حسن ابراهيم حسن الأفندي
قد جئت في دمعي بشعر رددا
سوداننا مليون ميلا مذ بدا
هلا عرفتم من قديم خريطة
ما باله مسخا مشوّه قد غدا
هل هان سودان الجدود عليكم ُ
فكرهتمُ ألا يكون موحدا ؟
منقو أخي منذ القديم ولم يزل
ولي العديد تفرّدا وتوددا
إن أنَّ في ملكال ديفد صارخا
لبست له الخرطوم ثوبا أسودا
النيل يروينا وتربة أرضه
غذت الجميع مع الترابط سؤددا
صاغوه سودان الجمال قصائدا
حفرت دواخلنا جمالا مفردا
ولنا, لكم قربى وطبع أماجد
كيف الجفاء يصير فينا سيدا
أنتم أنا وأنا لكم , ما بالنا
كل تنكر للعلاقة بددا؟
تلك الخريطة في جمال حدودها
تأبى تفارق ناظري على المدى
أنا من رواني النيل منذ طفولتي
حبا لأهلي الطيبين وأنشدا
لا عاش من يسعى يمزق ربعه
أو عاث في ظل التناحر مُرعدا
سيسطر التاريخ عنا سوءة
كبرى تلاحقنا وتسألنا غدا
أين التلاحم من قديمٍ أين ما
كان البطولة والرجولة والفدا؟
بل أين ( عزة ) في هواها كان من
ودٍ قديم صاغ شعرا أخلدا
اللهَ يا سودان إني عاجز
وقصير باع ليس يملك موردا
عاش الحياة بفقرها وضياعها
وأبت حظوظ أن تمد له يدا
اللهَ يا سودان ماذا في يدي
حتى أسوقك للسماء الفرقدا
حتى أراك عظيم مجد في علا
ك حنى لك التاريخ رأسا مجّدا
حتى يعود بنوك في رشد لهم
وبمثلما كانوا المعارف والندى
كانوا الإباء وشامخات من علو
مٍ من ثقافاتٍ ومن نور الهدى
كانت لنا الخرطوم لاءات النضا
ل فكيف ضاع حصاد سادتها سُدى؟
أمن السياسة أن نعيش تمزقا
بئس السياسة أن تكون المفسدا
أنا لا أطيق سوى خريطتك التي
منذ الولادة أرتضيها مرقدا
كانت بعيني في جمال مفرط
كانت لي الزهو الجميل المسعدا
والله ما برحت حدودك لحظة
طرفي ولا سئمت عيوني مشهدا
في خضرة النيلين عشت مراتعي
وعشقت ليلى والكنار مغردا
واليوم أبكي أن أراك كما ترى
حزني يُورّثني السقام معددا
انفض سامرنا وينعق بومنا
ما عاد من رأي نقيم مسددا
قتلوك هم , وأدوك هم , يا جرمهم
ما بالهم باتوا طغاة حُسّدا
كم مرة قد قلت فيك قصائدي
وبثثت من درر الكلام الأجودا
وطني وضوء الشمس أنت ودفئها
في يوم حالكة وليل برّدا
لو أبدلوني حرَّ شمسك بالنعيـ
ـم وعن رمالك أو حجارك عسجدا
ما اخترت إلا أن أكون بأرضكم
وأموت فيها ثم أدفن سيدا
ولغيركم لا ما عشقت ولا أنا
غيّرت جلدي ذات يوم جاحدا
سبعون من عمري تمر وديدني
صبر على الأيام أرقبها المدى
حتى إذا ما زلزلت خطواتنا
جئناك شعرا بالمرارة منشدا
thepoet1943@gmail.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
محمد الجوهري
تصريحات الرئيس الفلسطيني المزعوم محمود عباس (أبو مازن) عن مجاهدي حماس في غزة، وألفاظه النابية بحقهم، لا تقدم جديداً سوى المزيد من السقوط الأخلاقي للسلطات العميلة التي تستمد شرعيتها من البيت الأبيض، الحليف الرئيسي للكيان الصهيوني. وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل هي عُرف سياسي متفشٍّ في أغلب الجمهوريات العربية، حيث تبقى تلك الأنظمة خانعة كماً وكيفاً، مقابل بقائها في السلطة الوهمية، واستفادة أصحابها من بعض الامتيازات الخاصة، كالأرصدة الضخمة وممارسة الفساد بحق الشعوب دون حسيب أو رقيب.
ولم يعد خافياً أن عباس وأفراد عائلته يملكون مصالح مشتركة مع الاحتلال، وبسببها لا يزال في السلطة منذ أكثر من عشرين عاماً، حيث ترتبط هذه المصالح باستمرار خدماته للكيان الصهيوني. وينطبق هذا الوضع على أعضاء حكومته العميلة، المشاركين في قمع الشعب الفلسطيني، وتبرير كل إجرام إسرائيلي بحقه، كما هو الحال في غزة والضفة، حيث ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات قتل وخطف علني، بتواطؤ عباس وأزلامه.
في اليمن، كما في فلسطين، توجد حكومتان: إحداهما مرضيٌّ عنها دولياً وتحظى بدعم أمريكي، وأخرى منبوذة دولياً لكنها تستمد قوتها من الشارع اليمني. ومن البدهي أن تقف الأخيرة مع الشعب الفلسطيني في مظلوميته الكبرى، حيث لا ضغوطات غربية تمنعها من ذلك، بخلاف الأخرى التي يتمنى أعضاؤها أن يكون لهم موقف مشرف من غزة، لكن ذلك يتعارض مع مصدر شرعيتهم في البيت الأبيض، ما يفقدهم إياها بمجرد إعلان تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.
وعلى هذا القياس تتشكل أغلب الحكومات العربية؛ فإذا أراد شعبٌ ما أن يسترد حريته، صُدم بالهيمنة الأمريكية التي بدورها تفرض عليه حكومة شكلية لا شرعية لها سوى من المجتمع الدولي، الذي تهيمن عليه الغطرسة الأمريكية. ولهذا، فإن ظاهرة “الدنابيع” هي الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي.
وكلمة “دنبوع” -في الأصل- تشير إلى الفار عبد ربه منصور هادي، فهذا لقبه، وهو ليس أول رئيس شكلي في المنطقة، لكن غباءه الشديد فضح عمالته وتبعيته للسعودية وأسيادها الغربيين في أكثر من موقف، وأهمها تصريحه العفوي بشأن تفاجئه بالعدوان السعودي على بلاده، رغم أن الأخيرة زعمت أن عاصفة الحزم كانت بطلب منه. وله أيضاً تصريح سابق يكشف عبوديته لنظام عفاش، حين أكد أنه لم يستلم أي سلطة من سلفه سوى العلم الجمهوري.
مطلع العام 2022، اضطرت السعودية إلى استبدال الدنبوع بآخر لا يقل عنه عمالة للغرب، وهو المرتزق رشاد العليمي الذي لا يقل عنه ولاءً للخارج، إذ يطالب منذ عام ونصف بتدخل أمريكي لاحتلال بلاده بحجة حماية الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، في سقوطٍ أخلاقي لا نظير له في التاريخ اليمني الحديث أو القديم. فالعليمي لا يبالي بأي معايير أخلاقية، ولا يكترث لأي دوافع سوى عبوديته للمال، كما لا يحرص على تقديم أي صورة مشرفة له أمام المجتمع اليمني، إذ إن الشرف ليس من دوافعه هو وأمثاله في مجلس الثامنة الخونة الموالي للغرب والصهاينة.
وهكذا يتجلى المشهد العربي في صورته القاتمة: زعامات مستوردة، أنظمة مصطنعة، لا شرعية لها إلا بقدر خدمتها لمصالح الاستعمار الغربي، ولا قيمة لها لدى شعوبها إلا بمقدار ما تُمعن في قهرهم ونهبهم. وما محمود عباس سوى حلقة صغيرة في سلسلة طويلة من دنابيع السياسة العربية الذين ما إن تهب عليهم رياح التحرر حتى ينكشف عوارهم، ويسقط قناع الزيف عن وجوههم الباهتة.
ولم يكن عباس حالة شاذة؛ فقد سبقه ولحقه كثيرون، كأنور السادات، الذي رهن القرار المصري لواشنطن، ووقع اتفاقيات الاستسلام مع الصهاينة، ثم سُمّي عهده “عصر الانفتاح على الغرب” ولو على حساب كرامة مصر، وكذلك خلفه حسني مبارك، الذي جعل من مصر مخفراً كبيراً لحماية حدود الكيان الصهيوني في وجه المقاومة الفلسطينية، وبارك حصار غزة لسنوات طويلة.
وكذلك حال ملوك الخليج والأردن، فالشرعية هناك مطلقة للطغاة، وليس للشعب أي حق في الحديث عن حقوقه المصادرة، وأولها حق التعبير والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكل هؤلاء، وأمثالهم، يثبتون حقيقة أن الاحتلال العسكري ليس الشكل الوحيد للاستعمار، بل إن أخطر أشكاله هو الاحتلال السياسي الداخلي، عبر وكلاء صغار بلباس الزعماء.