ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة قداس الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس، في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "نفاجأ كل فترة، ونحن آتون إلى الكنيسة إما بسباق أو بماراتون أو بحدث ترفيهي يحرم المؤمنين من الوصول إلى الكنيسة.

وعندما نسأل محافظ المدينة ينكر معرفته بوجود هذه النشاطات. ألا يكفينا أنهم لا يعلمون من فجر العاصمة، حتى يأتي من لا يعلم بما يحدث فيها؟ يوم الأحد مقدس في تقليدنا نحن المسيحيين، كما أن نهار الجمعة مقدس لدى إخوتنا المسلمين. فلم لا تقام النشاطات في أوقات لا تتعارض مع أوقات الصلوات؟ ألا يمكنهم تنظيم النشاطات خارج أوقات الصلاة؟ وإلا الابتعاد عن الطرقات التي تقود إلى الكنائس والمعابد. الصلاة حديث مع الرب ولا يحق لأحد أن يحرم المؤمن من الحديث مع ربه. ما حصل اليوم غير مقبول، إذ منع الكهنة والمؤمنون من الوصول إلى الكنيسة التي ترونها فارغة. هذه خطيئة نحملها للمسؤولين عن هذه المدينة، ونتمنى ألا تعاد الكرة مرة أخرى. من يحق له حرمان إنسان من حرية الذهاب إلى حيث يشاء؟ فكيف إذا كان قاصدا الكنيسة؟"

أضاف: "في مثل هذا اليوم نتذكر أخوينا مطراني حلب بولس ويوحنا اللذين مضى على اختطافهما أحد عشر عاما ولم يتم اكتشاف مصيرهما حتى اليوم. يؤلمنا أنهما ما زالا غائبين ولا نعرف عنهما شيئا، كما يؤلمنا الصمت الدولي عن قضيتهما. نرفع معكم الدعاء إلى الرب كي يلتئم جرح غيابهما القسري بعودتهما سالمين إلى الكنيسة ورعيتيهما، كما نصلي من أجل أن يعود كل مخطوف ومأسور إلى أحبائه، وكل مهجر إلى بلده وأرضه. نحن لا نريد أن يتحول حدث اختطافهما إلى ذكرى سنوية تتكرر عاما بعد عام، بل نريد عودتهما سريعا لنفرح بهما، ونحن باقون على الرجاء، كما نرجو أن يعود إنسان عصرنا إلى إنسانيته فتتوقف النزاعات والحروب، وينتفي الحقد والظلم والخطف، ويعيش الإنسان بسلام مع أخيه الإنسان، في عالم تسوده العدالة والمحبة".

وتابع: "في هذا الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس، نقترب من نهاية القسم الأول من الصوم الذي كنا خلاله ننقي ذواتنا، ونتسربل حلل الفضائل، ممنطقين أنفسنا بأسلحة البر، للوصول إلى القسم الثاني الأسبوع المقبل، مع إقامة لعازر ودخول ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى أورشليم، والإشتراك معه في موته وقيامته. في إنجيل اليوم سمعنا المسيح يقول لتلاميذه: «هوذا نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن البشر يسلم إلى رؤساء ‏الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم فيهزأون به ويبصقون عليه ‏ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم». لقد وصلنا إلى غاية صومنا وجهادنا، أي الإشتراك في سر الصليب والفداء. لكي نستطيع المشاركة في هذا الحدث العظيم، يحذرنا الرب من التعلق بالإهتمامات الدنيوية والسلطوية. وحدها الغلبة على التجارب توصلنا إلى القيامة، والرب هو من يقودنا إلى الغلبة. ظن يعقوب ويوحنا ابنا زبدى أن الرب يسوع ماض إلى مملكة أرضية، وأنه سيحكم من أورشليم، لذلك سألاه امتياز ‏الجلوس في المقاعد الأولى قائلين: «أعطنا أن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك». إفترض التلميذان أن كل شيء انتهى، ‏وأن العمل بأكمله قد تم لكنهما أساءا فهم رسالة الرب يسوع، وظنا أنه يسعى إلى ملك أرضي، وأنه ‏سيكون لهما منصب فيه، وقد استاء بقية التلاميذ لانفرادهما بطلب هذا الإمتياز.‏‏ لكن جواب الرب على طلب التلميذين جاء بصيغة سؤال: «أتستطيعان أن ‏تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟»، وكأنه يقول لهما: أنتما ‏تطلبان الشرف والمجد الأرضيين، بينما أنا أدعوكما إلى الشرف والمجد الإلهيين، إلى الموت!"‏

وقال: "يقول القديس ثيوفيلكتس، الذي عاش في القرن التاسع: «لقد قصد الرب بالكأس والصبغة الصليب. الكأس هي الجرعة التي ‏نتقبلها بواسطته بعذوبة، والصبغة هي علة تطهيرنا من خطايانا. لقد أجابه التلميذان قائلين «نستطيع» إذ حسباه يتحدث عن كأس منظورة وعن المعمودية التي ‏كان اليهود يمارسونها، التي هي الغسل قبل الأكل». بدوره، يعلم القديس يوحنا الذهبي الفم قائلا: «‏المسيح يدعو صلبه بالكأس، وموته بالمعمودية. لقد دعا صلبه كأسا لأنه ‏كان ماضيا إليه طوعا وبفرح. ودعا موته معمودية لأنه بواسطتها سيطهر ‏العالم بأسره».‏ بقولهما «نعم، نستطيع» تنبأ التلميذان بمصيرهما إذ اقتبل ‏كلاهما الكأس والمعمودية، أي الشهادة. فالقديس يعقوب مات شهيدا بقطع الرأس في ‏أورشليم حوالى العام 45 والقديس يوحنا عاش الإضطهاد في روما ونفي إلى ‏جزيرة باتمس.‏ أوضح الرب لتلاميذه أن حب الرئاسة والسلطة من صفات أسياد هذا العالم، معلما إياهم وقائلا: «من أراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما، ومن أراد أن يكون فيكم أول فليكن للجميع عبدا، فإن ابن البشر لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فداء عن كثيرين». إنها ‏سلطة الخدمة ورئاسة المحبة، والتضحية التي قدمها الرب يسوع مثالا لتلاميذه.‏ هل لنا بعد أن نتجاسر على الرب ونطلب تمجيد ذواتنا؟ التواضع هو الطريق نحو التمثل بالرب، وبذل الذات للخدمة هو المبتغى. نقرأ عن القديس بوليكربوس تلميذ القديس إغناطيوس الأنطاكي أنه، يوم ‏استشهاده، وأثناء تعذيبه، رفع عينيه إلى السماء وقال: «أيها الرب الكلي القدرة، ‏أباركك لأنك أهلتني في هذا اليوم، وفي هذه الساعة، لأكون من عداد شهدائك، ومن مشاركي كأس مسيحك لقيامة النفس والجسد في الحياة الأبدية من دون ‏فساد».‏

وسأل: "أين مسؤولو هذه البلاد وسواها من البلدان من موضوع الاستشهاد الحقيقي، أي شهادة المحبة والتضحية والمسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ يجوع أبناء الأرض ويعانون الفقر والخوف والذل والموت، وقد يستشهدون، فيما هم قابعون على عروشهم، بعيدا عن ممارسة السلطة الحقة، والخدمة والمسؤولية، يتمتعون بمناظر الدم المسال، ويتلذذون بعذاب الأبرياء، كأباطرة العهد الأول للمسيحية. الفرق بين الزمنين أن الأباطرة كانوا وثنيين، فيما أباطرة عصرنا يدعون الإيمان والدفاع عنه، وهم ليسوا سوى عبدة مال وسلطة. ليتهم يعرفون معنى التوبة والصلاة والصوم، ويدركون أنهم مهما جمعوا من مال ومقتنيات وألقاب، ومهما بطشوا وقويت سلطتهم، هم عاجزون عن زيادة يوم واحد على حياتهم، وعن إقصاء أي مرض أو ضعف عن أحبائهم، ومهما كبروا سيمثلون أمام الرب العلي لتقديم الحساب، وقد يسبقهم إلى الملكوت الضعيف والفقير والمرذول الذين احتقروهم ومنعوا عنهم المحبة والرحمة، تماما كما حصل في مثل الغني ولعازر الفقير. كلنا بحاجة إلى رحمة الله ومغفرته ولكن هل نستحقها كلنا؟"

أضاف: "اليوم تضع الكنيسة أمام أعيننا سيرة القديسة مريم المصرية التي بدأت حياتها في الخطيئة والفجور ثم أدركت عمق انحرافها فتابت توبة حقيقية وعاشت حياة زهد وصلاة، فتقبل الرب توبتها ومنحها إكليل القداسة فصارت مثالا نقتدي به".

وختم: "أهلنا الرب الإله للإشتراك في سر صليبه، الذي به خلص العالم، ومنحنا أن نتوب كالقديسة مريم المصرية لكي نتذوق فرح القيامة، ونصرخ عن استحقاق: «المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور».

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: إلى الکنیسة

إقرأ أيضاً:

ذكرى رحيل القديس تيمون.. أحد السبعين رسولًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم بذكرى رحيل القديس تيمون الرسول، أحد السبعين رسولًا الذين اختارهم المسيح لنشر الكرازة بالإنجيل، وأحد الشمامسة السبعة الذين تم تعيينهم في بداية الكنيسة لخدمة المؤمنين وتلبية احتياجاتهم الروحية والمادية.

  وُلد القديس تيمون وعاش في القرن الأول الميلادي، وتميّز بخدمته المخلصة وحكمته، حيث نال ثقة الرسل وتم اختياره كأحد الشمامسة السبعة لخدمة الشعب وبعد قيامة المسيح، انطلق القديس تيمون ليبشر برسالة الخلاص، وواجه تحديات وصعوبات عديدة، لكنه بقي ثابتًا على إيمانه حتى استشهاده. 

انتقل تيمون لاحقًا إلى منطقة بسورية (في سوريا الحالية)، حيث تابع عمله الرسولي هناك بشجاعة وإيمان، مؤسسًا جماعات مسيحية جديدة ومبشرًا برسالة المسيح.

 وفي ختام حياته، تعرض القديس تيمون لاضطهاد قاسٍ بسبب رفضه التراجع عن إيمانه بالمسيح، حيث واجه تعذيبًا شديدًا وانتهى ذلك بنيل إكليل الشهادة، ليُصبح مثالاً حيًّا للتضحية والشجاعة ويعتبر القديس تيمون من الشهداء الذين تكرّمهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويُحتفل بتذكاره كنوع من الوفاء والامتنان لخدمته وإيمانه العميق.

مقالات مشابهة

  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بذكرى استشهاد القديس ديمتريوس التسالونيكي
  • برج الميزان: لا تجادل فيما لا يعنيك.. توقعات الأبراج وحظك اليوم الجمعة 8 نوفمبر 2024
  • هوية الإيمان مرتكز الانتصار في المعركة المقدسة
  • "القديس بولس ورسائله".. الأنبا توماس يلتقي دراسي المعهد الديني بالإسكندرية |صور
  • خمسة رجال كانوا وراء هزيمة هاريس في الانتخابات الرئاسية.. تعرف عليهم؟
  • أمة الإسلام: وحدة وتفرد في العبادة والعقيدة وميراث الإيمان
  • حسن الظن بالله راحة القلوب ودلالة الإيمان عند المصائب والموت
  • مصير الحوثيين و التغييرات التي ستطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد - تحليل
  • موعد عودة عبد الشافي والزناري وندياي لـ مران الزمالك
  • ذكرى رحيل القديس تيمون.. أحد السبعين رسولًا