لجريدة عمان:
2025-03-09@14:13:40 GMT

أين هي المسرحيات العربية...؟

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

شهدت ليلة الأحد، الثالث عشر من أبريل 2024، تحولًا خطيرًا في الصراع الدائر بين الكيان الصهيوني وإيران، وذلك عندما ردت الأخيرة على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، عصر الاثنين الأول من أبريل، ممّا أدّى إلى استشهاد عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين، من بينهم محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري.

وحسب المواثيق الدولية فإنّ السفارات والقنصليات تمثّل أراضي مستقلة للدولة التابعة لها، ممّا يعني أنّ الهجوم كان بمثابة اعتداء على أراضي إيران مباشرة. ولا يخفى أنّ الكيان الصهيوني استهدف من وراء ذلك القصف تدويل الصراع وجرّ أمريكا والدول الغربية للمشاركة في الحرب، إنقاذًا له من مأزقه في غزة، وتغطيةً على الجرائم التي ارتكبها هناك في حقّ المدنيين، وكان الكيان يعلم تمامًا أنّ طهران سترد، وكان لا بد أن ترد.

كان في ذهن مجلس الحرب الإسرائيلي ما فعله الرئيس صدام حسين، عندما أطلق في السابع عشر من يناير 1991، هجومًا صاروخيًا على إسرائيل، وأقنعت الولايات المتحدة الكيان بعدم الرد، ثم بدأ التحالف هجومًا بريًّا على العراق في الثالث والعشرين من الشهر التالي، فكانت النتيجة النهائية لذلك، تدمير العراق بعد تلك الحادثة بسنوات، بمشاركة عربية واسعة، من دول تتباكى الآن على عروبة العراق، وأنّ العراق محتل من قبل إيران. وإذا كانت تلك الحادثة في ذهن مجلس الحرب الإسرائيلي، فهي - بالتأكيد - ليست بعيدة عن أذهان القيادة الإيرانية، فقد استفادت من تجربة العراق، ولا تريد أن تتيح الفرصة للكيان الصهيوني وأمريكا والدول الغربية وبعض الدول العربية لتدمير إيران كما حدث للعراق، رغم أنّ المقارنة بين العراق وإيران هي لصالح إيران؛ فالعراق لم يملك أسلحة الدمار الشامل ولا أسلحة نووية، ولم يصل إلى عُشر ما وصلت إليه إيران من التقدم التكنولوجي والبيولوجي والصناعات كافة.

منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، تجنّبت إيران الهجوم المباشر على إسرائيل، لكنها حاربت الكيان عن طريق أذرعها في المنطقة - وهي أذرع من القوة بمكان - لكنها اضطرت هذه المرة للرد مباشرة دون الاعتماد على وكلائها، حتى لا تورِّط تلك الدول في حرب قد تكون مؤلمة، وهي خطوة تُحسب لإيران، فلم يكن أمامها مخرج مشرّف آخر غير الرد المباشر.

عدم الرد الإيراني المباشر في العقود الماضية على اعتداءات الكيان الصهيوني جعل البعض - خاصة من المهووسين بالعُقَد المذهبية - يعلنون أنّ إيران تنسّق مع إسرائيل من تحت الطاولة، وأنّ كلّ ما يجري إنما هو «مسرحية» متفق عليها بين الطرفين، وأنها لن ترد أبدًا. ومن يقول هذا الكلام للأسف هم أنفسهم من يقفون مع الكيان الصهيوني في حربه ضد غزة، ناسين أنّ حركتي حماس والجهاد هما حركتان سنيتان وليستا شيعيتين، وأنّ الوقوف معهما واجب ديني وقومي ووطني وإنساني، وهو ما فعلته إيران.

إذا كنتُ أرى أنه لا ينبغي المبالغة في وصف ما جرى، ولا ينبغي التقليل منه، فإننا لا نستطيع الآن أن نقيّم نتائج الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني وما حققه؛ فهناك تعتيمٌ كبيرٌ في الكيان، كما أشار إلى ذلك زهير أندراوس مراسل صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية في الأراضي المحتلة: «حتى اللحظة لم تجرؤ إسرائيل بنشر صورٍ عن الهجوم الإيرانيّ المُكثّف، كما لوحِظ من تتبع وسائل الإعلام العبريّة على مختلف مشاربها، أنّ الرقابة العسكريّة فرضت تعتيمًا كاملاً عمّا حدث»، إلّا أنّ موقع «إيران بالعربي» ذكر أنّ ما لا يقل عن 44 ضابطًا عسكريًا من الموساد قُتلوا في قاعدة نافاتيم الجوية، التي يتواجد فيها عدد كبير من ضباط المخابرات وكبار عناصر الموساد بشكل دائم، وأنّ 18 آخرين في حالة خطيرة، وهذا الخبر يعيدنا إلى ما اعترف به الكيان عن نتائج صواريخ العراق؛ فبعد ثلاثين عامًا اعترفت إسرائيل بما أحدثته صواريخ صدام حسين، التي قصفت تل أبيب وحيفا عام 1991، في وقت لقيت تلك الصواريخ حينها سخرية من البعض، كما يحدث الآن تمامًا مع الرد الإيراني، وكان مما كشفه الأرشيف العسكري الإسرائيلي وللمرة الأولى عن صور وفيديوهات تكشف عن سُقوط 74 مُستوطنًا إسرائيليًّا وإصابة 230 آخرين، وتدمير حوالي 7440 وحدة سكنيّة، وإثارة حالة من الهلع، دفعت أكثر من مليون إسرائيلي للجوء إلى الملاجِئ من جرّاء سُقوط 39 صاروخًا باليستيًّا انطلقت من قواعدها غرب العراق.

هناك من يرى أنّ الرد الإيراني هو مجرد «مسرحية» متفق على فصولها سلفًا، وهؤلاء ممن يكرهون إيران ويقفون في صف الكيان الصهيوني، مثل هؤلاء لا يؤبه بهم أبدًا ولا ينبغي الاهتمام برأيهم. وهناك من يرى أنّ الرد الإيراني كان ضعيفًا، من منطلق إيمانه بحقّ إيران في الرد - وأنا من هؤلاء - فما أراه أنّ الرد لم يحقق ما كنا نرجوه، إذ كان يجب أن يكون الرد من جنس العمل، وأن يكون الرد واضحًا ومؤلمًا، يشاهده الأعمى ويسمع به من به صمم ويتكلم عنه الأبكم؛ لكن تبقى العاطفة شيئًا وتبقى الحسابات السياسية والعسكرية شيئًا آخر، وأذكرُ أني قلتُ مرة للدبلوماسي العماني الراحل صادق جواد سليمان، ونحن في عشاء أقامته جريدة الرؤية لكتّاب مقالاتها: «تكفينا التهديدات الجوفاء، نريد ردًا إيرانيًّا مزلزلًا، ليكن الأمر عليّ وعلى أعدائي»، فكان رده لي: «يا ابني.. السياسة لا تؤخذ بالعواطف».

ستظهر نتائج الرد الإيراني عاجلًا وآجلًا، وقد بدأت في الظهور فعلا، وستكون فصول «المسرحية» مبهجة، ويكفي أنّ حماس لا تحارب إلا بالأسلحة والتكنولوجيا الإيرانية، وأنّ حزب الله لم يحارب إلا بدعم إيراني واضح ومعلن، وأنّ أنصار الله في اليمن، لم يرهبوا الكيان إلا بدعم إيراني واضح ومعلن كذلك، فهل تحتاج إيران بعد ذلك إلى مسرحية؟! فهي تواجه الكيان الصهيوني على أكثر من صعيد، والرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني كان متوقعًا؛ فالكيان أساسًا لا يسمح بأن يُضرب بحصاة صغيرة فما بالك بالذي حصل؟ كلُّ ذلك يجعلنا نتساءل أين العرب، وأين مسرحياتهم؟ ولماذا لا يمثلون مثلما تمثّل إيران، إذا كانت تمثّل؟! وإذا كان لإيران مشروعها وأجنداتها، فأين مشروعهم وأجنداتهم؟! لقد عاشت إيران تحت الحصار من عام 1979 وحتى يومنا هذا، لكن ما حققته طوال هذه السنين يعجز العرب عن تحقيقه حتى قيام الساعة؛ إذ هم متناحرون على التوافه مثل الحدود وغيرها، فلا تكاد ترى دولتين جارتين إلا وبينهما مشاكل على أراض لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وأمرُ الدفاع عن هذه الدول بيد غيرها، ولا تستطيع أن تدخل أيّ حرب إلا بإقامة تحالفات.

لقد جعلتنا «المسرحية الإيرانية» نحلم بمسرحيات عربية شبيهة، تبني فيها هذه الدولُ العربية قوتَّها الذاتية، وتعرف عدوَّها الحقيقي، وتستطيع أن تدافع عن نفسها، وتبني صناعات قوية، وتتطور في المجالات كافة.

جاءت «المسرحية» الإيرانية لتكمل ما بدأته حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، إذ شاهدنا فصلين تاريخييَّن مهمَّين في أقل من عام واحد، وهو أمرٌ مبشر.

ومهما يكن من أمر، فإنّ الحقيقة تقول - كما غرد بذلك الدكتور محمد المختار الشنقيطي - بأنّ «إيران جارٌ دائمٌ وعدوٌّ مؤقَّت. وإسرائيل عدوٌّ دائمٌ وجارٌ مؤقَّت. ويحتاج التعامل مع هذه المعادلة المعقَّدة إلى عقل باردٍ، عميقِ النظر، بعيدِ الغوْر. أما العقل الطفولي الانفعالي المخترَق فينظر إلى الأمور بالمعكوس، لأنه مجرد مرآة لفعل الآخرين، وصدًى لصوت غيره».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکیان الصهیونی الرد الإیرانی

إقرأ أيضاً:

لعام آخر.. العراق يحتاج الغاز الإيراني ولا بدائل قريبة - عاجل

بغداد اليوم – بغداد

أكد النائب حسين حبيب، اليوم الأحد (9 آذار 2025)، أن العراق بحاجة الغاز الإيراني لمدة عام، حتى يتسنى له إيجاد بدائل مناسبة لرفد منظومة الطاقة العراقية.

وقال حبيب في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "موضوع استيراد الغاز من إيران يكتسب أهمية خاصة، كونه يشكل ضرورة لاستمرار إنتاج الكهرباء، حيث يغذي نسبة ليست قليلة من المحطات الرئيسة، رغم انخفاض هذه النسبة مقارنة بالسنوات الماضية، مع بدء العراق إنتاج الغاز محليا لتغذية محطات توليد الطاقة".

وأضاف أن "بغداد لديها علاقات دبلوماسية وسياسية وطيدة مع واشنطن، مبنية على مصالح مشتركة منذ سنوات، ومن الضروري استثمار هذه العلاقات لإبرام اتفاق مع واشنطن يسمح باستيراد الغاز الإيراني لمدة عام، لتجاوز مرحلة صعبة من أزمة الكهرباء".

وأشار حبيب إلى أن "استثمار العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع واشنطن يعد ضرورة لتمديد الاستثناء على استيراد الغاز الإيراني، مما يمنح الحكومة فترة زمنية كافية لتوفير البدائل"، مبينا أن "عدم التوصل إلى اتفاق سيدفع الحكومة إلى البحث عن خيارات أخرى، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه دون حلول ليس منطقيًا، خصوصًا مع اقتراب العراق من ذروة الاستهلاك في صيف 2025".

وفي الشأن ذاته، شدد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، اليوم الأحد، على ضرورة أن تتوقف حكومة العراق عن الاعتماد على مصادر الطاقة الإيرانية. 

وأكد الوزير في تصريحات حصرية عبر قناة العربية وتابعتها "بغداد اليوم"، أن "الضغوط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة على طهران تأتي بهدف إنهاء التهديد النووي الإيراني"، مشيرًا إلى أن "إيران تعد موردًا غير موثوق للطاقة". 

وأضاف أن "التحول في قطاع الطاقة بالعراق يوفر فرصًا كبيرة للشركات الأمريكية" ، مؤكدًا "استعداد واشنطن لدعم هذا التحول بما يخدم مصالح العراق ويعزز أمن الطاقة في المنطقة".

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في شباط الماضي عقوبات جديدة على شبكة دولية تُتهم بتهريب النفط الإيراني إلى الصين، وهي أولى الإجراءات الجديدة في إطار سياسة ما يُعرف بـ"الضغط الأقصى" التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران.

وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه الشبكة قامت بنقل ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني، مما وفر مئات الملايين من الدولارات لتمويل القوات المسلحة الإيرانية وحلفاء طهران في المنطقة.

وانتهى يوم الخميس الماضي "الإعفاء" الأمريكي لتصدير الغاز الإيراني للعراق.

مقالات مشابهة

  • الكهرباء النيابية: توقف الغاز الإيراني سيُفقد العراق 8 آلاف ميغاواط
  • لعام آخر.. العراق يحتاج الغاز الإيراني ولا بدائل قريبة - عاجل
  • عبدالله نعمة: انعدام الأمن في سوريا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني
  • العراق يبلغ أمريكا: إيقاف استيراد الغاز الإيراني سيتسبب بانهيار منظومة الكهرباء
  • العراق: لم نبلغ رسميا بإنهاء الإعفاءات على الغاز الإيراني المستورد
  • تحذير نيابي: العراق مقبل على صيف أسوأ لغياب البدائل عن الغاز الإيراني
  • تعليق الحكومة العراقية على إنهاء الإعفاءات عن الغاز الإيراني
  • مصدر سياسي: لن يستقر العراق إلا بالقضاء على النفوذ الإيراني
  • منصة النفوذ الإيراني: العراق تحت ضغط أمريكي متزايد
  • شاهد| النظام السوري الجديد: يتغنى بالسلام مع الكيان الصهيوني بينما يواصل قمع الأقليات