ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على نية رابطة الاخويات في بازيليك سيدة لبنان _ حريصا، عاونه فيه المطرانان حنا علوان والياس سليمان، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان الاب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور أخويات لبنان، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

 

بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان:"إرموا الشبكة من عن يمين السفينة تجدوا" (يو 21: 6)، قال فيها: "بعد ليلة صيد فاشلة، أطلّ عند الصباح يسوع القائم من الموت على التلاميذ، وقال لهم: "إرموا الشبكة من عن يمين السفينة تجدوا" (يو 21: 6). على الرغم من عدم معرفتهم لهذا الغريب الذي ناداهم من على الشاطئ، "رموا الشبكة، فلم يستطيعوا جذبها لكثرة السمك الذي ضبطته" (يو 21: 6). هو يسوع رأس الكنيسة، جسده السرّي، حاضر إلى جانب كلّ مؤمن ومؤمنة، ولا سيما في الحالات الصعبة لكي يوجّههم إلى حلّها والخروج منها. فينتظر منّا الثّقة به والعمل بتوجيهاته وإلهاماته. هكذا جرى مع التلاميذ الذين بفضل ثقتهم بذاك الغريب فعلوا كما أشار إليهم، وأصابوا السمك الكثير: مئة وثلاث وخمسين سمكة كبيرة اعتبرها آباء الكنيسة القدّيسون رمزًا لعدد الشعوب المعروفة، وعلامةً لجامعيّة الكنيسة. وحده يوحنّا الحبيب عرفه من صوته ومن دافع الحبّ الذي في قلبه. وهمس "إنّه ربّنا" لسمعان-بطرس المملوء إيمانًا وحبًّا ليسوع، فألقى بنفسه في البحيرة آتيًا إليه".

وتابع: "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي تجمعنا في مناسبتين: لقاء رابطة الأخويّات، واليوم العالميّ للصلاة من أجل الدعوات؛ وأن تشارك معنا جمعية فينيسيا للقديس شربل البولندية، مع وفدٍ من السواح البولنديين ومرشدهم الروحي. وهم في زيارة للبنان وقدّيسي،وللوقوف الى جانب الشعب اللبناني وتشجيع السياحة في لبنان والحج الديني إليه. وكذلك تشارك معنا "جماعة الرجاء" الني تهدف الى مساعدة العائلات التي فقدت احد أبنائها من اجل اعادة الرجاء الى قلوبهم. تجتمع رابطة الأخويّات في لبنان اليوم تحت نظر أمنا مريم العذراء في مزار سيدة لبنان-حريصا، تأكيدا على طبيعتها كأخويات بروحانية مريمية، وكأخويات موجودة في لبنان منذ أكثر من ٤٥٠سنة، لتشكل نبض الرعية، واليد اليمنى للكهنة، فتكون حركة الحياة في الكنيسة. تأسست الرابطة في لبنان سنة ١٩٥١ على يد المرحوم الأب جورج خوري اليسوعي، وتضمّ: أخويّات فرسان العذراء، و أخويّات طلائع العذراء، وأخويّات شبيبة العذراء، والأخويات الأم التي تجمعنا اليوم تحت نظر سيدة لبنان حريصا. بالإضافة إلى معهد التنشئة والتدريب. إنّها توجّه نشاطاتها كلها من أجل نمو أعضائها على مثال يسوع المسيح، ليصير كل واحد وواحدة من المنتمين إليها: إنسانًا ناضجًا، ومسيحيًا بعمق، ورسولًا في المجتمع. تجتمع الأخويّات الأم اليوم في لقاء عام لكل فروعها في لبنان، بمشاركة أبنائها وبناتها من عكار إلى جبل لبنان فالبقاع وبيروت. ونوجّه التحية إلى الأخويات في جنوب لبنان، الذين أبوا إلا أن يشاركوا بممثلين عنهم في هذا اللقاء. على الرغم من الحرب هناك. اننا نحيي إيمانهم وشجاعتهم ومن خلالهم نحيي كل احباءنا  في الجنوب اللبناني الذين يصمدون بقوة الايمان والرجاء".

أضاف: "هذا هو اللقاء الأوّل للأخويّات الأمّ، بتحضير وإشراف اللجنة الإدارية الجديدة لرابطة الأخويّات في لبنان برئاسة السيد ريمون الخوري ومرشدها العام الأب الأنطوني دجوني الحاصباني فنحيّيهم  ونحيّي سيادة أخينا المطران الياس سليمان المشرف على الأخويّات باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. ونحيي كل الآباء المرشدين الحاضرين معنا والغائبين. يجسّد هذا اللقاء الشعار السنوي المتّخذ تحت عنوان" صوت واحد" بالتعاون الظاهر بين الفئات الأربع التي تشكل الرابطة. وفي المناسبة تُطلق الرابطة "جوقة الأخويات" التي تخدم قداسنا اليوم، وتضم أكثر من ١٠٠ عنصر من أبناء وبنات الأخويّات. نشكر الله على هبة الأخويّات راجين أن تبقى بنعمته مثالا في الكنيسة وبين المؤمنين، وعنوانا للتنشئة المسيحية الحقة والسلوك المستقيم. " اذا كانت هذه البازيليك تغصّ بالاخويات الام ما القول لو كان معنا أيضا كل الطلائع والشبيبة والفرسان لكنا بحاجة الى ٣ بازيليك. نشكر الله على هذه النعمة الكبيرة التي أعطاها لكنيسة لبنان، انتم الجيش الروحي الحقيقي الذي لا يمكلك سلاحا ولا مدافع انما يملك الحب الايمان والاخوة والعطاء، لذلك سينجو لبنان بفعل صلاتكم وبشفاعة امنا مريم العذراء سيدة لبنان وقديسيه".

وقال: "نحتفل في هذا الأحد أيضًا "باليوم العالميّ للصلاة من أجل الدعوات". فوجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة في المناسبة، جريًا على عادة البابوات منذ إحدى وستّين سنة، وقد أسّسه سنة 1963 القدّيس البابا بولس السادس. أمّا عنوان رسالة البابا فرنسيس فهو: "مدعوّون لنزرع الرجاء ونبني السلام". يكتب في مستهلّها أنّ الدعوة ثمينة ويوجّهها الله إلى كلّ واحد وواحدة منّا، ومن الذين هم شعبه الأمين السائر على الأرض، لكي يتمكّن من المشاركة في مشروع حبّه، ومن تجسيد جمال الإنجيل في مختلف حالات الحياة. الكلّ مدعوّون لسماع الدعوة الإلهيّة، لا من حيث الواجب فقط، بل وبخاصّةكوجهٍ أفضل لنصبح أداة حبّ وجمال وسلام وقبول للآخر. ويذكّر قداسة البابا أنّ الدعوة تشمل:

- الآباء والأمّهات الذين يبنون حياتهم على الحبّ المجّاني، منفتحين على هبة الحياة، وباذلين نفوسهم في خدمة أولادهم ونموّهم.

- العمّال الذين يقومون بأعمالهم وأشغالهم بالتفاني وروح التعاون.

- الأشخاص الملتزمين، بمختلف الطرق والأصعدة، في بناء عالم أكثر عدالة، واقتصاد أكثر تضامنًا، وسياسة أكثر إنصافًا، ومجتمع أكثر إنسانيّة.

- جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الحسنة الذين يضحّون في سبيل الخير العام.

- الأشخاص المكرّسين الذين يقفون حياتهم للربّ في صمت الصلاة، والعمل الرسوليّ وفقًا لمواهبهم الخاصّة.

- الكهنة الذين يتفانون في إعلان الإنجيل، ويهبون حياتهم، مع خبز القربان، للأخوّة، زارعين الرجاء وكاشفين للجميع عن جمال ملكوت الله.

ويوجّه البابا فرنسيس كلمةً أبويّة للشباب وبخاصّة للذين هم بعيدون عن الكنيسة، أو فقدوا الثقة بها، أيّها الشباب: "يسوع يجتذبكم، إطرحوا عليه أسئلتكم. إنّه يحترم حريّتكم، ولا يفرض نفسه عليكم، بل يقدّم ذاته لكم. فاتركوا له مكانًا في نفوسكم وستجدون سعادتكم في اتباعه، حتى ولو طلب منكم أن تبذلوا حياتكم كلّها له".

واضاف: "كم نودّ أن يعتبر المسؤولون السياسيّون والمدنيّون عندنا أنّ الدعوة موجّهة إليهم أيضًا وأنّهم في طليعة المدعوّين، لأنّهم مؤتمنون على خير الشعب، وعلى الدولة ومقدّراتها، وعلى وحدتهم في السير نحو هذين الهدفين، وفقًا لتنوّع مواهبهم. لذا ندعوهم لبذل الجهود نحو الهدف الوطنيّ الواحد، وللتنافس في الوسائل والطرق نحو هذا الهدف، على قاعدة الديمقراطيّة السليمة التي تشكّل نظام لبنان "كجمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة" (مقدّمة الدستور، ج). على قاعدة هذه الديمقراطية عليكم أن تتنافسوا في سبيل الشعب والدولة. يطرح البابا فرنسيس في رسالته ثلاثة مواضيع هي: شعب في مسيرة، حجّاج رجاء وبناة سلام، شجاعة في المجاذفة".

واضاف: "أ-شعب في مسيرة

في الوضع التاريخيّ الراهن، نحن في مسيرة جماعيّة نحو سنة اليوبيل 2025. نحن حجّاج رجاء نحو السنة المقدّسة، حاملين رغبة المسيح وهي أن نؤلّف عائلة واحدة، موحّدة بحبّ الله، ومترابطة برباط المحبّة والمشاركة الأخويّة. في هذه المسيرة نصلّي ملتمسين من الآب السماويّ هبة الدعوات المقدّسة من أجل بناء ملكوته، فالمسيح رأس الكنيسة يدعونا لنصلّي كي "يرسل الربّ فعلة لحصاده الكثير" (لو 10: 2). الصلاة هي أكثر سماعًا لله منه كلامًا. إنّها حوار مع الله من القلب إلى القلب. وهي القوّة الأولى للرجاء، بل تفتح الباب للرجاء.

ب - حجّاج رجاء وبناة سلام

أن نكون حجّاجًا يعني أنّ لدينا معرفة واضحة للهدف، وحفظًا له في الفكر والقلب. ويعني أن نسير كلّ يوم من جديد، نبدأ دائمًا من جديد بذات الزخم. نحن حجّاج لأنّنا مدعوّون لنحبّ الله وبعضنا بعضًا. كحجّاج رجاء نسعى بخطى ممكنة نحو عالم جديد، حيث يمكن العيش بسلام وعدل وحبّ. نحن حجّاج رجاء لأنّنا نسعى إلى مستقبل أفضل، ونلتزم ببنيانه في مسيرتنا. فالرجاء يبدّد الظلمات، مهما تكثّفت في طريقنا.

أن نكون حجّاج رجاء وبناة سلام هذا يعني تأسيس حياتنا على صخرة قيامة المسيح، فلا تتزعزع. قيامة يسوع تجعلنا في حالة قيامة مهما اشتدّت الصعاب الماديّة والروحيّة والمعنويّة.

ج-شجاعة في المجاذفة

المجاذفة تقتضي منّا أن نقوم، أن نستيقظ، ونخرج من اللاميالاة، ونكسر قضبان السجن الذي حبسنا أحيانًا نفوسنا فيه. فيتمكّن كلّ واحد وواحدة من اكتشاف دعوته في الكنيسة والعالم، ويمشي مسيرة حجّ تحمل الرجاء وتبني السلام، حاملين بشرى الفرح، ومشدّدين أواصر الأخوّة الإنسانيّة.انتم ايتها الاخويات، هذا الشعب الذي يسير بالايمان، المصلي الذي يرجوا والذي يعمل، انتم تعملون من عائلاتكم ومن رعايكم، انتم هؤلاء الحجاج للرجاء ولبناء السلام.

وختم الراعي: "فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل أن يلتزم كلّ إنسان بدعوته الخاصّة، فتنسجم حياته مع تصميم الله الخلاصيّ. ولنصلِّ من أجل تقديس الأخويّات وإنمائها وانتشارها في مختلف الرعايا على كامل الأرض اللبنانيّة. ولتشفع لها ولنا ولوطننا لبنان أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء سيّدة لبنان. ومعها نرفع نشيد المجد والتعظيم للثالوث القدّوس الواحد، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: البابا فرنسیس سیدة لبنان فی لبنان من أجل ة التی

إقرأ أيضاً:

حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها

تتواصل منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 الحرب بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، بموازاة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.

وتتراوح العمليات الحربية بين القصف الصاروخي والغارات الجوية وإطلاق المسيّرات وعمليات الاغتيال. وهي أدّت لغاية 21 حزيران/يونيو 2024 (بحسب «داتا مشروع الصراعات المسلّحة وأحداثها» الذي نشرت «الجزيرة» بياناته بالإنكليزية) إلى مقتل 543 شخصاً على الجانب اللبناني (بينهم حوالي 400 عضو ومسؤول في حزب الله) في 6142 هجمة إسرائيلية، و21 شخصاً على الجانب الإسرائيلي (معظمهم من الجنود) في 1258 هجمة شنّها حزب الله. كما أدّت إلى دمار هائل في قرى وبلدات لبنانية حرق الجيش الإسرائيلي أراضٍ زراعية محيطة بها بالفوسفور الأبيض وهجّر منها حوالي الـ80 ألف شخص. في المقابل، أصابت نيران حزب الله العديد من المواقع العسكرية الإسرائيلية، كما ضربت عدداً من المستعمرات والمدن وفرضت على 90 ألفاً من سكّانها النزوح.

وتخطّت الصواريخ والغارات حدود لبنان ووصلت إلى سوريا، حيث أغارت إسرائيل على مواقع لحزب الله وخطوط إمداده هناك، في حين استخدم الحزب منصّاته القريبة من الجولان المحتل ليردّ منها على الإسرائيليين.

حزب الله وإيران وإسرائيل وأمريكا وحساباتها
بهذا المعنى، فإن الحرب التي يتساءل الجميع عن موعد «وقوعها» وقعت فعلاً وتتواصل منذ أشهر طويلة، ولَو أنها ما زالت بشكل أساسي محصورة جغرافياً وتقوم على تبادل نيران من دون محاولات تقدّم أو تبديل مواقع أو تغيير معادلات.

ورغم التهديدات الإسرائيلية الدورية بتوسيعها وباجتياح لبنان و«إعادته إلى العصر الحجري» (على ما يردّد المسؤولون الإسرائيليون)، إلا أن الأمور لم تخرج بعدُ عن الإطار المذكور وعن تركيز القصف على منطقة جنوب نهر الليطاني من ناحية، وإصبع الجليل والجليل الأعلى من ناحية ثانية، مع عمليات تتخطّى كل فترة الحيّزين المذكورين من باب السعي إلى تثبيت الردع أو استعادة المبادرة أو تبادل الرسائل النارية.

ذلك أن الحزب الشيعي اللبناني الذي بدأ الحرب بدعم إيراني (وبمعزل عمّا تبقّى من الدولة اللبنانية) وفق معادلة مفادها الاشتباك الصاروخي المضبوط والمحدود مؤازرةً لحركة حماس، أعلن منذ البداية أنه لن يوقفها ولن يغيّر قواعد الاشتباك فيها قبل نهاية الهجوم الإسرائيلي على غزة. وهو بالتالي وضع نفسه في موقع الاستمرار في تبادل النيران من دون الدفع نحو تصعيد يُفضي إلى مواجهات عنيفة ومفتوحة، إذ لا مصلحة له ولا لطهران في ذلك، في وقت لم تنقطع فيه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين الإيرانيين والأمريكيين حول العقوبات والبرنامج النووي.
وإسرائيل التي اعتمدت الردّ بالقصف العنيف على مواقع حزب الله وعلى المدنيين الجنوبيين، خارقة بين الحين والآخر قواعد الاشتباك لجهة عمق نيرانه، لجأت في الوقت نفسه إلى عمليات اغتيال لأعضاء ومسؤولين في الحزب بهدف إضعافه تنظيمياً وميدانياً. وبدا ذلك لفترة كافياً لها ومستنزِفاً لعدوّها.

وأمريكا التي راقبت وتراقب كلّ ما يجري، ظهرت «حريصة» على استمراره ضمن معادلته القائمة إلى حين الاتفاق على وقف إطلاق نار يسري على غزة وعلى الجنوب اللبناني. وهي إذ نقلت أكثر من مرّة تهديدات إسرائيل إلى بيروت، عمدت أيضاً إلى القول بإمكانية التوصّل إلى حلّ سياسي يتخطّى الظرف الراهن وتعقيداته ويعمد إلى ترسيم حدود برّية (على طريقة الترسيم البحري) بين لبنان وإسرائيل وإعادة تفعيل قرار الأمم المتّحدة 1701 وما يتطلّبه الأمر من إجراءات على جانبي الحدود.
مآزق المراوحة ومخاطرها

لكنّ عامل الوقت والتطوّرات العسكرية منذ نيسان/أبريل 2024 بدأت تزعزع الصيغ والحسابات المشار إليها.

فحزب الله الذي أصيب بخسائر كبيرة في الأشهر الأولى من الحرب رفع منذ مدّة مستوى أدائه العسكري، واستخدم أسلحة جديدة أكثر تطوّراً، وبعث برسائل إلى الداخل الإسرائيلي من خلال عرضه صوراً دقيقة لأهداف محتملة لصواريخه. كما هدّد أمينه العام قبرص إن سمحت لتل أبيب باستخدام موانئها ومطاراتها في أي هجوم على لبنان. وأراد بذلك إظهار مقدرته على إلحاق الأذية بالعمق الإسرائيلي وتخطّي كل الخطوط الحمر وتعميم الضرر (بما يطال قبرص الأوروبية) إن شنّ الإسرائيليون هجوماً واسعاً.

وإسرائيل التي لم تنجح في إنهاء القتال في غزة رغم كل التدمير والقتل، والتي تعاني حكومتها ضغوطاً لوقف النار وتحرير الأسرى والرهائن بصفقة تبادل، تعاني من ضغوط إضافية من قبل المهجّرين من الشمال. وهي إذ تبدو غير قادرة بعدُ على تنفيذ تهديداتها ضدّ لبنان لجملة اعتبارات بعضها مرتبط بمحدودية طاقتها النيرانية من دون تذخير أمريكي متواصل وإفراج عن الشحنات المجمّدة مؤقتاً من قبل واشنطن، وبعضها على صلة بالخشية من حجم الأضرار المحتملة في بناها التحتية (لا سيما في حيفا ومنطقتها) وفي عدد من المواقع الحيوية في الشمال والوسط إن استهدفها حزب الله، إلا أنها مضطرة لتغيير تعاملها مع الوضع على حدودها حيث لم تنجح لا بالقصف ولا بالتهديد في فرض وقف النار ودفع الحزب الشيعي للانسحاب من خطوط انتشاره.

أما أمريكا، فكلّما اقترب سباقها الرئاسي من المفاصل الحاسمة، كلّما ازداد تخوّف إدارتها من انفجار الأوضاع على نحو يضعف قدرتها على التأثير وعلى اللجم، ويدفع إيران لتحريك قوى جديدة (ميليشيات عراقية) أو لمدّ قوى منخرطة حالياً في عمليات زعزعة استقرار اقتصادي عالميّ (الحوثيين) بأسلحة أكثر فاعلية. وهذا بالطبع يؤثّر على فرص جو بايدن الذي يفضّل تجميداً للأوضاع وتقليصاً لرُقع القتال يُتيح لديبلوماسيّته العمل وادّعاء إنجاز سياسي قبل الاستحقاق الانتخابي.

ويمكن القول إن ثمة تاريخين مهمّين لتوضيح مسار الأمور في المقبل من الأسابيع. تاريخ 24 تموز/يوليو الذي يُفترض أن يتحدّث فيه نتنياهو أمام مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، والذي ستسبقه وتليه مجموعة لقاءات بين الإسرائيليين والأمريكيين للبحث في الأحوال الفلسطينية واللبنانية ومسائل شحنات الأسلحة الثقيلة المطلوبة إسرائيلياً والمجمّدة أمريكياً، مع ما سيرافق ذلك من مباحثات حول عزم تل أبيب «القيام بعمل عسكري ضد حزب الله» والسيناريوهات المكمّلة لهكذا عمل أو المتناسلة منه ومخاطرها وموقف واشنطن منها. وتاريخ 1 أيلول/سبتمبر الذي حدّدته الحكومة الإسرائيلية موعداً ينبغي بحلوله أن يكون جميع النازحين من الشمال قد عادوا إلى مناطقهم.

ويمكن القول أيضاً إن السيناريو الأكثر ترجيحاً حتى الآن، في ظلّ كل ما جرى ويجري، هو تصعيد إسرائيلي في منطقة جنوب الليطاني، لا يدفع نحو تغيير جذري في قواعد المواجهة الدائرة، ولا يبقيها في الوقت عينه في نفس مراوحتها ومستوى عنفها السائد، بهدف فرض تفاوض لاحق على شروط وقف النار. والأكيد أن حزب الله يدرك ذلك ويتحضّر له، ومثله أهل الجنوب، ممّن صارت إيقاعات الحرب المفروضة عليهم مرافقةً لحياتهم اليومية وراسمةً لمعاناتهم وحرائق أرضهم.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • معاودة التواصل بين بكركي وحزب الله
  • صلوات للسلام ضد الحرب.. والراعي: في الحرب الكلّ خاسرون وضعفاء.
  • عادل عسوم: إلى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
  • بعد تصريحات البطريرك الماروني.. «تلاسن» شيعي- مسيحي في لبنان.. وغياب «الحريري» يهدّد السُنة
  • عودة: ما يحصل يوميا من عنف وتدمير ووحشية يندى له الجبين
  • من الراعي.. رسالة إلى المعنيين بالشأن السياسي!
  • لماذا كل هذا التهويل؟
  • حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها
  • مساع بين بكركي والمجلس الشيعي الاعلى.. الخازن عن الراعي: يرفض وصف حزب الله بالارهاب
  • إخفاق الحزب الديمقراطي في المناظرة الرئاسيّة