وبقايا البنية التحتية) وكذلك النظام الصحي والنقل والمواصلات، وتنظيم متطلبات القطاع الصناعي والزراعي والتعديني، من بنى تحتية وشروط إدارية ومالية وفنية، وتنظيم قضايا العمل والتأهيل الفني والإداري لتسيير كل هذه النظم المتعلقة بحركة الناس والتكنولوجيا ومساعي العيش في المجتمعات الحديثة، أو التخطيط المدني والريفي، أو الإحصاء والأرصاد ومراقبة جودة السلع (مثل السلع الغذائية والاستهلاكية) أو التجارة الدولية والعلاقات الدولية (أي التي تقتضي التعامل مع بقية العالم بنظمه الحديثة)، أو الإدارة البيئية، أو تنسيق نظم الطيران المدني وحركة السفن والسكة حديد، داخل وخارج النطاق الجغرافي لسيادة المجتمع، أو ترتيب النظم العسكرية الحديثة (والتي بدونها لن تكون للدولة سلطة تنفيذية)، أو فض النزاعات بين الجماعات المسلحة، أو اتفاقيات مشاركة موارد المياه، والأجواء والمعابر، والاتفاقيات الإقليمية والدولية السياسية، وبروتوكولات العلاقات المتشعبة بين المجتمعات في هذا الكوكب (من مصالح ونزاعات وتبادلات)، أو التبادل المعرفي والبحثي بين المجتمعات الكوكبية من أجل التطور التكنولوجي والاقتصادي المستمر، وضمان المعايير والضوابط البحثية العلمية، وتنسيق قضايا التنقّل الدولي (السفر) والعمل والزيارات، إلى آخر ذلك من وظائف ومحاور الدولة العصرية…”,
التنافس بين أطروحات البناء القاعدي والحفاظ على الدولة ليس مسألة هذا أو ذاك. يمكن السعي نحو كلا الهدفين بطرق تخدم بناء دولة فعالة وكفؤة وفي الوقت نفسه بناء كيانات قاعدية أساسية تقدمية وشاملة كهدف ديمقراطي إستراتيجي، عظيم الأهمية.
أيضًا، على مستوى ما، يجب أنيميز التحليل بين الدولة كجهاز ومجموعة من المؤسسات وبين من يسيطر عليها. لقد تمكنت الدولة القادرة من تحرير الصين من الاستعمار والاستعمار الجديد وانتهت بقيادة أعظم تجربة تنمية اقتصادية في التاريخ، انتشلت ما يقرب من مليار شخص من الفقر المدقع.
وبناء دولة تتسم بالكفاءة وتحترم الجدارة، تمكن الشعب الصيني من الارتقاء بنفسه من واحد من أفقر عشر دول في العالم إلى قوة اقتصادية عظمى متطورة تكنولوجياً ولا تتلقى أوامر من أحد.
قتل الدولة السودانية قبل الاوان سينتهي باستبدال طغاتنا بطغاة غير محاسبين أمامنا من دول الجوار والإقليم وما وراء البحار.
معتصم اقرع
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أرض المليون 2 على MBC1.. رحلة مشوقة ومليئة باللحظات الإنسانية الحقيقية!
متابعة بتجــرد: بالتعاون ما بين كل من “مجموعة MBC” ومنصة “شاهد”، وبين Blue Engine Studios، أقيم حفل إطلاق برنامج “أرض المليون 2” بحضور فريق العمل وعلى رأسهم الرئيس التنفيذي لـ Blue Engine Studios زياد كبي، والمدير العام للعلاقات العامة والتواصل المؤسسي في مجموعة MBC بسام البريكان، ومخرجة البرنامج جنان منضور، ومقدم البرنامج محمد الشهري، إلى جانب عدد من نجوم الفن والإعلام والمؤثرين ووجوه MBC. وخلال حفل الإطلاق، عُرضت الحلقة الأولى من البرنامج الذي كان قد حقق نجاحاً كبيراً بموسمه الأول قبل عامين، فيما يُتوقع أن يحصد الموسم الثاني اليوم نجاحاً أكبر وأوسع نظراً للتغييرات الإيجابية التي أضيفت للبرنامج.
وتحت عنوان “مليون دولار في قلب الصحراء” بدأ العرض الترويجي للموسم الثاني من برنامج المسابقات “أرض المليون 2” قُبيل بدء عرضه على الشاشة، لتكشف Blue Engine Studios أن عدد المتسابقين انخفض ليصبح 30 متسابقاً من جميع أنحاء العالم على أهبة الاستعداد للتحدي وقضاء 30 يوماً في صحراء مدينة نيوم بحثاً عن الجائزة المالية الكبرى والبالغة “مليون دولار”.
شتعاون متجدد
من جانبه أشاد بسام البريكان – مدير عام العلاقات العامة والتواصل المؤسسي في “مجموعة MBC” بالتعاون مع Blue Engine Studios موضحاً ان الموسم الأول من البرنامج حقق نسب تفاعل ومشاهدة جماهيرية عالية على شاشة MBC، الأمر الذي جعل من الموسم الثاني مطلباً جماهيرياً من عشاق برامج الواقع والمغامرة والإثارة.” وأضاف البريكان: “”يحمل الموسم الثاني في جعبته الكثير من المفاجآت من حيث التغييرات في بنية البرنامج وهيكليته، وكذلك من حيث الحبكة والتنافس والإثارة وطبيعة التحديات ونوعيتها، فضلاً عن عرضه كذلك على منصة شاهد، لذا فنحن على ثقة من أن يمنح كل ذلك الموسم الثاني قيمة مضافة تصب في خانة التفاعل الجماهيري.”
وفي كلمته أثناء الحفل أكد الأستاذ زياد كبي المدير التنفيذي لشركة Blue Engine Studios بأن هذا البرنامج هو واحد من أضخم الانتاجات العربية التي شهدها قطاع صناعة الترفيه التلفزيوني في السنوات الأخيرة مشيراً إلى أن انجاز هذا البرنامج بهذه السوية العالية يعكس التطور الهام الذي شهده قطاع التلفزيون مؤخراً، وقال زياد كبي: “تعَدُّ برامج الواقع جزءاً أساسياً من عروض المحطات التلفزيونية والمنصات في العديد من المناطق خارج العالم العربي، هذا النوع من التلفزيون يضع أشخاصاً عاديين في مواقف غير متوقعة وأحياناً في ظروف قاسية مما يسمح للمشاهد بطرح السؤال الدائم: “ماذا سأفعل لو كنتُ مكانهم؟” هذا النوع لا يزال ممثلاً بشكل محدود في العالم العربي، وكشخص كرس حياته للتلفزيون، أرى أن هناك فجوة يجب سدها، وأعتقد أن برامج مسابقات الواقع يجب أن تكون عنصراً أساسياً على الشاشات والمنصات العربية، لقد اختبرت هذا المجال على مر السنين مع برامج مثل “طن من النقود (Ton of Cash) والصحراء (The Desert) وأثبتت هذه البرامج أن هناك شهية لهذه الصيغ فهي تلقى صدى، وتثير النقاش، وتبقى في أذهان الناس، فكان برنامج أرض المليون الخطوة الطبيعية التالية، إنه ليس مجرد برنامج بقاء، بل هو تجربة اجتماعية متعددة الطبقات. وأضاف كبي: ما أثار اهتمامي هو التفاعل النفسي، والتحالفات المتغيرة باستمرار، والطريقة التي يكشف بها عن تحول السلوك البشري تحت الضغط.
وعن تعامل البرنامج من الناحية الاجتماعية مع المتسابقين قال كبي: “نحن ندرك حساسيات وقيم المنطقة العربية، هذا الوعي مدمج في كل قرار نتخذه، من تعديلات الصيغة إلى كيفية اختيار وتوجيه التفاعلات على المجموعة ويمتد ذلك إلى المتسابقين أنفسهم، حيث يحمل الجميع احتراماً عميقاً للفروق الثقافية لبلدانهم، وكان من الجميل رؤية مدى حرصهم على التعرف على اختلافات بعضهم البعض، وفي وقت مبكر من التصوير، برزت لحظة مميزة: بدون أي تدخل أو توجيه، قام الرجال في اللعبة ببناء ملاجئ للنساء لحمايتهن من بيئة الصحراء القاسية وتوفير مساحة خاصة لهن، هذا لم يكن مكتوباً، بل كان نابعاً من الثقافة، وكان ذلك جميلاً، خلقنا بيئة من الاحترام المتبادل، حيث فهم الطاقم والمشاركون الخط الفاصل بين الدراما وعدم الاحترام، وعندما تكون هذه هي نقطة البداية، نادراً ما نحتاج إلى تصحيح المسار”.
أما عن مدينة نيوم فقد وصفها زياد كبي بقوله: ” تقف في منظر طبيعي يبدو كالمريخ، المقياس البصري سينمائي، وهناك شعور بأنك جزء من التاريخ، أنت لا تصور عرضاً فحسب، بل قصة بلد يعيد ابتكار نفسه”.
بدورها قالت مخرجة البرنامج جنان منضور: “لم يكن ارتداء قبعة المخرج ورئيس الإنتاج في آنٍ واحد أمراً سهلاً، لكنه كان التحدي الأكثر إرضاءً الذي خضته على الإطلاق، من بناء الفريق وإدارة اللوجستيات، إلى تشكيل اللغة البصرية للعرض، كل لحظة تطلّبت الحضور، والدقة، والشغف، بين موازنة الميزانيات في النهار وتأطير اللقطات عند شروق الشمس، دفعني الموسم الثاني من “أرض المليون دولار” إلى أقصى حدودي، ولم أكن لأرغب في الأمر بطريقة أخرى، لم يكن أيٌ من ذلك ممكناً لولا الطاقم الرائع والفرق التي جلبت هذا العرض المذهل إلى الحياة بفضل تفانيهم، وعملهم الجاد، وشغفهم المشترك”.
يعرض برنامج “أرض المليون” على MBC1 و”MBC العراق” في تمام الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت السعودية.
main 2025-04-08Bitajarod