لا تزال حكومة نتنياهو تهدد بين الحين والآخر بالدخول البري الواسع لمدينة رفح الفلسطينية، جنوبي قطاع غزة، وذلك زعمًا منها أن رفح تُعد آخر معاقل المقاومة الفلسطينية، متأملين تحقيق نصر ظاهري، يمكن أن ينقذ نتنياهو وحكومته من مساءلة ما بعد إخفاق طوفان الأقصى، والذي أحدث زلزالاً في كيان العدو في السابع من أكتوبر الماضي.


أكثر من مليون ونصف نازحٍ يتكدسون في مدينة رفح بعد تهجيرهم قسرا من بقية مدن القطاع، بسبب جريمة الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بحقهم، والتي لم تستثن بشرًا ولا حجرًا في تعمد قتل وتدمير كل مناحي الحياة فيها.
وتحذر الأمم المتحدة من وضع كارثي في مدينة رفح، في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديدها باجتياح المدينة عسكريًّا، مبينة ما تواجهه مؤسساتها من ضغوط هائلة لوضع خطة تهدف إلى مساعدة النازحين في المدينة، فيما تستعد إسرائيل بالتزامن مع هذا لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق في المنطقة.
ويكافح الأطباء وعمال الإغاثة لتوفير المساعدات الأساسية، ووقف انتشار الأمراض بين النازحين.
لماذا رفح؟
مع بدء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة بعد عملية طوفان الأقصى، كان الاستهداف الأكبر على مدن الشمال؛ حيث لم يترك العدو لسكانها فرصة للعيش حتى في مراكز الإيواء والنزوح التابعة للأمم المتحدة، ما اضطر أهالي المدن الشمالية والوسط إلى النزوح نحو الجنوب، وازداد الأمر صعوبة بعد تكثيف القصف والعدوان على الجنوب في مدينة خانيونس، فضاقت على أهل غزة أرضهم حتى لم يجدوا ملجأ غير مدينة رفح الحدودية.
وتقع مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بينه وبين شبه جزيرة سيناء المصرية، وتتميز بكونها أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية؛ حيث تبلغ مساحتها 55 كيلو متراً مربعاً، فيما يقع المعبر الحدودي الوحيد مع مصر في مدينة رفح، والذي يشكل المنفذ الأهم لإدخال المساعدات إلى غزة وإخراج المصابين لتلقي العلاج والسفر.
وخلال العقود الماضية كانت عشرات الأنفاق تمتد عبر الحدود بين غزة ومصر بشكل غير رسمي، حتى قام الجيش المصري خلال السنوات الماضية بهدمها، وإقامة الحواجز على أرضها لتحول دون التسلل من وإلى غزة (حسب تقدير السلطات المصرية).
التقارير الغربية تؤكد أن شبكة الأنفاق في غزة، تعد ما بين 500 و 700 كيلو متر تحت كافة مدن القطاع، وعلى الرغم مما قامت به السلطات المصرية من إجراءات لمنع التواصل بينها وبين غزة، إلا أنه لم يُعرف حتى الآن ما إن كانت تحتوي على أنفاق أم لا، فيما من المؤكد أن معبر رفح تدخل منه مئات الشاحنات بشكل يومي إلى القطاع من معبر رفح، في الحالات الطبيعية أي قبل الحرب.
محطات تاريخية
خضعت مدينة رفح للحكم البريطاني عام 1917، بينما في عام 1948 دخل الجيش المصري رفح وتحولت السيطرة عليها إلى مصر، حتى وقعت في أيدي إسرائيل عام 1956 ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 حتى عام 1967؛ حيث احتلتها إسرائيل.
عقب اتفاقية كامب ديفيد تم تقسيم رفح إلى نصفين بالأسلاك الحدودية الشائكة؛ حيث استعادت مصر سيناء، وبناء عليه انفصلت رفح سيناء عن رفح غزة، وبلغت مساحة الشطر الواقع في غزة ثلاثة أضعاف مساحة الشطر الذي يقع في مصر تقريبًا.
على الجانب الإنساني، يعود معظم سكان رفح في أصولهم إلى مدينة خان يونس، وإلى بدو صحراء النقب، وصحراء سيناء، ثم أضيف إليهم اللاجئون الفلسطينيون الذين قدموا من مختلف القرى والمدن إلى رفح بعد “النكبة” عام 1948.
أزمة النازحين
وبنزوح نحو مليون ونصف المليون من محافظات ومدن القطاع، يكون عدد سكان رفح قد تضاعف 5 مرات؛ حيث يعيشون في ظروف مصعبة في مراكز إيواء مكتظة كالمدارس أو في الشوارع، أو في أي رقعة أرض، محاطين بالسياج الحدودية المصرية والإسرائيلية والبحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن القصف الإسرائيلي.
كما تعاني المدينة على المستوى الصحي، فلا يوجد بها إلا عدد قليل من المستشفيات أبرزها مستشفى رفح المركزي، ومستشفى الكويت التخصصي، ومستشفى الشهيد أبو يوسف النجار، وجميعها تعاني نقص الإمدادات الطبية، وغياب الكهرباء ومصادر الطاقة، ما يؤثر على قدرة الأطباء والفرق الصحية في توفير العلاج، ومراعاة المرضى.
تقول وكالات الإغاثة إنها لا تستطيع نقل الناس إلى مناطق أكثر أمناً، لأن القوات الإسرائيلية متمركزة في الشمال، وإنّ المساعدات المسموح بدخولها إلى القطاع محدودة للغاية.
ويعيش النازحون في الخيام التي نصبوها من قضبان معدنية أو عصي، أو أغصان الشجر، وغطوها بالأقمشة أو المواد البلاستيكية؛ حيث شُيد الآلاف من الخيم في رفح منذ بداية ديسمبر بالقرب من الحدود المصرية؛ حتى بلغت المساحة التي تغطيها الخيم الجديدة حوالي 3.5 كيلومتر مربع.
وفضل العديد من النازحين البقاء في الجزء الغربي من المدينة القريب من البحر، خشية تعرضها لاجتياح من الجهة الشرقية القريبة من الحدود مع إسرائيل.
التهجير أو العودة
وتتجه أنظار النازحين بل والعالم كله نحو ما ستسفر عنه محادثات القاهرة بشأن التوصل لاتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار؛ حيث تتعنت إسرائيل في التوصل إلى تهدئة الأوضاع، وتهدئ باستكمال حربها على الشعب الفلسطيني في غزة، بينما تؤكد المقاومة انفاتحها على كافة الأطروحات التي تؤدي إلى وقف العدوان وانسحاب القوات الإسؤائيلية من كافة أراضي غزة.
ويبقى هذا هو الأمل الأخير لسكان ونازحي مدينة رفح، الذين يترقبون قرارًا يعيدهم إلى ديارهم، ويتخوفون قرارًا يدفعهم نحو المزيد من الهجرة والتوجه إلى مصير مجهول لا يدرون أين أو متى ينتهي، وهل يكتب عليهم أن يعيشوا نكبة أخرى غير محدودة الزمان والمكان، أم يتحالف معهم القدر ويُجنِّبُهم ما يخافون.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

المدينة التي لا ترحم: ارتفاع الإيجارات يدفع البغداديين نحو المجهول

30 سبتمبر، 2024

بغداد/المسلة: يشهد سوق العقارات في العاصمة العراقية بغداد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الإيجارات، مما دفع الكثير من السكان للانتقال إلى الأطراف أو محافظات أخرى.

وهذا التوجه يعكس حالة اقتصادية ضاغطة تتركز في بغداد، ويُظهر عدم توازن بين الطلب والعرض على الوحدات السكنية.

وتشهد بغداد ارتفاعات مختلفة حسب المناطق؛ فالإيجارات في مناطق مثل الكرادة تتراوح بين 800 و1500 دولار، بينما تصل في مناطق أخرى كحي اليرموك إلى 3 آلاف دولار شهريًا، مما يجعل بغداد متفردة من حيث ارتفاع الإيجارات مقارنة ببقية المحافظات، التي تُعتبر أقل بكثير وتتناسب مع الإمكانات المتوسطة.

يعود هذا الارتفاع إلى عدة أسباب رئيسية؛ أولها الكثافة السكانية العالية في بغداد، حيث يقدر عدد السكان بأكثر من 9 ملايين نسمة، ما يفاقم من الطلب على الوحدات السكنية. كما أن هناك نقصًا حادًا في الوحدات السكنية، يُقدر بأكثر من مليوني ونصف وحدة سكنية لسد الحاجة الحالية.

أضف إلى ذلك ظاهرة غسيل الأموال التي دخلت سوق العقارات، ما أدى إلى ارتفاع غير طبيعي في أسعار الشراء والإيجار، خاصة في المناطق الراقية التي تستقطب اهتمام الأحزاب السياسية والمستثمرين الذين يسعون لتبييض الأموال.

و رغم محاولات الحكومة لحل الأزمة عبر بناء مدن سكنية جديدة وإطلاق مشاريع سكنية منخفضة التكلفة، فإن التأثير الفعلي لتلك المشاريع على أرض الواقع ما زال محدودًا. التوجه نحو بناء جيلين من المدن السكنية يهدف إلى توفير وحدات سكنية جديدة، لكن هذه الخطط تصطدم بعقبات مثل نقص الأراضي المخصصة للبناء السكني، والاعتماد على الأراضي الزراعية، وارتفاع تكلفة الأراضي السكنية المتوفرة.

التحديات التي تواجه قطاع الإسكان في بغداد تتجاوز مجرد نقص الوحدات السكنية؛ فهي تتعلق كذلك بالفساد السياسي والاستغلال غير المنظم للعقارات من قبل أصحاب النفوذ. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد آليات تنظيمية واضحة تحدد سقفًا للإيجارات أو تقنن عمليات البيع والشراء، مما يزيد من التفاوت في الأسعار بين المناطق ويجعل السوق عرضة لجشع المالكين الذين يرفعون الأسعار سنويًا دون رادع قانوني.

وتعتبر حقوق السكن مكفولة في الدستور العراقي، ولكن التطبيق الفعلي لهذه الحقوق شبه غائب، مما يزيد من معاناة المواطنين ويؤدي إلى آثار اجتماعية سلبية كارتفاع حالات الطلاق والانتحار نتيجة الضغط الاقتصادي الناجم عن ارتفاع الإيجارات.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • المدينة التي لا ترحم: ارتفاع الإيجارات يدفع البغداديين نحو المجهول
  • المصير الذي ستؤول إليه مليشيا الدعم السريع وحواضنها وحلفاءها سيكون مثل (..)
  • بحضور وزير التعليم الصين.. تدشين مركز الدراسات العربية لمجتمع المصير المشترك للبشرية
  • NYT: اغتيال نصر الله ينقل الصراع في المنطقة إلى المجهول
  • أحمد فتوح لاعب الزمالك يواجه المجهول بعد رفض «الدية»
  • سياسيون لبنانيون لـ24: اغتيال نصرالله فتح باب المجهول أمام حزب الله
  • لبنان.. الشوارع تتحول إلى ملاذ لمئات العائلات والصحة تدعو لإخلاء مستشفيات الضاحية
  • “كابوس على أرض الواقع”.. دمية طفل ضخم تثير الهلع في مدينة بريطانية (صور)
  • بعد ليلة مروعة.. شوارع بيروت تتحول إلى ملاذ لمئات العائلات
  • صليات صاروخية تنطلق من لبنان باتجاه مدينة صفد ومحيطها شمال إسرائيل