لجريدة عمان:
2024-07-04@03:11:28 GMT

يريدُ طريقا آمنا ليعبر!

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

بخطٍ مُتعجل مُرتجف خُطت أسماؤهم مؤذنة بالرحيل القاسي، وبحزنٍ كثيف سمعنا صوت الجدّ الذي فقد أحفاده يرتعش، ليُزلزل كياننا من مسندم إلى ظفار.

لقد لمسنا الوجع عميقا، كأنّهم أبناؤنا الذين خرجوا في الصباح الباكر ذاته حالمين بتفاصيل يومهم الجديد. بقينا عاكفين على هواتفنا في انتظار خبر يُكذب اليقين، لكن الخبر لم يأتِ إلا بالخيبات والدمع الجارح!

غريبة هذه الطبيعة التي تتقلبُ أحوالها من النُدرة الحادة للمطر إلى التدفق الساحق واللامحدود للسيول! غريبة هذه الطبيعة التي تُخادع مياهها فتلتهمُ أبناءها كما تفعل الوحوش الضارية.

عندما نظرنا إلى وجوههم في الصور المتداولة، تأكدنا أنّهم الحكايات الطازجة التي خُطفت باكرا، والطفولة التي حثت خُطاها نحو نهايات بدت كتمزق نازف، وآنذاك -في تلك اللحظة الشرسة- أردنا كلنا أن يكون هنالك من نُدينه ومن نُحمّله المسؤولية كاملة!

لكن.. وكما لا يُمكننا أن نُنكر القدر الإلهي الذي ليس لنا فيه حول ولا قوة، لا يُمكننا أن ننكر أيضًا أنّ المسألة شديدة التعقيد، ذلك التعقيد الذي لا يُعفي فتح القضية لنقاشٍ جادٍ وعميق، دون تبرؤ ساذج بإلقاء اللوم على ولي الأمر، الضحية الأخرى التي تحتاج إلى مواساتنا في ظرفٍ قاسٍ من هذا النوع!

لكن سواء أكانت الحادثة هي نتاج قرارات وزارة التربية والتعليم المرتبكة إزاء التغير المناخي الذي قضى على فرصة الدراسة المنتظمة في الفصل الدراسي الثاني، أو سواء أكان بسبب القرارات المرتبكة إزاء التعليم عن بُعد الذي لم يُستثمر كما ينبغي، إمّا لأنّ الطلبة يُشكلون ورقة ضغط هائلة بعدم الالتزام، أو بسبب ضعف الشبكة في بعض القرى أو لعدم توفر الأجهزة.. كل هذه الظروف جعلت التعليم مُلاما عندما يصرفون إجازة فتشرق الشمس، ومُلامًا أيضا عندما يمنعون تعليق الدراسة فتأتي الكوارث التي لا تُحمد عقباها!

إننا نختبرُ ظرفا جديدا يؤكد أهمية التنسيق بين خطاب الأرصاد الجوية وتحذيراته المستمرة والجادة وبين التدابير التي تتخذها الوزارة، لا أن يُغني كُلٌ على ليلاه! نختبر ظرفًا يُرينا أهمية أن ندرب الطلبة كيف يتصرفون عندما تُحدق بهم المياه من كل اتجاه! يدفعنا أيضًا لأن نسن القوانين التي تحمي جميع الأطراف.

من جهة أخرى: لماذا لا نُفكر بالبنى الأساسية الهشة أيضا؟ لماذا لا نفكر بالأراضي التي توزع في مجرى الأودية؟ لماذا لا نقتلعُ الجذر الأكثر عفنا؟ لا سيما أنّ المناخ -كما يتبدى لنا الآن- يكتبُ قصّته الأخرى؟ فها نحنُ نرى تتابعًا لافتًا لموجات من المنخفضات في فصل الصيف! لقد عرف العالم أنظمة التصريف منذ ستة آلاف عام تقريبا، فلماذا لا نتعلمُ من البلدان الممطرة التي لا نجد قطرة ماء واحدة في شوارعها عقب العاصفة؟

منذُ مائة عام تقريبا كتب الطبيب هاريسون عن نُدرة المطر في بلادنا، لكنه قال أيضا إنّ مجیئه «یُنذر بأن ترشح أسقف المنازل»، ورد ذلك في كتابٍ له بعنوان: «رحلة طبیب في الجزیرة العربیة»، وأكاد أجزم بأنّ هذا الشعور بالنُدرة هو ما يُقلل من إدراكنا بالخطر العارم من توزيع الأراضي أو بناء مؤسسات الدولة فوق مجرى الأودية، وهو ما يُؤجل اتخاذنا للتدابير اللازمة.

هكذا يحملُ الماء في طياته ثنائية الحياة والموت في الذاكرة الجمعية العُمانية، لكن الماء في حقيقته ليس وحشًا أسطوريًا غامضًا، كل ما في الأمر أنّه يريدُ طريقًا آمنا ليعبر بعد أن تعدينا على مساراته التي مهدتها الحياة له باكرا.

الماء ثروة لا تُقدر بثمن ولذا تغدو السدود حلًا أساسيًا لحمايته من الهدر، لجعله رصيدًا لوقت الجفاف المؤكد.

علينا أن نحمي البلاد من هذا الاستنزاف المستمر منذ جونو ٢٠٠٧، فالتدابير الوقائية ستكون أقلّ كلفة من المال الذي يُصرف لإعادة البناء بعد كل هبة سماوية.

تأكلنا الحسرة على البراءة التي قضت نحبها بتلك الصورة العبثية، ورغم فداحة ما حدث، فإنّ هذه الحادثة ينبغي أن تغدو نقطة تحول جديدة لإعادة الثقة بين الإنسان العُماني ومؤسساته الرسمية من جهة وبينه وبين الطبيعة من جهة أخرى.

كل شيء يبدأ من اللحظة التي يُعاد فيها رسم المدن والقرى حتى لا نُجابه شعورا متوهما بأننا جميعا نسكنُ فوق مسطح مائي شاسع!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

صحفية: أردوغان يريد شراكة مع الأسد ضد الأكراد

أنقرة (زمان التركية) – قالت الصحفية التركية، هدية لفانت، إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يريد من نظيره السوري، بشار الأسد، شراكة بين أنقرة ودمشق ضد الأكراد.

وأثار تصريح الرئيس السوري بشار الأسد بشأن  استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع تركيا، جدلاً واسعاً، ومع ذلك، كرر الأسد الشروط التي سبق أن طرحها لهذا الغرض وقال: “يجب احترام وحدة الأراضي السورية وسيادة النظام”.

وفي أعقاب تصريحات الأسد، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “حافظنا على علاقاتنا مع سوريا في الماضي بشكل حيوي جداً جداً، كما تعلمون فقد أجرينا لقاءات مع السيد الأسد بلغت مرحلة عائلية، ومن غير الممكن على الإطلاق أن لا يحدث ذلك غداً، بل سيحدث مرة أخرى”.

وفي تقييمها لتصريحات الرئيس، قالت الصحفية هدية ليفانت: “عندما ننظر إلى مقاربة أنقرة لمطالب دمشق، نرى أن تركيا وسوريا تريدان التحرك بـ(مقاربة أمنية) ضد الأكراد قبل شرط الانسحاب من شمال سوريا ودعم الجماعات المسلحة”.

في حديثها لصحيفة “إفرنسال”، قالت هدية ليفانت إن حكومة دمشق لا تحبذ هذا المطلب، ورداً على سؤال “هل يريد الأسد منطقة ذات حكم ذاتي في روج آفا؟”، قالت “بالطبع لا، لكن دمشق تنظر إلى القضية الكردية في شمال شرق سوريا بشكل مختلف عن أنقرة، أولاً، هناك كثافة سكانية عربية. ثانياً، جيشها متعب جداً بسبب الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 10 سنوات. ثالثاً، يمكن أن تتحول الخيارات العسكرية إلى حرب أهلية يخسر فيها الجميع. رابعاً، يرى الأسد أن البنية السياسية-العسكرية التي شكلها الأكراد مشكلة أمريكية، وبالتالي فإن مخاوف دمشق تتمحور حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من العراق وسوريا”.

وتابعت ليفانت قائلة: “لن تظهر أي نتائج ملموسة في وقت قصير بعد تصريحات الأسد وأردوغان، ومع ذلك، قد يكون من الممكن مناقشة الملفات العسكرية-الأمنية ومواصلة العلاقات على مستوى المنظمات الاستخباراتية. ومن أهم المشاكل التي يحتاج البلدان إلى حلها هي مشكلة اللاجئين. تريد أنقرة بشكل خاص عودة القادمين من المناطق التي يسيطر عليها الأسد، حيث يقول الأسد إن بإمكانهم العودة، لكن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية رهيبة، فالعقوبات الأمريكية لها تأثير عميق على الاقتصاد”.

Tags: الأسدالأكرادبشار الأسدتركيا

مقالات مشابهة

  • نيذرلاند وتركيا تكملان عقد ربع النهائي على حساب رومانيا والنمسا
  • عندما تصبح تهمة اللاسامية سلاحاً بيد الفاشية الجديدة
  • العنصرية والآثار.. معرض عن الاستعمار الألماني يواجه بغضب اليمين المتطرف
  • الأمم المتحدة: لا مكان آمناً في قطاع غزة
  • من يريد أن يدير العالم؟ تحذيرات في تاريخ الحرب الباردة
  • نحن السودانيين أعداء انفسنا بتدخلنا في ما لا يعنينا (3)
  • "انظروا إلينا نرقص".. رواية لـ"هشام النجار" في مواجهة التطرف والإرهاب
  • نجل بايدن يريد من والده مواصلة السباق الانتخابي
  • طيران اليمن بين الإمامة والجمهورية.. ماذا يريد الحوثي من احتجاز الطائرات!
  • صحفية: أردوغان يريد شراكة مع الأسد ضد الأكراد