قضايا المناخ تهيمن على الأجندة السياسية في بريطانيا
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
دينا محمود (لندن)
أخبار ذات صلةلم تعد القضايا التقليدية، من قبيل الهجرة والرعاية الصحية والوضع الاقتصادي، هي التي تهيمن وحدها على اهتمامات البريطانيين، في عام الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بعد بضعة شهور من الآن، والتي لم يتم حتى اللحظة الإعلان رسمياً عن موعدها.
فبعد عام حُطِمَت فيه الأرقام المُناخية القياسية على مستوى العالم، بما انعكس بالتبعية على أحوال الطقس في المملكة المتحدة، أصبح ملفا المُناخ والبيئة يحظيان باهتمام كبير على الساحة السياسية هناك، وذلك في ظل تقارير تفيد بأن المخاوف المتعلقة بتبعات التغير المناخي، باتت تشغل عدداً لا يستهان به من أنصار الأحزاب الرئيسة في البلاد.
فوفقاً لتقرير أعدته وكالة بريطانية لتقديم الاستشارات والتواصل مع الرأي العام، اعتبر 10% من الناخبين ممن قالوا إنهم يعتزمون التصويت لصالح حزب «المحافظين» الحاكم، أن تغير المُناخ يمثل مصدر القلق الأكثر أهمية بالنسبة لهم. وازدادت هذه النسبة في أوساط المؤيدين المحتملين لحزب «العمال» المعارض، لتصل إلى 12%، وذلك في حين بلغت قرابة 27% بين من أكدوا اعتزامهم الإدلاء بأصواتهم دعماً لحزب «الخضر».
إضافة إلى ذلك، كشف استطلاع للرأي، نُشر في ديسمبر الماضي، أن 41% من المستطلعة آراؤهم، قالوا إنهم أكثر ميلاً لدعم الحزب الذي يتعهد باتخاذ إجراءات صارمة للتصدي لظاهرة التغير المُناخي وانعكاساتها.
وأظهر الاستطلاع نفسه أن 40% من المشاركين فيه يرون أن تأجيل الحكومة الحالية لبعض السياسات الرامية لتقليص الانبعاثات الكربونية أو إلغاءها تماماً أثر بالسلب على سمعة بريطانيا وصورتها في الخارج.
وربط خبراء ومحللون بين هذه النسب وما شهدته المملكة المتحدة في العام الماضي من ظواهر جوية ناجمة عن تسارع وتيرة التغير المُناخي.
فـ 2023، صُنِّف باعتباره ثاني أكثر الأعوام حرارة في البلاد، منذ بدء تسجيل البيانات المتعلقة بهذا الأمر. كما يتوقع خبراء الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، أن تؤدي الأزمة المُناخية إلى رفع درجة الحرارة في البلاد خلال فصل الصيف، بما يتراوح بين درجة و6 درجات، وتقليص معدلات الأمطار التي تهطل عليها، بنسبة قد تبلغ 60% بحلول عام 2070.
وأشار الخبراء إلى أن هذه التطورات والتوقعات ألقت بظلالها على استعدادات الأحزاب البريطانية لخوض الانتخابات التشريعية التي يُتوقع إجراؤها في أكتوبر المقبل، لا سيما بعدما أفاد تقرير أعده الفرع البريطاني لحركة «جرين بيس» المعنية بأوضاع البيئة في العالم، بأن السياسات المتبعة حيال القضايا المُناخية والبيئية، باتت تلعب دوراً حاسماً في التأثير على تفضيلات الناخبين، خاصة في الدوائر التي تحتدم فيها المنافسة بين الأحزاب.
ويعني ذلك، وفقاً لتقرير نشرته منصة «إيرث» الإخبارية الإلكترونية المهتمة بقضايا البيئة والملفات المتعلقة بالشؤون المؤثرة على الحياة على كوكب الأرض، أن الناخبين البريطانيين باتوا يسعون للحصول على مقترحات واضحة من المرشحين في الانتخابات المقبلة، وأن يقطع هؤلاء التزامات صارمة على أنفسهم، فيما يتعلق بتبديد المخاوف البيئية والمُناخية.
ويشير تضافر كل هذه العوامل إلى أن نتائج الانتخابات العامة المرتقبة في بريطانيا ستؤثر بشكل كبير على سياساتها المستقبلية حيال ملف التغير المُناخي، وقد تحدد ملامح الدور الذي ستضطلع به البلاد في الجهود العالمية المبذولة على هذا الصعيد، وهو ما جعل السجال يحتدم بين الحكومة والمعارضة، على مدار الفترة القليلة الماضية في ذلك الصدد.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: بريطانيا المناخ الرعاية الصحية الانتخابات البرلمانية التغیر الم الم ناخیة
إقرأ أيضاً:
البابا فرنسيس.. بطل في العمل المناخي
طه حسيب (أبوظبي)
رَحَلَ البابا فرنسيس بعد إنجازات غير مبسوقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، أهمها: توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي مع شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب في 4 فبراير2019، وتعزيزه للحوار بين الأديان، وقيامه بزيارات غير مسبوقة لأربع دول عربية وإسلامية، مقدماً رسائل كبرى في الحوار والتسامح والعيش المشترك.
وفي المجال البيئي والتحذير من خطر التغير المناخي، ترك البابا الراحل تركة ثرية، أهمها إصدار وثيقة «لاوداتو سي» أو «كن مسبِّحاً» في عام 2015 بهدف حماية البيئة ومواجهة التحديات الناجمة عن التغير المناخي. ومن إنجازات البابا فرنسيس، أنه بذل جهداً لفتح عيون كاثوليك العالم البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة لمخاطر تغير المناخ، وطوال حياته، كان صريحاً بشأن هذه المخاطر، خاصة تأثيرها على أفقر دول العالم وأكثرها ضعفاً، وخلال قيادته للكنيسة الكاثوليكية، تحدث البابا فرنسيس بشكل متكرر عن تغير المناخ.
البابا فرنسيس اسمه الأصلي: خورخي ماريو بيرغوليو، اختار اسمه البابوي تيمناً باسم القديس فرنسيس الأسيزي (1181-1226 ميلادية)، الشهير بحبه للفقراء والمهمشين واهتمامه بالطبيعة، حيث تبنى فرنسيس الأسيزي منطق احترام الطبيعة ورعاية جميع مكوناتها بدلاً من الهيمنة عليها في إطار صداقة بين الكائنات ضمن ما يسمى بـ «العائلة العالمية».
وبالعودة إلى وثيقة «لاوداتو سي»، فإنها تتكون من 6 فصول و73 فقرة، أراد من خلالها البابا فرنسيس أن يحدد ويكمِّل ما أكّده حول علم البيئة المتكامل، ليطلق إنذاراً ودعوةً إلى المسؤولية المشتركة إزاء حالة الطوارئ المتعلقة بالتغير المناخي.
في الفصل الأول من الوثيقة، يؤكد البابا الراحل أن علامات التغير المناخي مهما حاولنا أن ننكرها أو نخفيها أو نجعلها نسبية، إلا أنَّها حاضرة وأكثر وضوحاً، ويضيف أن السنوات الأخيرة شهدت ظواهر مناخية متطرفة، وظهرت فترات متكررة من الحرارة غير الطبيعية والجفاف، وغيرها من تذمرات الأرض، إنه مرض صامت يؤثر علينا جميعاً.
دعوة للصدق والشجاعة والمسؤولية
وتقول الوثيقة: «إن الحدّ من الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري يتطلّب صدقاً وشجاعةً ومسؤوليةً، وبالأخص من قِبَل البلدان الأكثر قدرة والأكثر تسبباً في التلوث. أما مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، المُسَمّى ريو+20 (ريو دي جانيرو 2012)، فقد أصدر بياناً نهائيّاً مسهباً في محتواها وفي عدم جدوها. فالمفاوضات الدولية لا تستطيعُ إحرازَ تقدّم ملحوظ بسبب مواقف البلدان التي تضع مصالحها الوطنية الخاصة فوق مصالح الخير العام العالمي».
وفي الوثيقة، يحذر البابا فرنسيس من أن «بعض التغيرات المناخية التي يسببها الإنسان تزيد بشكل كبير من احتمال وقوع أحداث متطرفة أكثر تواتراً وأكثر شدة». وإذ ذكّر أنه إذا تمَّ تجاوز زيادة درجة الحرارة بدرجتين مئويتين «سوف تذوب القمم الجليدية في غرينلاند وجزء كبير من القارة القطبية الجنوبية، مع عواقب هائلة وخطيرة على الجميع».
ما نشهده الآن هو تسارع غير عادي في ظاهرة الاحتباس الحراري، بسرعة كبيرة لدرجة أنه لا يستغرق الأمر سوى جيل واحد - وليس قروناً أو آلاف السنين لكي نتنبّه لذلك. وبالتالي «من المحتمل في غضون سنوات قليلة أن يضطر العديد من السكان إلى نقل منازلهم بسبب هذه الأحداث». كذلك درجات الحرارة القصوى هي «تعبيرات بديلة للسبب عينه».
إشادة سايمون ستيل
أخبار ذات صلةوعن رحيل البابا فرنسيس، يقول سايمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC): «البابا فرنسيس قامة كبرى ورمز شاهق للكرامة البشرية، وبطل عالمي في العمل المناخي، وأيضاً لعب دوراً حيوياً في توصيل رسالة التغير المناخي».
وأوضح ستيل أن دعوة البابا الدؤوبة ذكّرتنا بأنه لا يمكن أن يكون هناك أي ازدهار مشترك حتى نصنع السلام مع الطبيعة، ونقوم بحماية الأكثر ضعفاً، حيث إن التلوث والتدمير البيئي يضعان كوكبنا على مقربة من نقطة الانهيار.
وأضاف ستيل أن البابا فرنسيس كان لديه معرفة عميقة وعملية بتعقيدات التغير المناخي، وجمعت قيادته قوى الإيمان والعلم لتقديم الحقائق وتسليط الضوء على تكاليف أزمة المناخ لمليارات الناس.
وحسب ستيل، «سيشعر الملايين بالحزن العميق على رحيل البابا فرنسيس، لكن رسالته ستظل حية وهي: أن الإنسانية مجتمع. وعندما يتم التخلي عن أي مجتمع واحد، وتركه للفقر والجوع والكوارث المناخية والظلم، فإن البشرية جميعها تتضاءل بعمق، مادياً وأخلاقياً».
آل جور: بابا الشعوب
نائب الرئيس الأميركي الأسبق، الناشط البيئي المخضرم آل جور، أكد في تدوينة على منصة إكس أن «البابا فرنسيس سيتذكره الجميع بكونه (بابا الشعوب)، لقد كان بطلاً لا يكل في مجال العمل المناخي، لما لديه من قناعة راسخة بأنه من أجل رعايتنا بعضنا بعضاً وحماية الأكثر ضعفاً بيننا ينبغي علينا أن نوقف تدمير خلق الله.. وأن قيادته المتواضعة في أزمة المناخ دشنت حركة أخلاقية ستستمر في إضاءة الطريق إلى الأمام للبشرية. ألهمت دعوته للعدالة الاجتماعية والاقتصادية المليارات في جميع أنحاء العالم».
رسالة فرنسيس إلى «كوب 28»
وفي رسالته الموجهة إلى مؤتمر «كوب 28» الذي انعقد في دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2023، أكد البابا فرنسيس ضرورة أن يحقق المؤتمر «تحولاً حاسماً» في جهود التصدي للتغير المناخي، مستنكراً تغليب البعض المصالح الخاصة على الصالح العالمي للبشرية. وقدم البابا آنذاك رسالة واعية عن التحول المنشود في مجال الطاقة، حيث قال «لا يمكننا التخلي عن الحلم بأن يؤدي (كوب 28) إلى تسريع حاسم لتحول الطاقة بتبني التزامات فعالة يمكن مراقبتها بشكل دائم»، مضيفاً أن «المفاوضات الدولية بشأن خفض الانبعاثات لا يمكن أن تحرز تقدماً بشكل ملموس بسبب مواقف البلدان التي تفضل مصالحها الوطنية على الصالح العام العالمي». وأشار إلى أنه «على الرغم من المفاوضات والاتفاقيات العديدة إلا أن الانبعاثات العالمية مستمرة في النمو»، مشيراً إلى أن «التحول الضروري نحو الطاقات النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتخلي عن الوقود الأحفوري لا يمضي بالسرعة الكافية».
تنمية تتميز بالإنسانية
وفي الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29) الذي انعقد في باكو بأذربيجان من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، وكان هدفه الرئيس حشد المزيد من التمويل لدعم وتحفيز العمل المناخي، وجَّه البابا الراحل رسالته، داعياً إلى هيكلية مالية دولية جديدة تتمحور حول الإنسان، وتنطلق من مبادئ المساواة والعدالة والتضامن، مشيراً إلى أنه لدينا الموارد التكنولوجية والبشرية اللازمة لتغيير المسار والوصول إلى تنمية متكاملة تتميز بالإنسانية والاشتمال.
وأكد البابا في رسالته إلى «كوب 29»، أن «المعطيات العلمية المتوافرة لدينا تشير إلى أن الحفاظ على الخليقة بات اليوم مسألة ملحة للغاية لا تقبل الانتظار، كما أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحفاظ على السلام، ثم حذّر من أنانية الأفراد والدول والمجموعات، التي تغذي أجواء انعدام الثقة والانقسامات، ولا تتلاءم مع احتياجات عالم نعيش فيه جميعاً كأعضاء في عائلة واحدة». ولفت إلى أن «المجتمع المعولم جعل منا جيراناً لكن لم يجعل منا أخوة. كما أن التنمية الاقتصادية لم تحد من عدم المساواة، بل على العكس لقد ساهمت في تقديم المصالح الخاصة على حساب مبدأ حماية الضعفاء، فضلاً عن كونها فاقمت المشاكل البيئية».
وفي 5 سبتمبر 2024، دعا البابا فرنسيس للتصدي لخطر تغير المناخ والتطرف، أثناء زيارته لمسجد الاستقلال في جاكرتا، هو أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا. وخلال رحلة البابا إلى إندونيسيا، أصدر البابا إعلاناً مشتركاً مع إمام إندونيسيا الأكبر نصر الدين عمر، دعا خلاله إلى «اتخاذ إجراءات حاسمة» للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.
رؤية صائبة ودعوات مخلصة لمواجهة التغير المناخي والحفاظ على الطبيعة، ترجمها البابا فرنسيس في خطوة عملية هي وثيقة «لاوداتو سي» أو «كن مسبِّحاً» في عام 2015 بهدف حماية البيئة ومواجهة التحديات الناجمة عن التغير المناخي، إضافة إلى رسائله لمؤتمرات المناخ السنوية، كل هذا يترك بصمة خالدة له كقيادة دينية عالمية كبرى في العمل المناخي.