«الكلاب النائمة» .. محو الذاكرة لا يمنع من اكتشاف قصة جريمة
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
تتّخذ الذاكرة مسارات شتى متشعبة من خلال ارتباطها بالشخصية، وخاصة لجهة المخزون من الخبرات واستذكار الماضي وهو ما برعت فيه السينما كوسيط تعبيري متطور في النفاذ إلى أكثر الأزمنة تشعّبًا وتعقيدًا فضلًا عن التماهي مع العقل البشري في تداوله قضية وإشكالية الزمن.
ومن هنا كان الزمن -بكل تمظهراته وتشكلاته في ثنايا أركانه الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل- تحدّيا وجوديًا للشخصية في حياتها وواقعها وكذلك الحال في الشخصية الفيلمية.
من هذا المدخل يمكننا قراءة هذا الفيلم الحديث للمخرج وكاتب السيناريو آدم كوبر، والذي يتصدى لإشكالية الذاكرة الفردية والجمعية وظاهرة النسيان وما يرتبط بها من تعقيدات وإشكاليات.
فها نحن مع روي فريمان - يؤدي الدور الممثل اللامع راسل كراو وقد بدأ يفقد ذاكرته بالتدريج من جراء إصابته بمرض الزهايمر، فغرفته مليئة بالإرشادات الملصوقة على الجدران وفي كل مكان تذكره بوظيفة كل ما حوله وتوقيتات أخذ الدواء وكيفية استخدام أدوات المنزل وصولًا إلى تذكيره باسمه وهو في هذه الحالة من الذاكرة المضطربة يتلقى اتصالا من إحدى الجمعيات الخيرية تدعوه للمساعدة في إنقاذ سجين محكوم بالإعدام هو نفسه روي كان قد حقق معه ووقّعه على اعترافات بأنه هو القاتل، ولنا أن نتخيل كيف سيتصرف هذا الشرطي والمحقق السابق وماذا سيفعل إزاء قضية غاطسة في ذكرياته الماضية خلال عمله كشرطي.
من هذه النقطة سوف ننتقل مع الشرطي السابق روي في متاهات وتحديات عديدة فهو إذ يلتقي ذلك السجين على الرغم من ضعف ذاكرته إلا أن اقتناعه بما قاله يدفعه لفتح أدراج ملفاته القديمة والعودة إلى صديقه المحقق السابق جيمي -الممثل تومي فلاناغان الذي يجد في الخوض في تلك القضية ما لا طائل من ورائه.
على أن السرد الفيلمي سوف يأخذنا إلى ركن آخر من أركان القصة الفيلمية ممثلًا في القتيل البروفيسور جوزيف ويدر- الممثل مارتون كسوكاس، وهنا سوف ننتقل إلى قصة جريمة وتحرّ وهو ما يشكل تحدّيا للشرطي روي وذاكرته لا سيما وأنه يزرع في رأسه مجسات تحفز أعصاب ومناطق في الدماغ باتجاه استرجاع الذاكرة أو تنشيطها ولهذا تجده على الدوام معصوب الرأس أو أن الضمادات على رأسه فيما هو يصارع الفقدان والنسيان.
المفارقة في هذه النقطة تحديدا في كون البروفيسور الذي اغتيل في ظروف غامضة هو نفسه يعمل على برنامج أبحاث مع وزارة الدفاع تتعلق بتطوير علاج يساعد على التخفيف من آثار متلازمة ما بعد الصدمة والمثال على ذلك هو الشاب الذي تلاحقه كوابيس حرب العراق وإذا البروفيسور يعطيه دواء لمسح الذكريات المؤلمة.
وببراعة ملفتة للنظر سوف ننتقل عبر السرد الفيلمي إلى شخصية موازية وهي الدكتورة لاورا- الممثلة كارين غيلان وهي نفسها تعمل على أبحاث تتعلق بالذاكرة والماضي وما إلى ذلك. هذه الفتاة الغامضة التي تؤدي دورها بإتقان وبراعة تكمل شخصية زميلها أو صديقها البروفيسور الذي يمتلك قدرة كارزمية على استدراج الشخصيات الضعيفة من خلال الولوج إلى قرارته الشخصية وماضيها وذكرياتها وهو ما سوف يفعله مع الشاب ريتشارد -الممثل هاري غرينوود وهو صديق لاورا فيستغل حاجته المادية ليشغله في تنسيق وأرشفة مكتبته.
هذا التشعب السردي الملفت للنظر في هذا الفيلم والمبني على رواية حملت اسم المرايا للكاتب الروماني يوجين تشيروفيتشي، وتُرجمت إلى 37 لغة يقودنا تباعًا إلى مزيد من الأسرار المرتبطة بالشخصيات وفي الأخير سوف تكتمل الدائرة المغلقة بالشخصيات الخمسة وهم: البروفيسور وصديقته لاورا وصديقها ريتشارد والمحققان الصديقان، لكن المفارقة أن كل هذه الأسرار بما يكتنفها من غموض إنما تتكامل مع تشظي الذاكرة وتبعثرها لدى محقق يكابد أعراض الزهايمر والذي حتى لو تجاوزنا مشكلة غياب ذاكرته فإنه كلما تحرّك للإمساك بخيط ضاع منه بسبب وفاة الشخص أو مقتله.
هذه الخلاصة يناقشها الناقد برياين تاليريكو في موقع روجر ايبيرت متسائلا: «كيف يمكن لقضية غامضة أن يتم تفكيكها من خلال كتابات رجل ميت وفي المقابل يتم تفسيرها وتحليلها من قبل شرطي مستنفد الذاكرة وهي جدلية مثيرة للاهتمام، لكن من الصعب للغاية التوصل إليها بلغة الفيلم». هذا التحفظ يذهب إلى ما هو أبعد إذ يغوص الفيلم باستمرار في حبكة غير متماسكة وشخصيات غير متناسقة، إذ لا يوجد راوٍ واحدٍ موثوق به في هذه الفوضى.ربما كان هذا الرأي المضاد يتناقض مع الكثير من جماليات الأداء الواثق والرصانة التي تميز بها راسل كراو وهو يخضع لعلاج تجريبي لإعادة فتح المسارات العصبية في دماغه، وأنه يجب عليه أن يُبقي عقله نشطًا إذا أريد لهذا أن ينجح، وفي الواقع أنه كان يقهر حالته المرضية في كل مرة فيما هو ماض لفك الغاز مقتل البروفيسور وتاليا اكتشاف مقتل زوجته أيضًا وهي التي كانت ضحية البروفيسور نفسه أيضا.
في المقابل نجد أن الناقدة نيكي بوغان في موقع سكرين ديلي تركز على الجانب الزمني في الفيلم وذلك من خلال العديد من تسلسلات الفلاش باك الممتدة التي لا تعزز فقط عددا متزايدا من خيوط الحبكة، ولكن هناك قصاصات من الأدلة بشكل متزايد والتي تسلط الضوء على جريمة متشعبة يقاوم فيها ذلك المحقق إحباطات الذاكرة المطفأة.
وفي كل الأحوال ربما بدا إعداد تلك الرواية ذائعة الصيت إلى الشاشة في حد ذاته مسألة فيها نظر وذلك بحسب متطلبات الإعداد والاقتباس وهو ما يغفله بعض النقاد عندما يوجهون بعض النقد إلى البناء السردي للفيلم وحتى على أداء الشخصية الرئيسية.
وربما كانت المفاجأة بل قل المفارقة الصادمة أن يكون المحقق هو نفسه القاتل لكن ذاكرته المنطمسة هي التي حالت بينه وبين الوصول إلى الحقيقة والمفارقة والمفاجأة أن يكون زميله المحقق الآخر كان هو الذي قد تستر عليه وساعده على إخفاء أداة الجريمة وإلصاقها بشخص بريء.
هذه المفاجآت غير المتوقعة توالت عبر عملية البحث والتحري وخلال ذلك كان المحقق يخف عنه تأثير نوبات الزهايمر فيبدأ بتشكيل صور وخيالات كان تتوارد في عقله وكلها كانت تقوده تباعًا لكي يكشف جوانب جديدة من الحقيقة المطموسة والغائبة وذلك في سياق فيلمي ابتعد تماما عن الملل أو التكرار والرتابة بل كانت الأحداث تتواتر بشكل منسق وموضوعي.
إخراج / آدم كوبر
تمثيل/ راسل كراو، تومي فلاناغان، مارتون كسوكاس، كارين غيلان
سيناريو/ آدم كوبر، بيل كولاج، يوجين تشيروفيتشي
عن رواية المرايا للكاتب الروماني يوجين تشيروفيتشي.
..
التقييم
موقع هوليوود اوت سايدر 6.5 من 10
موقع روجر ايبيرت 2 من 5
موقع روتين توماتو 60 من 100
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اكتشاف مركب في الزنجبيل يخفف التهابات الأمعاء المزمنة
الكثير من الناس يشتكون من الالتهابات المزمنة في الأمعاء.. ومن أجل ذلك عمل فريق دولي من الباحثين، بقيادة جامعة تورنتو الكندية، على البحث عن علاج، وتوصلوا إلى مركب طبيعي مستخلص من الزنجبيل يظهر قدرة واعدة في علاج هذه الالتهابات.
وأوضح الباحثون أن هذا المركب يساعد على تقليل الالتهابات في الأمعاء من خلال كبح إنتاج البروتينات المحفزة للالتهاب.. ولمعرفة نتائج الدراسة، أجرى الباحثون تحليلًا للمركبات النشطة في الزنجبيل وتأثيرها المحتمل على التهاب الأمعاء المزمن، من خلال سلسلة من التجارب المخبرية والنماذج الحيوانية.
وبدأ الفريق البحثي بتحليل المكونات الكيميائية للزنجبيل لتحديد المركبات التي يمكن أن تتفاعل مع المستقبلات المرتبطة بالتهاب الأمعاء، ومن خلال تقنيات تحليل متقدمة تمكنوا من التعرف على مركب فورانوديينون الذي أظهر تفاعلًا قويًا مع مستقبل يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم الاستجابات الالتهابية داخل الجسم.
أخبار قد تهمك “الصحة” تستدعي مدعي الطب البديل بعد نشره معلومات مغلوطة حول الجلطات من الزنجبيل 5 فبراير 2025 - 8:18 مساءً بدائل “مُنشطة” لتقليل “القهوة” 8 يناير 2024 - 8:06 صباحًاوبعد تأكيد تأثير هذا المركب على المستوى الجزيئي، اختبره الباحثون في نماذج حيوانية مصابة بالتهاب الأمعاء المزمن، وتم تقسيم النماذج الحيوانية إلى مجموعتين، تلقت الأولى علاجًا بالمركب المستخلص من الزنجبيل، بينما لم تتلق المجموعة الثانية أي علاج، وبعد فترة العلاج تم تحليل عينات الأنسجة من القولون، ومقارنة مستويات الالتهاب، وإجراء فحوصات جينية لدراسة تعبير الجينات المرتبطة بالاستجابة الالتهابية.
ولمعرفة ما إذا كان المركب يسهم في إصلاح الأمعاء، قام الفريق بتحليل إنتاج البروتينات المسؤولة عن تقوية بطانة الأمعاء ومنع تسرب المواد الضارة، وأظهرت النتائج أن المركب عزز إنتاج هذه البروتينات، مما أدى إلى تحسين وظيفة الحاجز المعوي وتقليل تلف الأنسجة الناجم عن الالتهاب، كما بينت النتائج أن تأثير المركب المضاد للالتهاب يقتصر على القولون، ما يقلل من مخاطر التأثيرات الجانبية على الأعضاء الأخرى.
ووفقًا للباحثين، تبرز الدراسة إمكانات مركب فورانوديينون بوصفه علاجًا طبيعيًا مشتقًا من الزنجبيل، يمكن أن يكون بديلًا فعالًا للعلاجات الحالية لالتهاب الأمعاء المزمن، التي غالبًا ما تكون لها آثار جانبية، مثل ضعف جهاز المناعة والتأثير على وظائف الكبد.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تفتح المجال أمام مزيد من الأبحاث والتجارب السريرية لتطوير علاجات جديدة أكثر أمانًا وفعالية، تعتمد على المركبات الطبيعية لمكافحة الأمراض المزمنة مثل التهاب الأمعاء، مقارنة بالعلاجات التقليدية المتاحة حاليًا.
التهاب الأمعاء المزمن من الأمراض التي تبدأ أعراضها في سن مبكرة، حيث يتم تشخيص نحو 25% من المرضى قبل سن العشرين، ويعاني المصابون به من أعراض مزمنة، مثل آلام البطن والإسهال، إلى جانب تأثيرات نفسية نظرًا لعدم توفر علاج نهائي للمرض حتى الآن.