د. أحمد جمعة صديق
ما هي الفجوات التعليمية التي تنشأ عن غياب الطلاب عن الدراسة لمدة عام بسبب الحرب؟
تقول الاحصائيات إن ما يزيد عن 19 ميلون تلميذ خارج فصول الدراسة الآن بسبب الحرب. فهؤلاء الطلاب يتعرضون لآثار الحرب السلبية بصورة مباشرة في فقد اعزائهم وأحبابهم من الأهل والمعارف، أو بفقد أوطانهم ومغادرة مناطق استقرارهم قهراً وقسراً، لتكتب عليهم ويلات النزوح أو اللجوء الى أماكن آمنة نسبياً.
لقد أثرت الحرب بصورة مباشرة في الإنسان والحيوان والأعيان. فقد الألآف أرواحهم، اذ تقول المحصلة النهائية ان عدد القتلى – ونحتسبهم شهداء عند الله- قد بلغ ال17000 قتيل. بينما تسببت الحرب في لجوء ما لا يقل عن 2 مليون سوداني داخل وخارج السودان بالاضافة الى 8 مليون غادروا ديارهم قسراً وصاروا في عدداد المشردين. ولم تتوقف آثار الحرب هنا، فقد طال الدمار العمار أيضأ. اآلاف الوحدات السكنية في المدن قد تدمرت وسوّيت بالأرض، مع دمار شامل لحق بالبنية الأساسية من طرق وكبارى وجسور ومؤسسات حكومية وأهلية طالها الخراب بغير سبب وجيه.
وكان الاثر الاكبر للحرب على التعليم، اذ طالت الحرب هذه الفئة العمرية من السكان، فاغلقت مضجعها ودمرت بنيانها النفسي والعضوي. و قد لحق الدمار بمؤسسات التعليم من مدارس وجامعات. وتحولت المدارس والجامعات - في أفضل الحالات- الى مساكن لايواء الفارين من جحيم الحرب - وفي أسوأ الحالات الى ثكنات للفصائل المتقاتلة. وفي كلا الحالين توقف الدور الطبيعي للمدارس والجامعات كمصادر للمعرفة بسبب لعنة الحرب.
وتأثير الحرب على الطلاب في السودان وخيم اذ تسببت الحرب في انقطاعهم عن الدراسة لفترة عام كلمل. والعواقب المحتملة لتأخير التعليم لتلك الفترة كبيرة وربما يصعب علاج آثارها حتى بعد توقف الحرب. فالحروب، تثير الفوضى في المجتمع، اذ لها تأثيرات عميقة على مختلف جوانبه. فعندما تجتاح الصراعات منطقة ما، تمتد تأثيراتها الى جوانب الحياة كلها، وخاصة بالنسبة للفئات الضعيفة من النساء والاطفال والشباب في طور الدراسة. وننظر قي هذا المقال آثار الحرب على الطلاب على مدى عام، مسلطين الضوء على الفجوات التعليمية التي تنشأ عن مثل هذه الاضطرابات.
• الصدمات النفسية
يكون الأثر النفسي للحرب على الطلاب كبيراً. فمشاهد العنف، وتجربة النزوح، والعيش في حالة من الخوف المستمر يمكن أن تؤدي إلى الصدمة، والقلق، والاكتئاب. هذا العبء النفسي لا يعيق الدراسة فحسب، بل يؤثر أيضاً على الرفاهية العامة للطلاب وصحتهم العقلية على المدى الطويل.
• النزوح والاضطراب
غالباً ما تجبر الحروب الأسر على الفرار من منازلهم، مما يؤدي إلى نزوح واسع الانتشار. ونتيجة لذلك، يتم نزع الطلاب من مدارسهم ومجتمعاتهم وشبكات الدعم الخاصة بهم. هذا الاضطراب لا يعوق فقط تعليمهم، بل يزيد من مشاعر عدم الاستقرار وعدم اليقين.
• الوصول إلى التعليم
يصبح الوصول إلى التعليم مقيدًا بشدة في المناطق المتأثرة بالنزاعات. قد تكون المدارس قد تضررت أو دمرت بشكل كامل أو بصورة لا تجعلها صالحة للعمل، مع نزوح المعلمين وهم أساس نجاح العملية التربوية كلها، وتصبح الموارد نادرة. ويواجه الطلاب، وخاصة الفتيات، حواجز جمة للالتحاق بالمدرسة - اذ توفر ذلك- بسبب انعدام عوامل السلامة والعادات الثقافية والصعوبات الاقتصادية.
• انقطاع التعلم
تنقطع استمرارية التعلم في وسط فوضى الحرب. حتى إذا بقيت المدارس مفتوحة، فإن الإغلاقات المتكررة وتقليل ساعات العمل ونقص المعلمين المؤهلين يعيق قدرة الطلاب على المشاركة في تجارب التعلم المعنية. ونتيجة لذلك، يتوقف التقدم التعليمي، مما يؤدي إلى فجوات في التعلم يصعب علاجها في المدى القريب
• فقدان المهارات والمعرفة
تؤدي الفترات الطويلة من الاضطراب التعليمي إلى فقدان المهارات والمعارف بين الطلاب. فبدون وصول منتظم إلى فرص التعلم، يفقد الطلاب الكثير لما تعلموهوا سلفاً حيث تتلاشى المعرفة المكتسبة سابقاً وتتناقص المهارات الأكاديمية. هذا الانتكاس لا يؤثر فقط على أدائهم الأكاديمي الحالي، بل يعرض مستقبلهم للخطر أيضاً.
• الصعوبات الاقتصادية
غالباً ما تدفع الحروب الأسر إلى الفقر، مما يجعل من الصعب بشكل متزايد عليهم تحمل مصروفات التعليم. تصبح تكلفة التعليم، بما في ذلك الرسوم الدراسية والزي المدرسي واللوازم، مكلفة للغاية بالنسبة للعديد من الأسر التي تكافح من أجل تأمين لقمة العيش. ونتيجة لذلك، يضطر الطلاب إلى تخطي تعليمهم للمساهمة في دخل الأسرة أو مساعدة في مسؤوليات الرعاية.
• التجنيد القسري والاستغلال
يتعرض الطلاب في المناطق المتضررة من النزاعات لخطر تجنيدهم قسراً كجنود أطفال أو أن يصبحوا ضحايا لأشكال مختلفة من الاستغلال، بما في ذلك العمل القسري والاتجار بالبشر والعنف الجنسي. وإغراء التجنيد، جنباً إلى جنب مع اليأس الاقتصادي ونقص التدابير الوقائية، يعرض الطلاب لمخاطر جمة، مما يحرمهم من طفولتهم وفرصهم التعليمية.
• مسارات التطرف
توفر البيئات الممزقة بالحروب أرضاً خصبة للتطرف والأيديولوجيات المتطرفة. قد يكون الطلاب، محبطين من العنف وعدم الاستقرار من حولهم، عرضة للتجنيد من قبل جماعات متطرفة تقدم لهم الغرض والانتماء والتمكين. إن تعليم الأفكار المتطرفة لا يحول فقط انتباه الطلاب عن متابعة التعليم، بل يستمر في تعزيز دورة من العنف والنزاع.
• انهيار المجتمع
يزيد الانهيار الاجتماعي بعد الحرب من التحديات التي يواجهها الطلاب. ستكافح المجتمعات الممزقة بالصراعات الطائفية أو التوترات العرقية أو الانقسامات السياسية لإعادة بناء المؤسسات وتعزيز البيئات المواتية للتعلم. يعيق التمييز والتحيز والتهميش الجهود المبذولة لإنشاء أنظمة تعليمية شاملة وعادلة، مما يعزز دورة الاستبعاد والنزاع.
• الفجوات بين الجنسين
تفاقم الحرب من اتساع الفجوات بين الجنسين في التعليم، مما يؤثر بشكل مفرط على وصول الفتيات للدراسة اذ تتقاطع العادات الثقافية ومخاوف الأمن والضغوط الاقتصادية لتحد من فرص التعليم للفتيات، مما يعزز دورة الفقر وعدم المساواة بين الجنسين. ويقوض تآكل وصول الفتيات للتعليم الجهود المبذولة لتحقيق المساواة بين الجنسين ويعرقل التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
• تاثير الحرب على دورة العمل
يؤدي استمرار الحرب الى انقطاع التعليم في مؤسسات التعليم في البلاد مما ينتج عنه عملياً انقطاع الكوادر المدربة التي تغذي الدولة بالايدي العاملة في جميع قطاعاتها. فانقطاع التدريب لمدة عام سيخلق فجوة في التوظيف، حيث سيتوقف التعيين في الوظائف الشاغرة وتلك الوظائف التي ستشغر بسبب التقاعد أو الإستقالات أو الوفاة. كما سيؤدي انقطاع التعليم الى تراكم الوظائف لانعدام الترقي في سلم الخدمة المدنية مما سيخلق أوضاعاً يصعب معالجتها على المدى القريب في سوق العمل.
• تواصل الاجيال:
تتسبب الحرب في تمزيق واضعاف النسيج الاجتماعي وذلك بخلق فجوات بين الاجيال المختلفة، اذ سيؤدي انقطاع التواصل والحميمية بين افراد العائلة والمجتمع الى وقف تدفق المعلومات والخبرات والعواطف المتبادلة بين الاجيال. سينقطع التواتر في نقل المعارف والمهارات - بسبب الحرب - من الجيل القديم الى الجيل الجديد مما سيؤدي الى فقر في المعرفة عند الاجيال الحديثة. وسيؤثر ذلك مستقبلاً على كيان الامة نفسها ويهدد بزوال الدولة من الوجود على المدى البعيد.
• الخلاصة
ونخلص من كل ذلك أن أثر الحرب على الطلاب على مدى عام شامل وعميق؛ اذ يتجاوز الأثر الصدمة النفسية والنزوح إلى انقطاع التعلم والصعوبات الاقتصادية، وتنعكس عواقب الصراع على حياة الطلاب بأكملها، معرضة رفاهيتهم الحالية وفرصهم المستقبلية للخطر. تتطلب معالجة الفجوات التعليمية التي تنشأ عن مثل هذه الاضطرابات جهودًا موحدة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وضمان الوصول إلى التعليم ذو الجودة، وتعزيز مبادرات بناء السلام والمصالحة وذلك يتم فقط من خلال العمل الجماعي والاستثمار المستمر ليمكننا التخفيف من الآثار السلبية للحرب على الطلاب وخلق مستقبل أكثر إشراقًا وأكثر شمولية للجميع. ان آثار الفجوة التي تخلفها الحرب في سنة واحدة يحتاج علاجها الى أجيال.
نسأل الله اللطف بشعبنا، ونتمنى أن يعي المتحاربون أن لا جدوى من انتصار أحدهما على الآخر لأن حتى من يكسب الحرب، فهو لم يحقق الانتصار الا بمزيدٍ من الخسائر في الأرواح والمال والعتاد.
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرب على الطلاب بین الجنسین آثار الحرب الحرب فی
إقرأ أيضاً:
قرار عاجل من التعليم يحسم مصير تدريس الحاسب الآلي لطلاب المرحلة الثانوية
أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عن قرارها النهائي بشأن مصير تدريس مادة الحاسب الآلي لطلاب مرحلة الثانوية العامة.
وقالت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، في خطاب رسمي عاجل تم إرساله لجميع المديريات والإدارات التعليمية والمدارس، إنه "في ضوء الجهود التي تبذلها الوزارة للارتقاء بالعملية التعليمية وردا على ما ورد من استفسارات من معلمي وموجهي مادة الحساب الآلي، نؤكد أنه طبقا للقرار الوزاري 138 لسنة 2014 بشأن نظام الدراسة والتقييم بمرحلة الثانوي العام ، فقد تقرر الآتي:
يتم تدريس مادة الحاسب الآلي تحت مسمى تكنولوجيا ، ضمن مواد التربية المهنية كنشاط اختياري لحصة واحدة أسبوعيا.لا تضاف درجة مادة الحاسب الالي التي تدرس تحت مسمى تكنولوجيا للمجموع الكلييتاح للطالب الاختيار بين مادة الحاسب الآلي الموجودة بإسم (التكنولوجيا) وبين إدارة الاعمال والمشروعات مما يساعد في تنمية مهارات الطلاب التكنولوجية من خلال التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي داخل المعامل المدرسية.كان محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أعلن أن رؤية الوزارة العامة فى هيكلة التعليم الثانوي، هى إعادة هيكلة المرحلة الثانوية طبقًا للمعايير العالمية؛ لإتاحة الفرصة للمعلم لتقديم عملية تعليمية جيدة داخل الفصل، بعدد ساعات معتمدة للمواد الأساسية، ويكون لديه الفرصة والوقت لتدريس المحتوى، وكذلك تنمية مهارات الطلاب، والانتهاء من المنهج فى الوقت المخصص؛ من أجل إعداد جيل قادر على التنافسية مع الدول الأخرى، لافتًا إلى ضرورة مواكبة التعليم لسوق العمل الذي يشهد تغيرات متسارعة.
وأوضح الوزير أنه تم الاستناد لقواعد علمية وبمراجعة خبراء متخصصين، وذلك لصفوف المرحلة الثانوية وتوزيعها بشكل متوازن، في ضوء نواتج التعلم، ومراعاة عدم وجود تكرار في المحتوى، ودون التقصير في المعارف التي سيدرسها الطلاب، حتى لا تسبب عبئًا معرفيًا عليهم.
وقال إنه تم إعادة هيكلة التعليم الثانوى، حيث كان الوضع السابق يدرس الطلاب (32) مقررا في ثلاث سنوات، أما الوضع الحالى فيتم دراسة (6) مقررات دراسية فقط داخل المجموع فى كل من الصفين الأول والثاني الثانوى، والدراسة بالصف الثالث الثانوي (الشهادة الثانوية العامة) (5) مواد داخل المجموع، وزيادة المدة التدريسية لكل مادة لتصل إلى المعدلات العالمية.
فى السياق نفسه، أكد الوزير أن الإجراءات التنفيذية العاجلة، تمت من خلال إعداد دراسة مقارنة لنظم الدراسة بالمرحلة الثانوية في مختلف دول العالم قام بها أكثر من (120) أستاذ باحث من كلية التربية، وتلك الدراسة أوضحت أن عدد المواد التي تتم دراستها في المرحلة الثانوية في أهم (20) دولة في التعليم على مستوى العالم تتراوح بين (6 و8) مواد دراسية سنويًا كحد أقصى، وأن نظام IGCSE يدرس فيه الطالب عددًا يتراوح ما بين 8 إلى 10 مواد دراسية خلال 3 سنوات، وأن نظام International Baccalaureate (IB) يدرس فيه الطالب 6 مواد خلال سنتين دراسيتين.
وأضاف أن إعادة صياغة وتوزيع المحتوى المعرفي تهدف في نظامها الجديد إلى التأكيد على الهوية الوطنية من خلال تأصيل دراسة تاريخ مصر، وتضمين الموضوعات القومية بالمناهج، إضافة إلى التأكيد على إكساب الطلاب المهارات اللازمة لسوق العمل، مع التأكيد والتركيز على دراسة لغة أجنبية واحدة وأساسية وزيادة عدد الحصص المقررة لها للعمل على إتقانها، وقبل كل ذلك استعادة الدور التربوي للمدرسة.