لجريدة عمان:
2025-02-21@10:52:25 GMT

سلطنة عُمان.. أرخبيل الهويات

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

إن الهوية الاجتماعية هي تصورنا حول من نحن؟ فالهوية الاجتماعية تتشكل إثر عمليات التفاعل، والبحث في أوجه التشابه والاختلاف، وتتركب محدداتها على مفهوم الشراكة الثقافية بين مكونات متنوعة هوياتياً، ولا تقوم هذه الشراكة على معنى سلبي أي تقف عند طُرق الرصد والتوصيف وإقامة الحواجز بين الجغرافيات الثقافية المتعددة، بل تُنتج هوّية الأمم من خلال أشكال من اندماج وصهر وتفاعلات مُنظمة ما ينتهي إلى توحيد البنى الاجتماعية المختلفة فيها، توحيدٌ هو التعبير الأسمى عن خصوصيتها، والأمم كثيرة التنوع تؤسس وجودها الحضاري عبر بناء الذات الكلية المُعبرة عن هذا الأرخبيل السيسيولوجي.

إن الهويات التي تشكل الانتماء الاجتماعي في سلطنة عُمان تعيش حالات من تحديدات مستمرة وهذه التحديدات هي التي تصنع لها حضورها العالي كونها التعبير الأسمى على مجمل تضاريس الظاهرة، ولذا فإن تاريخ هذا البلد كاشف جداً عن تمازج يصل حد الوحدة الثقافية التي حدثت عبر تمشيج مستمر وْطّن للتعدد الثقافي فيها، ولذا فإن سلطنة عمان لم تعش حالة انقطاع تاريخي كالذي جرى في كثير من دول المنطقة وليس الأمر يتعلق فقط بتاريخ قديم نشأت فيه الدولة وتشكل فيه المجتمع بل الجوهري في الأمر هو كيف توافقت مياهه الهوياتية، وتمجدت في مسار متين جعل عمليات الانتقال لسلاسل الانتماء تتكاثف فوق نفسها للحد الذي جعل لهذه الهوية روحها الخاص، وتاريخها الممُتن بالترميز والأَمْثَلْة.

إن الدارس لتاريخ سلطنة عُمان، تاريخها الاجتماعي يحتاج إلى أدوات تحليل مختلفة، ولذا فإن مهمة عالم الاجتماع الطامح لممارسة الدرس في عُمان أن يتحلى بالموضوعية كممارسة كونه يجد نفسه أمام توافق مستمر لهوية قديمة متجددة تتماسك عبر أواصر شادّة تجعل كل مجموعة اجتماعية حاملة عبئها الخاص الذي تساهم به في الصورة الأكبر لهوية هذا البلد، إننا وعبر قراءات عامة لتاريخ سلطنة عُمان أمام هوية متماسكة ترتقي إلى ما يسميه علم الاجتماع بـ«الهوية الوطنية» وهذه الهويات متجايلة الممارسة الرمزية التي تفصح عن نفسها في كل شيء عُماني، والشاهد على ما نذهب إليه من حقيقة التنوع العماني أنه تنوع وليس تعدد، أي أن الخصائص الصانعة للهوية الجمعية للعُمانيين قادرة على سرد حكايتها الخاصة والمتمايزة عن بقية المنطقة.

إن مقولة (الهوية العُمانية) حقيقية وتحمل سماتها الجمالية والموضوعية وما يصنع خصوصيتها أنها تقوم على تحديدات وليس تراتبية وهذا يعني أن ما شكّل حضورها الثقافي هو عمليات من الاتصال المستمر بين الذات والتاريخ والحاضر، وهي بهذا الشكل لا تخضع إلى التصنيفات التي يمارسها عالم الاجتماع التقليدي ذلك الذي يقول بهويات خاصة يمكن فحصها منفصلة عن بعضها البعض، فالحقيقة أن الهوية العمانية تعيش حالات مستمرة من الانتقال البيني محتفظة بنسبياتها الخاصة وهي نسبيات تتغذى على بعضها البعض مما يجعل منها قوة متماسكة وبالغة القوة تستطيع أن تحتكر تصنيفها الخاص وأن تحتقب وعيها الاجتماعي متحرراً من الحدود المجسدة في الميدان الاجتماعي، ومن مظاهر هذه القوة البلاغات العالية في «الزي واللغة والسلوك...) فهي مظاهر دالة على عمق التعيين الهوياتي وتتكتم على غنى بالغ، وحضور باذخ غير مكتشف بالدرجة الكافية رغم فعاليته داخل الحدود المختلفة.

وبذا فإن ما يميّز سلطنة عُمان هو اشتراك أفرادها في هوية تربطهم بعضهم ببعض، وتكّون هوية الجماعة هو ما يمنح الآخرين القدرة على فهم طبائع ثقافتها وحقائق وجودها الاجتماعي، ومن ثم يسمح للآخر أن يؤسس عمليات التواصل معها عند أفق فهمها، ولذا فإنه لا يكون هناك مجتمع بدون هوية اجتماعية.

إن المنطق النوعي الذي تعيش فيه الهوية العمانية يستخدم قوانين اجتماعية مختلفة العلاقات وتحكمها آليات لا تُخضع نفسها لتركيب الطبقة أو الفئة بل هي حَالّة في ذوات متصلة ومنظومية تمنح الشخصية العُمانية حضورها الخاص، ولندلل على ذلك فإننا نجد في كثير من سلوك العُمانيين، سلوكهم العام تضمينات هادئة وعمومية تجعلنا نثق كثيراً في تجسّدات هذه الهوية للدرجة التي تجعلها هوية لا يستهان بعموميتها رغم التنوع الثقافي الذي تعبر عنه هذه الشخصية، ولذا فإننا أمام هوية جماعية عصيّة على عمليات التصنيف والترتيب المجرد، وهذا مما يوقع على عاتق دارسها مَهمات نموذجية تفرض عليه ألا يستخدم درس هزيل لفهم هذا التعقيد الجميل، ومما نقول به في خاتمة هذه المقال حول الهوية العمانية بالغة الطول في مضمار البحث السيسيولوجي المعاصر، فإنها تحتاج إلى درس خاص يأخذ في اعتباره أنه أمام ظاهرة اجتماعية تمتاز بهداياها الخاصة للدرس السيسيولوجي وتفتح أمامه عالم من الرمزيات المكتنزة بالحقائق الاجتماعية الدالة على شعب وبلد عريق عظيم.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال: تأكدنا من هوية جثامين من أصل ثلاثة تعود لعائلة بيباس

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت مبكر من صباح الجمعة، أن جثة رهينة تسلمها من حماس الخميس يفترض أنها لشيري بيباس "لا تعود لها".

وقال الجيش إن الجثة "لا تزال مجهولة الهوية".

وأضاف أن جثتين سلمتهما حركة حماس، الخميس، تعودان للرضيع كفير بيباس وشقيقه أرييل بيباس، لكن الجثة الثالثة لا تعود لشيري بيباس، والدة الطفلين التي كان من المفترض أن يتم تسليمها.

كما أكد الجيش الإسرائيلي أن الجثة "لا تخص أي رهينة آخر".

وصباح الخميس، عرض مقاتلون ملثّمون ومسلّحون على منصة في خان يونس في جنوب قطاع غزة أربعة توابيت سوداء حمل كل منها صورة لأحد الأسرى. ونصبت لافتة تمثّل نتانياهو كمصاص دماء.

ونقلت التوابيت من ثم إلى مركبات رباعية الدفع تابعة للصليب الأحمر الدولي غادرت الموقع بعد ذلك. وقد تجمع مئات الأشخاص في المكان لمتابعة عملية التسليم وراء حواجز.

وبحسب حماس، تعود الجثث الى الطفلين أرييل وكفير بيباس اللذين كان عمرهما أربع سنوات وتسعة أشهر على التوالي عند خطفهما في السابع من أكتوبر 2023 فضلا عن والدتهما شيري بيباس، وعوديد ليفشيتز الذي كان في سن الثالثة والثمانين وقت الهجوم.

ونقلت الجثامين إلى المعهد الوطني للطب الشرعي في تل أبيب حيث “ستخضع لإجراءات للتعرّف عليها”، وفق الجيش.

مقالات مشابهة

  • انفجارات تهزّ تل أبيب.. إسرائيل تعلن: إحدى الجثث التي تم تسليمها «مجهولة الهوية» وتتوعد!
  • جيش الاحتلال: تأكدنا من هوية جثامين من أصل ثلاثة تعود لعائلة بيباس
  • شركة إماراتية تتسلم إدارة منافذ أرخبيل سقطرى ” وثائق “
  • إسرائيل تؤكد هوية أحد الجثامين التي استلمتها من حماس
  • التجارة: عدم إجراء عمليات بيع أو شراء دون التحقق من هوية المتعاملين
  • سيدة تقاضي عيادة خصوبة بعد خطأ فادح غير هوية طفلها
  • شاهد ماذا قالت المذيعة الشهيرة تسابيح خاطر عقب الهجوم الذي تعرضت له مع زوجها من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعد مشاركتهما في تشكيل الحكومة الموازية
  • «إي إس سبورت» تكشف عن هوية جديدة لتعزيز السياحة الرياضية
  • فريق طبي إلى غزة للتعرف على هوية جثث 4 رهائن ستسلمهم “حماس” غدا
  • حكاية هوية تتجدد لتعانق المجد