رأي اليوم:
2024-11-17@10:57:50 GMT
صالح الرزوق: عن التجربة الفنية لصباح الأنباري
تاريخ النشر: 30th, July 2023 GMT
صالح الرزوق منذ فترة ليست قريبة وصلتني مجموعة من مؤلفات الصديق المسرحي المجدد صباح الأنباري، وقطعت على نفسي وعدا بالاطلاع على هذه المؤلفات و التنويه بها، ولكن كانت الظروف دائما تفرض بعض الانتظار لسبببن. الأول أنني تناولت أعماله المسرحية عدة مرات، وعملنا معا على كتاب مشترك بعنوان “سيرة كاتب ومدينة” صدر في دمشق عام 2012، وتكلمنا فيه بأسلوب حواري عن أهم الشخصيات الفنية والأدبية التي مرت على مدينته بعقوبة، وما أحاط بتلك المدينة من ظروف ومصاعب.
بتعبير آخر لم يعد لدي شيء أضيفه عن مجتمع وبيئة الأنباري. الثاني أنه كتب عن تجاربي المتواضعة في عدة مناسبات. ولم أر من اللائق أن ندخل في الإخوانيات وتبادل المديح. فتجربة الأنباري غنية، وتستحق التعريف، ولا يزال يضيف عليها بين حين وآخر. وهي درامية أيضا، فقد اختار له الواقع سيناريو يصلح ليكون بدوره نصا أدبيا. عدا عن ظروف اعتقاله في ظل النظام العسكري السابق، وعدا عن مشكلة المنع من التوظيف، ثم التهديد بالقتل والتصفية بعد سقوط النظام وسيطرة الإسلاميين على الشارع، تبقى هجرته إلى أستراليا، واكتشاف آفاقها الجديدة، حكاية تستحق السرد والتصنيف. وإذا فهمنا أنه في العراق كان كائنا اجتماعيا فهو في أستراليا كائن افتراضي أو فني، معظمه من خياله وبقايا حياته السابقة، وأقله من الدخول في معمعة التقدم بالعمر وإضافة مفردات جديدة لملفه الأدبي. وهنا يجدر بي التنويه بهذه الملاحظة. لم يكتب الأنباري شيئا خارج إطار مرجعياته الوطنية. وأسلوب الخيال العلمي الذي يختبئ به لا يبتعد كثيرا عن معاناة أبناء العالم الثالث. وكل مفردات الأنباري مدينة للديكتاتوريات العسكرية بمعانيها وحبكتها. وإذا اتفقنا جدلا أنه متأثر باللامعقول والتجارب الملحمية للحداثة التخريبية فهذا عائد فقط إلى رغبته بالهروب من المشكل القومي وحروبه، والأهم النأي بالنفس عن خساراته المتكررة التي فتحت الباب للاحتلال وتصفير الإنجازات. فبناء العقل العربي في العراق كان من صناعة الدكتاتور، غير أن سعارات خطابه السياسي، وما فرضته من علاقات دبلوماسية مع دول شرق أوروبا، تبقى مكسبا تنويريا هاما حتى لو رافقه ما أسميه نكسة الوجدان. وقد أحسن الأنباري التعبير عن هذه اللحظة في كتابه “مذكرات مونودرامية” الصادر عن دار ضفاف عام 2015. وإن كنت أعتقد أنه يأتي في منزلة متوسطة بين كافة أعماله فهو الأقرب لنفسه، والأكثر تعبيرا عن الأقنعة المتعددة التي يضعها ثم يتخلى عنها ليمرر أطروحته عن الداء والدواء أو البناء فوق خرابنا الفانتازي. فعراق العائلة الهاشمية جاء على أنقاض الأتراك، وجمهورية قاسم على أنقاض النظام الملكي. ولا يجب أن ننسى جدلية الإلغاء والتثبيت التي تناوبت عليها الأحزاب والميليشيات. وقد سجل انطباعاته عن هذه الفوضى في مسرحياته الصامتة، ولكنه أدارها بطريقة مثالية في مسرحية “ليلة انفلاق الزمن” 2001. وهي عندي حوارية درامية وليست مجرد مسرح تجريبي، فالجدل بين أبطالها يحول كل واحد منهم إلى نموذج، وذلك بطريقة الأنباري الجميلة والمتألقة التي كتب بها عن نماذج حركية اختار لها اسم الشواف والسماع والشمام.، وكأنه أراد أن يخترع فرسانه الثلاثة، وأن يتحدى رواية إسكندر دوماس بمسرحية مختصرة تسخر من معنى البطولة. وهذا يناسب واقعنا المؤسف، فهو واقع يتحكم به رجال مهزومون، ولا سلطة لهم على أي شيء، لا الأرض ولا المجتمع، ولذلك حولوا بلدانهم إلى ما يشبه السجن. وقد نوه الدكتور سيد على إسماعيل (وفريقه من طلاب المشاريع الجامعية) بأهم مزايا و أساليب الأنباري في كتاب من تأليف جماعي صدر بعنوان (صوامت صباح الأنباري) عام 2018 . لكن تبقى نقاط تحتاج إلى توسيع. أهمها الذاكرة الحية والدائمة للأنباري، فهو نادرا ما يغفل أسماء رفاق دربه الذين تركوا بصمة على جدران حياته النفسية. وإن جاز لنا المقارنة أرى أنه كتب عن محي الدين زنكنة مثلما فعل روج غلاس حينما كتب عن ألاسدير غراي. كانت المقاربة فنية وليست نقدية أو أنها تعويم للمكنون النفسي أكثر من التنقيب والحفر في الأعمال الأدبية. وقد نوه غلاس أنه لم يكتب سيرة حياة غراي كما يراها الآخرون و لكن كما كان يريد أن يراها هو بالتواطؤ مع غراي نفسه. وهذا هو ما أفهمه من الصور المتعددة التي أوردها الأنباري عن زنكنة في مسرحياته وفي دراساته. ولم تكن توجد مسافة بين الناقد والنص، وكان كلاهما واحدا بمقدار تشابه الأنباري مع زنكنة في الواقع. وقد أعطى كلام الأنباري وغلاس عن حلقة أدباء بعقوبة وحلقة أدباء غلاسكو، على التوالي، مصداقية قلما تجدها في النقد الأدبي. وأكاد أقول إنهما كتبا عن ذاكرة وتاريخ المرحلة وليس عن نتاجها. ولم يكن هناك شيء يفصل بين وجهي الورقة. ولتفهم معنى مسرحيات زنكنة عليك أن تقرأ قصص سعد رحيم وشعر أديب كمال الدين والدور الإداري الذي لعبه عبد الحليم المدني. والشيء بالشيء يذكر. كان المدني رئيسا لفرع اتحاد أدباء بعقوبة قبل أن يكتب قصصه المتألقة عن غزو الفضاء ليتساوى بها مع أهم رموز أدب الخيال العلمي. أو كما أفضل أن أقول الأدب العجائبي (وأستشهد هنا بتودوروف ودراسته عن غرائب الخيال الفني كالباب المسحور والمدينة المغمورة تحت الماء وغير ذلك. وهو ما يستدعي للذهن أعمال الأمريكي لافكرافت Lovecraft التي تصنف في مجال أدب الرعب). وهذا ما فعله غلاس. فقد صور لنا ألاسدير غراي بعيون أدباء وفناني حانة كيرليرز، ومنهم جيمس كيلمان وموراغ ماغيل كريست وألان بيسيت. ولا يمكن أن تنسى في هذا المضمار أغنيس أوين. ولم يكن صوت غراي في هذا السياق معزولا ولا تكميليا ولكنه توسيع لمعنى إسكوتلاندا في التاريخ النفسي لأدبائها. وتجد كل ذلك أيضا في لوحات غراي، فهي أبعد من أن تكون انطباعات أو تصورات عن بلده، ولكنها تفرضه على ذات الآخرين، بمعنى أنها تقرب إسكوتلاندا من الضمير الإنساني. وكل مسرحيات الأنباري تصب في هذا الاتجاه. لقد أراد أن يخترع أو أن يبني بلده، ورغم ضائقته السياسية وسعه أمام الوجدان، وجعل منه حالة أو تجربة. وهكذا أمكننا أن نلاحظ أن كتاباته تذكر بما عانت منه تشيلي وكوبا وفيتنام، ناهيك عن فلسطين. وأرى أن بعقوبة كانت تظهر في خلفية كتاباته كما كانت الخالدية تظهر في أعمال محمد البساطي وماكوندو في أدبيات ماركيز ولانارك في قصص غراي، إن لم نذكر حلب وأحوالها في أعمال وليد إخلاصي. وفي ذهني نقطة أخيرة، وهي عن التعادلية في مسرح الأنباري، والتعبير لتوفيق الحكيم. فالأنباري ليس راديكاليا كما يحب أن يعرف بنفسه ولكنه توفيقي. وحقن الحداثة بشحنة من التراث مبدأ أساسي في كتاباته. غير أنه ليس سلفيا، فهو لا يعيد إحياء الذاكرة الإسلامية، ولكن ينفخ في ذاكرة بلاد ما بين النهرين ويلجأ لرموز يستعيرها من حمورابي وجلجامش وهذا الرعيل. ولا ينسى أن يدعم ذلك بجدلية النور والظل، حتى أن جملة أعماله لا تخلو من ظلال مطبوعة على الخلفية مع دائرة ضوء في الوسط وكأنه يحاول إنتاج نص برؤية مركبة نصفه من مسرح خيال الظل والنصف الثاني من فن المسرح الحديث.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
“الخليج العربي للنفط” تنجح في إجراء أول تجربة تشغيلية جديدة بحقل النافورة
“الخليج العربي للنفط” تنجح في إجراء أول تجربة تشغيلية جديدة بحقل النافورة
تمكنت الفرق الفنية بشركة الخليج العربي للنفط بنجاح من إجراء أولى التجارب التشغيلية لوحدة التوليد الجديدة رقم 2 في مشروع “توريد وتركيب عدد 2 توربينة غازية” بمنطقة التعاقد في حقل النافورة.
واستمرت التجربة لمدة 6 ساعات متواصلة باستخدام وقود الديزل، وحققت نتائج جيدة جداً، بتوجيهات من المهندس محمد بن شتوان رئيس لجنة الإدارة، وبتفاني فريق العمل، بحسب بيان الشركة.
وحضر التجربة مراقب الحقل، فريق منطقة التعاقد (JPT)، وكافة المنسقين والأقسام المعنية، إلى جانب المقاولين Emi وEndecou، وستتواصل تجارب التشغيل حتى الوصول إلى مرحلة التدشين والتشغيل الفعلي، وفق البيان.