شهدت ليلة الأحد، الثالث عشر من أبريل 2024، تحولًا خطيرًا في الصراع الدائر بين الكيان الصهيوني وإيران، وذلك عندما ردت الأخيرة على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، عصر الاثنين الأول من أبريل، ممّا أدّى إلى استشهاد عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، من بينهم محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري.
كان في ذهن مجلس الحرب الإسرائيلي ما فعله الرئيس صدام حسين، عندما أطلق في السابع عشر من يناير 1991، هجومًا صاروخيًا على إسرائيل، وأقنعت الولايات المتحدة الكيان بعدم الرد، ثم بدأ التحالف هجومًا بريًّا على العراق في الثالث والعشرين من الشهر التالي، فكانت النتيجة النهائية لذلك، تدمير العراق بعد تلك الحادثة بسنوات، بمشاركة عربية واسعة، من دول تتباكى الآن على عروبة العراق، وأنّ العراق محتل من قبل إيران. وإذا كانت تلك الحادثة في ذهن مجلس الحرب الإسرائيلي، فهي - بالتأكيد - ليست بعيدة عن أذهان القيادة الإيرانية، فقد استفادت من تجربة العراق، ولا تريد أن تتيح الفرصة للكيان الصهيوني وأمريكا والدول الغربية وبعض الدول العربية لتدمير إيران كما حدث للعراق، رغم أنّ المقارنة بين العراق وإيران هي لصالح إيران؛ فالعراق لم يملك أسلحة الدمار الشامل ولا أسلحة نووية، ولم يصل إلى عُشر ما وصلت إليه إيران من التقدم التكنولوجي والبيولوجي والصناعات كافة.
منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، تجنّبت إيران الهجوم المباشر على إسرائيل، لكنها حاربت الكيان عن طريق أذرعها في المنطقة - وهي أذرع من القوة بمكان - لكنها اضطرت هذه المرة للرد مباشرة دون الاعتماد على وكلائها، حتى لا تورِّط تلك الدول في حرب قد تكون مؤلمة، وهي خطوة تُحسب لإيران، فلم يكن أمامها مخرج مشرّف آخر غير الرد المباشر.
عدم الرد الإيراني المباشر في العقود الماضية على اعتداءات الكيان الصهيوني جعل البعض - خاصة من المهووسين بالعُقَد المذهبية - يعلنون أنّ إيران تنسّق مع إسرائيل من تحت الطاولة، وأنّ كلّ ما يجري إنما هو «مسرحية» متفق عليها بين الطرفين، وأنها لن ترد أبدًا. ومن يقول هذا الكلام للأسف هم أنفسهم من يقفون مع الكيان الصهيوني في حربه ضد غزة، ناسين أنّ حركتي حماس والجهاد هما حركتان سنيتان وليستا شيعيتين، وأنّ الوقوف معهما واجب ديني وقومي ووطني وإنساني، وهو ما فعلته إيران.
إذا كنتُ أرى أنه لا ينبغي المبالغة في وصف ما جرى، ولا ينبغي التقليل منه، فإننا لا نستطيع الآن أن نقيّم نتائج الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني وما حققه؛ فهناك تعتيمٌ كبيرٌ في الكيان، كما أشار إلى ذلك زهير أندراوس مراسل صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية في الأراضي المحتلة: «حتى اللحظة لم تجرؤ إسرائيل بنشر صورٍ عن الهجوم الإيرانيّ المُكثّف، كما لوحِظ من تتبع وسائل الإعلام العبريّة على مختلف مشاربها، أنّ الرقابة العسكريّة فرضت تعتيمًا كاملاً عمّا حدث»، إلّا أنّ موقع «إيران بالعربي» ذكر أنّ ما لا يقل عن 44 ضابطًا عسكريًا من الموساد قُتلوا في قاعدة نافاتيم الجوية، التي يتواجد فيها عدد كبير من ضباط المخابرات وكبار عناصر الموساد بشكل دائم، وأنّ 18 آخرين في حالة خطيرة، وهذا الخبر يعيدنا إلى ما اعترف به الكيان عن نتائج صواريخ العراق؛ فبعد ثلاثين عامًا اعترفت إسرائيل بما أحدثته صواريخ صدام حسين، التي قصفت تل أبيب وحيفا عام 1991، في وقت لقيت تلك الصواريخ حينها سخرية من البعض، كما يحدث الآن تمامًا مع الرد الإيراني، وكان مما كشفه الأرشيف العسكري الإسرائيلي وللمرة الأولى عن صور وفيديوهات تكشف عن سُقوط 74 مُستوطنًا إسرائيليًّا وإصابة 230 آخرين، وتدمير حوالي 7440 وحدة سكنيّة، وإثارة حالة من الهلع، دفعت أكثر من مليون إسرائيلي للجوء إلى الملاجِئ من جرّاء سُقوط 39 صاروخًا باليستيًّا انطلقت من قواعدها غرب العراق.
هناك من يرى أنّ الرد الإيراني هو مجرد «مسرحية» متفق على فصولها سلفًا، وهؤلاء ممن يكرهون إيران ويقفون في صف الكيان الصهيوني، مثل هؤلاء لا يؤبه بهم أبدًا ولا ينبغي الاهتمام برأيهم. وهناك من يرى أنّ الرد الإيراني كان ضعيفًا، من منطلق إيمانه بحقّ إيران في الرد - وأنا من هؤلاء - فما أراه أنّ الرد لم يحقق ما كنا نرجوه، إذ كان يجب أن يكون الرد من جنس العمل، وأن يكون الرد واضحًا ومؤلمًا، يشاهده الأعمى ويسمع به من به صمم ويتكلم عنه الأبكم؛ لكن تبقى العاطفة شيئًا وتبقى الحسابات السياسية والعسكرية شيئًا آخر، وأذكرُ أني قلتُ مرة للدبلوماسي العماني الراحل صادق جواد سليمان، ونحن في عشاء أقامته جريدة الرؤية لكتّاب مقالاتها: «تكفينا التهديدات الجوفاء، نريد ردًا إيرانيًّا مزلزلًا، ليكن الأمر عليّ وعلى أعدائي»، فكان رده لي: «يا ابني.. السياسة لا تؤخذ بالعواطف».
ستظهر نتائج الرد الإيراني عاجلًا وآجلًا، وقد بدأت في الظهور فعلا، وستكون فصول «المسرحية» مبهجة، ويكفي أنّ حماس لا تحارب إلا بالأسلحة والتكنولوجيا الإيرانية، وأنّ حزب الله لم يحارب إلا بدعم إيراني واضح ومعلن، وأنّ أنصار الله في اليمن، لم يرهبوا الكيان إلا بدعم إيراني واضح ومعلن كذلك، فهل تحتاج إيران بعد ذلك إلى مسرحية؟! فهي تواجه الكيان الصهيوني على أكثر من صعيد، والرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني كان متوقعًا؛ فالكيان أساسًا لا يسمح بأن يُضرب بحصاة صغيرة فما بالك بالذي حصل؟ كلُّ ذلك يجعلنا نتساءل أين العرب، وأين مسرحياتهم؟ ولماذا لا يمثلون مثلما تمثّل إيران، إذا كانت تمثّل؟! وإذا كان لإيران مشروعها وأجنداتها، فأين مشروعهم وأجنداتهم؟! لقد عاشت إيران تحت الحصار من عام 1979 وحتى يومنا هذا، لكن ما حققته طوال هذه السنين يعجز العرب عن تحقيقه حتى قيام الساعة؛ إذ هم متناحرون على التوافه مثل الحدود وغيرها، فلا تكاد ترى دولتين جارتين إلا وبينهما مشاكل على أراض لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وأمرُ الدفاع عن هذه الدول بيد غيرها، ولا تستطيع أن تدخل أيّ حرب إلا بإقامة تحالفات.
لقد جعلتنا «المسرحية الإيرانية» نحلم بمسرحيات عربية شبيهة، تبني فيها هذه الدولُ العربية قوتَّها الذاتية، وتعرف عدوَّها الحقيقي، وتستطيع أن تدافع عن نفسها، وتبني صناعات قوية، وتتطور في المجالات كافة.
جاءت «المسرحية» الإيرانية لتكمل ما بدأته حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، إذ شاهدنا فصلين تاريخييَّن مهمَّين في أقل من عام واحد، وهو أمرٌ مبشر.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الحقيقة تقول - كما غرد بذلك الدكتور محمد المختار الشنقيطي - بأنّ «إيران جارٌ دائمٌ وعدوٌّ مؤقَّت. وإسرائيل عدوٌّ دائمٌ وجارٌ مؤقَّت. ويحتاج التعامل مع هذه المعادلة المعقَّدة إلى عقل باردٍ، عميقِ النظر، بعيدِ الغوْر. أما العقل الطفولي الانفعالي المخترَق فينظر إلى الأمور بالمعكوس، لأنه مجرد مرآة لفعل الآخرين، وصدًى لصوت غيره».
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی الرد الإیرانی
إقرأ أيضاً:
إسبانيا تمنع سفن شحن متجهة إلى الكيان الصهيوني من الرسو في موانئها
الجديد برس|
أعلنت الحكومة الإسبانية، اليوم الأربعاء، رفضها السماح للسفينة “ميرسك دنفر” وسفينة أخرى بالرسو في موانئها، بما فيها ميناء الجزيرة الخضراء (ألخثيراس)، في خطوة تعكس توجهًا متشددًا إزاء التعامل مع الأسلحة الموجهة إلى الكيان الصهيوني، وسط تصاعد الانتقادات الأوروبية للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.
وأكدت شركة “ميرسك” الدنماركية، إحدى كبرى شركات الشحن البحري في العالم، أن الشحنة التي كانت على متن السفينة لا تحتوي على أسلحة أو ذخائر عسكرية. ومع ذلك، أُجبر طاقم السفينة على تحويل مسارها إلى ميناء طنجة في المغرب، حيث أعربت الشركة عن استغرابها من القرار الإسباني، مشيرة إلى أنه يعكس تغييرًا في المعايير دون توضيح الأسباب بشكل رسمي.
ويأتي هذا الإجراء في سياق سلسلة خطوات اتخذتها الحكومة الإسبانية منذ اعترافها بدولة فلسطين في مايو الماضي. شملت هذه الخطوات وقف مبيعات الأسلحة لـ كيان الاحتلال الإسرائيلي ومنع السفن المحملة بشحنات ذات طابع عسكري من دخول الموانئ الإسبانية.
النائب إنريكي سانتياغو، العضو في ائتلاف “سومار” والأمين العام للحزب الشيوعي الإسباني، قدم شكوى رسمية لمنع دخول السفينة، مؤكداً عبر منصة “إكس” أنه “لا يمكن لميناء الجزيرة الخضراء أن يكون منطقة عبور للأسلحة المتجهة إلى “إسرائيل”.
ويتزامن هذا القرار مع استمرار العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً وأوروبياً على غزة، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من ٤٣ ألف فلسطيني وإصابة أكثر من ١٠٣ آلاف آخرين، بحسب تقارير الأمم المتحدة. وأدى العدوان إلى نزوح ٩٠٪ من سكان القطاع وسط حصار خانق يمنع وصول الغذاء والماء والدواء.
وقرار إسبانيا بمنع السفن ذات الصلة بـ الاحتلال الإسرائيلي يعكس ضغطاً متزايداً على الحكومات الأوروبية للحد من الدعم غير المباشر للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، في ظل تزايد المآسي الإنسانية التي تعانيها غزة.