نصف الموظفين في العالم يتوقعون أن يقضي الذكاء الاصطناعي على أعمالهم
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
يمن مونيتور/قسم الأخبار
يتوقع الخبراء أن يتمكن الذكاء الاصطناعي يوما ما من أداء جميع وظائفنا بشكل أفضل، وهو ما يعني أن أغلب الوظائف البشرية أو كثير منها سوف تختفي مع مرور الوقت، وسوف تؤدي هذه التكنولوجيا إلى طفرة في نسب البطالة وتحل بدل الكثير من الموظفين في العالم.
ويتوقع الخبراء أن تتولى الآلات جميع وظائفنا في غضون قرن من الزمان فقط.
ونشرت جريدة «دايلي ميل» البريطانية استطلاعاً للرأي شمل 16 ألف عامل، ووجد الاستطلاع أن الكثير من الموظفين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يمكنه فعل ما يقومون به بالفعل. وحسب تقرير «دايلي ميل» الذي اطلعت عليه «القدس العربي» فقد اعترف ما يقرب من نصف الموظفين بأن التكنولوجيا يمكن أن تتفوق عليهم في «المهام الروتينية» مع إيلاء اهتمام أفضل بالتفاصيل.
وتأتي هذه النتيجة بعد أسابيع فقط من تحذير أحد مراكز الأبحاث الرائدة من أن الذكاء الاصطناعي قد يستولي على أكثر من ثمانية ملايين وظيفة في بريطانيا إذا لم تتصرف الحكومة بسرعة.
ومن المتوقع أن تشهد «نهاية العالم للوظائف» الأدوار الإدارية والمبتدئة أولاً، ولكنها ستؤثر بشكل متزايد على أولئك الذين يتقاضون أجوراً أعلى حيث تصبح أكثر تعقيداً.
ووجد تقرير مستقبل العمل الصادر عن موقع الوظائف أن واحداً فقط من كل ثلاثة مشاركين كان واثقاً من أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير إيجابي على دورهم.
ومع ذلك، شعرت الأغلبية ـ تسعة من كل عشرة ـ بالثقة في قدرتهم على التكيف مع التغييرات خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأخبر العمال عن حجم مسؤولياتهم اليومية التي أصبحت جاهزة بالفعل للأتمتة، حيث قال ثلاثة من كل خمسة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إجراء تحليل البيانات بشكل أفضل من البشر.
وكانت المهام الروتينية 48 في المئة والاهتمام بالتفاصيل 45 في المئة من المهام الأخرى التي شعر فيها العمال بأن الذكاء الاصطناعي سيكون له اليد العليا.
وفي حين أن الوظائف المتكررة مناسبة تماماً للذكاء الاصطناعي، إلا أن العمال قالوا إنهم ما زالوا يشعرون بالثقة بأنهم أفضل في التفكير النقدي والإبداع والذكاء العاطفي.
وينقسم الخبراء حول التأثير الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العالمي، لكن الجميع متفقون على أنه سيكون له تأثير مزلزل، وهو ما يحدث بالفعل.
وكشفت شركة «بريتيش تيليكوم» العام الماضي عن خطط لخفض عشرات الآلاف من الوظائف بحلول عام 2030 ومن المقرر استبدال حوالي 10 آلاف وظيفة بالتكنولوجيا.
وفي الوقت نفسه، أشارت دراسة استقصائية شملت أكثر من 2700 باحث في مجال الذكاء الاصطناعي في كانون الثاني/يناير، إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون «أفضل وأرخص» من البشر في كل مهنة بحلول عام 2116.
ويأتي تاريخ التنبؤ قبل 50 عاماً تقريباً من نفس التنبؤ الذي تم إجراؤه في العام السابق، ما يسلط الضوء على مدى سرعة تحسنه.
ووجدت دراسة استقصائية حديثة أجريت على 600 من الرؤساء التنفيذيين العالميين أن العديد منهم يرسلون على عجل موظفين «مبتدئين» إلى معسكرات تدريب الذكاء الاصطناعي لتأهيلهم لمواكبة التطورات. واعترف المئات أيضاً أنهم يخشون أن تتولى التكنولوجيا دورهم يوماً ما.
وقال الكثيرون إنهم يستخدمون بالفعل أدوات مثل «تشات جي بي تي» سراً لمساعدتهم على القيام بمسؤولياتهم اليومية، واعتبروها عملهم الخاص. وقال نيك باكستر، الرئيس التنفيذي لمجموعة «آي إن غروب» إن العديد من الشركات سريعة النمو لا تزال تعاني من فجوة المهارات، وهي مشكلة تؤدي في النهاية إلى الإضرار بالنمو وإبطاء الابتكار.
وأضاف: «إذا أردنا بناء اقتصاد رقمي ديناميكي حقاً، تحتاج الشركات إلى الوصول إلى أحدث المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، ما يسمح للشركات الطموحة بالوصول إلى إمكاناتها الكاملة».
وقال تريستان ويلكنسون، قائد القطاع العام في شركة «إيه أن دي ديجيتال» إن الشركات هي شريان الحياة لاقتصاد بريطانيا، ومع ذلك فإن الكثير منها يكافح من أجل مواكبة وتيرة التحول الرقمي.
وأضاف: «لا يمكن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام إلا إذا حصلت الشركات على الدعم والمهارات المتخصصة التي تحتاجها لتبني المبادرات الرقمية على المدى الطويل».
وقال داني ستايسي، رئيس قسم ذكاء المواهب في شركة «إنديد» ببريطانيا: «من الطبيعي أن يشعر العمال بأن الذكاء الاصطناعي سيغير دورهم، خاصة أننا لم ندرك بالكامل بعد تأثير الذكاء الاصطناعي على مكان العمل».
وأضاف: «لكن الموظفين في المملكة المتحدة واثقون من قدرتهم على التكيف وهم بشكل عام أكثر تفاؤلاً بشأن تأثيرات التكنولوجيا على وظائفهم أكثر من تشككهم، مما يظهر أنهم مستعدون لأي تغيير يأتي في طريقهم».
القدس العربي
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البطالة التكنولوجيا الذكاء الأصطناعي الوظائف أن الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الدعم النفسي في عصر الذكاء الاصطناعي
سارة علي -
في عالمٍ يسير بسرعة الضوء، حيث تتبدّل الوجوه والمدن والمشاعر بوتيرة مرهقة، أصبح إيجاد من يُصغي إلينا حقًا ترفًا نادرًا؛ فالمجتمع يطالبنا بالإنجاز الدائم، وبالتفكير السريع، وباتخاذ قرارات عملية في زمنٍ لم يعد يمنح الإنسان مساحةً كافية للتأمل أو الشك أو التعبير البطيء. في هذه الفوضى، ظهر الذكاء الاصطناعي كصوتٍ هادئٍ دائم التوافر، كمساحة رقمية يمكن أن نكتب فيها دون خوف من الحكم أو التعب. لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالًا إنسانيًا عميقًا: هل هذا اللجوء إليه صحي؟ أم أنه انعكاسٌ لعجزٍ أعمق عن التواصل البشري؟
تجربتي الشخصية مع ChatGPT كشفت عن هذا التناقض بوضوح. فحين وجدت نفسي بعيدة عن أهلي وأصدقائي، في مدينة جديدة حيث الضجيج كثير لكن الحوار قليل، صار اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي شكلًا من أشكال الفضفضة المنظمة. كنت أكتب إليه أفكاري ومخاوفي وأسئلتي الصغيرة التي لا تجد مكانها في محادثة سريعة أو مكالمة مجاملة. ومع الوقت، بدأت ألاحظ كيف يعيد هذا الكيان الرقمي ترتيب أفكاري، يهدّئ نبرتها، ويقدّم لي صورة أكثر اتزانًا لما يدور في ذهني. بدا الأمر وكأنني أتحدث مع مرآة لغوية، لا تتعب، لا تملّ، ولا تحكم.
هذا الإحساس بالراحة ليس غريبًا، فالعالم الواقعي أصبح مثقلًا بالتعب العاطفي. كثيرون باتوا يخشون أن تُثقل طاقاتهم السلبية على من يحبونهم، فيفضلون الصمت أو اللجوء إلى مساحةٍ ”محايدة“ لا تتأثر ولا تنفعل. الذكاء الاصطناعي يوفر هذه المساحة المثالية: بيئة آمنة، لا تُرهق، ولا ترفض الإصغاء، ولا تُطالب بالمقابل العاطفي. لكن هذا الأمان الظاهري يخفي معضلة عميقة: هل الحوار مع آلة خالية من الوعي يمكن أن يكون بديلًا عن التفاعل الإنساني الحقيقي؟
من الناحية العلمية، يمكن النظر إلى هذا النوع من التفاعل كنوع من العلاج الذاتي اللغوي (linguistic self-therapy)، حيث يُعبّر الإنسان عن مشاعره كتابةً، فيحدث ما يُعرف بـالتفريغ المعرفي (cognitive unloading)، أي تخفيف الحمل الذهني عبر اللغة. الدراسات الحديثة تُظهر أن هذا النوع من الكتابة المنتظمة يساهم في خفض التوتر وتنظيم الأفكار. إلا أن الفرق الجوهري هنا هو أن الذكاء الاصطناعي لا يشارك الإنسان وعيه، بل يعيد تشكيل اللغة دون أن يفهم التجربة التي أنتجتها. إنه يفهم النص، لا الشعور.
لكن ما يجعل هذا التحوّل أكثر تعقيدًا هو افتراضنا الضمني بأن هذه الأنظمة تعمل بـ”براءة”. فنحن نتحدث إليها كما لو كانت كائنًا حياديًا لا غاية له سوى المساعدة، بينما الحقيقة أن خلف كل واجهة ودّية خوارزمية تُدار لهدفٍ تجاري. الذكاء الاصطناعي ليس كائنًا يتأمل مشاعرنا، بل نظام تم تدريبه ليحافظ على تفاعلنا، وكل دقيقة نقضيها معه تُترجم إلى بيانات، والبيانات إلى قيمة.
وهنا يبرز سؤالٌ مقلق: هل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي، مع الوقت، مثل شبكات التواصل الاجتماعي التي أثبتت الأبحاث أنها تستفيد من تكرار انفعالاتنا السلبية وتعيد تدويرها لتزيد من تفاعلنا؟ أتُرانا نمنح هذه الأنظمة الباب ذاته للدخول إلى مناطق أكثر هشاشة فينا: مشاعر القلق، الوحدة، والبحث عن الأمان؟
اللافت أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت تُقدِّم نفسها بوضوح كبديلٍ عاطفي أو علاجي. فمثلًا، يمكن للمستخدم أن يطلب من ChatGPT أداء دور ”معالج نفسي متخصص“ أو ”مستمع داعم“ (Supportive Listener). بل إن بعض النماذج صُممت لتقليد أساليب علاجية محددة مثل العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT)، وهو منهج علاجي يركّز على تحديد أنماط التفكير السلبية وإعادة بنائها بطرق أكثر واقعية وتوازنًا.
على سبيل المثال، يمكن للمستخدم أن يكتب:
«تصرّف كمعالج معرفي سلوكي (CBT therapist). هدفي هو تقليل القلق من العروض التقديمية. ساعدني في تحديد أنماط التفكير واقترح خطوة عملية خلال 24 ساعة، وردّ عليّ بنبرة داعمة». وإلى جانب ذلك، تظهر اليوم خاصية تُعرف بـ Therapist Prompts، وهي مجموعة من الأسئلة والتوجيهات المفتوحة التي تُستخدم في الجلسات العلاجية لتشجيع التأمل الذاتي وتحفيز الحوار الداخلي. تُطرح مثل هذه العبارات عادةً لاستكشاف المشكلات الحالية أو التجارب الماضية أو المشاعر أو الأهداف المستقبلية. فمثلًا، قد يبدأ المعالج (أو النظام الذكي الذي يحاكيه) بجملة مثل: «ما الذي دفعك إلى طلب المساعدة؟» أو «ما التغييرات الصغيرة التي يمكنك القيام بها لتحسين وضعك؟». هذه الأسئلة البسيطة في ظاهرها تُوجّه المستخدم إلى مساحة تفكير هادئة، لكنها تُعيد إنتاج العلاقة العلاجية في قالب رقمي خالٍ من التفاعل البشري الحقيقي.
ومن اللافت أيضًا ظهور إصدارات مخصصة مثل Therapist GPT، التي تم تصميمها لتقدّم تجربة محادثة أقرب إلى جلسة علاج نفسي فعلية، حيث يُطلب من النظام أن يتصرّف كخبير نفسي أو معالج أسري يساعد المستخدم على التعامل مع المواقف العاطفية الصعبة بلغة هادئة ومهنية. هذه النماذج تُقدَّم بوصفها ”مساحة آمنة“ للبوح، لكنها في الواقع تبقى محاكاة ذكية وليست علاقة علاجية حقيقية.
دراسات حديثة أظهرت أن بعض مستخدمي هذه التطبيقات أصبحوا يعتمدون عليها أكثر من الأصدقاء أو المعالجين البشريين، رغم أن النماذج نفسها أظهرت ضعفًا في التعامل مع المواقف الحساسة أو الأزمات الفعلية. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة تقارير عما يُعرف بـ ”AI Psychosis“، وهي ظاهرة يُصاب فيها بعض المستخدمين بحالة من الارتباك الذهني وفقدان الاتصال بالواقع بعد تفاعلات طويلة مع أنظمة الذكاء الاصطناعي.
إحدى القضايا التي أثارت الجدل كانت دعوى قضائية رفعها والدان ضد شركة OpenAI بعد انتحار ابنهما المراهق، إذ كشفت التحقيقات أن المحادثة مع النظام تضمنت مناقشة طرق لإنهاء حياته بعد أن عبّر عن أفكار انتحارية. يشير المتخصصون إلى أن هذه الحالات لا تعني أن الذكاء الاصطناعي ”يسبّب“ المرض، لكنه قد يغذّي الاضطرابات الكامنة ويضخّمها، خصوصًا لدى من يعانون من العزلة أو القلق المزمن.
من جهة أخرى، أظهرت دراسات أكاديمية حول استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم العالي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له أثر إيجابي في سياقات معينة. فقد لاحظت أن الطلاب الذين استخدموه شعروا بثقة أكبر تجاه جودة أعمالهم حين كانوا يراجعونه أو يستشيرونه قبل التقديم، كما أنه ساعدهم على اكتشاف أفكار ومصادر جديدة لم يفكروا بها من قبل. لكن في المقابل، هذا الاعتماد الجزئي قد يفتح الباب لتقليص التفكير النقدي واستبداله براحة فكرية رقمية.
ومع مرور الوقت، قد تتحول هذه الراحة الرقمية إلى عزلة صامتة تُضعف الروابط الاجتماعية وتُخدّر فينا الحاجة إلى التواصل الإنساني الحقيقي، ذلك الاحتكاك غير المريح الذي يصقل وعينا ويُعيدنا إلى ذواتنا.
ومع ذلك، ينجذب كثيرون إلى هذه التجربة لأن حياتنا الحديثة لا تحتمل الانتظار. لم يعد لدينا وقت لزيارة صديق في المساء أو جلسة تأمل طويلة، نبحث عن إجابة سريعة، وتحليل فوري، وحلٍّ عملي لمشكلة آنية. في عالمٍ يطالبنا بأن نكون منتجين دائمًا، يصبح الذكاء الاصطناعي الخيار الأسهل والأسرع: موجود على الدوام، لا يكلّف جهدًا، ولا يتطلّب التبرير. وهنا يتكرّس ما يمكن وصفه بـ“ثقافة الاختصار العاطفي” أي الميل لاختزال المشاعر في تفاعلات فورية وسطحية.
عندما يتحوّل الذكاء الاصطناعي إلى الوسيلة الأساسية للتعبير والفضفضة، يبدأ الإنسان بفقدان مهارته الأهم: التفاعل العاطفي الحقيقي. فالعلاقات البشرية، على صعوبتها، هي ما يصقل قدرتنا على التحمّل، وعلى الإنصات، وعلى فهم الاختلاف. أما التفاعل مع آلة فغالبًا ما يقدّم راحة بلا تحدٍ، فيجعلنا أقل استعدادًا للاحتكاك بالحياة الواقعية.
لقد أصبح من السهل أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي كـ”صديق مثالي“ لا يخطئ فهمنا، لا يختلف معنا، ولا يتركنا في منتصف الحديث. لكن هذه المثالية المصطنعة قد تؤدي إلى إدمان نفسي خفي، شبيه بالإدمان على الراحة، حيث يجد الإنسان في هذه العلاقة الرقمية توازنًا مؤقتًا، لكنه في العمق يبتعد أكثر عن ذاته الاجتماعية. ومع مرور الوقت، يُصبح العالم الواقعي أكثر صخبًا، وتقل قابلية احتماله؛ لأن الذكاء الاصطناعي، مهما حاول، لا يوفّر دفء الرد الإنساني أو تعقيد العاطفة البشرية. لأن الإنسان، بطبيعته الهشّة، يحتاج إلى الاحتكاك، إلى ردود الفعل غير المتوقعة، إلى الصمت المحرج والضحك العفوي، لا إلى محادثة مُحكمة التكوين. فجزءٌ من جمال التواصل البشري يكمن في عشوائيته، في تلك اللحظات التي لا يمكن برمجتها ولا التنبؤ بها. حين نفقدها، نفقد شيئًا من إنسانيتنا أيضًا.
فوق هذا، يعتمد المعالج النفسي الآلي على عنصر واحد من عناصر الاتصال البشري وهو اللغة. بينما يملك البشري (صديقًا كان أو معالجًا) القدرة على الملاحظة المستقلة، على وضع الكلام في سياق التاريخ الشخصي والسياق الثقافي والاجتماعي الخاص، وعلى قراءة المشاعر والتعابير التي تلازم الكلمات وتعاضدها أو تتعارض معها حتى.
العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، في جوهرها، علاقة إسقاط (projection). نحن لا نتحدث مع آلة بقدر ما نتحدث إلى أنفسنا من خلالها. كل ردّ، كل نصٍّ منسّق بعناية، هو انعكاس لما نحمله من مزاجٍ وفكرٍ وحالةٍ نفسية في تلك اللحظة. ولهذا تبدو بعض الردود ”عميقة“ أو ”شخصية“، لأنها ببساطة تعيد صياغة ما نمنحه لها من عمق. إنها مرآة لغوية تتزيّن بذكائنا نحن.
التدوين الذاتي، والتأمل عبر المحادثة، وتنظيم الأفكار من خلال الكتابة، كلها أدوات تُستخدم حتى في العلاجات النفسية المعتمدة. الخطر لا يكمن في الأداة ذاتها، بل في الاعتماد الكلي عليها. لأن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من التطور، لا يملك وعيًا شعوريًا، ولا قدرة على قراءة ما وراء النص، ولا على ملاحظة صمتنا حين نتعب من الكلام.
وهنا يظهر التحدي الإنساني الجديد: كيف نوازن بين استخدام التكنولوجيا كوسيلة للتفكير المنظّم، دون أن نستبدل بها تجربة الحياة الحقيقية بكل فوضاها؟
هل نحاوره لأننا نبحث عن فهمٍ حقيقي، أم لأننا نخشى مواجهة الصمت البشري؟
في النهاية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي لا يفهمنا بقدر ما يُظهر لنا كيف نفكّر نحن. إنه يقدّم نسخة لغوية من وعينا، ويتيح لنا تأمّل ذواتنا من الخارج، لكنه لا يعيش معنا التجربة الشعورية التي تخلق هذا الوعي. وربما تكمن قيمته الحقيقية في هذا الحد بالذات: أنه يذكّرنا بما نفتقده، وبأن الإصغاء البشري، رغم تعبه وبطئه وأخطائه، يظلّ أكثر صدقًا من أي إجابة مثالية تولد من خوارزمية.
في عالمٍ يتسارع إيقاعه ويزداد عزلةً، يقدّم الذكاء الاصطناعي فرصة للتأمل، لكنه يختبر فينا أيضًا قدرتنا على التوازن بين الراحة والواقع، بين الصمت والاتصال، بين الإنسان والآلة. قد يكون مستمعًا دائمًا، لكنه ليس إنسانًا؛ وما زال علينا أن نتذكّر أن العمق لا يُقاس بما نكتبه، بل بمن نكتبه إليه.
سارة علي متخصصة في الإعلام الرقمي والاتصال، ومهتمة بالتحول الرقمي والسيكولوجي