في مقال سابق لي بعنوان "الحرب العبثية بين الأدلجة ومعركة تكسير العظام"، تناولت بالنقد دور الحزب الشيوعي السوداني في إضعاف التجربة الديمقراطية الرابعة، واسقاط حكومة حمدوك، وقد كان نقدي قاسياً بقدر حجم المُنتَقَد، والدور التاريخي المؤثر الذي لعبه في توجيه دفة السياسة السودانية منذ تأسيسه في أربعينات القرن المنصرم حتى تاريخه، وهو دور ممهور بكثير من التضحيات، والجسارة، والفكر الإبداعي النضالي، لكن الحزب، ككافة الأحزاب الوطنية السودانية، لم يكن بمأمن من الاستهداف والاختراق، والتأثر بالحالة العامة للسودان من وهن وفقر ومرض وتخلف، لكن موقفه، خلال تجربة الدولة المدنية، تحت مظلة حكم حمدوك، كان لا يشبه الحزب، بأي حال من الأحوال، حتى وهو في أسوأ حالاته.
جاءتني بعض الملاحظات والعتاب، من أشخاص، أكن لهن ولهم، احترام عميق، بأنني لم أكن منصفاً في حق الحزب الشيوعي، وأن انسحاب الحزب من تحالف الحرية والتغيير كانت له مبرراته، وأن الحزب لم ينسحب، إلا بعد أن أوصدت في سبيله وسبيل الثورة الأبواب وسدت السبل، وكان قد أصدر عدة بيانات في أبريل ومايو 2019 موضحا فيها موقفه الرافض لأي انقلاب عسكري، أو إبقاء أي من رموز النظام البائد على سدة الحكم، أو أي شكل لإعادة انتاج الأزمة، بإنتاج النظام المندحر، كما طال الحزب بالحل الجذري للأزمة الوطنية، واجتثاث نظام الفساد والاستبداد والاقتصاد الطفيلي من جذوره، ومحاكمة كل من أجرم في حق الشعب السوداني، ورفضه لأي محاولة لتكريس الأمر الواقع، والاعتراف بأي سلطة عسكرية، والعمل على قيام حكومة مدنية مدتها أربع سنوات تكونها القوى الوطنية التي صنعت الثورة لتحقق حلم سودان الغد (سودان بكرة)، ودعت تلك البيانات الشباب على البقاء في الميدان حتى تحقيق النصر المؤزر. كما طرح الحزب الشيوعي برنامج التغيير الجذري الذي دعا فيه لتسريح كافة المليشيات المسلحة وتكوين جيش وطني مهني بعد إعادة هيكلته...إلخ.
لا شك في أن هذه المطالب ليست موضع خلاف بين مكونات الحركة الوطنية، ولا يتناطح فيها عنزان خرجا وبح صوتهما في هذه الثورة، لكنه برنامج ليس في حاجة لعمل سياسي بل إلى عصى موسى، لتحقيقه في تلك الظروف، فمن هو العسكري الذي بيدة السلاح والسلطة الذي يرمي سلاحه، ويتخلى عن الثروة، ويسلم نفسه إلى أقرب مركز بوليس ليحاكم ويسجن لو لم يعدم؟.
المثل يقول إذا أردت إن تطاع فأمر بالمستطاع، و(مد كرعيك على قدر لحافك)، حكم موجزة تلخص لنا كيف نقدر ونتصرف ونقرأ الواقع الذي حولنا.
عندما انتصرت الثورة السودانية في 11 أبريل 2019 كان الجميع يدرك ومتفق بأن ذلك النصر كان نصراً محدوداً، ولاستكماله كان لابد من مواصلة الثورة بصبر وتؤدة، حتى تحقق غاياتها، ولأن الثورة كانت سلمية، شباب عزل ضد خصم شرس، مؤدلج، مسلح، لايري الحقيقة إلا من خلال ما تصوره له آلته الإعلامية، خصم متمكن من كل مفاصل الدولة، والثروة، بيده أكثر من 80% من مداخيل الاقتصاد السوداني، كان لابد من الجلوس والتفاوض والحوار مع قيادة الجيش وربيبه الدعم السريع، ما يسمى باللجنة الأمنية التي كونها البشير في أواخر أيام حكمه، والتي آلت إليها أدوات السلطة من سلاح وسيطرة اقتصادية، وكان لابد للعب على أوتار التناقضات وتضارب المصالح، دراسة الواقع وتحليله، المحيط الإقليمي والمحيط العالمي ودول الجوار، والأهم من كل ذلك الاختلاف ما بين قيادة الدعم السريع ممثلة في الفريق محمد حمدان دقلو، وقيادة الجيش المؤدلجة ممثلة في عبد الفتاح البرهان وبقية عقده الفريد، وذلك لتحقيق مكاسب سياسية للثورة، وصون الدماء وتسكين الدهماء. وكانت قوى الثورة في تحالف الحرية والتغيير في أمس الحاجة لخبرات وتجارب الحزب الشيوعي، خاصة في تحليل الواقع وفن التفاوض، وذلك لما يملك من خبرات متراكمة من كوادر عركتها الحياة السياسية مثل عبد الخالق محجوب ومحمد إبراهيم نقد والخاتم عدلان ودكتور الشفيع خضر، وكان شخص بخبرات وكاريزما وحكمة المهندس صديق يوسف يمكن أن تسهم اسهاماً كبيرا في تسيير الأحداث وتغيرها وتحقيق المكاسب للثورة، وفعلا كان للمهندس صديق يوسف دور زعامي وقيادي في التحالف وحظي باحترام الجميع وكان من الممكن أن يسهم بدور أكثر فعالية في مجلس رأس الدولة المكون من قيادة الجيش والدعم السريع وستة من المدنيين، ولم يكن مجلساً شكلياً، كما هو في الأنظمة البرلمانية، بل لعب المجلس أدوار سياسية حاسمة في الفترة الانتقالية، وكان من أسباب انقلاب البرهان في أكتوبر 2021 هو تسليم رئاسته للمدنيين حسب ما جاء بالوثيقة الدستورية.
في خضم ذلك الصراع السياسي المحتدم بين اللجنة الأمنية الممثلة في القيادات العسكرية والمدنيين أصدر الحزب بيان بسحب ممثله المهندس صديق يوسف وانسحابه من تحالف الحرية والتغيير، رافضا ما أسماه بالهبوط الناعم، وطرح طريق آخر للمضي فيه وهو طريق التغيير الجذري... والآن لا عدنا نملك هبوطاً ناعماً أو خشناً، بعد أن خسرنا كل شيء وعدنا إلى مربع (ون) نبحث عن وطن يأوينا.
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی
إقرأ أيضاً:
بمناسبة مرور (١٧٧) عاما على صدور البيان الشيوعي
بقلم : تاج السر عثمان
1
مرت في ٢١ فبراير الماضي الذكرى ١٧٧ لصدور البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وانجلز في 21 فبراير 1848 ، في ظروف أكدت صحة المبادئ العامة للبيان ، فقد اشتدت الأزمة العامة للرأسمالية مع تصاعد الفاشية والنزعات العنصرية، كما في تصاعد المخطط الصهيوني الأمريكي لابادة وتهجير الشعب الفلسطيني، ولا سيما بعد إعادة انتخاب ترامب ، جاء ذلك بعد أن تفاقمت الأزمة و فشل الاصلاحات لمواجهة أزمة الرأسمالية في العام 2008 /2009م، التي لم تكن جذرية، و بعد الحرب الروسية - الاوكرانية التي بلغت تكلفة الحرب فبها أو خلال 3 سنوات حوالي 820 مليار دولار، وتحول هذا الانفاق على الحرب الي
ديون على أوكرانيا يطالب الرئيس الأميركي ترامب بتسديدها وعينه في ذلك على المعادن الثمينة التي تمتلكها أوكرانيا الخائفة على مصير ثرواتها.
،إضافة لحرب غزة والسودان بهدف نهب الموارد بعد إبادة وتهجير السكان الأصليين، أدت الأزمة لزعزعة النظام المالي الرأسمالي العالمي، وتتفاقم المشاكل مثل: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والمديونية العامة، و الاستقطاب الطبقي، وشدة استغلال العاملين وتشريدهم ، وارتفاع الأسعار والتضخم، والإنفاق العسكري على حساب خدمات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي،وتفاقم الصراع بين أقطاب الرأسمالية" اليابان، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة ، وصراعها مع الدول الرأسمالية أو الرأسمالية الدولية الصاعدة مثل : " الصين، روسيا، الهند ، جنوب أفريقيا ، البرازيل،.الخ"، واحتدام حدة الصراع الموارد في البلدان النامية ومنها السودان، هذا اضافة لنهوض الحركة المطلبية والجماهيرية ضد البطالة ، وأزمة “كورونا” التي حصدت الالاف من المواطنين، وضد العنصرية، وتنامي الأحزاب الثورية بمختلف منطلقاتها المطالبة بالضمان الاجتماعي والعدالة والدفاع عن البيئة ووقف سباق التسلح والحرب ، واحترام حقوق الانسان، وحقوق المرأة، وضد الاحتباس الحراري الذي يهدد كوكبنا، ومجانية التعليم ، الصحة، الدواء، وضد الخصخصة وتشريد العاملين ، والإضرابات الواسعة لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن تنامي دور الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.
بمناسبة مرور ١٧٧ نعيد نشر هذا المقال عن البيان الشيوعي.
2
علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر) ( البيان الشوعي).
بهذه الفقرة ختم ماركس وانجلز البيان الشيوعي ، والتي تؤكد جوهر البيان الشيوعي، الهادف الي تحرير الناس من كل اشكال الظلم والاستلاب والاضطهاد الطبقي، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق الفرد الحر.
صدر البيان الشيوعي عام 1848م، وقام بصياغته ماركس وانجلز بتكليف من تنظيم الشيوعيين الذي كان عبارة عن جمعية اممية للعاملين ، كان ذلك في مؤتمرها الذي عقدته في لندن في نوفمبر 1847م، وكان الهدف وضع برنامج مفصل للحزب يوضح رؤى وأهداف الشيوعيين، ثم نشره ، علي أن يكون عمليا ونظريا في الوقت نفسه.
فقد صدر أول الأمر باللغة المانية ، وبعد ذلك صدرت منه مئات الطبعات باللغتين الانجليزية والفرنسية والروسية والبولونية وترجم الي بقية اللغات.
أشار ماركس وانجلز في مقدمة الطبعة الصادرة في 24/ يونيو/1872م، الي أن (الظروف تبدلت منذ صدور البيان ، الا أن المبادئ العامة الواردة في البيان لاتزال بالاجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها ، وان كانت هناك فصول يجب ادخال بعض التعديل عليها ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين ، فلا يجب اذن أن تعليق اهمية كبرى علي التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني ، ونحن لو عمدنا الي انشاء هذا المقطع اليوم ، لاختلف في اكثر من نقطة عن الأصل ، وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة ، والتجارب التي راكمتها الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي وتجارب كومونة باريس التي وضعت لأول مرة السلطة في ايدي الطبقة العاملة لمدة شهرين).
يواصل ماركس وانجلز: (ان نقد الأدب الاشتراكي الوارد في البيان غير كامل ، اذ انه يتوقف عند عام 1847م ، ولذلك الملاحظات الواردة في الفصل الرابع عن موقف الشيوعيين من مختلف الاحزاب المعارضة، فهي وان كانت صحيحة اليوم من حيث مبادئها ، الا أنها اصبحت عتيقة من حيث تطبيقها ، اذ أن الحالة السياسية قد تغيرت بتمامها، وقضي التطور التاريخي علي معظم الأحزاب المذكورة فيها) .
يواصل ماركس وانجلز ( والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لانملك حق تعديلها، وربما ارفقنا احدي طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، اما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض).
3
هكذا عالج ماركس وانجلز بمنهجهما الديالكتيكي المتغيرات التي حدثت منذ صدور البيان الشيوعي وضرورة اخذ الخصائص والظروف والاوضاع المحلية في الاعتبار، وضرورة اعادة التحليل والدراسة بعد كل متغيرات تحدث، فالبرنامج ليس جامدا، بل يأخذ المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة.
كانت الفكرة الرئيسية في البيان الشيوعي كما أشار انجلز في مقدمة له في 28/يونيو/1883م، بعد وفاة ماركس: أن الأوضاع الاقتصادية والبناء الاجتماعي الذي ينشأ منها، يؤلفان في كل عهد التاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، ولذا فالتاريخ بأسره منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات ، كان تاريخ الصراع بين الطبقات السائدة والمسودة في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي ، ولكن هذا النضال وصل في المجتمع الرأسمالي الحالي الي مرحلة اصبحت فيها الطبقة العاملة (البروليتاريا) لاتستطيع ابدا أن تتحرر من نير الطبقة التي تستغلها ( البورجوازية) دون أن تحرر في الوقت نفسه ، والي الابد المجتمع كله من الاستغلال والاضطهاد ، ومن نضال الطبقات.
كما استعرض انجلز التحولات التي حدثت في نضال الطبقة العاملة في مقدمة طبعة اول مايو 1890م، وأشار الي صحة الشعار الذي رفعه البيان الشيوعي (ان تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة نفسها)، وليس بالنيابة عنها، كما اشار الي نمو وتقوية الروابط الأممية بين العمال منذ صدور شعار "ياعمال العالم اتحدوا"، وكذلك نضال العاملين في امريكا من اجل تخفيض ساعات العمل الي ثماني ساعات.
3
فما هي اهم الأفكار التي طرحها البيان الشيوعي؟
يشمل البيان الشيوعي المواضيع التالية: مقدمة، البورجوازيون والبروليتاريون، البروليتاريون والشيوعيون، موقف الشيوعيين من مختلف احزاب المعارضة.
يبدأ ماركس وانجلز البيان بتوضيح الآتي: هناك شبح يجول في اوربا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى اوربا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث اصبحت اى معارضة يتهمها خصومها القابضون علي زمام السلطة بالشيوعية، ومن كل ذلك استخلص ماركس وانجلز شيئين:
أ- أن الشيوعية اصبحت قوة معترفا بها من جميع الدول الاوربية.
ب- أن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم واهدافهم وميولهم، ويدحضوا شبح الشيوعية ببيان من الحزب، ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا البيان الشيوعي.
يبدأ ماركس وانجلز في البيان بتحليل اسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي يختلف عن اساليب الإنتاج الاستغلالية السابقة ( العبودي، الاقطاعي) بتوضيح: أن البورجوازية لاتعيش الا اذا ادخلت تغييرات ثورية مستمرة علي أدوات العمل ، أي علي اسلوب الإنتاج ، أي علي العلاقات الاجتماعية بأسرها.
ويلفت ماركس وانجلز النظر منذ وقت مبكر الي ظاهرة العولمة أو سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي علي نطاق عالمي بتوضيح:أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة الي اسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان ، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان ، وباستثمار السوق العالمية ، تصبغ البورجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الاقطار بصبغة كونية. وتنزع من الصناعية اساسها الوطني المحلي.فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح علي وشك الانقراض وتخلي مكانها لصناعات جديدة يصبح ادخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الامم المتمدنة.
هذا ويؤكد تطور التشكيلة الرأسمالية بعد175 عاما صحة تحليل البيان الشيوعي، فقد جددت الرأسمالية نفسها باستمرار وخاصة بعد الثورة العلمية التقانية والتي طورت الإنتاج بشكل لامثيل له في السابق من ناحية الكم الكيف، وتم تدويل عملية الإنتاج بفضل نشاط الشركات متعدية الجنسية، علي سبيل المثال: اصبحت اجزاء العربة المارسيدس تصنع في اكثر من دولة، وظهر مايسمي باضراب العاملين في شركة واحدة من جنسيات وبلدان مختلفة، اضافة للعمالة الاجنبية مما يؤكد تدويل عملية الانتاج، وضرورة تضامن العاملين علي نطاق عالمي، فليس للعمال وطن كما يؤكد البيان الشيوعي، لأن عملية الانتاج في الراسمالية اصبحت كونية، وتم تحول في تركيبة الطبقة العاملة التي اصبحت تضم العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وامتصاص فائض القيمة منهم، كما تعمقت تناقضات الرأسمالية والتي اهمها: التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والملكية الفردية لوسائل الانتاج بواسطة الشركات متعددة الجنسية، كما اصبح مركز العالم الرأسمالي يصدر لبلدان العالم الثالث الصناعات الملوثة للبيئة ورخيصة الأيدي العاملة، اضافة لنهب فائض القيمة النسبي والمطلق من العاملين،كما ازداد تركز الثروة وتعمقت مشكلة البطالة وتصاعدت وتائر تدمير البيئة في الرأسمالية المعاصرة.وتأكد شعار: ياعمال العالم اتحدوا، الذي طوره لينين بعد دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكارات وبرز نهب شعوب المستعمرات كمصدر من مصادر ارباح الشركات الرأسمالية، بشعار: ياعمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا.
كما يؤكد تطور الرأسمالية المعاصرة صحة ما أشار اليه البيان الشيوعي وهو:أن الشرط الاساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البورجوازية هو تكديس الثروة في ايدي بعض الافراد وتكوين رأس المال وانمائه، وشرط وجود المال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة علي تزاحم العمال الذين يتجمعون في اتحادات ثورية للصراع اجل حقوقهم السياسية والنقابية وتحسين احوالهم المعيشية والثقافية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء بقوله: ان البورجوازية تنتج قبل كل شئ حفاري قبرها،وأن التشكيلة الرأسمالية القائمة علي استغلال العاملين ونهب الشعوب مرحلة عابرة في التاريخ، وسوف يخرج من احشائها المجتمع الاشتراكي الذي يزيل استغلال الإنسان للإنسان والاستلاب، تحرر الطبقة العاملة نفسها والمجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد والاستغلال.
4
أما الجزء الثاني من البيان الشيوعي فيوضح المبادئ العامة لعلاقة الشيوعيين بالطبقة العاملة، ويشير الي أن الشيوعيين لايؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال الأخري، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وهم لايناضلون بالنيابة عنها ولايريدون صوغها وحشرها في مبادئ خاصة.
وأن الشيوعيين لايتميزون عن بقية احزاب العمال الا في نقطتين هما:
أ- في مختلف النضالات الوطنية التي يقوم بها العاملون يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة لمجموع العاملين.
ب- في مختلف مراحل النضال بين العاملين والرأسماليين يمثل الشيوعيون دائما، وفي كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها.
بالتالي، فان الشيوعيين من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية العاملين بادراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها واهدافها العامة، وأن هدف الشوعيين المباشر هو الهدف نفسه الذي ترمي اليه احزاب العمال ، اى تنظيم العاملين في طبقة والاستيلاء علي السلطة السياسية والغاء الملكية البورجوازية التي تقوم علي استغلال واستنزاف وافقار العاملين.وأن الشيوعية كما يوضح البيان الشيوعي: (لاتسلب احدا القدرة علي تملك منتجات اجتماعية، ولكنها لاتنزع سوى القدرة علي استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك).
ويدفع البيان التهم البدائية والمتخلفة عن أن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن.
ويشير الي أن ازالة استغلال الانسان للانسان يمحو معه كل استغلال للنساء واشاعة لهن في البغاء، كما هو جاري الآن في الغرب الرأسمالي، حيث اصبحت الان التجارة في الجنس من النشاطات المدرة لارباح هائلة، ويخلق العائلة المتحررة من الخوف،فالرأسمالية باسلوب انتاجها الذي ينتج ويعيد انتاج الفقر هو الذي يهدم العائلة وينسف استقرارها، كما يقوى زوال الاستغلال الروبط الحقيقية لشعوب وقبائل الأرض لتتعارف ولتتبادل منافعها وثقافاتها، بدلا من اسلوب الرأسمالي الحالي الذي يهدف الي اشاعة ثقافة الرأسمالية التي تقوم علي الأنانية ومحو الهوية والثقافة الوطنية للشعوب،والغاء الحدود الوطنية من خلال نشاط الشركات عابرة القارات، فاسلوب الإنتاج الرأسمالي بطبيعته هو الذي جعل عملية الانتاج كونية، وقوى الروابط الاممية بين العاملين والتضامن العالمي ضد الاستغلال الرأسمالي الذي اصبح كونيا، كما يؤكد تطور الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء: بأنه علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر.
تلك هي الأفكار والمبادئ العامة التي اوضحها البيان والتي تابعها ماركس وانجلز بالدراسة والبحث العلمي الشاق كما في مؤلف ماركس وانجلز: الايديولوجية الالمانية، والتي تم فيه وضع الاكتشاف الاساسي للماركسية: الفهم المادي للتاريخ والذي استخدمه ماركس وانجلز خيطا هاديا ومرشدا وبمنهجه الديالكتيكي في مؤلفه:رأس المال والذي اكتشف فيه نظرية فائض القيمة التي اوضحت جوهر الإنتاج الرأسمالي، وبذلك تحولت الاشتراكية الي علم ( الماركسية)، والتي شكلت الأساس النظري للعاملين في نضالهم من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وفي الذكرى ال (١٧٧) لصدور البيان الشيوعي، ما أحوجنا للقراءة الناقدة للبيان الشيوعي والذي مازالت المبادئ العامة التي طرحها سليمة، وخاصة في ظل الواقع البشع الذي كرسته الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk