البوابة نيوز:
2024-07-01@16:54:12 GMT

9 سنوات على رحيل الأبنودي

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مر يوم ٢١ أبريل الجارى ٩ سنوات على رحيل الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى الذى عاش مهموما بقضايا الوطن وقضى أفضل سنوات عمره وشبابه بين السويس والإسماعيلية.

الأولى فى السويس فترات سن الشباب والإنتاج الشعرى والأدبى وفترات ما بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ مرورا بحروب الاستنزاف وحتى النصر، حيث عاش بالسويس عقب خروجه من السجن وانضمامه إلى فرقة أولاد الأرض وهى الفترة التى شهدت توهجه فى كتابة الأغانى الوطنية وأفضل أغانيه الرومانسية بين شوارع المدينة التى دمرها العدو الإسرائيلى وقرى منطقة القطاع الريفى معايشا لفترة وطنية هامة فى حياة الوطن، وكان ذلك اختياره بإرادته المستقلة ليعيش فى السويس.

أما الفترة الثانية والأخيرة فقد كان يعيش فى الإسماعيلية تنفيذًا للتوجهات والتوصيات الطبية والصحية وحتى دفن فى مقابرها.

فى السويس وعنها يقول الأبنودى أعتبر أن تجربة السويس هى أفضل ما عشته فى حياتى.. بعد النكسة، ولم يعد لى فى القاهرة مكان مع جلد الذات لذا حملت متاعى القليل ملابسى يعنى والكتابين ورحلت إلى السويس لأعيش على شاطئ القناة مع الفلاحين من الأقارب والأصدقاء هناك فى جناين السويس عشت مع أسرة عمى إبراهيم أبوالعيون مع أم على وعلى وجمالات وسواهم من أبطال ديوانى وجوه على الشط.

قضيت السنوات الأولى من حرب الاستنزاف هناك فى مواجهة علم العدو الذى كان يرفرف أمامنا على الضفة الأخرى ومع جنود العدو أراهم وأسمع شتائمهم التى يوجهونها إلينا.

ويضيف الأبنودى رأيت إبراهيم أبوالعيون يقتلع شجرة المشمش التى يربيها منذ سنة وقف يشد بمساعدة جيرانه الشجرة التى لم يكن يقبل أن يمد أحدهم يده لالتقاط حبة واحدة من ثمارها حتى إذا اقتلعوها وضعها فوق دبابة مصرية بجدار بيته الطينى لتخفى الشجرة عن عيون العدو كما رأيته يبور الأرض لدواعى الحرب.

ونسج فلاحو السويس ببساطة ومن دون دعاية ولا افتعال واحدة من أعظم ملاحم الصمود حين أصروا على البقاء متمسكين بأرضهم على شاطئ القناة بالسويس.

من هؤلاء الفلاحين استمعت إلى قصص الجنود الذين عادوا من سيناء بثياب مهلهلة وأقدام متورمة من المشى الطويل وكيف كانوا يستقبلونهم بالطعام المتاح والشراب كما يستقبلونهم بالماء المالح والبصل وكان على هؤلاء الفلاحين وكأنهم أدركوا مهمتهم أن يكونوا أول من يمتص مرارة الجنود المصريين الذين اضطروا إلى الانسحاب من سيناء.

ويقول الأبنودى: ورأيت جنود منظمة سيناء الثورية التى تكونت من شباب السويس الذين كانوا يعبرون القناة ليقوموا بعملياتهم الفدائية ويذكر الأبنودى كان المثقفون يأتون لزيارة السويس لرؤية البيوت التى هدمتها الحرب وترديد الأغانى الحماسية مع فرقة ولاد الأرض وهى فرقة كونها الكابتن غزالى لأداء أغان وطنية ذات طابع شعبى بألحان بسيطة على آلة السمسمية.

عشت فى السويس أنتقل بين منطقتى الجناين وكبريت وكان عم إبراهيم أبوالعيون قد بنى خندقا بالأحجار وجذوع النخيل وفروع الأشجار.

يقول الأبنودى ذات ليلة شاركت مع ولاد الأرض فى أمسية فنية فى منطقة "المعمل" وبعد أن انتهت قررت المبيت فى الجناين رغم تحذير الجميع لى من الغارة الصهيونية التى كانت وشيكة والتى رصد عددا من جنود منظمة سيناء الثورية اثناء قيامهم بإحدى عملياتهم انطلقت النيران من الجانبين.

وما زلت أذكر صراخ جارنا عم "على" الكفيف الذى كان يسكن حوشا أشبه بعشة كان بعد الغارة يبكى بحرقة سألته عما به فقال لى الحمارة ماتت. كانت هذه الحمارة تعرف بطول العشرة المكان الذى يريد منها أن تحمله إليه فكانت تذهب به إلى المسجد ليصلى وإلى الدكان لشراء الشاى والدخان كما تحمله إلى بيوت أحبائه.

لذا يشعر بالفجيعة حيث أصبح غريبا غير قادر على مواصلة الحياة فقال بحرقه "فقدت وطنى والحرب تجربة رهيبة ».

هكذا لم أستطع الفرار من السويس ووحيها وكنت أعود قليلا إلى القاهرة لاستكمال تسجيل السيرة الهلالية وتأليف أغنيات لعبد الحليم حافظ مثل أغنية "المسيح" وأغان عاطفية كتبها لعبد الحليم منها "يا بلدنا لا تنامى ومن قلب المواكب " كما كنت أقيم فى ذلك الوقت أمسيات شعرية وغنائية بعد ذلك بدأ فى كتابة أغنيات مثل "يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى" والتحقت بفرقة ولاد الأرض فى السويس التى كونها الكابتن غزالى بكل شباب المقاومة البمبوطية والعمال وغيرهم.

واختتم الأبنودى شهادته التاريخية عن السويس بقوله أعتبر أن تجربة السويس هى أفضل ما عشت فى حياتى بعد تجربة أبنود والسد العالى والاعتقال والحرب.

أما عن الأغانى الوطنية التى كتبها الأبنودى والتى كانت أكثر شهرة وتأثيرا على الشعب المصرى عبر المراحل التاريخية والوطنية تلك الأغانى التى كتبها على أرض السويس منها "موال النهار.. المسيح.. يا بلدنا لا تنامى دورى وسط الأسامى.. الخوف.. بحب السويس.. وابنك يقولك يا بطل.. واحلف بسماها وبترابها.. من قلب المواكب».

لكن تبقى الأغنية الخالدة والمحبوبة لكل أبناء السويس والتى تعتبر النشيد الوطنى للسويس والأغنية الرمزية التى يلتف حولها أبناء السويس جميعا ويطلقون عليها السلام الوطنى أو السلام الجمهورى المحبب باسم جمهورية السويس الوطنية كما يحب أن يطلق عليها البعض من الشباب المتحمسين وكأن السويس جمهورية حرة مستقلة بل تعتبر الأغنية أيقونة السويس هى أغنية "يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى استشهد تحتك وتعيشى انتى" التى غناها الفنان المبدع محمد حمام من تلحين الموسيقار إبراهيم رجب.

أما عن أنشودة ولاد الأرض التى كتبها الأبنودى خصيصا لفرقة أولاد الأرض حين انضم إليها الأبنودى بالغناء أو بإلقاء الشعر فهى التى تغنيها الفرقة من ألحان الموسيقار حسن نشأت تقول كلماتها:

لأ وحياة العباد اللى هجرتها

وحياة البيوت اللى كسرتها

لا هترجع السوايسة للزيتية

والمرسى

ورمال الصحرا حاسه

بخطاوى الفدائيين

تلك الأغنية التى كانت أكثر حماسة لشباب السويس أثناء فترة التهجير.

كما عشق الأبنودى جغرافيا السويس وكتب عن كل قطعة أرض فيها حيث عشقها وأحب ترابها وبطولة شعبها وروحه الوطنية فنجد الأبنودى يكتب عن " مناطق الجناين - جبلايات الفار - أبو عارف - السيد هاشم - الرجولة شندورة - كبريت - كوبرى الكامنتو - محطة المياه متواصلًا إلى حى زرب - مسجد الغريب - المبيع - سوق الجملة للخضار والفاكهة - قهوة شعبان ومنها إلى منطقة الزيتية - السماد – بورتوفيق – الشط».

كما لم ينس الأبنودى أن يكتب عن الوشنة الاسم الذى يطلقه السوايسة على الآيس كريم بل كتب عن كلاب السويس ووصف حالتهم أثناء الحرب والهجرة.

أما عن علاقة الأبنودى بأبناء السويس المثقفين والفنانين والشخصيات العامة فكانت ممتدة فى التجمعات المتعددة التى تبدأ من مكتبة الكابتن غزالى والأمسيات الأدبية بنادى الأدب الكلمة الجديدة بالنادى الاجتماعى بحضور "الأدباء محمد الراوى - مصطفى نجا - على المنجى - حجازى غريب - محمود الخطيب - محمد حسن - على الخطيب وغيرهم.

كذلك السهرات والأمسيات بنادى النصر للبترول مع "خليل بدرة -عادل درديرى - المهندس شهاب - عوض مرزوق وكاتب السطور ».

وكانت أهم تلك الأمسيات مع فرقة أولاد الأرض بين الجنود والتجمعات العمالية والفلاحية والمهجرين من أبناء السويس فى المحافظات المختلفة هذا غير السهرات الإنسانية بالجمعيات الأهلية منها جمعية أبناء النوبة - أبنود وكذلك حضور المناسبات الاجتماعية حيث حضور التهنئة بالأفراح كان منهم حفل زفاف اليسارى مصطفى عبدالسلام بقاعة أفراح النادى الاجتماعى.

وهناك الكثير من اللقاءات والأعمال المشتركة بين الأبنودى مع ابناء السويس منهم الأستاذ محمد عروق مدير إذاعة صوت العرب الذى ساعده باذاعة أغنية "يابيوت السويس" بالإذاعة ومحمد بغدادى الصحفى والإعلامى الشهير وزوجته الصحفية كاميليا عتريس والصحفى على حامد وغيرهم.

 

وكانت تلك العلاقة مبنية على المودة والألفة والحب وعلى أحاديث ومناقشات قضايا هموم الوطن ومشاكله وقد تدخلت تلك العلاقات جميعها بين الأبنودى والسويس حتى قبل وفاته بأيام قليلة حيث لم تنقطع الاتصالات التليفونية مع البطل محمد حسن - النمس - والفدائى عبدالمنعم قناوى والمرحوم حافظ غزالى للاطمئنان عليه أثناء مرضه بل شارك وفد شعبى كبير من أبناء السويس شاركوا فى واجب العزاء فى الإسماعيلية جماعات وأفراد وكتب الكابتن غزالى ينعى الأبنودى بقصيدة شعرية قصيرة أو كما يطلقون عليها عدودة بالصعيدى، حيث كتب عقب الوفاة تلك العدودة: 

يا بيوت السويس

يا بيوت مدينتى

مبدع نشيدك

تعيشى انتى

الوداع يا خال

آدى الدنيا

وآدى الحال

رحم الله الأبنودى شاعرًا وطنيًا محبًا للوطن وتحية فى ذكرى رحيله التاسعة.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عبدالرحمن الابنودي الابنودي أبناء السویس ولاد الأرض فى السویس

إقرأ أيضاً:

«حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013

يمثل كتاب «حوارات على حافة الأزمة»، للكاتب الصحفى والخبير الإعلامى محمد مصطفى أبوشامة، شهادة تاريخية مهمة عن مرحلة مؤثرة فى تاريخ مصر المعاصر، كثر فيها الجدل واللغط، وتنافست فيها أطراف خارجية وداخلية على تدليس الحقائق وتزوير الحوادث بما يخدم مصالحها وأهدافها.

وندر أن تجد الحياد الكامل بين شهادات مَن عاصروا مصر من 25 يناير 2011 حتى 30 يونيو 2013، ولعل هذا أكثر ما يميز شهادة «أبوشامة» وحواراته، أن وضعه الوظيفى كمدير تحرير لصحيفة «الشرق الأوسط» فى القاهرة، منحه نوعاً من الحرية ساعده فى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع رغم اختلاف توجهاتهم.

وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة ٢٠١٥، وتصدر طبعة جديدة منه خلال أيام بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ11 لثورة ٣٠ يونيو، وحظى الكتاب بتقدير كبير فى كل الأوساط الإعلامية، لهذا حرصت «الوطن» على تقديم عرض موجز لبعض فصوله، إذ يعتمد الكتاب على ٦ حوارات صحفية مطولة نُشرت فى توقيتات مختلفة فى الفترة من ٢٠١٠ إلى ٢٠١٤، وتمثل معاً «موزاييك سياسى» يحكى قصة مصر خلال تلك الفترة.

وتواصل «الوطن» عرض المقدمات التى رصد فيها مؤلف الكتاب كواليس تلك اللقاءات الصحفية، وتقييمه للشخصيات التى حاورها، وتعرض فى الحلقة الثانية والأخيرة، حواراته مع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، القيادى الإخوانى السابق والمرشح الرئاسى المحتمل، والدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق.

يقول الكاتب الصحفى محمد مصطفى أبوشامة إن كتابه «حوارات على حافة الأزمة» قد حصل على فرصته فى الظهور بسبب دافعين تقاسما الحافز لخروجه إلى النور؛ الأول هو عودته للعمل فى صحيفة «الشرق الأوسط» مديراً للتحرير ومسئولاً عن مكتبها بالقاهرة فى الأول من أغسطس سنة 2014، بعد إجازة طويلة، استقل فيها عن موقعه بالصحيفة وتفرَّغ للكتابة وبعض الأعمال الخاصة، ومنحته هذه الفترة الحرية الكاملة للمشاركة فى ثورة ٣٠ يونيو سنة ٢٠١٣ وكافة فعالياتها وتظاهراتها.

ويوضح صاحب كتاب «الحوارات»: «العودة جعلتنى أؤجل صدور كتابى «عين الشرق.. سنوات فى قفص المدير» الذى شرعت فى كتابته وتجهيز مادته مطلع عام 2014، وكنت أرصد فيه تجربتى فى صحيفة «الشرق الأوسط»، وهى تجربة أعتقد أنها بالثراء الذى منحها قدراً من الأهمية، وجعلتنى مقتنعاً بأن سنواتى التى قضيتها على قمة العمل التحريرى والإدارى بمكتب القاهرة فى الصحيفة الأهم عربياً فى الفترة من (2007 إلى 2017).

والتى تخللها اشتعال ثورات ما سُمى «الربيع العربى»، بأحداثها وتداعياتها المثيرة التى غيرت خريطة الشرق الأوسط وأثرت على العالم بأكمله، قصة تستحق أن تُروى، وشهادة يجب تسجيلها؛ ربما أفادت أجيالاً جديدة من أبناء مهنة البحث عن الحقيقة ومتاعبها، وتسببت (العودة) فى التأجيل لعدم قدرتى على إنجاز كتابى بالصورة التى أتمناها، فيما كان الجزء الأهم منه، وهو الخاص بـ«الحوارات»، جاهزاً بالكامل، فقررت أن أبادر بإصداره فى كتاب منفصل حتى يتسنى لى استكمال بقية الفصول فى كتاب آخر».

أما السبب الثانى فيكشفه «أبوشامة» قائلاً: «الحوار الصحفى المطول الذى أجريته مع الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء المصرى الأسبق، أثار جدلاً كبيراً عند نشره فى حلقات فى نهاية نوفمبر 2014، وكنت قد قضيت أكثر من شهرين أطارده، كى أقتنص منه ساعات مقسمة على أكثر من جلسة، سجلت فيها معه ما أدَّعى أنه أصدق ما نُشر عن فترة هى الأخطر فى تاريخ مصر المعاصر».

ويُكمل: «نجحت بعد جهد أن أقنع نائب رئيس الوزراء المصرى الأسبق فى حكومة ثورة ٣٠ يونيو 2013، الدكتور زياد بهاء الدين، بأن يتحدث ويروى تجربة 10 سنوات هى عمر مشاركته فى العمل العام، فكان الحوار الأكثر شمولاً معه فى كل وسائل الإعلام العربية، وقد أدهشتنى ردود فعل القراء ووسائل الإعلام على الحوار، وأسعدتنى أيضاً».

وأصبح الكتاب بعد هذا الحوار مكتملاً، لتظهر «حوارات الأزمة» الستة مجتمعة كما يقول المؤلف فى مقدمة الكتاب: «من أجل الحقيقة والتاريخ وأبنائنا، وقبلهم جميعاً، من أجل مصر الباقية والخالدة، أفخر بأن أقدم لكم 6 حوارات صحفية أجريتها على فترات زمنية متباعدة خلال أربع سنوات مضت، لكنى أدعى أنها تشبه قطع «البازل» يُكمل بعضها بعضاً، وترسم مجتمعة صورة خاصة لزمن الربيع المصرى.. زمن الثورة، والغضب، والفوضى، والحلم، والأمل، والإحباط.. زمن الإخوان، والمجلس العسكرى، والفلول، والطرف الثالث.. زمن مبارك وطنطاوى ومرسى وعدلى منصور.. زمن مصر ما قبل يناير 2011 والمستمر إلى ما بعد يونيو 2013».

وإلى بعض نصوص الكتاب..

رجل فقد «جماعته»

كان أكثر ما لفت نظرى فى مقر «أبوالفتوح» الانتخابى فى ضاحية جاردن سيتى، بالقرب من السفارتين البريطانية والأمريكية (وسط القاهرة)، هو وجود أكثر من وجه أجنبى يتحركون وسط أفراد حملته، وفهمت أن بعضهم بالفعل متطوعون فى الحملة، وآخرين يعملون بالإعلام ومهتمون بمتابعة أخبار وتحركات المرشح الرئاسى الأبرز الذى كانت كل التوقعات تذهب إلى جولة إعادة بينه وبين السيد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمدعوم من قوى سياسية مدنية، ومن الأقباط، ومن معظم الدول العربية الخليجية. ورغم غرابة المشهد الأجنبى، فإنه فى مصر بعد 25 يناير 2011 لا تتعجب من شىء.. فقد بدأ عصر المفاجآت.

ويُقدر كل من مارس السياسة فى الجامعة شخصين يتردد اسمهما بوصفهما مثالين للقيادة الطلابية، لم يتوقف تأثيرهما عند حدود الجامعة. ورغم البعد الزمانى، بقى رمزا جيل السبعينات حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، يلهمان أجيالاً كثيرة من أبناء الحركة الطلابية المصرية.

«أبوالفتوح» كان الباعث الثالث لـ«الإخوان» بعد «البنا وقطب» وحوار صحفى أظهر ديكتاتوريته الشديدة

تشكلت صورة «أبوالفتوح» السياسية أمامى مع مرور الزمن وتراكم الخبرات، رغم تحفظى الدائم على جماعة الإخوان ورفضى لها بوصفها مشروعاً سياسياً فاشلاً، حتى قرأت الكتاب الذى أصدرته «دار الشروق» للباحث الراحل حسام تمام عام 2010، عن تجربة أبوالفتوح السياسية الخطيرة، وتفهمت بشكل واضح حجم ودور الرجل، الذى لا أبالغ حين أقول إنه الباعث الثالث لجماعة الإخوان المسلمين بعد باعثيْها الأوليْن حسن البنا وسيد قطب.

وقامت ثورة يناير 2011، وظن البعض أن حل معادلة الصراع فى مصر بين الإسلاميين والليبراليين هو «عبدالمنعم أبوالفتوح».. وربما كان ذلك مفهوماً وقتها، فقدراته وعلاقاته منحته قاعدة جماهيرية، كما أن مغازلته المبكرة للمثقفين والفنانين جعلته وجهاً معتدلاً ومقبولاً لهم، وللخارج أيضاً، فأبوالفتوح أقرب ما يكون لبراجماتية السلطان أردوغان، وكان يحلم باستنساخ تجربته فى حكم مصر، لكن غباء جماعته أضاع كل شىء، فقد باعته فى واحدة من أغرب حوادث التاريخ، التى لو نجحنا فى فك ألغازها لربما انكشفت كوارث وأسرار لا يتخيلها أحد.. أما باقى تفاصيل ما حدث معه حتى انتخابات الرئاسة التى خرج منها بـ«خفى حنين»، فقصة عامة يعلمها الجميع.

أما قصتى الخاصة معه، فقد بدأت مبكراً وقبل الحوار الذى أجريته معه ونُشر فى 12 فبراير 2012، وكان ذلك تحديداً بعد ثورة يناير بأربعة أشهر، عندما بدأت بورصة الترشيحات الرئاسية تنطلق، وكان اسمه من أسماء كثيرة تتداولها وسائل الإعلام.

وطلبت زميلة بمكتب صحيفة «الشرق الأوسط» فى القاهرة أن تُجرى معه حواراً، وعبَّرت لى عن سعادتها إذا وفقتْ فى أن تنجز هذا الحوار التاريخى.. يكفى أنها ستلتقى برجل تقدره وتحترمه وتظنه زعيماً وطنياً مسلماً.

جلست أستمع لها وأهز رأسى مجاملاً، ووافقت لها فى النهاية على إجراء الحوار.. وقد كان.. وفوجئت بها تعود لى بعد أيام قليلة تبكى مقهورة وتسرد لى قصة، كشفت عنها كاملة بكل تفاصيلها فى مقال كتبته فى صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «أبوالفتوح يكرر حادثة السادات»، ونُشر بتاريخ 28 مايو 2011، ذكرت فيه قائلاً:

«لم ينسَ كثيرون المواجهة الشهيرة التى حدثت بين الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، والشاب عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى كان حينها رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، وكيف أحرج هذا الشاب رئيس الجمهورية وأخرجه عن وقاره، بعد أن جعل السادات يصرخ فيه منفعلاً: (قف مكانك.. مكانك، اتعلموا الأدب.. دى مش صراحة.. ده مش شغلك.. الزم حدود الأدب). حدث ذلك فى اللقاء السنوى للسادات مع شباب الجامعات المصرية فى منتصف السبعينات من القرن الماضى، وكان الحوار مذاعاً عبر شاشة التليفزيون المصرى.

لكن يبدو أن القيادى السابق بجماعة الإخوان، وعلى الرغم من أنه بطل القصة السابقة، قد نسيها أو تناساها، عندما انفعل على زميلتنا المحررة الشابة ورفض إكمال حواره معها بعد أن عارضته فى الرأى، وهو الأمر الذى لم يحتمله مرشح الرئاسة المحتمل، فى تكرار مثير للقصة القديمة.

وكانت «الشرق الأوسط» قد سعت لإجراء حوار مع الدكتور أبوالفتوح تزامناً مع إعلانه نيته للترشح لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الحالى، وهو المنصب الذى خلا بعد تنحى الرئيس المصرى مبارك فى أعقاب ثورة 25 يناير، وجاء هذا السعى فى إطار استكمال الصحيفة لسلسلة من الحوارات الصحفية من القاهرة بلغت 120 حواراً صحفياً، بدأتها الصحيفة عقب ثورة يناير مع كل أطياف السياسة المصرية من شباب الثورة والإخوان والقوى الليبرالية والأقباط والوزراء الحاليين والسابقين والمفكرين والناشطين والفنانين ومرشحين محتملين للرئاسة.

ولم يكتمل حوار الدكتور أبوالفتوح، وظهر من تسجيل الشريط الصوتى للدقائق التى سجلها مع المحررة أن انفعاله كان يتكرر كلما سألته عن موقف جماعة الإخوان المسلمين من ترشحه، ويصر هو على أن هذه أسئلة (خايبة)، بحسب وصفه، ولا يجيب عنها، وأنه يريد أسئلة تليق به كمرشح رئاسة!!

وكانت هذه أبرز مقاطع الحوار:

«الشرق الأوسط»: بس الجماعة مابتعملش بهذا المنطق لأن الجماعة قالت إن من يخرج عنا لا يتحدث عنا وقالوا إن حضرتك...

- أبوالفتوح (مقاطعاً): هذا كله كلام المتطرفين الذى لا تقبل جماعة الإخوان به ولا يجوز أن يصدر عن مسئول فى الإخوان، وإذا صدر فهو خطأ أن يقول: من يخرج.. يخرج دى مصطلح جماعات التكفير والهجرة.. يخرج علينا؟! كأنه بيقول يخرج عن الإسلام!

«الشرق الأوسط»: اتقال على لسان خيرت الشاطر..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): اللى يقول كده يقول، إن شا الله تكون اتقالت من مين.. ده لنفسه، أنا مايهمنيش أشخاص، لكن كلمة يخرج علينا دى نفسها، هذه الكلمة بتاعة جماعة التكفير لا يجوز نقولها إحنا، لكن ممكن نقول والله فلان خالفنا فى القرار ده أو خالفنا فى هذا الموقف نقول كده.. دى الصيغة بتاعة الإخوان أما «من يخرج علينا» دى.. فصيغة جماعات.

«الشرق الأوسط»: حضرتك النهارده فيه تصريح لصبحى صالح..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): هذا ليس مسئولاً ولا يمثل الإخوان بقليل أو بكثير وأنا مش مع إنك تستمرى فى الأسئلة بالطريقة دى وهقفل الحوار.

«الشرق الأوسط»: أنا بس عاوزة رد من حضرتك..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): لا أنا مابردش على التفاهات دى؟ إذا حضرتك جاية تعملى حديث صحفى لـ«الشرق الأوسط» فى مواضيع تافهة فأنا مش هعمل.

«الشرق الأوسط»: عدم تأييد الإخوان لحضرتك، هل ده ممكن يضعف موقفك فى الانتخابات؟

- أبوالفتوح (مقاطعاً): لا تعليق.. (ساخراً) أنا ماعرفش هو فيه حد كاتب لك الأسئلة؟ أرجو لو كنتِ تسألينى فيما يخصنى كمرشح، وبرامجى وأفكارى، أما إذا كنتِ جاية تسألينى فى أسئلة أقرب ما تكون لمباحث أمن الدولة فأنا مش هجاوب عليها.

«الشرق الأوسط»: بس دى أسئلة مطروحة على الساحة..

- أبوالفتوح: مطروحة! اختارى الأسئلة ماتضيعيش وقتى.

«الشرق الأوسط»: بس حضرتك سُئلت هذه الأسئلة فى أكتر..

- أبوالفتوح (مقاطعاً وغاضباً): لا طبعاً أنا ماسُئلتش هذه الأسئلة وماقبلش إن حد يسألنى فى كده ويسيب الحاجات الأساسية.

«الشرق الأوسط»: طيب تعليق حضرتك إيه على تحويل بعض شباب الإخوان المسلمين للتحقيق لأنهم مشتركين فى حملة دعمك؟

- أبوالفتوح: لا ما هى نفس الحدوتة، أنا حاسس إنك مصرة.. لو سمحتِ كلمينى فى القضايا الهامة أنا مش فاضى للكلام ده.

«الشرق الأوسط»: حضرتك دى أخبار مهمة..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): مهمة عندك مش عندى، مش هتكلم فيها! هو انتِ جاية تعملى حديث لـ«الشرق الأوسط»؟ علشان كده سألتك الأول.. فعلاً «الشرق الأوسط»؟ هل جريدة «الشرق الأوسط» هتتكلم فى الكلام الخايب ده؟

أغفل القيادى الإخوانى أن دوره كمرشح رئاسى يتطلب منه أن يكون واسع الصدر وصبوراً فى تحمله لصحفية شابة، مهما كانت الأسئلة مستفزة -من وجهة نظره- ولكنه وقع فى خطأ السادات، فانفجر فيها ساخراً ومقرِّعاً ومهيناً لمهنيتها، ومقللاً من أهمية أسئلة تحاور حولها قبل أيام فى أحد البرامج التليفزيونية، فى رفض غير مفهوم».

ومرت شهور، وترشح «أبوالفتوح» فعلياً لمنصب رئيس الجمهورية، وكانت الضرورة المهنية تحتم علىَّ أن أحاوره، وبالطبع رحب، رغم علمى بأن مقالى السابق قد أغضبه، لكنه من البراجماتية بما لا يجعله يتوقف كثيراً أمام تلك الأمور، وأجريت معه حواراً بارداً بحضور الزميل العزيز أحمد إمبابى، وتجنبت فيه أن أجدد طرح ما استفزه فى الحوار السابق، مكتفياً بما كشفته زيارتى لمقر حملته الانتخابية من أجواء مثيرة.

آخر الرجال المحترمين

يُعتبر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قامة وقيمة كبيرة فى تاريخ الصحافة مصرياً وعربياً، لا يُذكر اسمه إلا ويتبعه صفة «المحترم».

وهى الصفة التى يقول نجله «زياد» إنها ميراثه الحقيقى عن أبيه، ويُكمل: «بالطبع استمتعت بمظلة شهرته، التى منحتنى حماية خاصة فى بداية حياتى». ويعتبر زياد أن الفترة التى قضاها مع والده فى دولة الكويت فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى هى واحدة من أهم فترات حياته، لأن الكويت وقتها -بحسب وصفه- كانت منارة ثقافية مشعة على الخليج العربى، قبل أن تُظلمه الثورة الإيرانية.

«زياد بهاء الدين» سياسى تكنوقراط حاول خلق توازن بين انتمائه اليسارى والرأسمالية من أجل الديمقراطية الاجتماعية

درس «زياد» فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مثل والده، لكنه تميز عليه بأن درس فى ذات الوقت فى كلية الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، ليتخرج منهما فى عامى 1986 و1987، قبل أن يحصل على منحة للماجستير فى قانون الأعمال الدولى من جامعة لندن سنة 1989، ثم يحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة فى القانون عام 1997.

بدأت علاقة زياد بهاء الدين بالسياسة وهو طالب فى جامعة القاهرة من خلال أنشطة الأسرة الطلابية القريبة من الفكر الاشتراكى القومى، لكنه اختار أن تبدأ علاقته بالعمل العام بعيداً عن السياسة أو العمل الحزبى، لكن كمتخصص «تكنوقراط» فى مجال الاقتصاد.

ساعدته صداقته مع الدكتور محمود محيى الدين على أن يحقق أفكاره عندما أسند إليه منصب رئيس هيئة الاستثمار عام 2004، وقد أحدث نقلة هامة فى تاريخ الاستثمار خلال رئاسته للهيئة التى امتدت حتى عام 2007، ويصف دكتور زياد عمله فى هيئة الاستثمار قائلاً: «تجربتى كانت محاولة حقيقية لفكرة استكشاف آليات السوق المنضبطة كوسيلة مهمة لزيادة النمو والتنمية الاقتصادية وتحسين أوضاع الناس».

شغل بهاء الدين منصب أول رئيس للهيئة العامة للرقابة المالية قبل أن يستقيل فى أعقاب ثورة يناير 2011، ويتجه إلى العمل السياسى من خلال مشاركته لتأسيس الحزب المصرى الديمقراطى.

ويقول بهاء الدين: «الثورة جعلتنى أخلق توازناً بين تجربة الجامعة التى غلب عليها الانتماء اليسارى وتجربة العمل الحكومى التى غلب عليها الفكر الرأسمالى، وتحقق ذلك بالديمقراطية الاجتماعية، وهو ليس اسم الحزب فقط، لكنه تيار فكرى نحاول من خلاله الاعتماد على اقتصاديات السوق، لكن مع وجود شبكة حماية اجتماعية قوية جداً تضمن أن يتاح للناس الفرصة فى الاستفادة من الاقتصاد الحر، وهو قريب من فكرة الطريق الثالث فى أوروبا».

نجح «زياد» فى أن يصبح نائباً فى «برلمان» الثورة الأولى فى يناير 2011، قبل أن يكون نائباً أيضاً فى «حكومة» الثورة الثانية فى يونيو 2013، وبين المنصبين وبعدهما تمتد رحلته مع العمل السياسى الذى أصبح جزءاً منه: «لم نغير موقفنا كقوى ديمقراطية إلا عندما انحرف مرسى عن المسار الديمقراطى، ومشروع الإخوان المسلمين سقط بسبب التنظيم.. وتكوين جبهة الإنقاذ كان خطأ».

وقد وصفت الدكتور زياد فى مقدمة حوارى معه وصفاً أزعجه، حيث قلت: «الحوار مع الدكتور زياد بهاء الدين أشبه بالبحث عن «قالب سكّر» داخل كوب ماء، فهو حذر إلى أقصى درجة، كلما حاولت أن تحاصره ذاب، وكلما اجتهدت أكثر تلاشى أسرع.. لكن إذا قررت أن تستوعب أثره فى الماء.. ستكتشف قيمته».

تردد نائب رئيس الوزراء الأسبق طويلاً فى أن يفتح قلبه ويتكلم ويحكى تفاصيل قصته داخل أروقة الحكم فى مصر، تحفَّظ أن يذكر أسماء كثيرة ومواقف كثيرة، بحكم أن أصحابها فى مواقف لا تسمح لهم بـ«حق الرد»، رفض أن يُفصح عن رأيه فى أشخاص ومواقف لحرج اللحظة التى تمر بها مصر، واعتذر عن عشرات الأسئلة وطلب حذف عشرات الأجوبة، فى حوار حكمه «القانون» تخصصه ومجال عمله، كما لم يخلُ من قدر من «السياسة».

مقالات مشابهة

  • «دُفعة المراوح وتخفيف الأحمال»
  • المساندة الشعبية
  • «حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013
  • في ذكرى يوم عظيم
  • سلخانة الثانوية العامة
  • المناظرة «راكبة جمل»!
  • الطريق إلى «30 يونيو».. أسرار «على حافة الأزمة» في مصر من 2011 إلى 2013
  • تحية إلى شعب مصر قاهر المستحيل وصانع المعجزات
  • للتاريخ.. ليس كل ما يعرف يُقال
  • «الزجاجى».. «الغرام».. و«الخفى».. لكل شاطئ حكاية