لجريدة عمان:
2024-11-25@23:33:10 GMT

سلطنة عُمان.. أرخبيل الهويات

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

إن الهوية الاجتماعية هي تصورنا حول من نحن؟ فالهوية الاجتماعية تتشكل إثر عمليات التفاعل، والبحث في أوجه التشابه والاختلاف، وتتركب محدداتها على مفهوم الشراكة الثقافية بين مكونات متنوعة هوياتياً، ولا تقوم هذه الشراكة على معنى سلبي أي تقف عند طُرق الرصد والتوصيف وإقامة الحواجز بين الجغرافيات الثقافية المتعددة، بل تُنتج هوّية الأمم من خلال أشكال من اندماج وصهر وتفاعلات مُنظمة ما ينتهي إلى توحيد البنى الاجتماعية المختلفة فيها، توحيدٌ هو التعبير الأسمى عن خصوصيتها، والأمم كثيرة التنوع تؤسس وجودها الحضاري عبر بناء الذات الكلية المُعبرة عن هذا الأرخبيل السيسيولوجي.

إن الهويات التي تشكل الانتماء الاجتماعي في سلطنة عُمان تعيش حالات من تحديدات مستمرة وهذه التحديدات هي التي تصنع لها حضورها العالي كونها التعبير الأسمى على مجمل تضاريس الظاهرة، ولذا فإن تاريخ هذا البلد كاشف جداً عن تمازج يصل حد الوحدة الثقافية التي حدثت عبر تمشيج مستمر وْطّن للتعدد الثقافي فيها، ولذا فإن سلطنة عمان لم تعش حالة انقطاع تاريخي كالذي جرى في كثير من دول المنطقة وليس الأمر يتعلق فقط بتاريخ قديم نشأت فيه الدولة وتشكل فيه المجتمع بل الجوهري في الأمر هو كيف توافقت مياهه الهوياتية، وتمجدت في مسار متين جعل عمليات الانتقال لسلاسل الانتماء تتكاثف فوق نفسها للحد الذي جعل لهذه الهوية روحها الخاص، وتاريخها الممُتن بالترميز والأَمْثَلْة.

إن الدارس لتاريخ سلطنة عُمان، تاريخها الاجتماعي يحتاج إلى أدوات تحليل مختلفة، ولذا فإن مهمة عالم الاجتماع الطامح لممارسة الدرس في عُمان أن يتحلى بالموضوعية كممارسة كونه يجد نفسه أمام توافق مستمر لهوية قديمة متجددة تتماسك عبر أواصر شادّة تجعل كل مجموعة اجتماعية حاملة عبئها الخاص الذي تساهم به في الصورة الأكبر لهوية هذا البلد، إننا وعبر قراءات عامة لتاريخ سلطنة عُمان أمام هوية متماسكة ترتقي إلى ما يسميه علم الاجتماع بـ«الهوية الوطنية» وهذه الهويات متجايلة الممارسة الرمزية التي تفصح عن نفسها في كل شيء عُماني، والشاهد على ما نذهب إليه من حقيقة التنوع العماني أنه تنوع وليس تعدد، أي أن الخصائص الصانعة للهوية الجمعية للعُمانيين قادرة على سرد حكايتها الخاصة والمتمايزة عن بقية المنطقة.

إن مقولة (الهوية العُمانية) حقيقية وتحمل سماتها الجمالية والموضوعية وما يصنع خصوصيتها أنها تقوم على تحديدات وليس تراتبية وهذا يعني أن ما شكّل حضورها الثقافي هو عمليات من الاتصال المستمر بين الذات والتاريخ والحاضر، وهي بهذا الشكل لا تخضع إلى التصنيفات التي يمارسها عالم الاجتماع التقليدي ذلك الذي يقول بهويات خاصة يمكن فحصها منفصلة عن بعضها البعض، فالحقيقة أن الهوية العمانية تعيش حالات مستمرة من الانتقال البيني محتفظة بنسبياتها الخاصة وهي نسبيات تتغذى على بعضها البعض مما يجعل منها قوة متماسكة وبالغة القوة تستطيع أن تحتكر تصنيفها الخاص وأن تحتقب وعيها الاجتماعي متحرراً من الحدود المجسدة في الميدان الاجتماعي، ومن مظاهر هذه القوة البلاغات العالية في «الزي واللغة والسلوك...) فهي مظاهر دالة على عمق التعيين الهوياتي وتتكتم على غنى بالغ، وحضور باذخ غير مكتشف بالدرجة الكافية رغم فعاليته داخل الحدود المختلفة.

وبذا فإن ما يميّز سلطنة عُمان هو اشتراك أفرادها في هوية تربطهم بعضهم ببعض، وتكّون هوية الجماعة هو ما يمنح الآخرين القدرة على فهم طبائع ثقافتها وحقائق وجودها الاجتماعي، ومن ثم يسمح للآخر أن يؤسس عمليات التواصل معها عند أفق فهمها، ولذا فإنه لا يكون هناك مجتمع بدون هوية اجتماعية.

إن المنطق النوعي الذي تعيش فيه الهوية العمانية يستخدم قوانين اجتماعية مختلفة العلاقات وتحكمها آليات لا تُخضع نفسها لتركيب الطبقة أو الفئة بل هي حَالّة في ذوات متصلة ومنظومية تمنح الشخصية العُمانية حضورها الخاص، ولندلل على ذلك فإننا نجد في كثير من سلوك العُمانيين، سلوكهم العام تضمينات هادئة وعمومية تجعلنا نثق كثيراً في تجسّدات هذه الهوية للدرجة التي تجعلها هوية لا يستهان بعموميتها رغم التنوع الثقافي الذي تعبر عنه هذه الشخصية، ولذا فإننا أمام هوية جماعية عصيّة على عمليات التصنيف والترتيب المجرد، وهذا مما يوقع على عاتق دارسها مَهمات نموذجية تفرض عليه ألا يستخدم درس هزيل لفهم هذا التعقيد الجميل، ومما نقول به في خاتمة هذه المقال حول الهوية العمانية بالغة الطول في مضمار البحث السيسيولوجي المعاصر، فإنها تحتاج إلى درس خاص يأخذ في اعتباره أنه أمام ظاهرة اجتماعية تمتاز بهداياها الخاصة للدرس السيسيولوجي وتفتح أمامه عالم من الرمزيات المكتنزة بالحقائق الاجتماعية الدالة على شعب وبلد عريق عظيم.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نائبة: قانون اللجوء يحمي الدولة من إقامة أي شخص مجهول الهوية على أرضها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت النائبة سكينة سلامة، عضو مجلس النواب، إن قانون اللجوء هو أول تشريع داخلي ينظم شئون اللاجئين وطالبي اللجوء لمصر، بعد تجاوز عددهم الـ9 ملايين، في حين أن المفوضية أعلنت أن العدد المسجل لديها ثلاثة أرباع مليون لاجئ فقط. وبالتالي كان لابد للدولة أن تنظم وجودهم في إطار قانوني وفقا للاتفاقيات الدولية.

وأكدت «سلامة» في تصريح خاص لـ “ ”البوابة نيوز" أن قانون اللجوء ليس له علاقة بالتجنيس كما أثار البعض، بل يحمي الدولة من إقامة أي شخص على أراضيها غير معروف الهوية، من خلال الضوابط التي تمنع إقامة لاجئ غير مقنن أوضاعه.

وأشارت إلى أنه يمنح القانون أيضا اللاجئين حقوقهم في الحصول على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية كما تقرها القوانين الدولية.

وفيما يتعلق بملامح القانون، أوضحت أنه يمنح لطلبات اللجوء المقدمة من الأشخاص ذوي الإعاقة أو المسنين أو النساء الحوامل أو الأطفال غير المصحوبين أو ضحايا الاتجار بالبشر والتعذيب والعنف الجنسي، الأولوية في الدراسة والفحص.

وأكدت أنه سيتم إنشاء لجنة دائمة لشئون اللاجئين تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء بدلا من المفوضية، وستكون هي الجهة المعنية بشئون اللاجئين، وعلى الأخص الفصل في طلبات اللجوء، كما ستتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وضمان تقديم كافة أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين.

مقالات مشابهة

  • تمريض عين شمس تناقش تعزيز الهوية الوطنية
  • حنان أبوالضياء تكتب عن: الهوية الأنثوية المشوشة فى Wild Diamond
  • ندوة تناقش الهوية الوطنية في ظل متغيرات العصر
  • الهوية البصرية للجمعيات الخيرية
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • هذه هوية رجل الأعمال الذي لقي حتفه في رحلة قنص بشفشاون
  • الذكاء الاصطناعي وواقع الهوية في أدب الطفل.. الأسس والممكنات
  • نائبة: قانون اللجوء يحمي الدولة من إقامة أي شخص مجهول الهوية على أرضها
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • قيادي بارز.. كشف هوية عضو حزب الله الذي استهدفه غارة إسرائيلية في بيروت