أظهرت مشاهد ملتقطة قبل وأثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حجم الدمار الذي تسببت به الحرب في المسجد العمري الكبير.

ويصر فلسطينيون، على رفع الأذان وإقامة صلاة الجماعة على أنقاض المسجد العمري الكبير، المدمر بفعل استهداف الطائرات الإسرائيلية له وسط البلدة القديمة بمدينة غزة.

المسجد العمري، المعروف أيضا باسم "مسجد غزة الكبير"، هو أكبر وأقدم مسجد في قطاع غزة، ويقع في مدينة غزة القديمة، ويُعتقد أنه في موقع معبد وثني فلسطيني قديم، وقد استخدمه البيزنطيون لبناء كنيسة في القرن الخامس الميلادي، وهو ثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى بالقدس، ومسجد أحمد باشا الجزار في عكا.

وتعرض المسجد العمري لقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي في 8 ديسمبر/كانون الأول 2023، مما أدى إلى تدميره بشكل شبه كلي، ورصدت كاميرا الجزيرة كيف دمر القصف الإسرائيلي معالم المسجد الأثري كما فعل بمعظم منازل القطاع الفلسطيني.

وفي ظل التساؤلات المشروعة حول مصير المسجد العمري وغيره من المواقع الأثرية في غزة، أكد متحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أن "الأولوية عادة لحالة الطوارئ الإنسانية، لكن يجب أيضا حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله وفقا للقانون الدولي، الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية هي بنية تحتية مدنية ولا يجوز استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية".

وأضاف -في حديث سابق للجزيرة نت- "وضعت اليونسكو عملية لرصد الأضرار منذ بداية الحرب بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية والمعلومات المرسلة إليها من أطراف ثالثة، بما في ذلك شركاؤنا والوكالات الشقيقة للأمم المتحدة الموجودة حاليا على الأرض وبالتعاون الوثيق مع مكتبنا في رام الله".

وأشار الخبير الأثري الفلسطيني فضل العطل إلى أن المواقع الأثرية في غزة لم تُستهدف في الحروب الماضية بهذا القدر من الدمار، "لكن في هذه الحرب تم تدميرها بشكل مباشر مثل المحراب الشمالي وكل القباب الموجودة في التوسعة المعمارية للمسجد العمري منذ آلاف السنين والتي اندثرت كليا".

وحول إمكانية ترميم الأماكن المتضررة بعد انتهاء الحرب، أجاب فضل العطل متشبثا ببعض الأمل "يمكننا إعادة ترميم المواقع المتبقية أو أجزاء منها اندثرت بشكل كلي، مثل موقع البلاخية، وهو أقدم ميناء بحري يعود تاريخه إلى 800 سنة قبل الميلاد، وتم اكتشاف الجدار الروماني الذي دمرته جرافات ودبابات الاحتلال في شقه الغربي".

وأكد الخبير الغزي -في حديث سابق للجزيرة نت- "لم تسلم المساجد والكنائس والثقافة في قطاع غزة" من العدوان الإسرائيلي، لافتا إلى أن إعادة ترميم الجامع العمري ممكنة إلا أنها ستكون "عملية طويلة ومكلفة للغاية لأن مساحته شاسعة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات المسجد العمری

إقرأ أيضاً:

بعيون أهلها.. الجزيرة نت تجول في قرطبة

قرطبة– ليس أمرا مألوفا، إنه صوت الأذان يرتفع بصوت خافت خجول وسط مدينة قرطبة، رغم صخب المطاعم والأسواق وأفواج السائحين، الذين اعتادوا الوقوف في هذا الزقاق القديم الضيق ضمن جولاتهم السياحية، ليستمعوا لهذا الصوت الذي يبدو بالنسبة لهم غير مألوف في هذه المدينة الأندلسية القديمة، ويقرؤوا لافتة مكتوبا عليها باللغة الإسبانية ثم العربية فالإنجليزية: هنا "المسجد الأندلسي.. النور الذي لم يغادر أبدا".

ليس المقصود هنا مسجد قرطبة الكبير، الشهير بأعمدته وأقواسه الحمراء والبيضاء، والذي تم تحويل جزء كبير منه إلى كاتدرائية كاثوليكية، وبات اليوم كما في الماضي، واحدا من أبرز معالم قرطبة الأندلسية، بل هذا مسجد صغير يحاول إيصال صوت الأذان لجاره الكبير الذي تمنع الصلاة فيه اليوم.

زارت الجزيرة نت "مسجد الأندلسيين"، ورغم أنه الأقرب لجامع قرطبة، والأكبر في المدينة حاليا، فإنه لا يتسع لأكثر من 60 شخصا، بينما لم يتجاوز عدد المصلين فيه في يوم الجمعة 10 أشخاص فقط، بمن فيهم خطيب المسجد الذي خطب الخطبة الأولى باللغة العربية لكن بصعوبة بالغة، ثم أتبعها بالخطبة الثانية باللغة الإسبانية مترجما ما قاله في الأولى.

الأذان يرفع من مسجد قرطبة 4 مرات في اليوم بينما يمنع رفع أذان صلاة الفجر (الجزيرة)

وبعد انتهاء الصلاة، كان لافتًا وجود شيخ كبير في السن ذي لحية بيضاء خفيفة في الصف الأول، يظهر عليه الوقار والخشوع، وبعد سؤاله عن هويته، أفصح أنه قرطبي من هذه المدينة، يدير شؤون المسجد، واسمه عبد الرحمن حافظ، وهو الاسم الذي اختاره لنفسه بعد أن اعتنق الإسلام متأثرا برؤيا سمع فيها خطابا مباشرا يدعوه لأن يسلم.

عرض حافظ للجزيرة نت تاريخ هذا المسجد، لكنه لم يكتف بذلك، فتوسع بالحديث عن تاريخ القرطبيين المسلمين في المدينة، وعن معالم إسلامية خفية فيها، نعرضها في هذا التقرير.

تصاميم البيوت القرطبية مرتبطة بعلاقة الجيران مع بعضهم وتعزز قربهم (الجزيرة) المسجد الرمز

يقول حافظ للجزيرة نت، إن القرطبيين المسلمين عثروا على موقع هذا المسجد بالصدفة في ثمانينيات القرن الماضي، على بعد 50 مترا من مسجد قرطبة الكبير، حيث سبق أن تم تحويله إلى منزل، فقاموا بشرائه، ثم بدأت عملية إعادة ترميمه، ومع دراسة حجارته، تبين لهم أنه مسجد يعود للقرن العاشر الميلادي، أي أنه بني بعد 200 سنة تقريبا من دخول المسلمين لقرطبة في عام 711.

إعلان

انتهت عمليات البناء والترميم في عام 1995، ليكون أول مسجد يرفع فيه الأذان وتقام الصلاة في قرطبة في العصر الحديث، يقول حافظ "نحن لا نؤمن بالصدفة، الله أراد أن نعثر على هذا المكان وأن نستعيده كمسجد" وأضاف "هذا المسجد الصغير يمثل قيمة رمزية كبيرة لنا كأبناء هذه المدينة".

يقارب عدد المسلمين الإسبان في قرطبة اليوم حوالي ألف شخص، ويضاف لهم حوالي 12 ألف مسلم من جنسيات أخرى، وهنا يتساءل حافظ "لماذا لا يوجد مسجد كبير في قرطبة يستوعب هذا العدد؟"، موضحا أن عدد المساجد في قرطبة لا يتجاوز 5 فقط، ويعد هذا المسجد الأكبر حجما بينها.

عبد الرحمن حافظ يتولى مسؤولية مسجد الأندلسيين ويحرص على رعاية شؤونه (الجزيرة)

وعن وضع المسلمين في المدينة اليوم، يقول حافظ "نحن نشعر بالتمييز ضدنا" موضحا أن البلدية لا تسمح لهم بالحصول على قطعة أرض يبنون عليها مسجدا، رغم أنهم قرطبيون من أبناء هذه المدينة أبا عن جد -كما يقول- ويضيف "هذه مدينة جميلة ومميزة، كانت حاضرة الإسلام وعاصمة الأندلس في السابق، وهي تنتمي للإسلام بشكل طبيعي".

وبكثير من الحنين الممزوج بالتفاؤل، يتحدث حافظ عن مدينته قرطبة التي كانت في أحد الأيام  أكبر مدينة في العالم الإسلامي، بعدد مسلمين يتجاوز 1.5 مليون، كما اشتهر عنها أنها مدينة الـ1400 مسجد، ويقول إنه يسعى لتحقيق هدف أن يجتمع آلاف المسلمين لصلاة الجمعة بحرية يوما ما في قرطبة.

وعن أبرز ما يحتاجه المسلمون اليوم في قرطبة، يقول حافظ إنهم يفتقرون إلى مسجد كبير يستوعب عددهم ويتمكنون من الصلاة فيه، ومدرسة يستطيعون فيها تعليم الدين الإسلامي.

تمثال لمحمد الغافقي الذي تخصص في طب وجراحة العيون في عصره (الجزيرة) معالم مهمشة

قرر حافظ اصطحاب الجزيرة نت في جولة بمدينة قرطبة، بين أزقتها ومعالمها الإسلامية القديمة التي لا يعرفها كثير من الناس، أو كما قال، "سأريكم قرطبة بأعيني أنا"، قاصدا بعيون ابن المدينة القرطبي، في جولة سريعة بين أزقتها المحيطة بالمسجد الكبير.

إعلان

فعلى مقربة من المسجد، يبرز مبنى كبير، يتبع حاليا لكلية الفلسفة في جامعة قرطبة، لكن هذا المبنى بني على أنقاض مستشفى أو "بيمارستان" أندلسي قديم، حيث أجرى فيه ابن رشد عملية جراحية للقلب، وأمام مدخل المستشفى، وُضع تمثال لمحمد الغافقي، أحد أشهر العلماء الأندلسيين في مجال طب العيون، وصاحب اختراع النظارة الطبية، ومؤلف كتاب "المرشد في الكحل".

واجهة مسجد القضاة وساحته تعاني الإهمال (الجزيرة)

وبالعودة باتجاه مسجد قرطبة الكبير، مررنا بمنزل الموسيقار زرياب، الذي استقبلته قرطبة بعد نفيه من بغداد، ودفن فيها، وعلى مقربة منه منزل ابن رشد، الفيلسوف والقاضي والطبيب الأندلسي الشهير، حيث حظي بفرصة السكن مقابل الباب الرئيسي لمسجد قرطبة تماما، إلى جانب قصر الخلفاء.

أما قصر الخلافة الذي يقع على الجانب الغربي لمسجد قرطبة الكبير، والذي كان يسكنه قرابة 25 ألف شخص في فترة ازدهار المدينة -كما يقول عبد الرحمن حافظ-، أي أنه كان أكبر من قصر الحمراء في غرناطة، لكن معظم معالمه اختفت، وبقيت قاعة العرش وقاعات الاستقبال الرسمية، وحديقة داخلية فاخرة باقية حتى اليوم.

وعلى المقابل في الجهة الشرقية للمسجد الكبير، يشير حافظ إلى باب أحد الفنادق، موضحا بأنه كان مدخل السوق القديم للمدينة المسمى بـ"القيصرية"، وهو سوق مسقوف ذو فناء داخلي محاط بـ8 أبواب.

منزل ابن رشد يقع مقابل مسجد قرطبة الكبير لكنه تحول إلى مطعم (الجزيرة)

وعلى مقربة من أحد أبواب السوق، يشير حافظ إلى مدخل فندق يتميز بتصميم أندلسي جميل مستوحى من أعمدة مسجد قرطبة الكبير، ويقول للجزيرة نت "هذا مدخل أول جامعة في العالم، جامعة قرطبة" ثم أكمل المسير حول محيطها، وهو يقول "هنا كان يدّرس الفقه المالكي".

وبعد إكمال نصف دورة حول "الجامعة"، يبرز مبنى كبير مهمل بابه مغلق بالسلاسل، يقول حافظ "هذا مدخل مسجد القضاة، حيث كان يطبق العدل والفصل في القضايا"، ويضيف "لم يكن مجرد مسجد، لقد كان محكمة أيضا".

إعلان

مقالات مشابهة

  • مشاهد مرعبة لسقوط عامل رافعة من حجرة القيادة في أثناء الزلزال الذي ضرب تايلاند
  • الجزيرة ترصد الدمار الذي لحق بمقر إقامة عبد الفتاح البرهان في الخرطوم
  • مساجد الشارقة.. متاحف تروي قصة الإسلام بفنون العمارة
  • إعادة إعمار غزة..مصير مجهول وسط الدمار والأزمات
  • إمام مسجد روما الكبير ناهيا المحرصاوي: نشهد أنك من المخلصين لدينك ووطنك
  • بعيون أهلها.. الجزيرة نت تجول في قرطبة
  • متحدثة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: القطاع الطبي في غزة تدهور بشكل كبير
  • مشاهد جوية للمسجد الحرام ليلة 27 رمضان.. صور
  • تحت زخات المطر.. أجواء إيمانية في ليلة الـ27 بالحرم المكي
  • الطريق الساحلي بغزة.. ممر الموت الذي أصبح شريان الحياة