الجزيرة:
2024-06-29@13:33:03 GMT

العربية والتعريب.. مرونة واعيّة واستقلالية راسخة!

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

العربية والتعريب.. مرونة واعيّة واستقلالية راسخة!

تأخذ العربية -إذا شاءت- مقتدرة لا عاجزة، وتعطي -إذا أعطت- مستغنية لا خاضعة..

حقيقة وددت لو استحضرها الغيارى المتحمسون، وهم يتتبعون "موضات" و"حساسيات" اللغات الأجنبية، ويجاهدون في سبيل إسقاطها على العربية، وهم بذلك الاعتسار يحجرون واسعا، وظني أن القوم وقعوا في جرعة الحماس الزائد تلك عن حسن نية، لكن إنزال العربية على شرط اللغات الأخرى تصرف بين الظلع، وسوف أضرب لذلك مثلا، ثم أعطف على موضوع التعريب، لعلاقته المباشرة بذلك التحجير.

يستدعي القوم الطيبون صنيع الصينيين في ترجمة كلمة (Apple) بمقابلها في اللغة الصينية (الذي يعني التفاحة)، وفي هذا خرق لقاعدة منهجية وسنة علمية تقضي بأن الأعلام لا تترجم.. وعندي أن هذا الصنيع لا يخلو من "الحساسية القومية" الباعثة على "التحفظ الوقائي" المفرط، الذي يحكم إغلاق باب الانفتاح اللغوي في وجه غزو الدخيل؛ لفرط الإحساس بضعف المناعة، أو لمجرد التحرز وسد ذريعة تسرب الدخيل، أو لغير ذلك من الأسباب.

وللعربية "جهاز مناعة" ذاتي، ونظام حماية فطري يضبط سياسة "تجنيس" الدخيل عبر آلية "التعريب"، التي بوّب عليها إمام اللغة ابن جني حين عقد -في كتاب "الخصائص"- بابا ذكر فيه أن "ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم".

بل أبعد من ذلك نجد العربية تخالف السياسة اللغوية الصينية المتبعة في ترجمة اسم شركة (Apple) (حسب ما يذكر بعض مدوني مواقع التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى الإلكتروني)، فأشهر أئمة النحو العربي -والاسم الأول في هذا العلم- هو سيبويه، وقد تواترت المراجع على أن معنى هذا الاسم (العلم): "رائحة التفاح"!

ولعمري لو اعتمد العرب الترجمة في "تعريب" ذلك الاسم لغصت أمات كتب اللغة بعبارة: قال رائحة التفاح ومذهب "رائحة التفاح" كذا وكذا..!.. ولكنهم تنكبوا الترجمة، وتركوا الاسم باقيا على أصله الفارسي المركب؛ فلم يتصرفوا فيه إلا بمجرد كتابته بالحرف العربي!

هذا عن ترجمة الأعلام، التي سلم فيها اسم سيبويه من التصرف الذي لحق بأسماء أعجمية كثيرة، طوعت بتحريف هيكلها الحرفي -حذفا أو إبدالا- كما في اسم هرقل، الذي هو تحريف للاسم الأعجمي (Heraclius)، ولذريق، الذي هو تحريف للاسم الأجنبي (Rodericus)، وكما في اسمي واشنطن، وبريطانيا.

وإنما سقت هذه الجزئية -استطرادا- لصلتها -غير المباشرة- بموضوع التعريب وارتباطها -الضمني- به، كما أشرت آنفا.

فأما التعريب فسوف أسوق له مثالا، اختلط فيه حابل الحماس الزائد بنابل التحامل الانطباعي، ولا ألفين متعجلا يقول: "أنت تشنأ الغيورين على العربية، وتشهر سيف العداء في وجوه سدنتها الذائدين عن حمى الضاد".. فما ذاك أردت، وإنما هو النقد والاستدراك مع توخي الأمانة العلمية ومراعاة التجرد الموضوعي ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

ولو ترك النقد مداراة، واطرح الاستدراك مجاملة لضاع علم كثير، وصلنا عبر بساط النقد والاستدراك والتعقب والتصحيح، وأستحضر هنا -بالمناسبة- استدراك الزبيدي -مؤلف "تاج العروس"- على الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط"، وتعقب أحمد فارس الشدياق معجم الفيروزآبادي بكتابه "الجاسوس على القاموس" (وهو كتاب يعرف من عنوانه!).

بل نجد الزبيدي -المتأخر- لا يستنكف أن يكتب عبارة: "وَهَم صاحب القاموس"!.. ولم يزل المتأخرون من المعاصرين يستدركون على الفيروزآبادي -على جلالة شأوه وعلو كعبه.. وهذا في "مادة اللغة"، فكيف بالآراء الانطباعية؟!

أكتب هذا بين يدي تعقيبي على ما ذهب إليه ابن دولتي صاحب الأمالي محمد لغظف حين شنع على مجمع اللغة العربية، ونعى عليه اعتماد -وإجازة- كلمة "الترند"، والحق أن المجمع القاهري لم يزد على أن أعمل أصلا من أصول "التعريب" المبوب عليها في قواعد المجامع اللغوية العربية، التي تعتمد "المعرب"، و"الدخيل"، وتميل إلى "الاقتراض" تبعا لضوابط ناظمة ومحددات مقررة.

وليس في كلمة "ترند" تنافر حرفي ولا استعصاء نطقي، فهي -في قالبها الحرفي وهيكلها الشكلي- تشبه كلمة "فرند" التي تذكر المعاجم اللغوية العربية أنها من الدخيل (أي اللفظ الأجنبي المجنس، الذي ليس عربي الأصل)، وإذا حليت كلمة ترند بأداة التعريف (أل الشمسية)، ساغ نطقها، وذابت عجمتها.

وقد ساق الأستاذ محمد لغظف -في تسويغ اعتراضه على إجازة كلمة الترند- استطرادا احتج فيه بامتناع بعض المجامع اللغوية الغربية من إدخال كلمة (Trend) في "لغتهم الوطنية"، وذلك استئناس مردود؛ لأن للعربية كيانها اللغوي المستقل، فليست تحتاج إلى اتباع هذه "الموضة الوطنية" أو تلك "الحساسية اللغوية"، أيا كان مصدرها!

وما أجمل اجتماع الحسنيين: حلاوة الجرس الإيقاعي، ودقة التعبير الدلالي، وأصالة الاشتقاق في التعريب، فقرب المأخذ، وحضور السلاسة، وغياب التكلف، حبيب إلى النفس، سائغ في الذهن، ناعم الوقع في الأذن.. لكن التعريب (بالمفهوم الواسع) على أضرب.

ومن الأضرب القولبة الصرفية -مع الاحتفاظ بالأصل الأجنبي- كما في تعريب "التلفزة" و"التلفاز"؛ فهذا التصرف فيه زيادة على التعريف بـ"أل"، ومنه استعمال كلمات من العربية الفصحى لتعريب أسماء المخترعات العصرية ذات التسمية الأجنبية، كما في "الهاتف"، و"السيارة"، وقد يكون اسم المخترع العصري أقرب للشرح والتقريب فتكون ترجمته ركيكة، وحينئذ يتعين التعريب لدفع تلك الركاكة.

واللغة العربية -مع انفتاحها الواعي- ذات "استقلال تام"، يجعلها مختلفة عن غيرها من اللغات الشقيقة والصديقة.. فهي لا تساير الصينية -مثلا- في "حساسيتها اللغوية" التي أجاءت الصينيين إلى ترجمة اسم شركة (Apple) بمقابله الذي يعني "التفاحة"، ولو اتبعت العربية أهواء المجامع اللغوية الأجنبية، واستنسخت قوانينها لانهدّ ركن استقلاليتها واستلبت ذاتيتها الحية!

هذا، وإن للعربية ما ليس لغيرها من اللغات؛ فهي معصومة من الانقراض الذي عصف بلغات إنسانية كانت حية ذات يوم، وهي محفوظة من الانسلاخ الذي يهدد لغات أخرى تعيش على الحضور السياسي وتتغذى على التأثير الاقتصادي.

ولو كانت العربية تحت رحمة القوة السياسية والتأثير الاقتصادي لامحت من خريطة "التداول العالمي"؛ لاستسهال أهلها واستهانتهم بها، وتفريطهم في استشعار كونها "لسانا" و"هوية" -في وقت معا- ثم لضعف حضور الدول العربية، وانتكاس وطنية رسمياتها الحاكمة، ولا سيما إذا تعلق الأمر بالشأن اللغوي، واتصل بـ"اللغة الرسمية".. وأعظم بها مفارقة حرى، وبلية مضحكة!

وبعد؛ فحسب العربية عامل بقاء وصك خلود أنها تستمد حفظها من حفظ الكتاب الذي بها نزل، وفيه أنزلت الآية العظيمة "9 من سورة الحِجْر": {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات کما فی

إقرأ أيضاً:

الثانوية العامة 2024| حقيقة تغيير نموذج إجابة امتحان اللغة العربية

كشفت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني حقيقة ما تداول حول تغيير نموذج إجابة امتحان اللغة العربية لشهادة الثانوية العامة 2024. 

وذكرت مصادر في وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن نموذج إجابة اللغة العربية في الثانوية العامة 2024 لم يتغير كما تداول البعض على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ولفتت المصادر إلى أن مؤشرات تصحيح امتحان اللغة العربية في الثانوية العامة 2024 مطمئن للغاية وأن عدد كبير من الطلاب تمكنوا من الإجابة بشكل صحيح على الأسئلة التي آثارت الجدل. 

دقة تصحيح امتحانات الثانوية العامة 2024 

زوجه الدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، بإجراء مراجعات دقيقة لتصحيح امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2023-2024.

وأشار وزير التربية والتعليم والتعليم الفني إلى أن كل التفاصيل في ورقة إجابة البابل شيت أو ورقة إجابة الأسئلة المقالية في امتحانات الثانوية العامة 2024 تخضع لمراجعات دقيقة العديد من المرات سواء فيما يتعلق ببيانات الطالب ورقم جلوسه أو فيما يتعلق باختيارات الإجابة في البابل شيت أو الاجابة في ورقة إجابة الأسئلة المقالية.

وأكد وزير التربية والتعليم حرص الوزارة على مصلحة الطلاب، وإعطاء كل طالب حقه فى عملية التصحيح، مشيرًا إلى أن عملية التصحيح الالكترونى تتم بدقة لضمان تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الطلاب.

ولفت وزير التربية والتعليم والتعليم الفني إلى أن بيانات الطلاب في امتحانات الثانوية العامة 2024 تخضع في هذه الحالة للعديد من الإجراءات المتعلقة بالمراجعة والتدقيق للتأكيد على بيانات الطالب واختياراته في ورق الإجابة من قبل منظومة متكاملة وخطوات متعددة لضمان تحقيق مبدأ العدالة.

ولفت وزير التربية والتعليم والتعليم الفني إلى أن سيستم التصحيح الالكتروني يصدر إنذارا للمراقب على السيستم لمراجعة الإجابة والتأكيد على اختيار الإجابة الصحيحة التي قام الطالب بتظليلها واختيارها.

وأشاد وزير التربية والتعليم بجهود الكوادر المتميزة القائمة على عملية التصحيح وما لديهم من خبرة في هذا المجال،  والتعاون المشهود بين جميع القطاعات.

بدء تصحيح امتحانات الثانوية العامة 2024 

وبدأت أعمال تصحيح امتحانات الثانوية العامة 2024 يوم الأحد الموافق 23 يونيو 2024، في الكنترول المركزي بمدينة السادس من أكتوبر. 

ويعمل مدخلو البيانات بالكنترول المركزى على تنقية وتدقيق بيانات طلاب الثانوية العامة ومراجعة تظليل أرقام جلوس الطلاب في ورق إجابة البابل شيت وورق إجابة الأسئلة المقالية.

مقالات مشابهة

  • أبعد من مسألة «تتلظى»
  • تراث اللغة العربية مخطوطاً
  • الثانوية العامة 2024| حقيقة تغيير نموذج إجابة امتحان اللغة العربية
  • كلمة رئيس البرلمان العربي خلال مشاركته في افتتاح الجلسة العامة لبرلمان عموم أفريقيا
  • التربية توضح حول أسئلة مبحث اللغة العربية للتوجيهي
  • مهم من التربية حول أسئلة امتحان اللغة العربية لطلبة التوجيهي
  • إجابات امتحان اللغة العربية توجيهي 2024 بالأردن كاملة
  • الأسئلة متزنة.. تفاصيل تصحيح إجابات اللغة العربية للثانوية العامة 2024
  • هل تم تسريب أسئلة امتحان اللغة العربية للتوجيهي؟.. التربية تجيب
  • “التوجيهي”.. 148,968 طالبًا وطالبة يتقدمون الخميس لامتحان اللغة العربية