حين يظهر الجندي الأميركي مدججا بسلاحه في مشهد سينمائي، وتبدو الجثث متناثرة حوله، بينما تبدو في الخلفية سيارات مهشمة ومبان سقطت بفعل القذائف، يتوقع المشاهد، دائما، أن الحدث الدرامي أو الحرب -في هذه الحالة- ليس على أرض أميركية. إلا أن فيلم "الحرب الأهلية" (Civil War) يكسر كل التوقعات، وينقل ساحة المعركة إلى أميركا، بل إلى البيت الأبيض نفسه.

يبدو الفيلم سياسيا بامتياز، وإن لم تصدر ولو إشارة صغيرة نحو واقع محدد، لكن ما أثاره من هواجس ومخاوف سياسية وإنسانية أكبر بكثير مما يمكن أن يقدمه عمل عرض في توقيت مناسب، حيث تقترب المعركة الانتخابية على رئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الخامس من نوفمبر/كانون الأول 2024، ويصل الاستقطاب إلى أقصى مدى له.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4فيلم "أهلا بالمكسيك".. السعادة للفقراء والأرض للأغنياءlist 2 of 4فيلم "البعبع".. حينما يصبح الترفيه هدفا سينمائياlist 3 of 4في فيلم "القصاص".. بعض الضحايا خونة أيضاlist 4 of 4هل تسبب غياب سلفستر ستالون في فشل فيلم “المرتزقة 4″؟end of list تمرد وانفصال

لم يرهق المخرج البريطاني أليكس غارلاند نفسه بالتأمل في عمق الأزمة الأميركية بتناقضاتها الأخلاقية، لكنه قدم عملا طموحا على المستوى السينمائي، واستطاع أن يجعل من خلفية المشاهد ساحة لحرب أهلية يمكن تمييزها بسهولة تامة، فكأنه قدم في كل مشهد مشهدين.

التقط صانع العمل مشهدا سياسيا صادما حدث في 6 يناير/كانون الثاني 2021 في الكونغرس، وكاد أن يتسبب بالفعل في اندلاع حرب أهلية. ليخرج علينا بفيلم يسرد تفاصيل حول رئيس أميركي تجاوز القانون بالسطو على الرئاسة لفترة ثالثة، وتجاوز الدستور، وأمر بإطلاق النار من الأسلحة الثقيلة على المواطنين المعترضين، فكان الطبيعي أن تتمرد الولايات.

اتحدت ولايتان متناقضتان تماما في توجه أغلبية كل منهما وهي تكساس المحافظة النفطية الغنية، وكاليفورنيا الليبرالية التي تعد -بمفردها- واحدة من أعلى "الدول" من حيث الدخل القومي، لتخرجان عن طاعة البيت الأبيض، وتقرران الانفصال، بينما فضلت "فلوريدا" أن تنفصل وحدها تماما.

ثمة قوات غربية متمردة تتجه إلى البيت الأبيض لإسقاط الرئيس والحكومة الفدرالية، يواجهها جيش اتحادي ضعيف يستسلم في النهاية.

وتقرر المصورة الصحفية لي (كريستين دانست) ومعها زميلها المراسل الحربي جويل (فاغنر مورا) أن يقطعا الطريق وسط أهوال القتال إلى البيت الأبيض لإجراء حوار مع الرئيس الذي يتوقع أن يلقى حتفه خلال أقل من شهر على يد أحد الفصيلين المتمردين.

ويضم الفريق أيضا كلا من الصحفي العجوز سامي (ستيفن ماكينلي هندرسون) وجيسي (كايلي سباني) والتي تطمح إلى احتراف التصوير الصحفي.

ويبدأ الفيلم بمجموعة لقطات للرئيس وهو يقف أمام المرآة ليتدرب على إلقاء خطبة النصر، فيكرر جمله، ويقوم بتقطيعها صوتيا، وينوه في محتواها إلى أن ما تحقق من نصر هو الأعظم على الإطلاق على مر العصور، وقبل نهاية الفيلم بدقائق قليلة نعرف أن جيشه قد استسلم، وتقتحم القوات قصره.

وبينما يحيط به ثلاثة من الجنود بأسلحة موجهة إلى قلبه وهو ملقى على الأرض، يطلب المراسل الصحفي من الجميع الانتظار للحظة، ثم يسأله سؤالا واحدا بقوله: قل لي وصية، فيرد الرئيس: لا تقتل.

وينطلق بعدها وابل الرصاص الذي بدا وكأنه انتقام صناع العمل من الرئيس الذي هدم أميركا، ودفع ولاياتها للانفصال.

إدانة الآباء

يبالغ المبدع السينمائي في الإبحار بخياله، فيصبح أقرب إلى الواقع، والعكس صحيح أيضا، فقد يبالغ المبدع في الإبحار في الواقع، فيصبح عمله أقرب إلى الخيال، وبين هذين النوعين من المبالغة، اختار غارلاند أن يتقدم بالزمن، لتكون الأحداث في المستقبل، لكن ذلك المستقبل لا يبعد كثيرا، فلا يوجد دليل واحد على تحول كبير في شكل المباني أو السيارات أو غيرها مما نراه أحيانا في أفلام المستقبل.

ويشتبك العمل مع أكثر من قضية خلال الرحلة، فهو يبدأ بفريق يضم ممثلين عن الماضي (الصحفي العجوز سامي) الذي يتسم بالصمود، لكنه عجوز وضعيف، وتضطر المجموعة إلى تركه في الطريق، لكنه ينقذهم من القتل، ويتعرض لإصابة قاتلة.

وفي قلب المجموعة، المصورة المتميزة لي التي تمثل الحاضر بكل همومه ومآسيه الناتجة عن الحرب، والصحفي جويل الذي ينتمي إلى جيلها، ويقوم بدور أقرب إلى حماية المجموعة وقيادتها، وأخيرا جيسي الصغيرة التي تطمح إلى احتراف التصوير وتمتلك عزيمة وتصميم، لكنها تنهار حين تسقط في حفرة مملوءة بالجثث، وتقرر أنها لن تكرر التجربة.

وتقدم كريستين دانست أداء يليق بالمأساة، فقد كسا الوجوم ملامحها في أغلب مشاهدها، واستطاعت أن تنقل الشعور بالهم والغضب، بينما جاء أداء كايلي سبايني بملامحها البريئة أكثر تحررا وديناميكية، وهو ما أضفي على العمل إجمالا حيوية خاصة.

ولكن المخرج استخدم تلك الحيوية بذكاء ليكشف عن إدانته لجيل الآباء، وهو ما يبدو واضحا في مشهد تحذر خلاله لي صديقتها الصغيرة من المهنة ومخاطرها، وتسألها عن والديها، فتجيب جيسي: إنهما هناك في المنزل، يتحدثان بهدوء ويتظاهران أن لا شيء من هذا يحدث. ترد لي مؤكدة أن هذا ما يفعله والداها.

ورغم بساطة الحوار، فإن ثمة إدانة وغضبا من جيل الآباء الأميركي الذي يسلم بلادا في حالة حرب حقيقية، ويتظاهر أن كل شيء على ما يرام.

ورغم الدور البطولي للصحفي العجوز سامي الذي ينتمي لجيل الآباء، فإنه ظهر مترددا في البداية، وقليل الحركة إلا في حالات الضرورة.

الممثل نيك أوفرمان في دور الرئيس الأميركي في فيلم "الحرب الأهلية" (آي إم دي بي)

يرسم "الحرب الأهلية" من خلال كريستين دانست تفاصيل محزنة حول مهنة المصور الصحفي الحربي الذي يمارس مهنته محاطا بالرصاص المتطاير من كل الجهات، ويلتقي بشرا يفهمون لغة الرصاص فقط. وخلال الحرب الأهلية، يصبح الوضع أكثر خطورة، إذ يحارب الجميع، ويضاف إليهم قطاع الطرق.

ولا يكتفي العمل بوصف الأهوال التي يواجهها الصحفي فقط، ولكنه يصف ذلك الانهيار القيمي والانحطاط في مشهد يصعب تصديقه، حيث يقترب الفريق الصحفي بسيارته من محطة محروقات يجلس في مدخلها 3 أفراد يحمل كل منهم مدفعا رشاشا، ويطلبون ملء نصف خزان النفط الخاص بالسيارة، ويرفض الحراس الدولار الأميركي الذي أصبح بلا قيمة، لكنهم يطلبون 300 دولار كندي.

وتقفز جيسي لاكتشاف ما يحدث في الجهة الخلفية للمحطة، لتجد شخصين معلقين وعليهما آثار تعذيب بشع، ويقوم الشخص الذي يقوم بتعذيبهم بتقديم أحدهم إليهم قائلا: هو زميل دراسة، لكنه أراد أن يسرق النفط!

الضحايا

يلعب المخرج بالمرايا والكاميرا في فيلم "الحرب الأهلية" بالكفاءة نفسها، وكما يقفز بالكاميرا بسرعة ورشاقة مراسل حربي في الميدان، استخدم المرايا في أحد محلات الملابس الجاهزة، التي ارتادها الفريق الصحفي في رحلته، حيث كانت البائعة تجلس مسترخية تماما، وحين رأت الفريق أشارت إليهم ليختاروا ما يريدون، ثم يأتون إليها، واستمرت في قراءة كتاب تحمله في يديها.

يسألها جويل: ألا تعلمين أن هناك -خارج هذا المتجر- حربا؟ فترد بهدوء قائلة "أعلم، لكن والدي نصحنا أن نتظاهر أن كل شيء على ما يرام. إنها اللامبالاة أو التعامي الذي ينقله الجيل الأكبر لمن يليه".

ثم تأتي لعبة المرايا، حيث كانت المصورة لي وصديقتها الصغيرة جيسي تقفان لتجرب الصغيرة بعض القطع، وتلح على لي لتجرب أيضا، لكن الأخيرة ترفض، وبعد إلحاح ترتدي قطعة ملابس، وتحاول جيسي التقاط مجموعة صور لها. تحاول جيسي دفع لي للابتسام، لكنها تفضل أكثر من مرة، لكنها تنجح أخيرا بخدعة بسيطة في دفعها للابتسام. وفي لمسة ذكية للغاية تظهر كل من الفتاتين في الكادر السينمائي في نسختين إحداهما انعكاس في المرآة، لكن جرأة غارلاند دفعته ليجعل حجم كل منهما في الأصل هو نفسه في الانعكاس القادم من المرآة، مع فرق بسيط، هو أن لي التي يكسو وجهها الوجوم في الأصل، تبتسم في الانعكاس القادم من المرآة.

ويقول المخرج البريطاني بوضوح أن ثمة حياة أخرى للصحفية التي تعيش بين الدم والموت، حياة ينبغي أن تبتسم خلالها، وهناك نسخة مرشحة للسعادة، وكذلك "جيسي التي تكاد تصل لحد التورط في مهنة التصوير الحربي، والمرشحة لتكرر مشوار لي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الحرب الأهلیة البیت الأبیض فی فیلم

إقرأ أيضاً:

الأزمة السودانية تزداد تعقيدا.. ما المنتظر من إدارة الرئيس ترامب؟

قرابة 21 شهرا منذ اشتعال الحرب، والمشهد السوداني يزداد تعقيدا في ظل غياب الحلول السياسية، وسط تقارير أممية تشير إلى حدوث انتهاكات واسعة ضد المدنيين، ويتبادل طرفا النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الاتهامات حول استهداف البنى التحتية الأساسية مثل محطات الكهرباء والمياه والجسور، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.

في الوقت ذاته، يأمل السودانيون التوصل لحلول سياسية شاملة، إذ يترقبون مبادرات دولية تهدف إلى إيجاد مناخ حوار بدلاً من الحرب المستمرة، وسط دعوات لوقف العنف وبدء عملية تفاوض جادة تؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في الشأن الأفريقي ديفيد شين قال لـ"الحرة" إن إدارة الرئيس بايدن السابقة قامت بالكثير من أجل انهاء النزاع في السودان لكن هذه الجهود لم تكن كافية.

ورغم أن الإدارة الاميركية الحالية لم تعين بعد مبعوثا جديدا لها للسودان، لكن شين توقع أن تبدأ الجهود الأميركية من جديد لإنهاء هذا النزاع.

تحقيق هذا الهدف، يضيف الدبلوماسي الأميركي السابق، يتطلب جهدا دوليا وألا يقتصر على الولايات المتحدة، مشيرا إلى وجود جهات بعضها فاعلة وتخدم هدف إنهاء الحرب، وأخرى "لا تلعب دورا مفيدا".

وتوقع شين أن تشهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة دفعا أكبر للجهود، "سيما أن وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو مهتم جدا بالملف السوداني" موضحا أن إدراة ترامب الأولى اهتمت بالسودان ونجحت الجهود آنذاك في التطبيع بين السودان وإسرائيل في إطار "الاتفاقيات الابراهيمية".

قنوات اتصال مفتوحة على مدار الساعة بين واشنطن والخرطوم
سفير السودان في واشنطن لـ"الحرة": معاقبة البرهان خطأ ونتطلع لعهد ترامب
في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، قال السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله إدريس، إن العقوبات الأميركية على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، "لا تستند إلى حقائق أو أدلة موثوقة".
رئيس حملة سودان المستقبل ومؤسس الحزب الليبرالي السوداني عادل عبد العاطي أشار إلى أن السودان يمر بأزمة هي "الأكبر في العالم" متوقعا أن تلعب إدارة الرئيس ترامب دورا أكبر، ووجه اللوم للإدارة الأميركية السابقة "في تعاطيها الذي لم يكن بحجم المأساة " وفق قوله.

وقال عبد العاطي "للحرة" إن الرئيس ترامب حريص على إنهاء الحروب في العالم، "ويمكن أن يكون له نجاح في الملف السوداني من خلال الضغط على طرفي النزاع".

لكن عبد العاطي أشار ايضا إلى أن دبلوماسية السلام يجب أن تشمل "العصا والجزرة" وأن لا تقتصر على فرض عقوبات على طرفي النزاع، بل أيضا وضع حلول سياسية والتفاوض بشأن المرحلة الانتقالية بعد إيقاف الحرب.

وشهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان يوم الجمعة اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع عقب قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع عدة تنتشر فيها قوات الدعم شمالي المدينة.

وفي الخرطوم اتهم متحدث باسم قوات الدعم السريع طيران الجيش بقصف مصفاة الجيلي للبترول شمالي الخرطوم، ما أسفر عن تدمير ما تبقى من منشآتها، فيما اتهم بيان للخارجية السودانية قوات الدعم السريع بحرق المصفاة.

وتقول تقارير أميركية إن القتال تسبب في مقتل نحو 150 ألف شخص منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023.

الحرة - واشنطن  

مقالات مشابهة

  • مقتل شخص وإصابة 8 آخرين جراء إطلاق نار في ولاية تكساس
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: لن نسمح بتكرار النكبات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني
  • المبادرة الغائبة التي ينتظرها الفلسطينيون
  • سلطة النقد تكشف حجم الأموال التي نُهبت من بنوك غزة خلال الحرب
  • المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: مقتل 841 جنديا والإصابات كثيرة جدا.. وسنواصل الحرب على كل الجبهات
  • الأزمة السودانية تزداد تعقيدا.. ما المنتظر من إدارة الرئيس ترامب؟
  • زيلينسكي يهاجم بوتين: يحاول التلاعب بالرئيس الأميركي ترامب
  • ما معنى الأمر التنفيذي الذي يوقعه الرئيس الأمريكي.. نظرة على أداة ترامب لتشكيل الحكومة وتسريع عملها
  • روبوت ميتا يخطئ في تحديد الرئيس الأميركي.. وإجراءات طارئة لإصلاحه
  • بعد رفع السرية عن وثائق اغتياله.. من هو الرئيس الأمريكي كينيدي؟