الدكتور سلطان القاسمي يكتب: يا محاسن الصدف
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
كانت الدراسة الثانوية في الإمارات والتابعة لدولة الكويت، قد قررت أن تكون الدراسة في القسم الأدبي بالشارقة، والقسم العلمي في دبي، وكنت من طلبة ثانوية دبي.
بعد أن أنهينا امتحانات السنة الرابعة من الثانوية في قسمها العلمي، في ثانوية الشويخ بالكويت في شهر يونيو عام 1965م، عدنا إلى الشارقة، حتى إذا ما قرب شهر سبتمبر من نفس السنة، تقرر سفرنا إلى الكويت بصرف تذاكر سفر من الشارقة إلى الكويت؛ لترتيب الدراسة الجامعية.
في الكويت، ذهبنا جميعاً إلى وزارة التربية والتعليم، وتم إعلام الطلبة كلهم بأنهم مقبولون في الجامعات المصرية، أما أنا فقد قال موظف البعثات: أما أنت يا سلطان، فقد تم قبولك في جامعة بغداد!!
وهنا ثارت ثائرتي، ورفعت صوتي، وقلت: في طلب الدراسة، كتبت: كلية الزراعة – جامعة القاهرة، كلية الزراعة – جامعة عين شمس، كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية، ما الذي أتى ببغداد في طريقي؟
أرجعوا أوراقي من بغداد.
قال موظف البعثات: أنا لا أستطيع، اذهب إلى وكيل الوزارة.
قلت: أيّ وزارة؟
قال: وزارة التربية والتعليم لدولة الكويت.
قلت: لا أعلم: لا اسمه ولا مكانه.
قال موظف البعثات: معنا هنا في نفس المبنى، واسمه يعقوب يوسف الغنيم.
الاسم ليس بغريب عليّ.
أدخَلوني مكتب وكيل الوزارة بعد الاستئذان للدخول عليه، وإذا به ينظر إليّ بتمعن، بعد أن ألقيت التحية.
قال: سلطان؟؟
قلت: نعم.
قال: لم أنسَ ذلك الموقف في نهاية عام 1960م.
في نهاية عام 1959م، اختلفت مع قيادة حزب البعث في الكويت، فهددوني بتصفيتي، بعد أن هددتهم بكشف أسماء قيادة البعث في الكويت، وفي قطر، وفي الشارقة.
بعد محاولات الاعتداء عليّ (اقرأ كتاب سرد الذات، الصفحات 201-206)، قررت الهروب إلى السعودية، حيث لا وجود لهم هناك، فذهبت إلى دائرة المعارف في الكويت، لأخذ جواز سفري من هناك، فقابلت فيصل الصانع، والذي انهال عليّ بالشتم واللعن، ومما قال:
لا بارك الله فيكم، نطعمكم ونكسوكم ونعلّمكم، وترفسون النعمة !!. ونادى على يعقوب يوسف الغنيم، وقال: أعطه جواز سفره. (لم أكن أعلم أن فيصل الصانع، كان هو المسؤول عن البعثيين في ثانوية الشويخ).
كان يعقوب يوسف الغنيم، ومثل ما قدم لي اسمه، يسمع ذلك الصوت العالي من الشتم واللعن، فاعتذر لي، بعد أن عرف من أكون، وقال: لماذا تترك الدراسة ؟
قلت: والدي مريض، وأريد زيارته.
سلطان في إحدى التجارب في حقول الموالح الزراعيةقال: «إذا احتجت لأيّ شيء تعال عندي»، وقد كتب اسمه في ورقة وأعطاني إياها.
وفي مكتب وكيل وزارة التربية والتعليم، ذكّرت الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم بعبارته الأخيرة: «إذا احتجت لأيّ شيء تعال عندي».
قال الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم: نحن سنقوم بإرجاع الأوراق الخاصة بك من بغداد، ونرسلها إلى مصر حيث مكتب التنسيق والذي سيرد علينا.
قلت: لكنني سأذهب إلى القاهرة.
قال الأستاذ يعقوب يوسف الغنيم: سنصرف لك تذكرة سفر إلى القاهرة. فشكرته وقلت في نفسي: يا محاسن الصدف.
في القاهرة، مرت على الدراسة الجامعية خمسة أسابيع، ولم أستطع أن أعرف إلى أين وصلت أوراقي، وكنت أتردد على مكتب التنسيق، التابع لوزارة التعليم العالي في مصر، وسفارة الكويت في مصر، حتى ولو قبلت في إحدى الجامعات، فكيف سيخبرونني بذلك؟ هل سيرسلون إلى الشارقة، وأنا لست هناك.
كان أحد طلبة عُمان ويدعى محمود عبد النبي يدرس في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وكانت له معرفة بمدير شؤون الطلبة السيد حسين جاد ؛ وفي صباح أحد الأيام قال حسين جاد لمحمود عبد النبي: «اليوم قُبل في الكلية طالب من بلادكم».
فسأل محمود عن اسم الطالب، فقال حسين جاد بعد أن قلب في أوراقه: «سلطان بن محمد القاسمي»، (كنت قد كتبت في جواز سفري: ساحل عُمان بدلاً من الإمارات المتصالحة، وهو الاسم الاستعماري الذي لم نكن نقبله).
خرج محمود عبد النبي من كلية الزراعة، مسرعاً ليخبرني بذلك، أسرعت إلى كلية الزراعة بجامعة القاهرة لإكمال أوراق تسجيل التحاقي بالكلية وأنا أردد: يا محاسن الصدف.
سألت الأستاذ حسين جاد، مسجل كلية الزراعة بجامعة القاهرة، كيف يكون القبول في كلية عملية بعد مضي خمسة أسابيع من الدراسة ؟ وكيف أُعطى رقم: 63 في القسم: ج، وهو في وسط القسم؟
قال الأستاذ حسين جاد: هذا الرقم لطالب يدعى سعيد، وقد حصل على قبول في الكلية الحربية في مصر، فانسحب من الكلية، وترك مكانه شاغراً.
قلت: يا محاسن الصدف.
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات حاكم الشارقة الإمارات الكويت جامعة القاهرة کلیة الزراعة فی الکویت بعد أن
إقرأ أيضاً:
د. نزار قبيلات يكتب: تأثيل الرّمسة الإماراتية وعام المجتمع
في الجهود الكبيرة التي يقدّمها سَدنة العربية في علم المعاجم والدلالة، تجدر الإشارة إلى أن مجامع اللغة العربية ما انفكت تعمل بدأب وهمّة عاليتين؛ فالمعجم التاريخي الذي صَبر عليه مجمع اللغة العربية في الشارقة يعدُّ كنزاً عربياً كبيراً ليس لنا وحسب بل وللأجيال القادمة، فالمجتمعات العربية على امتدادها كياناتٌ ثقافيةٌ متنوعة، تحمل إرثاً مادياً ومعنوياً ضارباً في التاريخ، واللغة وضروبها من أهمّ هذه المشكلات الثقافية، وهي بذلك تتطلّب وعلى الدوام رصداً وتحقيقاً مستمرين في تطور الدّلالة وانزياحاتها، وذلك من خلال تأثيل اللّهجة عبر دراسة السياقات غير اللّغوية التي أتت على بنية الكلمة الصرفية والصوتية فأزاحتها لاحقاً نحو استعمالٍ لغوي رديف أو متشابه، بمعنى أن ردّ الكلمات إلى أصلها الفصيح هو مُماحكة تاريخية تتطلّب معرفةً عميقة في فقه اللغة وفي علم السيميائيات (علم العلامات)، في الواقع ومع هذا التجدد والانفتاح مازالت هناك حاجة دائمة لبذل المزيد من الجهود للجمع والرصد والتحقيق من الجذور اللغوية، ومن شواهدها التي تتباين ربما ليس عبر الزمن، بل تؤدي التضاريس والمناخ أيضاً دوراً مهماً في تلك الانزياحات اللّطيفة في كل اللهجات العربية عبر صَيرورة الزمن، وهي جهود اعتمدت على ما وفّرته الحوسبة اللغوية اليوم، والتي عملت على جمع ما يُمكنها من ألفاظٍ وعبارات التصقت بمقام لغوي، وبمناسبات إنسانية تخصّ المجتمع الحاضن لها.
في المجتمع الإماراتي كغيره من المجتمعات العربية ثَمّة ألفاظ فرضها استعمالها الإنساني لأنها تشير إلى مستمسكات مادية دخلت نطاقَ المجتمع، فقام مجتمع اللغة ومن أجل استخدامها بتعريبها تبعاً لنظامِه الصوتي وللبناء الصرفي الذي يعهده فطرياً، ولا بد من الإشارة هنا إلى مُعجم الألفاظ العاميّة في دولة الإمارات العربية وللجهود الكبيرة المبذولة في هذا المضمار، فردّ العديد من الألفاظ إلى أصلها الفصيح جهدٌ معجمي يتطلب أيضاً بيان مرجع الكلمة الذي تم الاقتراض منه، فهناك ألفاظ مهجورة يجري استدعاؤها من خلال الحكايات والأمثال الشعبية التي تلقى اهتماماً أكاديمياً ومؤسساتياً مهماً اليوم، كما أن الدّراسات اللّسانية الحديثة تجد في المدوّنة الشعبية مصدراً ثرياً للبحث في دلالات هذه التشكلات اللهجوية، وفي القوّة الخطابية التي تؤديها في حواراتنا اليومية، فما انفك المَثل الشعبي في دولة الإمارات متداولاً حتى على ألسنة الجيل الجديد، وبالتوازي مع ذلك هناك دراسات علمية رصينة تبحث فيه وتُحِيله إلى سياقات تاريخية يتجدد حضورها في كل موقفٍ لغوي، ما يعني أصالة التماسك المجتمعي والحضاري في الدولة، وما يؤكده أيضاً هو حضور الشعر الشعبي الإماراتي في التداولية اليومية، فمازال الشعر الشعبي في الإمارات يلقى استحساناً وانتشاراً واسعين، وعليه فإن الرّمسة الإماراتية كضربٍ لغوي أصيل يسهل استيعابه وفهمه، لأنه في الواقع ابن المجتمع الأصيل وربيبه، فجمالية الرمسة الإماراتية صادرة من إيقاعها الجمالي المنسجم مع الجذر العربي، وهو ما أثبته النظر في تلك المعاجم الخاصة به، فمازالت هناك مراجع مكتوبة وتسجيلات شفاهية محفوظة في الأرشيف الوطني، تبين كيفية التهجئة والنطق، وكذا الصلات الأصيلة المستقرة في المجتمع الإماراتي.
أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية