د. محمد عسكر يكتب: صراع التكنولوجيا بين أمريكا والصين يحتدم.. فمن ينتصر؟
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
تتنافس الدول الكبرى فيما بينها وتخصص مبالغ كبيرة من موازناتها للإنفاق على قطاع البحث والتطوير التكنولوجي في مختلف المجالات.
فقد أصبحت التكنولوجيا الأداة الأهم والأبرز بين أدوات التطور والتقدم للدول، بل وواحدة من أهم مقومات قوة الدول فى العصر الحديث، ومن يتملكها فقد امتلك مفاتيح عوامل القوة الأخرى.
فالحروب التجارية القادمة هى بلا شك حروب التكنولوجيا.
الولايات المتحدة الأمريكية والصين أدركتَ هذه الحقيقة إدراكاً جلياً، فالأولى هي القطب المتفرد والأقوى عالمياً خصوصاً على المستوى التكنولوجي، والصين قطب صاعد بقوة يسعى إلى اللحاق بركب التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في جميع المجالات، لذا فهي الدولة الأكثر تنافسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تهدد مكانتها كرائدة للتطور التكنولوجي على المستوى العالمي، وهو أمر يتوقعه القطب الأمريكي نفسه الذى يسعى لإعاقة الزحف الصيني الحثيث صوب قمة النظام الدولى، بل ويواصل القتال بشراسة للحد من إنجازاتها التكنولوجية في المجالات الحديثة، والتي باتت تهدد مكانة واشنطن وتقوض سيادتها العسكرية كقوة عظمى وحيدة مهيمنة على مجمل النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
ولهذا السبب تشتد المنافسة بين الطرفين تجاريا وسياسيا وإعلاميا، وفي إطار هذه المنافسة المحتدمة تنفق الولايات المتحدة الأمريكية اليوم مزيداً من مواردها على قطاع التكنولوجيا، ولا سيَّما في مجال التكنولوجيا العالية التقنية لمواجهة الاستراتيجية الصناعية التي أطلقتها الصين، والتي مكَّنتها من تطوير قدراتها في ذات المجال، ممَّا جعلها متقدمة في المجالات العسكرية والاقتصادية، وفي مجال الفضاء الخارجي كذلك.
الصراع الأمريكي الصيني بدأ يطفو على السطح، وبدأ ضجيجه يزعج العالم الذي يحبس أنفاسه بفعل تزايد حدة الصراع بين الطرفين.
فالمنافسة الاقتصادية الباردة بدأت تتحول إلى حرب اقتصادية طاحنة تخطو بخطوات سريعة على صفيحٍ مشتعل، ربما تكون الحرب الاقتصادية أقل فداحة وعنفا من الحروب القتالية، ولكنها أهم وأخطر وأقوى، وهذا هو واقع الحال في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات؛ إذا تحولت حروب الماضي الاستعمارية والتي كانت تتصارع فيها الدول الكبرى والإمبراطوريات حول احتلال الأراضي وبناء المستعمرات إلى حروب حول الموارد الطبيعية كالمياه والطاقة والصراع على بناء السدود حول الأنهار والبحث عن حقول الغاز المدفونة في مياه البحار بعد أن نضبت تلك المدفونة في الصحراء، فيما استبدلت الطلقات والقذائف بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأصبح المقاتل يحمل الفيروس بدلاً من حمل السلاح، واستثمرت الدول الكبرى في صناعة الأمراض بدلاً من صناعة الأسلحة واستخدمت التكنولوجيا في نشر الأوبئة وتطوير الأمراض.
إن الاقتصاد الصيني أصبح الغول الحقيقي الذي تخشاه أمريكا، والشركات الصينية غدت بالفعل أقوى وأخطر على الاقتصاد الأمريكي من أى شيء آخر، إذ تسعى بكين إلى خلق امبراطورية إقتصادية موازية يمكنها أن تنهي عقود وعقود من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
ويبدو أن الولايات المتحدة بدأت تخسر سباقها مع الصين في مجال التكنولوجيا والتطور التقني، وأن شركات التكنولوجيا الصينية ربما ستسحب البساط من تحت أقدام عمالقة التكنولوجيا الأمريكية في السنوات القادمة.
فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة مخاوف الخبراء السلطات الأمريكية من التقدم المتسارع الذي تحرزه بكين في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجي ككل، ولا سيما في القطاع العسكري، ما قد يجعلها تكسب السباق خلال فترة ليست ببعيدة بحسب تقديرات بعض المراقبين، ولعلّ ذلك هو ما يفسر إستشراس واشنطن في محاولة تطويق الصين وإحتوائها من خلال العقوبات الدولية أو فرض القيود على صادرات التكنولوجيا إليها وصولاً حتى إلى التوصيات بإنتزاع الكوادر والمواهب من الداخل الصيني وتسخيرها لمصلحة الولايات المتحدة وشركاتها.
وتمارس الولايات المتحده ضغوطا كبيرة على الصين باستخدام مجموعة من القوانين والإجراءات العقابية، شملت منع وصول التكنولوجيا الحساسه وأشباه الموصلات المتطورة والرقائق الإلكترونية المتقدمة المغذية لقوة معالجة الذكاء الاصطناعي بهدف عرقله قدراتها على بناء القوة الحاسوبية المطلوبة لتطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
فى المقابل تسعى الصين للالتفاف والتغلب على العقوبات الأمريكية حيث تقوم ببناء مجموعة من مرافق تصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات السرية في جميع أنحاء البلاد كشبه ظل تتيح لها تجنب العقوبات المفروضة عليها ومواصلة تحقيق الطموحات التكنولوجية لها.
وهوما يفسر طبيعة وأسباب تفاقم التوترات الجيوسياسية بين البلدين فى المحيط الهادي حول جزيرة تايوان التى تمثل 80% من حجم صناعة الرقائق الإلكترونية فى العالم.
هذا وقد اتجهت شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" إلى بناء وشراء منشآت تحت أسماء شركات أخرى، من أجل التحايل على هذه القيود لشراء معدات صناعة الرقائق الأمريكية وغيرها من الإمدادات بشكل غير مباشر.
ولذا أصدرت الولايات المتحدة حزمة قيود جديدة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين شملت أنواعاً محددة من الرقائق المتقدمة، ومعدات تصنيعها، والمركبات الكيميائية الخاصة بتصميمها وتصنيعها.
كما سعت واشنطن إلى معاقبة الشركات الصينية مثل "هواوى" و"زد تى إي"، لمواجهة خطر فقدان القيادة في تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) لصالح الصين، كما تبنى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عام 2018 سياسات أكثر صرامة بفرض رسوم جمركية بقيمة 360 مليار دولار بغرض إعاقة النمو الاقتصادى الصيني فى قطاع التكنولوجيا، خاصه أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية.
واستمرت سياسات إدارة الرئيس الحالى جو بايدن على نفس النهج، حيث وقَّع بايدن أمرا تنفيذيا يخول لوزارة الخزانة حظر أو تقييد بعض الاستثمارات الأمريكية فى الكيانات الصينية فى قطاعات: أشباه الموصلات، الإلكترونيات الدقيقة، تقنيات المعلومات الكمية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي بهدف خنق الجهود الصينية الناشئة فى مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية.
لتبدأ بذلك حرب تجارية تكنولوجية شرسة بين البلدين تهدد بانهيار النظام الاقتصادى العالمى، ما سوف يكون له آثار دراماتيكية على الاقتصاد العالمى، خاصة على الجزء الضعيف منه، وهى بالتأكيد دول العالم الثالث.
وتشهد القارة الأفريقية جزءا من هذه المواجهة الصينية الأمريكية فى محاولة لاحتواء النفوذ الصينى المتزايد هناك، خاصة فى البلدان الغنية بأنواع المعادن اللازمة لإنتاج التقنيات المستقبلية ومصادر الطاقة المستدامة.
فهل سيؤثر التنافس التكنولوجي ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي؟ وهل تلعب التكنولوجيا بالفعل مثل هذا الدور في تغيير موازين القوى ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الرقائق الإلکترونیة الذکاء الاصطناعی فی مجال
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: "مشروع إستر" نموذج لمبادرات القمع الأمريكية
ما قد يكون مثيرا للجدال إلى حد كبير مع إدارة ترامب هو التعبئة المقترحة لقمع القوى "المؤيدة للفلسطينيين" في أمريكا، وترحيل الناشطين الفلسطينيين واستخدام هذه التدابير كنموذج لسحق المعارضة.
في عام 2023، اكتسبت مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن الدولي "إليز ستيفانيك" ، التي تلقت مئات الآلاف من الدولارات من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ولوبي إسرائيل، اهتماما وطنيا لاستجوابها لرؤساء الجامعات البارزين في جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي متلفزة حول معاداة السامية.
ودعت "ستيفانيك" إلى ترحيل الطلاب، وادعت أنهم "أعضاء مؤيدون لحماس في حشد يدعو إلى القضاء على إسرائيل"... وفي أكتوبر 2024، حثت على "إعادة تقييم كاملة" لتمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة، والتي تتهمها بتعزيز "معاداة السامية المتطرفة".
بصفتها سفيرة ترامب لدى الأمم المتحدة، تستطيع "ستيفانيك" الآن أن تتصرف كما تدعي، وعندما سُئلت عما إذا كانت تدعم تقرير المصير الفلسطيني، رفضت الإجابة.؟؟
وعندما سُئلت عما إذا كانت تؤمن بوجهة نظر وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش" ووزير الأمن القومي السابق "إيتامار بن جفير"، زعماء اليمين المتطرف في إسرائيل، بأن لإسرائيل حقًا توراتيًا في الضفة الغربية، أجابت ستيفانيك: "نعم". !!!
وفقًا لتمويل حملة "ستيفانيك"، فقد جمعت 15.3 مليون دولار في عامي 2023 و2024، وكان أكبر مساهم لها هو لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، لكن أموالها الكبيرة جاءت من مساهمات فردية كبيرة (2.9 مليون دولار) وخاصة فئة "أخرى" غير شفافة (8.7 مليون دولار).
تم تمويل الجزء الأكبر من الأموال من خلال دعمها من الجمهوريين اليهود البارزين - بما في ذلك وريث مستحضرات التجميل "رون لودر"، وقطب إدارة الأصول "مارك روان"، وقطب الكازينو والبارات "ستيف وين"، والمديرين التنفيذيين في بلاكستون والسفير السابق لترامب ديفيد فريدمان - في أعقاب استجوابها لرؤساء الجامعات.
صوت آخر في جوقة القمع والترحيل هو النائب "بريان ماست"، الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، مثل اليمين المتطرف الإسرائيلي، يرفض "ماست" فكرة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء الذين يدافعون عن العقاب الجماعي.
وهو مسيحي إنجيلي، تطوع مع الجيش الإسرائيلي في عام 2015 وارتدى زي جيش الدفاع الإسرائيلي في الكونجرس بعد 7 أكتوبر 2023.
تشريع "ماست" يقطع بشكل دائم التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا للاجئين، ويرفض وقف إطلاق النار في غزة، ويريد توسيع مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
في أكتوبر الماضي، كتب روبيو إلى وزير الخارجية آنذاك أنتوني بلينكين، وحثه على "القيام على الفور بمراجعة كاملة وجهود تنسيق لإلغاء تأشيرات أولئك الذين أيدوا أو تبنوا نشاط حماس"... في هذا الجهد، سعى مرشحو ترامب للشؤون الداخلية إلى جعل حركة الاحتجاج المؤيدة للفلسطينيين قضية رئيسية في أمريكا.
ولكن.. كيف يمكن أن تستمر هذه المبادرات؟
إن أحد الأدوار الرئيسية التي يلعبها "كاش باتيل"، الذي يعتبر بمثابة يد ترامب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد تم توضيح المخطط التفصيلي في مشروع "إستر"، وهي الخطة المفترضة لمكافحة معاداة السامية والتي كشفت عنها "مؤسسة هيريتيج"... وهي جزء من مشروع 2025، الخطة المحافظة للغاية لتغيير الحكومة الأمريكية جذريًا.
يزعم "مشروع إستر" أن "الحركة الأمريكية المناهضة لإسرائيل والصهيونية وأمريكا المؤيدة للفلسطينيين هي جزء من شبكة دعم حماس العالمية" كما يزعمون... ومن هنا، فإن دعوتهم إلى "تفكيك البنية التحتية ... المخصصة لتدمير الرأسمالية والديمقراطية".
وتأمل هذه الحركة في الاستفادة من قانون التوعية بمعاداة السامية المثير للجدل للغاية، والذي قد يخلط بين الانتقادات المشروعة لإسرائيل في حين يحد بشكل كبير من حرية التعبير في أمريكا.
إذا ساد "مشروع إستر"، فإن حملة ترامب القمعية تهدف إلى ترحيل المحتجين في أمريكا الذين يحملون تأشيرات طلابية واستهداف وضع الجامعات المعفى من الضرائب، ورغم أنها مصممة "لمكافحة معاداة السامية"، فإنها ستكون بمثابة نموذج لمبادرات محلية أخرى تسعى إلى قمع المعارضة والنشاط السياسي، وفي هذا المشروع المدمر للذات، يكون الفلسطينيون ككبش فداء ملائم وأضرار جانبية.