رحيل المساح.. لحظة أسى في الملامح
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
متابعة/ حامد فؤاد
يمثل رحيل الأستاذ محمد المساح خسارة كبيرة وحزينة للمشهد الإعلامي والثقافي اليمني وذلك للجانب الكبير الذي يمثله حضوره الهام والبارز وإسهامه الكبير في تطوير المراحل الإعلامية والثقافية التي كان الراحل الكبير احد ملامحها.
وسيظل يوم رحيله يوم حزن واسى في قلوب الجميع الذين سيشتاقون إلى حضوره وكتاباته القريبة من وجدان القراء في مختلف الساحة اليمنية.
عاش الراحل الكبير محمد المساح حياة بسيطة كرسها للإبداع
حيث كان نسيجاً وحده في بساطته وزهده في المناصب الحكومية، وتركيزه على الكتابة التي تميز بها عموده الذي يستوقف فيه الزمن «لحظة يا زمن» ليخط فيه ومضاته المركزة التي تتفاعل مع ما تصوره مخيلته من التقاطات حياتية وفكرية وتأملات يمتزج فيها الشعري بالسردي.
وقالت نقابة الصحفيين اليمنيين بأن رحيله يمثل خسارة كبيرة وان رحيل الكاتب الصحفي الكبير محمد عبدالله المساح أحد مؤسسي نقابة الصحفيين اليمنيين يأتي بعد مسيرة صحافية ثرية ومؤثرة عن عمر ناهز ٧٦ عاما.
وبهذا الرحيل الموجع فقدت الصحافة اليمنية أحد أبرز الصحفيين والنقابيين الذين ساهموا بإخلاص في تطوير الصحافة اليمنية وتعزيز العمل النقابي.
والفقيد الكبير من مواليد عام ١٩٤٨ في محافظة تعز، تلقى تعليمه الأساسي في مدينة عدن وارتبط بالصحافة مبكرا أثناء ما كان يبيع الصحف الصادرة في عدن قبل قليل لتوفير مصاريف دراسته وشؤون حياته، وكان أثناء بيعه للصحف قارئا نهما يستفيد منها ثقافياً ويتشكل لديه الوعي الثقافي والسياسي.
ثم التحق المساح عام 1966، بكلية الآداب -قسم الصحافة بالقاهرة، وتخرج منها عام 1970.
*وعن الراحل الكبير محمد المساح يقول الأستاذ عبدالباري طاهر في صفحته بالفيس بوك :
محمد المساح شاب خرج منتصف الستينات في بعثة طلابية. اندغم في الحركة الطلابية المصرية كواحد من أبناء مصر. ومحمد المساح ابن حركة القوميين العرب، الفقير إلا من النبل والقيم والأخلاق- يكاد أن يكون يسارياً بالفطرة. وميله إلى اليسار يعبر بعمق عن المنبت الاجتماعي، والأشواق الإنسانية العظيمة.
تفتق وعي المساح الطالب بكلية الإعلام على القصيدة الحديثة (قصيدة النثر) بخاصة، وعلى الفكرة الحديث بصورة عامة، وامتلك موهبة الإبداع؛ فكان قلماً جباراً.
كتب القصة القصيرة، وبرع في رسم «حواري صنعاء» بأزقتها وفتياتها «المشرشفات»، والمجللات بالسواد، وقرأ عميقاً حالة الفلاح اليمني، والقرى الجائعة المحاصرة بالتيفود والمظالم والتخلف، وبقي ابن المساح وفياً للمزارع الذي يحرث الأرض والثور والحمار الذي جعل منه لازمة التخاطب، فما إن تلقاه حتى يبادرك: «يابن حماري!»، أما إذا سبقته بالجملة (القنبلة) فقد أمسكت بزمام الأمر.
ويضيف الاستاذ عبدالباري:
عدت بعد التخرج إلى عدن، ثم غادرتها إلى القرية. فلم تكن عدن – حينها- تجسد المثال الذي تطمح إليه. جئت إلى صنعاء.
تربع عمودك في الصفحة الأخيرة من الثورة بعد عودتك مطلع السبعينات، وكانت افتتاحية «الثورة» للفقيد الكبير الصحفي والقاص المبدع محمد ردمان الزرقة، إلى جانب نثريتك (لحظة يا زمن)- هما أروع ما تقدمه الصحيفة على مدى أكثر من عقدين من الزمن.
كانت النثرية (اللحظة) من البدايات الباكرة لقصيدة النثر، لكنها لم تلقَ الإنصاف ككل الفلاحين المحرومين من حق المواطنة حتى اليوم.
لقد امتلك المساح تجربة قاسية وعميقة في الحياة، واستطاع بموهبة كبيرة نثرها على صدر صفحات الصحف والمجلات، وهو – على غزارة إنتاجه في القصة القصيرة، وقصيدة النثر- لم ينشر شيئاً من إنتاجه، وهو قليل الاهتمام – حد النسيان- لإبداعاته الغزيرة والغنية.
ليس هناك ما هو أفضل من تحية المبدع في زمن يحتاج فيه إلى العرفان بالجميل، وإلى تحية طيبة، و«لحظة يازمن».
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. حكيم الكنيسة وصوت الوطنية
في السابع عشر من مارس 2012، رحل عن عالمنا البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تاركًا خلفه إرثًا من الحكمة والوطنية والمواقف الحاسمة التي جعلت منه أحد أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في تاريخ مصر الحديث. لم يكن مجرد قائد روحي، بل كان مفكرًا ومثقفًا وصاحب رؤية، لعب دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية على مدار عقود.
وُلد البابا شنودة الثالث، واسمه الحقيقي نظير جيد روفائيل، في 3 أغسطس 1923، بقرية سلام بمحافظة أسيوط. فقد والدته وهو طفل صغير، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة، حيث تلقى تعليمه الأولي، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، ودرس التاريخ وتخرج عام 1947. كان منذ صغره محبًا للعلم والأدب، فاهتم بالشعر والكتابة، حتى أصبح واحدًا من أبرز الشعراء المسيحيين في القرن العشرين. كما عمل مدرسًا للغة العربية والتاريخ، ثم اتجه للصحافة، حيث تولى تحرير مجلة "مدارس الأحد"، وهي المجلة التي كانت منبرًا لفكر التجديد في الكنيسة القبطية.
كان نظير جيد مهتمًا بالقضايا الوطنية والسياسية، وتأثر بشخصية مكرم عبيد، الذي كان أحد رموز الحركة الوطنية وقياديًا بارزًا في حزب الوفد.كان يرى فيه نموذجًا للسياسي الوطني الذي يسعى لخدمة بلاده بعيدًا عن المصالح الضيقة، كما أعجب بأفكاره حول الوحدة الوطنية وأهمية التكاتف بين المسلمين والمسيحيين من أجل نهضة مصر. انعكس هذا الاهتمام على مواقفه لاحقًا كبطريرك للكنيسة، حيث كان دائم التأكيد على أن الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن، وأن الكنيسة ليست كيانًا منعزلًا عن قضايا الأمة.
قبل أن يدخل الرهبنة، التحق نظير جيد بالجيش المصري وأدى الخدمة العسكرية، وكان ضابطًا احتياطيًا في سلاح المشاة. ورغم أن فترة خدمته لم تكن طويلة، فإنها أسهمت في تشكيل وعيه الوطني. وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973، لعب البابا شنودة الثالث دورًا مهمًا في دعم المجهود الحربي، إذ حث الأقباط على المشاركة الفاعلة في الجيش والتبرع لصالح القوات المسلحة، مؤكدًا أن المعركة معركة كل مصري وطني.
في عام 1954، قرر نظير جيد أن يترك الحياة المدنية ويتفرغ للروحانية، فالتحق بدير السريان بوادي النطرون، وأصبح الراهب أنطونيوس السرياني. وفي عام 1962، اختاره البابا كيرلس السادس ليكون أسقفًا للتعليم، ومن هنا بدأ رحلته الحقيقية في نهضة الكنيسة، حيث كرّس جهوده لإعادة إحياء التعليم الكنسي ونشر الفكر الديني المستنير.
في 14 نوفمبر 1971، تم تنصيب البابا شنودة الثالث بطريركًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. منذ اللحظة الأولى، حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن حقوق الأقباط، لكنه كان يرى أن الحل يكمن في الوحدة الوطنية وليس في الانفصال أو العزلة. كان للبابا شنودة مواقف سياسية جريئة، أبرزها رفضه اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث اعتبرها اتفاقية لا تحقق العدالة للفلسطينيين، وأعلن موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل، قائلًا: "لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين". هذا الموقف دفع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى وصفه بأنه "البابا العربي المدافع عن القضية الفلسطينية"، وأكد أن "موقفه المشرف كان نموذجًا للوطنية الصادقة التي لا تفرّق بين مسلم ومسيحي".
كما أشاد به العديد من القادة العرب، حيث قال الرئيس السوري بشار الأسد إن "البابا شنودة كان صوتًا عاقلًا في زمن الأزمات"، بينما وصفه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بأنه "رجل الحكمة الذي عمل دائمًا على تعزيز التفاهم بين الشعوب". أما الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات آنذاك، فقد قال عنه: "كان نموذجًا لرجل الدين الذي يدرك أن دوره يتجاوز حدود الكنيسة إلى خدمة مجتمعه ووطنه".
على المستوى الفكري والثقافي، كان البابا شنودة يحظى باحترام واسع بين المثقفين العرب. وصفه الكاتب محمد حسنين هيكل بأنه "رجل دولة بحكمة كاهن"، فيما قال عنه جمال الغيطاني إنه "كان شخصية تاريخية لعبت دورًا محوريًا في الدفاع عن الهوية المصرية". أما فرج فودة، فقد أشاد بموقفه الرافض للانعزال الطائفي، ورأى فيه نموذجًا لرجل الدين المستنير.
عاصر البابا شنودة اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وكان يدعو دائمًا إلى الاستقرار والحوار الوطني. كان يدرك أن مصر ستواجه تحديات كبيرة بعد الثورة، وكان يخشى من تصاعد الفتن الطائفية، لكنه ظل مؤمنًا بأن وحدة المصريين قادرة على تجاوز الأزمات. في 17 مارس 2012، رحل البابا شنودة الثالث بعد صراع مع المرض، مخلفًا وراءه إرثًا روحيًا وفكريًا ووطنيًا لا يُنسى. شيّعه الملايين في جنازة مهيبة، ودفن في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، حيث كان يقضي سنوات نفيه الإجباري.
كان البابا شنودة كاتبًا غزير الإنتاج، ومن أهم كتبه: "كلمة منفعة"، "الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي"، "الحب المسيحي"، "معالم الطريق الروحي"، و"بدعة الخلاص في لحظة". رحل البابا شنودة، لكنه بقي في ذاكرة المصريين والعرب رمزًا للوطنية والحكمة، ورجلًا لم يخشَ قول الحق مهما كلفه الأمر.
نشر موائد الرحمن بالكنائس.. محطات في حياة البابا شنودة الثالث في ذكرى رحيله
في ذكرى وفاته.. مقولات البابا شنودة الثالث التي دخلت قلوب المصريين
في ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.. كيف كانت حياة «معلم الأجيال»؟