إقبال على استثمارات الحرب في أوكرانيا وهذه أبرز مجالاتها
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
كييف– "هي حرب بالنسبة للبعض، وأم عزيزة بالنسبة لآخرين" مقولة يرددها الأوكرانيون كثيرا منذ بداية الأعمال العسكرية في بلادهم سنة 2014، وتعززت في خضم الحرب الروسية الراهنة المستمرة منذ 24 فبراير/شباط 2022. المقصود بها أن الحرب تحمل تداعيات ثقيلة مؤلمة، لكنها بالمقابل قد تشكل فرصا كبيرة للبعض لتحقيق مكاسب كبيرة.
ولعل هذه المقولة تنطبق فعلا على اقتصاد أوكرانيا، الذي تراجع ناتجه المحلي بنسبة 29.1% عام 2022. ورغم استمرار الحرب، عاد ليحقق نموا نسبته 5% عام 2023، مع توقعات بتحقيق نمو يبلغ 4.6% هذا العام بحسب وزارة الاقتصاد.
الأمن والاستثمار المغريسر النمو لا يكمن فقط في عودة "الأمن النسبي" إلى كييف وعدة مقاطعات أوكرانية أخرى، الذي أعاد حركة الأعمال ونشاط الشركات إليها، بل أيضا في إقبال محلي وخارجي على الاستثمار في قطاعات معينة باتت "مغرية" رغم الحرب.
ووفقا للمدير التنفيذي في مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية في كييف، دميترو بويارتشوك، فإن أوكرانيا اليوم تهم المستثمرين الذين يركزون على ما يسمى "الأصول المتعثرة".
وأوضح في حديث مع الجزيرة نت "نحن نتحدث عن المستثمرين المستعدين لشراء أصول باتت رخيصة جدا بسبب الحرب، حتى وإن كانت محفوفة الآن بالمخاطر، وحتى لو كانت معظم هذه الاستثمارات تحترق حاليا، على أمل تحقيق أرباح قياسية بعد الحرب في المستقبل".
وتابع "هؤلاء المستثمرون يمهدون لأنفسهم طريقا على المدى الطويل، مبنيا على توقعات أن المجمع الصناعي العسكري والقطاع الزراعي، على سبيل المثال، قد يكونان أكثر قدرة على منافسة نظرائهم في الاتحاد الأوروبي".
قطاع التقنيات العسكرية يتصدر فعلا القائمة "الجذابة" إن صح التعبير. وبحسب دائرة الاستثمار، فإن أوكرانيا تتلقى شهريا طلبات من شركات دفاع أجنبية رائدة، تجمع ما بين 0.5 و2 مليون دولار، وتتوقع أن تبرم اتفاقيات بقيمة 10 ملايين دولار خلال 2024 و2025.
وأوضح مدير دائرة الاستثمار أرتيم شيربينا للجزيرة نت "بشكل عام، من المجالات الأكثر جاذبية للاستثمارات حاليا الصناعات المعدنية والكيميائية، والسلع الغذائية والاستهلاكية والتجارة، وكذلك الخدمات اللوجستية. وبعد الحرب، نتوقع نموا قياسيا في قطاع تكنولوجيا المعلومات، والبناء، والتكنولوجيا الزراعية".
وأضاف "على سبيل المثال، زاد إقبال الشركات على الاستثمار في الزراعة والصناعات الغذائية والهندسة الميكانيكية والنجارة. الظروف الراهنة تصنع فرص إنتاج بمصروف أقل ومردود أعلى، قادر على المنافسة عند التصدير".
أوروبا أكبر المستثمرينشركة "كيه بي إم جي" الدولية للمحاسبة، ذكرت في تقرير أنه تم إبرام 5 اتفاقيات استثمارية كبيرة مع أوكرانيا عام 2022، و6 عام 2023، مشيرة إلى أن في ذلك زيادة ملحوظة بالمقارنة مع اتفاقية واحدة مسجلة عامي 2020 و2021.
أبرز المستمرين، بحسب الشركة، هم المصرف الأوروبي للإنشاء والتعمير، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، إضافة إلى خطوة تأسيس "صندوق التنمية الأوكراني" بدعم شركات الاستثمار الأميركية "بلاك روك" و"جي بي مورغان".
ومن بين الأمثلة على الاستثمارات التجارية الكبيرة، بحسب "كيه بي إم جي" أيضا، برزت شركات "نستله" و"باير" و"كارلسبرغ" الأوروبية، التي وسعت الحضور والإنتاج بأوكرانيا، كما تدرس شركات "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، و"بايكار" التركية، و"راينميتال" الألمانية، الاستثمار في صناعة الدفاع الأوكرانية.
ويبدو أن السلطات الأوكرانية تؤمن بأن الحرب بالنسبة للبعض هي "أم عزيزة" وفق المقولة الشائعة، وأن كثيرا من الشركات تترصد فعلا الفرص الاستثمارية خلالها في البلاد.
والحكومة في كييف بادرت بتحديد "ميزات" مغرية للمستثمرين في البلاد، تضم آلاف المشاريع في 10 مجالات، يصل حجمها إلى نحو 460 مليار دولار.
وقائمة الميزات تضم صناعة الدفاع أولا، والمعادن والتعدين، والصناعات الزراعية، والطاقة، والأدوية، والموارد الطبيعية، والخدمات اللوجستية والبنية التحتية، والأثاث والصناعات والنجارة، والابتكارات والتقنيات، وكذلك الإنتاج الصناعي.
عوامل نجاح متوقعةورغم مساحة المشاريع والأرقام الواعدة، يقر الأوكرانيون بأن إقبال المستثمرين الواسع يبقى صعبا ما دامت الحرب، وهذا ما يعكسه الفارق بين طلبات بالملايين ومعروضات بالمليارات. لكنهم يتحدثون عن "عوامل نجاح متوقعة" في الأفق.
تيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد، وهو وزير التنمية الاقتصادية السابق (2019-2020) مقتنع بأن أوكرانيا ستكون جذابة للاستثمار، بسبب الحاجة إلى استعادة البنية التحتية المتضررة، الأمر الذي يوجد آفاقا، ليس فقط لقطاع البناء، ولكن أيضا لجميع موردي مواد البناء وخدمات المهندسين المعماريين.
ويرى أيضا أن "احتمال العضوية في الاتحاد الأوروبي يجعل أوكرانيا جذابة لإنتاج السلع وتنفيذ الخدمات التي يحتاجها الاتحاد، لاسيما في مجال الطاقة، والمنتجات المصنوعة من المواد الحرجة، إضافة إلى قطاعات معينة من صناعة الأغذية، وصناعة الأثاث، وقطاع تكنولوجيا المعلومات".
ويعتقد ميلوفانوف أن بلاده تكتسب خبرة كبيرة في مجال صناعة الدفاع، وإعادة التأهيل الطبي وإزالة الألغام. وسيكون هناك طلب على هذه الخبرة في المستقبل".
لكن واجبات وعقبات تقف أمام تلك الصورة الوردية للاستثمار في أوكرانيا خلال وبعد الحرب، تتعلق بإجراءات وضمانات على الحكومة اتخاذها للتحفيز.
وفقا لياروسلاف زاليلو، نائب مدير المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية: فإن "من واجبات الحكومة التأمين ضد المخاطر غير الاقتصادية (الأمنية) واستحداث آليات توجه الاستثمار نحو المناطق الأكثر احتياجا للانتعاش، وفرض سياسة ضريبية مواتية وتعزيز الإقراض الاستثماري، وتوفير المعلومات حول فرص الاستثمار والموارد المتاحة، ودمج برامج الاستثمار ببعض البرامج الأوروبية المشابهة، لاسيما فيما يتعلق بالتحولات الخضراء والرقمنة وكفاءة الطاقة".
وقال أيضا "على الدولة وضع إستراتيجيات لعمليات التجديد والتحديث، وتنظيم عمليات التدريب المهني، والحث على عودة النازحين واللاجئين لتوفير اليد العاملة".
ويرى مدير دائرة الاستثمار أرتيم شيربينا أن على بلاده أيضا توفير إمكانيات واضحة للتصدير، وتحقيق طلب مستقر بالسوق المحلية قبل التوسع في الأسواق الخارجية. وقبل كل ذلك، تحديد إدارة إستراتيجية وميزانية استثمار معقولة، تراعي الكم المطلوب، والمواقع المستهدفة، والتأثير المنشود لصالح البلاد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات على الاستثمار
إقرأ أيضاً:
المتطوع صهيب الرومي: النساء والشابات لعبن أدوارًا كبيرة في العمل الخيري
رأى المتطوع صهيب الرومي أن النساء والشابات السودانيات لعبن أدوارًا كبيرة في العمل الخيري قبل الحرب الدائرة في البلاد وبعدها. وحكى في حوار مع التغيير قصته مع المطابخ والتكايا، وكشف عن مصادر دخل هذه الجهات، وتحدث عن بدايات رحلته في العمل الخيري وكواليس مشاركته رفقة المتطوعات والمتطوعين في أم درمان بعد نشوب الحرب. كما شرح ظروف المستشفيات والمطابخ وقتها، وتناول العديد من القضايا المتعلقة بالعمل التطوعي.
المتطوع صهيب الروميحوار: عبدالله برير
منذ متى بدأ حبك للتطوع؟ وأين كانت أول مشاركة رسمية لك في العمل الخيري؟حبي للتطوع بدأ منذ نشأتي، فقد كنت أحب المشاركة في مناسبات الجيران في الأفراح والأتراح، ووجدت نفسي عاشقًا لخدمة الناس. أما البداية الرسمية فكانت بإعداد وجبات وتوزيعها لأطفال الشوارع المشردين في أم درمان، ثم اقترحت مبادرة لكسوة الشتاء، ووجدت تجاوبًا كبيرًا. تطورت علاقتي معهم حتى وصل الأمر إلى أن يحفظ هؤلاء الأطفال اسمي ويتعرفوا عليّ وينادوني كلما مررت مع أسرتي، ثم تطور الأمر لمشاركتهم همومهم، حتى أصبحت أفصل في نزاعاتهم وصداماتهم. أذكر أنني كنت في منطقة الشهداء بأم درمان مع أسرتي، وحالما مررنا بقربهم احتضنوني، وكان الموقف مدهشًا ومفرحًا لوالدتي. كما كنت أعد لهم البرامج في حوش الخليفة بأم درمان، إلى جانب مباريات كرة القدم وغيرها من الأنشطة.
ماذا حدث بعد ذلك؟تحوّل الأمر بعد ذلك إلى مبادرات كبيرة وتنظيم الإفطارات الرمضانية. أذكر أنني خرجت من منزلنا في منطقة العباسية، وأعطتني إحدى الثائرات مبلغًا من المال للمساهمة في توفير الطعام والشراب للمشاركين في المواكب الاحتجاجية، وكانت تلك هي البداية الفعلية لي في العمل التطوعي خلال ثورة ديسمبر.
ماذا عن العمل التطوعي في بداية الحرب؟بعد نشوب الحرب، أخبرتني زميلتي بأنها ذاهبة للتطوع في المستشفيات، ولم تكن لديّ خبرة في المجال الطبي، فاتجهت إلى المطبخ والإطعام وجمع المساعدات وإعداد الوجبات للمرضى والمرافقين. اشتد القتال وقتذاك، ففكرت في أطفال الشوارع، وكنا نقدم لهم ثلاث وجبات يوميًا، لكن الجنود في الارتكازات نصحونا بعدم الحركة ليلًا بسبب وجود القناصين. لاحقًا، أُغلق مستشفى أم درمان، وتوقف عملنا فيه.
هل واجهتم صعوبات أو مضايقات؟في البداية، كان الأمر عاديًا، حيث كنا نمر عبر ارتكازات الطرفين، وكانوا يتعاونون معنا بصورة جيدة، كما أن مستشفى الحوادث لم يكن بعيدًا عن منزلي. كنت أذهب بدافع أن المرضى والمرافقين لا يستطيعون التحرك لتوفير وجباتهم. ومع مرور الوقت، بدأت في المساعدة بتنظيف الجروح وتركيب المحاليل والأوكسجين، ثم اقترح علينا أفراد القوات المتحاربة في الارتكازات المبيت في المستشفى وعدم التحرك ليلًا.
متى وكيف بدأت التكايا والمطابخ الخيرية فعليًا؟برزت الحاجة إلى التكايا والمطابخ بعد ازدياد وتيرة الحرب وتزايد أعداد الأسر المحتاجة. أعددنا تكية في الثورة بأم درمان، تحديدًا في الحارة 55، وكانت الأولى من نوعها، حيث بدأنا بوجبة عدس. ثم أقمنا مطبخًا خيريًا آخر في منطقة العباسية. في ذلك الوقت، كانت مصادر الدخل تعتمد على مساهمات المتطوعين وأهالي الحي، وكانت أسعار السلع مناسبة. لكن مع تدهور الأوضاع الإنسانية، قررت مغادرة الخرطوم.
بعد مغادرة العاصمة، هل واصلت العمل الخيري في مراكز الإيواء في الولايات؟في البداية، نزحت إلى الحصاحيصا، ثم مدني، ومنها إلى سنار. وهناك بدأت العمل التطوعي بالتزامن مع سقوط ود مدني. ومع ازدياد موجة النزوح من الجزيرة إلى سنار وانقطاع الاتصالات، بدأنا في جلب المياه للوافدين باستخدام عربات الكارو. وقتها شاهدت النساء والأطفال وكبار السن في شاحنات، يعيشون أوضاعًا إنسانية سيئة لا تليق بالبشر. ساعدَنا أصحاب الأفران والبقالات والطواحين كلٌّ بما يستطيع، وركّزنا على استهداف الأسر النازحة على الطريق العام في مايرنو.
كيف جاءت فكرة مطبخ مايرنو الخيري؟أنشأنا مطبخ مايرنو الخيري بالتعاون مع غرف طوارئ سنار، وأصبح الدعم يأتي من المجلس النرويجي للاجئين ومنظمات أخرى. توسع العمل ليشمل مراكز الإيواء في المدارس.
كيف ترى وضع العنصر النسائي في العمل التطوعي؟النساء والشابات لعبن دورًا كبيرًا في العمل التطوعي، بدءًا من الإفطارات الرمضانية، ثم المطابخ والوجبات، واحتياجات أطفال الشوارع، وقبلها في اعتصام القيادة العامة. أما في المستشفيات مع بداية الحرب، فكان عددهن قليلًا بسبب المخاطر الأمنية والانتهاكات التي كانت تحدث أثناء التنقل.
هل كنتم تعملون بأريحية في الولايات دون صعوبات؟تعرضنا لتضييق أمني، وبعد فترة شعرت أننا كمتطوعين مستهدفون، لذلك غادرت مع أسرتي إلى مصر. لكن بخصوص مطبخ مايرنو الخيري، فقد واصلت العمل فيه مع المتطوعين، وتواصلت مع المنظمات لتقديم المساعدات.
هل تشعرون بأن المتطوعين يتم اتهامهم بالانتماء إلى أحد طرفي الصراع؟هذه الحرب لعينة ولا خير فيها، والمواطن هو المتضرر الأساسي. المشكلة أن كونك لا تحمل سلاحًا يُعدّ مشكلة، وإذا لم تحمله يتم تصنيفك بالانتماء لأحد طرفي الصراع، وتُوجّه إليك الاتهامات بأنك متعاون مع جهة ما.
ما أكثر المواقف الحزينة أو المفرحة التي تذكرها؟أكثر موقف أحزنني كان عند تواصلي مع شخص في إحدى مناطق الحرب بالسودان، طلب مني مبلغًا ماليًا لإجراء فحوصات طبية، لكن لم تكن هناك أموال في حساب المساعدات. كلفت وسيطًا هناك بالتواصل مع المريض لتوصيل المبلغ، لكن بعد يومين فقط أخبرني بوفاته. هذا الموقف أثّر فيّ وهزّني كثيرًا، وكشف لي الوجه القبيح للحرب.
أما أكثر موقف أفرحني، فكان في أحد مراكز الإيواء، حيث أنجبت سيدة حبلى طفلًا، وأطلقت عليه اسمي تيمنًا بي ومحبة لي، وكنت في غاية السعادة.
أعتقد أن الإعلام مقصر في عكس القضايا الإنسانية، حيث يقتصر التغطية أحيانًا على نشطاء المجتمع، بينما تسيطر أخبار طرفي الحرب والتحركات العسكرية على المشهد. هذه رسالة لكل الإعلاميين بضرورة لفت الأنظار إلى معاناة المواطنين المتضررين. كما أتقدم بالشكر للمتطوعات والمتطوعين وفاعلي الخير، وأطالبهم بعدم التوقف مهما كانت الظروف.
الوسومآثار الحرب في السودان العمل التطوعي حرب الجيش والدعم السريع