لجريدة عمان:
2024-12-23@01:00:44 GMT

«السلوكيات الفردية».. والسياقات العامة

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

هل السلوكيات الاجتماعية منبثقة؛ بالضرورة؛ من السياقات الاجتماعية في ذات بيئتها المحلية؟ وهل المحلية المشار إليها في هذه المناقشة مخصوصة بالزمان والمكان؟ ألا يمكن أن تسافر السلوكيات لتتوافق مع سياقات مجتمعية أخرى ليس لها علاقة بفاعل السلوك؟ كيف يمكن ربط سلوك الفرد ببيئته الاجتماعية الحقيقية؟ وما هي مؤشرات ذلك؟ هل هناك انتماءات معينة «ثقافية؛ اقتصادية؛ جندرية؛ سياسية؛ عرقية» لها تأثير مباشر على ماهية السلوك؛ أم أن المسألة مرتبطة فقط؛ بتفاعلات البيئة المحيطة؟ لماذا يتم تغريب سلوكيات الفئة الصغيرة على أنها تقليد أعمى لما يدور خلف الحدود الجغرافية؟ كيف سهلت وسائل التواصل الاجتماعي على المحصلة الكمية لمختلف السلوكيات التي ينظر إليها بكثير من الريبة والشك؟ وهل يؤثر التغريب الجغرافي على مسارات السلوكيات؛ أم أن ذلك لا يؤثر؛ إطلاقا؛ ولا يحدث أي تباينات على الواقع؟ والصورة برمتها هل هي خاضعة لمعايير معينة «حوكمة» أم أن المسألة عادية، وتحدث في سياقها الطبيعي المعتاد لدى كل المجتمعات؟ أسئلة كثيرة ترافق هذه المناقشة لهذا الموضوع؛ على وجه الخصوص؛ لارتباط ذلك كله بقدرة الفرد في أي مجتمع على تنظيم سلوكياته، وإدارتها بما يتوافق مع قيم المجتمع الذي يعيش فيه، ليقينه، أو إحساسه أن ما يبديه من سلوك، سواء في بيئته الأم، أو في أي بيئة أخرى - مغترب فيها - هي بالضرورة تنسب إلى هويته، وانتماءاته والمرتبطة بالبيئة الأم، ولذلك «يَجْفُلُ» كبار السن، أكثر من غيرهم عندما يرون أي سلوك شاذ يتقاطع مع قناعاتهم، وحرصهم على ما يؤمنون به، لخوفهم أن ذلك يضرب مسألة الهوية والانتماء في الصميم، بل يذهب ذلك الخوف أو التوجس إلى أبعد من ذلك، وهو التغريب الذي يشوه المجتمعات في صورتها العامة، ويحدث فيها شيئا من الخلخلة في الانتماء، وإن لم يستحضر صاحب السلوك كل هذه المحذورات وهو يمارس سلوكه عن راحة نفس، واطمئنان بال؛ وأعني هنا الفئات الصغيرة السن، التي ربما لا تستوعب الحمولة الاجتماعية الشاملة لمفهوم الهوية والانتماء، بل ترى أن ما تقوم به من سلوك هو نوع من التغيير، وما يعبر عن قناعاتها بأن ذلك لا يضير من حولهم بشيء، وكأنه نوع من حرية الاختيار، وهذا من حقهم كما يؤمنون بذلك، فهم ليسوا نسخا كرتونيا عن آبائهم وأمهاتهم.

ولذلك هنا؛ وفق هذه الرؤية، وجهتا نظر؛ الأولى تقبل أن يكون السلوك خارج عن نطاق المتعارف عليه، إن كان لا يخرج عن سياقات المجتمع؛ وهي السياقات الخاضعة للتربية الأخلاقية، والأعراف المتوارثة، والقيم السامية، فعلى سبيل المثال: أن يأمر الولد الصغير أخته الكبيرة بأن تقدم له خدمة ما، بغض النظر عن مستوى السن بينهما، وإن ثقل ذلك على الأخت بأن يتأمر عليها أخوها الأصغر، وقد تجد تعنيفا لفظيا من أحد أبويها إن هي رفضت هذا الطلب، بينما يقبل ذلك إن حدث العكس، على اعتبار أن هذا صبي وهذه بنت، أما وجهة النظر الأخرى؛ فهي لا تقبل السلوك الخارج عن سياقات المجتمع المتعارف عليها؛ خاصة إن كان ذلك السلوك سوف يغرب أو يعمل على تغريب الثقافة السائدة لكل ما هو متعارف عليه، ومتوارث عبر الأجيال، ولذلك تعيش فئات السن الصغيرة حالات من التضاد مع من يكبرهم، فهم يتقاطعون مع وجهتي النظر هذه، ولا يقرونهما، ولا يقتنعون بهما مهما كانت المبررات، ومعنى هذا حتى يصل الطرفان إلى شيء من التوافق حول وجهتي النظر على كليهما أن ينجزا عمرا تراكميا لا يقل عن (30) عاما، وهي المدة الزمنية للتحولات الاجتماعية لدى الأجيال وفق ما تذهب إليه النظريات الاجتماعية حول «سيكولوجية» الأجيال، وحتى يتم إنجاز هذا العمر الزمني، يكون كلا الجيلين انتقلا إلى مرحلة أخرى من مراحل العمر، وبالتالي ظلت التباينات بينهما قائمة، ولن يصلا إلى «كلمة سواء» فالكبار أكثر تزداد عندهم القناعة تأصيلا أكثر، والأجيال التي تلاحقهم هي الأخرى تتكون عندهم قناعات أقرب للأجيال التي سبقتهم، ولكنها أقل حدة، وهكذا تعود الصورة إلى مربعها الأول مع الأجيال اللاحقة، وتظل الدائرة تدور في محورها الاجتماعي، وكل جيل ينتصر لمرحلته العمرية، ولما أنجزه خلالها، وما تأصلت عنده من قناعات خلالها.

وإذا تم التسليم جدلا؛ أن الجيل السابق أكثر ما يرتكن إليه في المسألة السلوكية هو حرصه على الهوية والانتماء أكثر من أي شيء آخر، حيث تظل عبارة «لم نعهد ذلك من آبائنا» فما الذي يحفز الجيل اللاحق لأن يخرج عن سياقاته الاجتماعية المتوارثة ليخطط لنفسه نموذجا آخر للسلوك؟ قد ترى بعض التعليلات أن الأدوات التي لم تكن موجودة من قبل؛ هي التي تحفز الجيل لأن يتقاطع مع الجيل السابق، على اعتبار أن كل جيل له أدواته الخاصة، وهذه الأدوات، وإن كانت مادية بعضها؛ إلا أنها؛ مع مرور الزمن؛ ترسخ قناعات ذهنية في النفس، فتؤثر على سلوكياته، وعلى مجريات حياته اليومية، فعلى سبيل المثال: يعاب اليوم على الجيل الحالي بأنه جيل يذهب إلى العزلة أكثر؛ حيث تتراجع الثيمة الاجتماعية لديه بكل حمولتها، إلى حد كبير، والمسألة مرشحة للزيادة، فهل للأداة الحاضرة التي يستخدمها دور في ذلك؟ أقول: نعم؛ وبكل وضوح، فوسائل التواصل الاجتماعي؛ وهي واحدة من أهم هذه الأدوات؛ تلعب دورا محوريا في تقليص المشاركة الاجتماعية المادية ، وهي غالبا؛ ما تكون مباشرة وملموسة، فقد حولت معظم الحوارات الاجتماعية إن لم تكن كلها إلى الفضاءات الإلكترونية، فتقارب مفهوم السبلة من حالته المادية المعروفة؛ إلى حالتها الحالية غير الملموسة، فالمجموعات الـ «وتسابية» التي تضم المئات من الناس من مختلف الأماكن، والفئات والأعمار، فهي مثال حي يمكن القياس عليه في هذا التحول ، فقد أسست هذه المجموعات سلوكيات لم تكن موجودة حتى عهد قريب - ولعلني واحد من الأفراد الذي يعيش التجربتين؛ أو يمكن أن ينظر إلي وإلى جيلي؛ على أننا حلقة وصل بين الطرفين - فلا أنا قادر على أن أتماهى تماهيا مطلقا مع سلوكيات الجيل الحالي، ولا أنا يمكنني أن أنقطع انقطاعا مطلقا عن الجيل الذي سبقني - ولأنني في هذا الموقع الاستثنائي، فلربما أستطيع أن أكون مُوَفِقًا من الطرفين، كما أستطيع أن أتحاور معهما إلى حد ما؛ كذلك، وهذه المناقشة واحدة من هذا التصور الذي أراه.

ربما هنا؛ ووفق ما جاء أعلاه، يصعب الجزم بحتمية الانتماء السلوكي لسياقات محددة بالمجتمعات، لوجود مشتركات عامة بين أفراد المجتمعات الإنسانية اليوم؛ أكثر من أي وقت مضى، وليكن اللباس على سبيل المثال، حيث يشترك الجميع في مشارق الأرض ومغاربها على لباس واحد (قميص/ بنطلون) وبالتالي فأينما تحل في أي مجتمع يكون لن يميزك عن من حولك أي شيء، فهويتك مندسة بين دهاليز نفسك، وربما قد تسبب لك أذية ما لو أبديتها بصورة مباشرة أمام الآخر، وقد تكون هناك فرصة لإبداء هذه الهوية في شيء ما محدد؛ عندما تكون خارج نطاقك الجغرافي، وهذا ما يحدث في المناسبات والمهرجانات الدولية التي يشارك فيها جمع كبير من شعوب العالم، أما غير ذلك فيصعب الخروج عن السياق العام «الدولي» هذا مما يتفق عليه إلى حد كبير، أما التصرفات الفردية، فتبقى من الصعوبة بمكان أن تنسب إلى مجتمع دون آخر، ويحكم عليها في الغالب الأعم: «هذا تصرف فردي؛ ولا يمكن أن يعبر عن مجموعته الأصل التي ينتمي إليها وإلى هويتها العامة» وهذا أمر أيضا؛ متفق عليه إلى حد كبير، وبذلك ستبقى خصوصية ممارسات السلوكيات في سياقاتها الاجتماعية الخاصة عندما تحتضنها بيئاتها الخاصة فقط، أما في حالة تحررها من بيئاتها الخاصة، فهي تصنف في السياقات العامة الواسعة التي تستوعب كل السياقات الاجتماعية دون تحديد مطلق ضيق.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى حد

إقرأ أيضاً:

OpenAI تطرح طراز o3 من الجيل التالي أوائل العام المقبل

بعد ما يقرب من أسبوعين من الإعلانات، اختتمت OpenAI سلسلة البث المباشر التي استمرت 12 يومًا من OpenAI بمعاينة لطرازها الرائد من الجيل التالي. قال الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان لأولئك الذين شاهدوا الإعلان على YouTube: "احترامًا للأصدقاء في Telefónica (مالك شبكة O2 الخلوية في أوروبا)، ووفقًا للتقاليد العظيمة التي تتسم بها OpenAI بأنها سيئة حقًا في الأسماء، فقد أطلقنا عليها اسم o3".

الطراز الجديد ليس جاهزًا للاستخدام العام حتى الآن. بدلاً من ذلك، تجعل OpenAI أولاً o3 متاحًا للباحثين الذين يريدون المساعدة في اختبارات السلامة. كما أعلنت OpenAI عن وجود o3-mini. قال ألتمان إن الشركة تخطط لإطلاق هذا الطراز "في نهاية شهر يناير"، مع إطلاق o3 "بعد ذلك بفترة وجيزة".

 

كما قد تتوقع، يقدم o3 أداءً محسنًا مقارنة بسابقه، ولكن ما مدى تفوقه على o1 هو السمة الرئيسية هنا. على سبيل المثال، عندما تم اجتياز امتحان الرياضيات الأمريكي لهذا العام، حققت o3 درجة دقة بلغت 96.7 في المائة. وعلى النقيض من ذلك، حصلت o1 على تصنيف أكثر تواضعًا بنسبة 83.3 في المائة. قال مارك تشين، نائب الرئيس الأول للأبحاث في OpenAI: "ما يدل على ذلك هو أن o3 غالبًا ما تفوت سؤالاً واحدًا فقط". في الواقع، حققت o3 أداءً جيدًا للغاية في مجموعة المعايير المعتادة التي تضعها OpenAI لنماذجها لدرجة أن الشركة اضطرت إلى إيجاد اختبارات أكثر تحديًا لمقارنتها بها.


أحد هذه الاختبارات هو ARC-AGI، وهو معيار يختبر قدرة خوارزمية الذكاء الاصطناعي على الحدس والتعلم على الفور. وفقًا لمبتكر الاختبار، مؤسسة ARC Prize غير الربحية، فإن نظام الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه التغلب بنجاح على ARC-AGI من شأنه أن يمثل "معلمًا مهمًا نحو الذكاء الاصطناعي العام". منذ ظهوره لأول مرة في عام 2019، لم يتفوق أي نموذج للذكاء الاصطناعي على ARC-AGI. يتكون الاختبار من أسئلة الإدخال والإخراج التي يمكن لمعظم الناس فهمها بشكل حدسي. على سبيل المثال، في المثال أعلاه، ستكون الإجابة الصحيحة هي إنشاء مربعات من البوليومينو الأربعة باستخدام كتل زرقاء داكنة.

في إعداد الحوسبة المنخفضة، سجل o3 نسبة 75.7 في المائة في الاختبار. مع قوة المعالجة الإضافية، حقق النموذج تصنيفًا بنسبة 87.5 في المائة. وفقًا لـ Greg Kamradt، رئيس مؤسسة ARC Prize Foundation، "الأداء البشري قابل للمقارنة عند عتبة 85 في المائة، لذا فإن تجاوز هذا يعد إنجازًا رئيسيًا".


استعرضت OpenAI أيضًا o3-mini. يستخدم النموذج الجديد واجهة برمجة تطبيقات Adaptive Thinking Time التي أعلنت عنها OpenAI مؤخرًا لتقديم ثلاثة أوضاع استدلال مختلفة: منخفضة ومتوسطة وعالية. في الممارسة العملية، يسمح هذا للمستخدمين بتعديل المدة التي "يفكر" فيها البرنامج في مشكلة قبل تقديم إجابة. كما ترى من الرسم البياني أعلاه، يمكن لـ o3-mini تحقيق نتائج مماثلة لنموذج الاستدلال الحالي o1 من OpenAI، ولكن بجزء بسيط من تكلفة الحوسبة. كما ذكرنا، سيصل o3-mini للاستخدام العام قبل o3.

مقالات مشابهة

  • الهيئة النسائية تقدم أكثر من 50 مليون دعما للعمليات العسكرية المناصرة لغزة
  • التنمية الاجتماعية تنظم حلقة حول التمكين الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة
  • ‏البحرين تستضيف أعمال الدورة 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب
  • «مهرجان أم الإمارات».. يعزز الروابط الاجتماعية
  • كأس الخليج: الظاهرة الاجتماعية
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • الجيل الديمقراطي: المشروعات القومية في مصر حققت طفرة غير مسبوقة
  • OpenAI تطرح طراز o3 من الجيل التالي أوائل العام المقبل
  • وثيقة.. صدور عقوبة ضد المحامية زينب جواد لمخالفتها قواعد السلوك المهني
  • دراسة تكشف تأثيرات مختلفة لالتهاب الدماغ على السلوك حسب الجنس