لجريدة عمان:
2024-11-24@04:59:59 GMT

يريدُ طريقا آمنا ليعبر!

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

بخطٍ مُتعجل مُرتجف خُطت أسماؤهم مؤذنة بالرحيل القاسي، وبحزنٍ كثيف سمعنا صوت الجدّ الذي فقد أحفاده يرتعش، ليُزلزل كياننا من مسندم إلى ظفار.

لقد لمسنا الوجع عميقا، كأنّهم أبناؤنا الذين خرجوا في الصباح الباكر ذاته حالمين بتفاصيل يومهم الجديد. بقينا عاكفين على هواتفنا في انتظار خبر يُكذب اليقين، لكن الخبر لم يأتِ إلا بالخيبات والدمع الجارح!

غريبة هذه الطبيعة التي تتقلبُ أحوالها من النُدرة الحادة للمطر إلى التدفق الساحق واللامحدود للسيول! غريبة هذه الطبيعة التي تُخادع مياهها فتلتهمُ أبناءها كما تفعل الوحوش الضارية.

عندما نظرنا إلى وجوههم في الصور المتداولة، تأكدنا أنّهم الحكايات الطازجة التي خُطفت باكرا، والطفولة التي حثت خُطاها نحو نهايات بدت كتمزق نازف، وآنذاك -في تلك اللحظة الشرسة- أردنا كلنا أن يكون هنالك من نُدينه ومن نُحمّله المسؤولية كاملة!

لكن.. وكما لا يُمكننا أن نُنكر القدر الإلهي الذي ليس لنا فيه حول ولا قوة، لا يُمكننا أن ننكر أيضًا أنّ المسألة شديدة التعقيد، ذلك التعقيد الذي لا يُعفي فتح القضية لنقاشٍ جادٍ وعميق، دون تبرؤ ساذج بإلقاء اللوم على ولي الأمر، الضحية الأخرى التي تحتاج إلى مواساتنا في ظرفٍ قاسٍ من هذا النوع!

لكن سواء أكانت الحادثة هي نتاج قرارات وزارة التربية والتعليم المرتبكة إزاء التغير المناخي الذي قضى على فرصة الدراسة المنتظمة في الفصل الدراسي الثاني، أو سواء أكان بسبب القرارات المرتبكة إزاء التعليم عن بُعد الذي لم يُستثمر كما ينبغي، إمّا لأنّ الطلبة يُشكلون ورقة ضغط هائلة بعدم الالتزام، أو بسبب ضعف الشبكة في بعض القرى أو لعدم توفر الأجهزة.. كل هذه الظروف جعلت التعليم مُلاما عندما يصرفون إجازة فتشرق الشمس، ومُلامًا أيضا عندما يمنعون تعليق الدراسة فتأتي الكوارث التي لا تُحمد عقباها!

إننا نختبرُ ظرفا جديدا يؤكد أهمية التنسيق بين خطاب الأرصاد الجوية وتحذيراته المستمرة والجادة وبين التدابير التي تتخذها الوزارة، لا أن يُغني كُلٌ على ليلاه! نختبر ظرفًا يُرينا أهمية أن ندرب الطلبة كيف يتصرفون عندما تُحدق بهم المياه من كل اتجاه! يدفعنا أيضًا لأن نسن القوانين التي تحمي جميع الأطراف.

من جهة أخرى: لماذا لا نُفكر بالبنى الأساسية الهشة أيضا؟ لماذا لا نفكر بالأراضي التي توزع في مجرى الأودية؟ لماذا لا نقتلعُ الجذر الأكثر عفنا؟ لا سيما أنّ المناخ -كما يتبدى لنا الآن- يكتبُ قصّته الأخرى؟ فها نحنُ نرى تتابعًا لافتًا لموجات من المنخفضات في فصل الصيف! لقد عرف العالم أنظمة التصريف منذ ستة آلاف عام تقريبا، فلماذا لا نتعلمُ من البلدان الممطرة التي لا نجد قطرة ماء واحدة في شوارعها عقب العاصفة؟

منذُ مائة عام تقريبا كتب الطبيب هاريسون عن نُدرة المطر في بلادنا، لكنه قال أيضا إنّ مجیئه «یُنذر بأن ترشح أسقف المنازل»، ورد ذلك في كتابٍ له بعنوان: «رحلة طبیب في الجزیرة العربیة»، وأكاد أجزم بأنّ هذا الشعور بالنُدرة هو ما يُقلل من إدراكنا بالخطر العارم من توزيع الأراضي أو بناء مؤسسات الدولة فوق مجرى الأودية، وهو ما يُؤجل اتخاذنا للتدابير اللازمة.

هكذا يحملُ الماء في طياته ثنائية الحياة والموت في الذاكرة الجمعية العُمانية، لكن الماء في حقيقته ليس وحشًا أسطوريًا غامضًا، كل ما في الأمر أنّه يريدُ طريقًا آمنا ليعبر بعد أن تعدينا على مساراته التي مهدتها الحياة له باكرا.

الماء ثروة لا تُقدر بثمن ولذا تغدو السدود حلًا أساسيًا لحمايته من الهدر، لجعله رصيدًا لوقت الجفاف المؤكد.

علينا أن نحمي البلاد من هذا الاستنزاف المستمر منذ جونو ٢٠٠٧، فالتدابير الوقائية ستكون أقلّ كلفة من المال الذي يُصرف لإعادة البناء بعد كل هبة سماوية.

تأكلنا الحسرة على البراءة التي قضت نحبها بتلك الصورة العبثية، ورغم فداحة ما حدث، فإنّ هذه الحادثة ينبغي أن تغدو نقطة تحول جديدة لإعادة الثقة بين الإنسان العُماني ومؤسساته الرسمية من جهة وبينه وبين الطبيعة من جهة أخرى.

كل شيء يبدأ من اللحظة التي يُعاد فيها رسم المدن والقرى حتى لا نُجابه شعورا متوهما بأننا جميعا نسكنُ فوق مسطح مائي شاسع!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

لبنان يريد دولة عربية.. لماذا تشكّل آلية المراقبة عقبة أمام وقف إطلاق النار؟

تشكل "آلية المراقبة"، خاصةً فيما يتعلق بالعضوية في فريق المراقبة الدولي، أبرز الخلافات التي تعرق التوصل لاتفاق هدنة بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية، بوساطة أميركية. 

وذكر تقرير لهيئة البث الإسرائيلية، الخميس، أن "الولايات المتحدة وفرنسا ستتوليان رئاسة فريق المراقبة، وهو أمر لا يواجه اعتراضًا من أي طرف، لكن الخلاف يكمن في الدول الأخرى التي ستنضم إلى هذه الآلية، حيث تفضل إسرائيل إشراك دول أوروبية، بينما يطالب لبنان بإدراج دولة عربية واحدة على الأقل".

وتسعى الإدارة الأميركية إلى طمأنة إسرائيل بشأن فعالية آلية المتابعة، حيث أوضحت أن هذه الآلية "لن تقتصر على تلقي الشكاوى من أحد الأطراف، بل ستكون متابعة نشطة بشتى الوسائل"، مما يضمن استمرارية الالتزام بالاتفاق.

ووفقًا لتقديرات دبلوماسيين غربيين، قد يتم اختبار وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، قبل اتخاذ قرار بشأن استمراره، إذ يُتوقع أن يلتزم حزب الله بهذه الفترة التجريبية، بينما يبقى السؤال حول ما سيحدث بعد انقضاء هذه المدة والدخول في مرحلة وقف إطلاق النار الكامل.

هوكستين في إسرائيل.. وحديث عن اجتماع "بنّاء" بشأن هدنة لبنان عقد المبعوث الأميركي الخاص، آموس هوكستين، فور وصوله لإسرائيل اجتماعا مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون درمر، ووصفه بأنه "بناء".

وفي أعقاب محادثات أجراها المبعوث الأميركي آموس هوكستين في لبنان، أشار مسؤولون إسرائيليون إلى تحقيق "تقدم نسبي" بشأن مسألة حرية الحركة للجيش الإسرائيلي داخل لبنان، ثاني نقاط الخلاف الرئيسية بين طرفي الاتفاق.

وأفاد مصدر مشارك في المحادثات، بأن "تقدما كبيرا تم في المفاوضات، لكن لم يجري الوصول إلى اتفاق نهائي بعد".

وكانت القناة 12 الإسرائيلية قد نقلت عن مسؤولين كبار قولهم، إنه "إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن النقطتين الخلافيتين، فإنه يمكن تحقيق وقف إطلاق النار خلال أسبوع".

هوكستين إلى إسرائيل.. نقطتان خلافيتان بطريق "اتفاق ممكن" أفادت مصادر إسرائيلية أن المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين سيعقد اجتماعا مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون درمر الليلة، وذلك بحث وقف إطلاق النار مع حزب الله على حدود إسرائيل الشمالية.

وتتعلق النقطتان الرئيسيتان الخلافيتان بحرية التحرك الإسرائيلي في لبنان في حال حدوث انتهاك، وبتشكيل اللجنة المشرفة في لبنان. وتعتبر اسرائيل حرية التحرك في لبنان خطًا أحمر غير قابل للتفاوض.

ووفقا للقناة فإن إدراج هاتين النقطتين "ربما يكون في اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة"، ولو أن الأمر لا يزال غير واضح.

وصعّد الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية ضد حزب الله في 23 سبتمبر الماضي، وتوغلت قواته بعدها بأسبوع في جنوب لبنان.

وكان حزب الله قد فتح "جبهة إسناد لغزة" ضد إسرائيل، غداة الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وأدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • هوكشتاين إلى واشنطن...نتنياهو لا يريد وقف الحرب إلا بشروطه
  • ترسيم الحدود البريّة هدفٌ للوساطة الأميركية أيضاً: فماذا عن الملفّ؟
  • أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
  • هولندا تؤكد استعدادها لاعتقال نتنياهو وغالانت.. وديربورن الأمريكية أيضا
  • هولندا تؤكد استعداداها لاعتقال نتنياهو وغالانت.. وديربورن الأمريكية أيضا
  • لماذا يستحيل ترحيل 13 مليون مهاجر كما يريد ترامب؟
  • قناص الشباك يريد الانتقال إلى صفوف برشلونة
  • لبنان يريد دولة عربية.. لماذا تشكّل آلية المراقبة عقبة أمام وقف إطلاق النار؟
  • مفوض الأونروا: النظام المدني في غزة دمر.. ولا ملاذ آمنا للسكان