بوابة الوفد:
2025-01-23@20:42:02 GMT

تفسير الحنين للماضي

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

نحِن إلى ما مضى. نستبشر ببرامج تليفزيونية كُنا نتابعها بشغف وترقب فى الثمانينات والتسعينات مثل « نادى السينما»، و»عالم البحار»، و»مواقف وطرائف»، و»العلم والإيمان».

تستلذ ذاكرتنا السماعية بأغانى الجيل المطور الذى نشانا معه: عمرو دياب، محمد منير، هانى شاكر، علاء عبدالخالق، وحميد الشاعرى.

نبتسم بمحبة إن شاهدنا باعة الروبابيكيا يعرضون تليفونا قديما بقرص، أو تليفزيونا أبيض وأسود تابعنا معه صغارا المشاهدات الأولى للدنيا.

نتذكر بشوق مشهد ساعى البريد وهو يقف أمام منازلنا وينادى بصوت عال على فلان فى الطابق الثالث وفلان فى الطابق الرابع ليُسلمه رسالة من غائب كُتبت قبل أسبوع لتبث السلامات والتحيات والأخبار الجديدة.

نطالع بحنين ألبومات الصور القديمة لدينا (عندما كُنا نطبع الصور) لنسترجع أزمنة مرت بناسها وأحداثها وجمالها وسحرها وأزماتها ومشكلاتها، وهمومها.

نسرح أحيانا ( نحن أبناء مهنة المتاعب والوجع) فى مانشيتات لصحف ومجلات قديمة، كانت تقلب البلاد وتُحرك العباد، وتُغير الأحوال، ونتحسر على انطفاء مهنة وخمول نُخبة. نُفتش فى مقالات قديمة لنتذكر أعمدة مؤثرة مثل «فكرة» لمصطفى أمين، و«يوميات» لكمال عبدالرؤوف،«قطايف» لجمال بدوى، و«مواقف» لأنيس منصور، وغيرهم.

لا تصدق ابنتى الشابة أننا كنا نحيا بلا فيس بوك أو تويتر أو محمول. كيف كنتم تعيشون؟ تندهش شقيقتها الأصغر قليلا من قدرتنا على مشاهدة الأفلام أبيض وأسود. تقول إنها لا ترى شيئا، ولا تعرف كيف نُميز الممثل من الممثل الآخر. يستغرب ابنى وأنا أحكى له قصة فتاة كندية كُنت أراسلها وأنا فى عمره، وظللنا أصدقاء لعشر سنوات رغم أن الفارق بين رسالة وأخرى كان يطول لعشرين يوما أو أكثر. يسألنى فى ضجر: كيف كنتم تحتملون هذا الملل؟ فالحب اليوم تيك أوى، سريع الوتيرة وربما من يتأخر دقائق يفقد غرامه.

تسارع الزمن كقطار لا يتوقف فى المحطات. تبدلت أحوال وتغيرت سلوكيات. فقدنا أحباء رحلوا عن دُنيانا، وفقدنا آخرين مازالوا أحياء لكن أرواحهم تغيرت وقلوبهم تقلبت. صعد أناس وهبط آخرون. تغيرت خرائط دول، وتبدلت مواقف ساسة. ولدت أفكار جديدة، وشطبت أفكار تصورها البعض يقينية. غلب التطور كل شيء. اكتشفت عقاقير لعلاج كثير من الأمراض المستعصية ولم يعد الطب الحديث يعترف بعبارة «مرض لا علاج له»، وزاد متوسط عمر الإنسان فى العالم، وازدادت أعداد المعمرين فى كثير من البلدان.

رغم كل هذا، فالماضى بالنسبة لى وربما لمعظم أبناء جيلى، وربما لكافة الأجيال هو الجنة بعينها. الجمال الذى نتطلع إليه منبهرين، اليوتوبيا التى نستلهمها بحثا عن الطمأنينة. لذا نصفه دائما متحسرين، وتتكرر على ألستنا عبارة «زمن الفن الجميل» و«زمن الحب الجميل». نقول عن الساسة فى الماضى «كانوا رجالا عظاما» رغم اننا كنا ننتقدهم فى ذلك الوقت، وربما كنا نلعن الزمن كله.

وهذه هى النوستالجيا. الحنين الدائم للماضى. وهى سمة عامة لا تخص مجتمعا بعينه، فكل إنسان ملتصق بالماضى كحركة مقاومة مستحيلة لقطار الزمن. وربما نحن ننجذب للماضى لأننا كُنا أصغر عمرا، وأكثر قوة، وأعلى حماسا، وأشد عزما.

لكن الحكماء يقولون لنا: «اكسب لحظتك الآنية واستمتع بها» فلا سكون فى الكون، وكل شيء سيزول إلا الطيب.

والله أعلم.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد عالم البحار نادى السينما عمرو دياب

إقرأ أيضاً:

«معرض الكتاب» وأنا - 1 -

عمرى أكبر من عمر معرض القاهرة الدولى للكتاب بثلاث سنوات وإن تشابهنا فى محل الولادة، فقد ولدت فى عام 1966 فى حى «معروف» العتيق بمنطقة وسط البلد، كذلك ولدت عام 1969 أول دورة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب على بعد خطوات منى بأرض المعارض بمنطقة الجزيرة، وهو مكان دار الأوبرا حاليا، وشارك فى المعرض وقتها 5 دول أجنبية وأكثر من 100 ناشر على مساحة 2000 متر مربع، وذلك حسب توثيق الهيئة العامة للاستعلامات للحدث.

تحت سماء مدينة القاهرة آلاف الحكايات لناسها المهمشين التى لم ترو ولن يعرفها أحد، ولكنها عاشت تجاور أحداث المدينة الكبرى والملهمة، وهذه حكاية ولادتى البسيطة ومفتتحها شغف والدى بخلفة البنات والبنيين، فنحن أربع بنات وولدان، وكنت أنا آخر طفل ينتمى لسلالته فى الدنيا.

بسطاء القاهرة لا يحتفلون بتواريخ مولدهم، هكذا جرت العادة داخل طبقة الموظفين التى ينتمى اليها والدى، فيكفينا أصراره على التعليم والستر، فبينما لم يلتفت أحد بأننى بلغت ثلاث سنوات فقط من العمر، كانت مدينة القاهرة التى أعيش فيها تحتفل بعيدها الألفى، أى يفصلنى عن تاريخ المدينة بدروبها وأزقتها وأبوابها الخشبية أكثر من سبعة وتسعين وتسعمائة عام، فيقرر وزير الثقافة حينها ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوى بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب. ليرد لها القائمون على معرض الكتاب الفضل فى اعتماد شهادة وجوده للحياة ويمنحها دورته عام 2008 باعتبارها شخصية العام 

يكبر معرض القاهرة الدولى للكتاب مع كل دورة يقيمها ويزداد عدد الناشرين والمشاركين فى يومياته الأثنى عشر، ففى عام 1978، تحول إلى ملتقى أدبى، حيث عُقِدت حلقات دراسية على هامش المعرض، تميزت بمناقشات موضوعية، حول عدة قضايا، كالأطفال والأسرة، أكبر أنا أيضاً فى العمر، وألتحق بمدارس وسط البلد الحكومية وهى بالمناسبة قصور ملكية فى الأصل، فأكتشف حبى للقراءة واقتناء الكتب من سور الأزبكية فى طبعات قديمة مستعملة لرخص ثمنها. 

يستضيف معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دوراته المتعاقبة كأيامى فى مرحلة الاعدادية والثانوية والجامعة كل من أحببتهم وقرأت لهم وعنهم، بداية من توفيق الحكيم، نزار قبانى، ثروت أباظة، يحيى حقى، نجيب محفوظ، أنيس منصور، عبدالرحمن الأبنودى وغيرهم الكثير.

صيف منتصف عام 1992 ألتحق بجريدة الوفد العريقة كمحررة فى القسم الثقافى، ولأول مرة بعد ستة وعشرين عاماً من عمرى عشتها تحت سماء القاهرة أجدنى أشارك فى عرسها الثقافى وليالية الاستثناية، وأقوم بحكم وضعى المهنى بتغطية فاعليات معرض القاهرة الدولى للكتاب لصفحة «فكر وثقافة» تحت إشراف أستاذى ومعلمى «حازم هاشم»، وبعدها بعدة سنوات للنشرة اليومية التى كانت تصدرها الهيئة العامة للكتاب لأنشطة المعرض وندواته ولقاءاته الفكرية كخدمة مجانية لرواد المعرض.

ليل السابع عشر من رمضان عام 1995 كان أحد ليالى الدورة السادسة والعشرين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وكانت أيضاً ليلة عقد زواجى من زميلى وحبيبى الراحل «يسرى شبانة»، كانت ليلة لا تنسى من الفرح بشريك العمر، وفى الصباح أكملت متابعة محور « كاتب وكتاب « فى المعرض، والذى كان يقدم ثلاث ندوات عن ثلاثة كتب صدرت حديثاً على مدار اليوم، يناقش مؤلفوها نخبة من النقاد والمتخصصين فى مباراة فكرية ممتعة لأهم ما ورد فى هذه الكتب من أفكار وأطروحات فلسفية واجتماعية.

فجر الرابع من شهر فبراير عام 200، كنت سهرانة فى بيت عائلة زوجى الراحل «يسرى» بالعباسية أكتب الموضوع الرئيسى للصفحة الثقافية لجريدة الوفد، جاءنى مخاض الولادة لتأتى ابنتى الحبيبة «دينا» كأحلى خبر أثناء المعرض.

وكشأن كل مفارق للقاهرة المدينة الحلم والتاريخ، أودع معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام بعد أن جاورته لأكثر من ثلاثين عاماً، فسأتم عامى الستين قبل دورته السابعة والخمسين، سأزوره العام المقبل لو طال العمر بى، كضيفة لأول مرة منذ سنوات بعيدة. 

لذلك قررت أن أحكى حكايتى البسيطة مع معرض القاهرة الدولى للكتاب، ذلك الحدث الأبهى تحت سماء قاهريتى، على أجزاء فى زاوية مقالى الأسبوعى.

يوماً ما سأرحل وتصبح تلك الذكريات مدفونة فى أوراق صفراء قديمة فى مفكرتى، يحرص على ترميمها وقرأتها أحد أحفادى، كلما تأهب بنشاط وحماس لحضور فاعليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته المائة و....

مقالات مشابهة

  • «معرض الكتاب» وأنا - 1 -
  • 5 أبراج تميل إلى العودة بعد الانفصال العاطفي.. «عندهم حنين للماضي»
  • مدرسة الحياة !
  • حملة مواقف نافعة للوحات السيارات
  • رئيس الهلال حضوراً..!
  • المطران عطالله حنا: مواقف الإمارات الإنسانية راسخة في دعم القضية الفلسطينية
  • أسرة في عسير تحول منتجعها إلى وجهة ريفية تعيد الزوار للماضي .. فيديو
  • اللبنانية الأولى استقبلت جويس الجميل
  • الرئيس عون استقبل أمين الجميل وبهية الحريري
  • العكاري: المحافظ يصارع الزمن على أكثر من جبهة