"هل ستدخل الدول العربية في المجهول بعد ضربة الاحتلال الإسرائيلي في إيران؟ وهل أماطت بيانات الدول العربية بخصوص الرد الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي اللثام عن عداوات السنين المدفونة" هذه أمثلة عن جُملة من الاستفسارات التي باتت تجوب مختلف منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية.

وبين من يقول: "إن إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، تخوض حربا خفية، منذ سنوات" مستشهدا بعمليات اغتيال علماء إيرانيين متخصصين في المجال النووي وهجمات على دولة الاحتلال الإسرائيلي ينفذها أنصار إيران في طليعتهم حزب الله اللبناني، وبين من يشير إلى ما يصفها بـ"العداوات المدفونة بين إيران وعدد من الدول العربية"، رصدت "عربي21" جُملة من التعليقات والمنشورات.


في السياسة لا يوجد أصدقاء وأعداء المصالح هي من تضبط إيقاع العلاقات ، العلاقات الايرانية مع الدول العربية المجاورة متوترة بسبب ضعفها بما يشجّع ايران على التدخل في شؤونها وإخضاعها لنفوذها ، في حين تفرض المصالح أنماط مختلفة من التعاون والتنسيق مع الدول القوية الأخرى كإسرائيل. — د.عادل المسني (@AdelAlmasani) April 15, 2024 فرصة من أجل قيام وحدة وطنية في إيران بين التيار المحافظ الذي يحلم بالثأر من العرب وبين التيار الليبرالي الذي يريد استخدام القضية الفلسطينية لترتيب علاقاته مع واشنطن وتل أبيب لاترى طهران التبعات الخطيرة جدا على مستقبل العلاقات الإيرانية العربية جراء انخراطها على أسس طائفية صريحه — Abd Algader (@AbdAlga85365860) April 14, 2024 من أهم ما أسفرت عنه الضربات الإيرانية ضد المحتل أنها بعثت الحياةفي التصوّرات النظرية وفي أفكارنا عن حجم العلاقات بين محور التطبيع العربي وبين الكيان الصهيوني ومستواها وترجمت هذه التصوّرات إلى واقع يتشكّل ويتحرك ع الأرض ويعبّر عن ذاته بهذه الانتفاضة الرسمية العربية ضد المسيّرات⬇️ https://t.co/Ja5Zzb8jId — مراد المهدي (@muradMSalmahdi) April 15, 2024
العلاقات العربية الإيرانية.. إلى أين؟
ردا على استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية المتواجدة في دمشق، وقتل عدد من القادة العسكريين في الأول من نيسان/ أبريل الجاري؛ شنّت إيران أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على دولة الاحتلال الإسرائيلي في 13 نيسان/ أبريل الجاري، وأطلقت عليه تسمية "الوعد الصادق".

وعلى إثر ذلك، أعلنت كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي وأميركا وبريطانيا وفرنسا أنها صدّت 99 في المئة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، في الوقت الذي أكّد فيه التلفزيون الإيراني إصابة نصف هذه الصواريخ والمسيرات الأهداف التي أطلقت لأجلها.

كذلك، هزّت انفجارات، قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية العسكرية في إيران، فيما أكد مسؤول أمريكي بدء هجوم الاحتلال الإسرائيلي على إيران. وقال التلفزيون الرسمي الإيراني إن المواقع النووية في إقليم أصفهان لم تتعرض لأي ضرر، بعدما جرى تفعيل أنظمة الدفاع الجوي في أصفهان، للتعامل مع ما يشتبه في أنها طائرات مسيرة.
صور متداولة لانفجارات وحرائق في موقع عسكري بمحيط مطار #أصفهان #إيران
pic.twitter.com/nJ6XiYtBO4 — Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) April 19, 2024 فرحة الفلسطينيين في الخليل الضفة
بصواريخ ايران تضرب اسرائيل
. pic.twitter.com/zhMl5nVDtZ — الاهوازي (@alahvazii) April 17, 2024
وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث، عن العلاقات العربية الإيرانية الأخيرة على ضوء الأحداث المُتسارعة، وتسارع منشورات من قبيل أن "إيران تُمارس ضغوطا على الأردن ومصر ودول الخليج العربي تحت زعم فتح طريقها لتحرير فلسطين، علاوة على ضغوطها ومناوراتها في لبنان وسوريا"؛ يرى المختص في الأمن القومي العربي، منعم أمشاوي، "أن المنطقة العربية منذ عقود تفتقد لأي مشروع إقليمي عربي، وتعيش على وقع الصراعات العربية البينية، وهو الأمر الذي أتاح المجال إلى بروز مشاريع أخرى كالمشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي". 

وأبرز أمشاوي، أنها "مشاريع حاولت استقطاب بعض البلدان العربية إلى هذا الجانب أو ذاك"، مردفا: "لقد بات من الجلّي أن المشروع الإيراني طوّر نفوذه في العقد الأخير، واستفاد من الأحداث التي عرفتها بعض البلدان العربية المجاورة له، وبات يتحكم بشكل أو بآخر في بلدان كسوريا واليمن والعراق ولبنان، واستطاعت إيران عبر أذرعها والجماعات الموالية لها التحكم بشكل كلي أو جزئي في قرارات تلك البلدان".

وتابع المختص في الأمن القومي العربي، في حديثه لـ"عربي21" أنه "في المقابل فإن "إسرائيل" بدورها استفادات من التحولات التي عرفتها المنطقة، ووسعت دائرة التطبيع مع مجموعة من البلدان العربية، وأصبحت ترتبط بها بمعاهدات واتفاقيات تعاون".


"هو الأمر الذي يعني أن أي تصادم مباشر بين إيران وإسرائيل سيُلقي بظلاله على باقي البلدان" يسترسل المتحدث نفسه، مشيرا إلى أنه "في الوقت الذي اختارت الأطراف الموالية لإيران، المشاركة المباشرة في الصراع مع إسرائيل، سواء من لبنان أو اليمن أو العراق، فإنه بالمقابل ساهمت الأردن باعتبارها بلد مرتبط باسرائيل باتفاقيات سلام وتعاون، في التصدي للهجوم الإيراني وإسقاط بعض المقذوفات الإيرانية التي عبرت أجواءها".

وأكد أمشاوي، "طبعا البلدان العربية أصدرت مواقف وردود كلاسيكية، مثل "تعبير عن القلق ودعوات لعدم جر المنطقة إلى حرب مباشرة" وهو ما عبرت عنه مصر والإمارات والأردن وسلطنة عمان وغيرها"، مردفا: "أعتقد أنها مواقف دبلوماسية كلاسيكية تعبر عن ضعف وتشرذم الصف العربي، الذي أصبح يتأرجح بين مشاريع إقليمية هدفها الأساس السيطرة وبسط النفوذ على المنطقة، وتتصارع من أجل ذلك فوق الأراضي العربية، وفي الكثير من الأحيان بأدوات عربية".

وختم المختص في الأمن القومي العربي، حديثه لـ"عربي21" بالقول: "طبعا قد لا نحتاج إلى التذكير أن المشروعين الإيراني والاسرائيلي قد لا يقل أحدهما خطورة عن الآخر على المنطقة العربية، غير أنه تبقى إيران طرف إقليمي أصيل، رغم أطماعه التوسعية، لا يمكن تخيل المنطقة بدونه في حين أن إسرائيل مشروع احتلالي استيطاني زرع في قلب المنطقة زرعا".

ماذا جاء في بيانات الدول.. 
الإمارات ومصر والأردن وسلطنة عمان وتركيا، أعربت، الجمعة، عن قلقها بخصوص، ما سمّته في بياناتها بـ"التصعيد والأعمال العدائية المتبادلة بين إسرائيل وإيران"، فيما دعت إلى "ضبط النفس لتجنيب المنطقة الدخول في صراع أوسع نطاقا".

البداية من مصر، حيث جدّدت وزارة الخارجية المصرية، عبر بيان، الجمعة، الإعراب عن "قلقها العميق" إزاء التصعيد بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، أعقاب "التقارير الأخيرة بعد وقوع غارات جوية إسرائيلية استخدمت فيها صواريخ وطائرات دون طيار استهدفت مواقع في إيران وسوريا".

وأبرزت الوزارة المصرية، في بيان لها، نشر على حسابها الرسمي على منصة "إكس": "قلق مصر بشأن احتمال اتساع نطاق الأعمال العدائية في المنطقة"، بالقول إنها "قد تشكل عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي وسلامة شعوبها".
pic.twitter.com/J8HM8AluTS — Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) April 19, 2024
وفي الوقت الذي أشارت فيه إلى أنها "تضغط على الطرفين للالتزام الصارم بالقانون الدولي والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة"؛ أكدت أنها "سوف تستمر في تكثيف اتصالاتها مع كافة الأطراف المعنية والمؤثرة لاحتواء التوتر والتصعيد الجاري".

بدوره، وجّه وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، تحذيرات من "التصعيد الإقليمي المستمر"، فيما أدان "التصرفات" التي قال إنها "تهدد بجر المنطقة إلى مزيد من الصراع".
فيديو ..#ايمن_الصفدي وزير الخارجية الاردني من مجلس الأمن:

- لن نسمح لأي كان لا لإسرائيل ولا لإيران أن يجعل الأردن ساحة للصراع.

- جولة الباطل في فلسطين طالت ولن يستطيع التطرف الإسرائيلي مهما بطش وظلم أن يقتل إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية.

- لن يتحقق السلام والاستقرار والأمن… pic.twitter.com/eKfSvKFwwt — تركي الدعجاني ???????? (@zzyzoom) April 18, 2024
وأوضح الصفدي، عبر منشور على منصة "إكس"، الجمعة، أن "الانتقام الإسرائيلي -الإيراني يجب أن ينتهي. الحرب اللاإنسانية على غزة يجب أن تنتهي الآن".

كذلك، شدّد الصفدي، على أن "تركيز المجتمع الدولي يجب أن ينصب بشكل عاجل إلى إنهاء العدوان الكارثي على غزة".


إلى ذلك، أعربت الإمارات العربية المتحدة عن ما وُصف بـ"قلقها العميق"، وحثت كلا من دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران على "الامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد".

وشددت وزارة الخارجية الإماراتية، عبر بيان، الجمعة، على "ضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لمنع انزلاق المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار"؛ مؤكدة على "أهمية التوصّل إلى حلول جوهرية للخلافات والأزمات المستمرة في المنطقة، بهدف تهدئة التوترات، وحل النزاعات عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية، والالتزام بسيادة القانون واحترام ميثاق الأمم المتحدة".

وفي السياق نفسه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية العمانية، الجمعة، إن سلطنة عمان "تتابع استمرار التوتر في الإقليم وتدين الهجوم الإسرائيلي هذا الصباح على أصفهان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما تدين وتستنكر اعتداءات إسرائيل العسكرية المتكررة في المنطقة".
القناة 12 العبرية: #الأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية #السعودية لعبوا دورًا أساسيًا في أكبر عملية دفاع جوي في التاريخ، لإحباط الهجوم الإيراني على "إسرائيل"#فلسطين #الكيان_المؤقت #الإمارات #إيران #الخنادق pic.twitter.com/kOdewP6UNF — alkhanadeq (@alkhanadeq_) April 15, 2024
وتابع المتحدث، وفق بيان، نشرته "وكالة الأنباء العمانية الرسمية" أن "سلطنة عمان تناشد مجددا المجتمع الدولي بضرورة معالجة أسباب وجذور التوتر والنزاع عبر الحوار والدبلوماسية والحلول السياسية، والتركيز على جهود وقف إطلاق النار في غزة، والاحتكام للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، من أجل استعادة الأمن والاستقرار والسلام الشامل للمنطقة بأسرها".

بدورها، أكّدت وزارة الخارجية التركية، عبر بيان، الجمعة، على قلقها بخصوص التصعيد الأخير في المنطقة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، والذي خلّف ما وصفته بـ"الهجوم غير القانوني، الذي شنته إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق".

وأوضحت وزارة الخارجية التركية أنها "تراقب الوضع عن قرب"، بينما دعت، جميع الأطراف المعنية، إلى "تجنب الأعمال التي قد تؤدي إلى توسيع رقعة الصراع".

وتابع بيان وزارة الخارجية التركية أن "أولوية المجتمع الدولي يجب أن تتمثل في وقف المذبحة في غزة، وضمان السلام الدائم في منطقتنا من خلال إقامة دولة فلسطينية".

إيران والدول العربية.. لا عداوات حاليا
واستمرارا لعملية تحليل ما أتى بقلب بيانات عدد من الدول العربية، قال المتخصص في القانون العام والعلوم السياسية، سيف الدين جرادات، إن "الإحتلال الإسرائيلي وإيران، عمليا، حريصين، على أن لا تؤدي هذه الضربات فيما بينهم إلى التصعيد وزيادة التوتر، واتساع رقعة الحرب، بحيث تصل إلى حد الحرب الإقليمية". 

وأوضح جرادات، في حديثه لـ"عربي21" أن "ذلك لا يصب في مصلحة كلاهما"، مشيرا إلى أن الأمر "يظهر جليّا عبر نوعية الأسلحة المستخدمة، وطبيعة الأماكن المستهدفة. وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للأطراف المعنية، فإن الدول العربية كذلك معنية بذات الهدف. فلا مصلحة للجميع في ذلك".

"بالتالي لا يمكن القول بأن الضربات الإسرائيلية والرد الإيراني عليها ستكون سبباً لظهور العداوات العربية مع إيران، على الأقل في المرحلة الحالية" يتابع المتخصص في القانون العام والعلوم السياسية، مردفا بأن "طبيعة الرد الإيراني، جاء متفق مع مقولة: الرد من أجل الرد، وكذلك جاء الرد الإسرائيلي، فكلاهما كان حريص على أن لا تسبب هذه الردود إلى حد الحرب الإقليمية".


أمّا فيما يرتبط بمواقف عدد من الدول العربية، فيقول جرادات، إنها "أتت واضحة وصريحة ومتّفقة على تجنّب الطرفين للتصعيد فيما بينهما، واتساع رقعة الصراع في الدول العربية"، مؤكدا أنها "لا تريد أن يصل هذا التصعيد لحد الحرب الإقليمية، الذي يعني عدم الاستقرار في المنطقة، وآثاره خطيرة على الأمن القومي لدول المنطقة".

إلى ذلك، ختم جرادات، حديثه لـ"عربي21" بالقول إن "هجوم الإحتلال الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية كان محاولة من نتنياهو (بشكل منفرد) لا يتفق مع توجهات السياسة العامة للاحتلال الإسرائيلي؛ من أجل تقليل الضغط الذي يعاني منه داخلياً وخارجياً بسبب حربه على قطاع غزة، وربما قد تكون إيران قد فهمت هذه الرسالة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية إيران مصر الاردني غزة إيران مصر الاردن غزة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی الإسرائیلی وإیران البلدان العربیة وزارة الخارجیة الدول العربیة فی الوقت الذی الأمن القومی فی المنطقة pic twitter com مع الدول فی إیران حدیثه لـ من أجل یجب أن

إقرأ أيضاً:

بداية عام ونهاية المشروع الإيراني.

#بداية_عام ونهاية #المشروع_الإيراني.
#محمود_أبو_هلال
جُل الأحداث التي شهدها العالم العربي -منذ عقدين على الأقل- كانت أحداثا تدخَل فيها الغرب الاستعماري بشكل أو بآخر بأسلوب إدارة القوى عبر اصطناع الأحداث والصراعات بين النظم والتيارات السياسية في المنطقة من جهة، واستغلال بعض الأحداث التي ظهرت بعفوية من جهة أُخرى.
بعد انتهاء حرب الخليج الثانية وبمكر استراتيجي غربي تم استدراج كل من إيران والسعودية (وجها المذهبية) إلى حرب بالوكالة بعد تسليم العراق لإيران على طبق من فخار. وفي ذلك حقق الغربي مجموعة من الأهداف الاستعمارية دفعة واحدة، بحيث رهنت مقدرات السعودية الضخمة في صراع يستنزف ثروتها وثقلها الإقليمي العربي المفترض.
وتحركت إيران “المتمذهبة” مدفوعة بأحلام القومية والنفوذ والمغلفة بغطاء طائفي إلى حيث يراد لها، فدخلت العراق، وتُركت أقدامها تغوص في الرمال السورية المتحرك لاحقا.
كان على السعودية أن تتعامل أو تواجه عدة أطراف وأحداث في المنطقة بشكل متزامن كان أبرزها المشروع الإيراني من جهة والربيع العربي من جهة أخرى، ما جعلها تعيد تعريف العدو وترتيبه، بحيث تراجعت إيران للمرتبة الثانية وأصبح الإخوان أو ما يسمى “الإسلام السياسي” في المرتبة الأولى، وظهر ذلك جليا حين وافقت ودعمت تحالف علي عبد الله صالح مع “الحوثيين” على أن تبعد حزب الإصلاح اليمني المقرب من الإخوان… (ثم ما لبث الحوثي وانقلب على علي عبد الله صالح).

التحرك السريع والقوي للسعودية وتراجع إيران للمرتبة الثانية على قائمة الأعداء لديها كان بسبب ظهور منافس شرس لها، تجلى هذا التنافس مع انطلاق الربيع العربي، عندما وجدت السعودية أن قيادتها للمسلمين “السنة” مهددة من قبل تركيا، خاصة بعد أن عززت الأخيرة علاقاتها مع الإخوان المسلمين وعملت إلى جانب قطر لدعم الربيع العربي. في تلك الفترة كان التحرك السعودي باتجاه إفشال الثورات، التي اعتبرتها ضد النظام العربي القديم، الذي تشكل الرياض أحد أعمدته، كما كانت تخشى أن يؤدي نجاح الثورات إلى تحالفات عربية قوية مع تركيا، مما يخلع السعودية عن زعامتها -التي تفترضها-. ومن المفارقات اللاحقة أن يلتقي السعودي والتركي على إبعاد نظام الأسد والذي سيؤدي بالضرورة لإبعاد المشروع الإيراني وانحساره، بعد أن تيقنت السعودية من انحسار الربيع العربي الشامل إن لم نقل فشله.

لم تكن غالبية النظم العربية السياسية طرفا في إدارة المنطقة ما قبل الربيع العربي من حيث توجيه نتائجه وترتيباته، مع استثناء ظهور قوة قادرة على إرباك الترتيب أو فرض المشاركة فيه والتي بلغت أوج تألقها وتنسيقها بعد حرب تموز 2006، واصطلح على تسميتها بمحور المقاومة، حيث تقدمت إيران كقوة إقليمية بفضل هذا التشكل، واستطاعت من خلال أذرعها في عدة دول وخاصة سوريا بناء عمق استراتيجي وحاجز حماية أو مجال اشتباك مفتوح، ومتقدم، بعيد عن المركز.. الذي هو دولة إيران.

مع انطلاقة الربيع العربي كان محور المقاومة مؤيدا للثورات، ولكن المفاجئة حصلت عندما وصلت الثورة لسوريا. حينها أصيب المحور بصدع كبير، إذا نأت حماس بنفسها ولم تدعم النظام السوري أو تقف ضد تطلعات الشعب السوري.. إذ ذاك أعاد “المحور” تعريف الربيع العربي وأسماه “الربيع العبري” في مفارقة عجيبة! إذ شاركته هذا التوصيف ذات الدول الساعية لعلاقات طبيعية مع الكيان العبري. وكنتيجة لذلك، كانت بداية الإجهاز على مشروعي “المقاومة” و “الديمقراطية” ومنع التئامهما، الأمر الذي جعل موجة أخرى من الربيع العربي في سوريا حتمية الحدوث.

مقالات ذات صلة ومضى عام ولم تمضِ حرب غزّة 2025/01/01

مع إخفاقات الربيع العربي حصل فراغا استراتيجيا -تم تغذيته فترة حكم ترامب- وأتاح بشكل جلي ترتيبا كان سيكون مذلا (صفقة القرن والتطبيع الإبراهيمي) في غياب أي قوة عربية(من غير النظم الرسمية) قادرة على التعديل والتسويغ.
في ظل هذا الفراغ الاستراتيجي الكبير انطلق الطوفان أمام صلف غربي أحادي أراد الترتيب بمعزل تام عن إرادة شعوب المنطقة وأهمها الشعب الفلسطيني، حيث أعاد الطوفان الصراع إلى بعده الرئيسي (القضية الفلسطينية مدار الصراع والترتيب في المنطقة).
أدرك العقل الغربي الاستعماري برأسه الصهيوأمريكي سريعا ارتباكه الاستراتيجي ليذهب في اتجاهين متوازيين:
أولا: كسر خيار المقاومة والتأكيد على أن ثمن هذا الخيار مكلف جدا للمنطقة وقد تمكن مرحليا من ذلك بفضل قوة نارية وتكنولوجية مازال متفوقا فيها. وقد استطاع مرحليا تفكيك محور المقاومة وتثبيت الكيان كطرف أساسي في المنطقة بعد أن واجه فعلا في الأشهر الأولى خطرا وجوديا.
ثانيا: وكنتيجة لنجاح الاتجاه الأول ومن أجل تحصينه حتى لا ينتج ما لا يمكن السيطرة عليه، ذهب العقل الصهيوأمريكي بسرعة إلى عكس مفاضلته السابقة بأخف الضررين، بقطع خطوط امداد حزب الله، حتى لو أدى ذلك لسيطرة قوى أخرى مناوئة للكيان. رافق ذلك تدمير المقدرات العسكرية لسوريا التي يحتاج الحكم الجديد لسنوات وسنوات لاستعادة بعضا منها.

انتصار الثورة السورية كان نتاج تضحيات وعذابات وكان على مرمى حجر قبل أعوام لولا المقاربة السابقة للغربي الاستعماري بتفضيل بقاء بشار على مبدأ “الشيطان الذي تعرفه أفضل من الشيطان الذي لا تعرفه”.

نجاح الثورة السورية وإسقاط نظام سياسي قمعي امتد حكمه قرابة نصف سيحدث حتما تحولا إستراتيجيا في اتجاهات الإقليم برمته. وسيؤدي إلى خسائر إستراتيجية كبرى لفاعلين سيصبحوا أمام وضع جديد.. ونقصد هنا إيران التي أصبحت سوريا، منطقة جغرافية لنفوذها في السنوات الأخيرة وبقي النظام مجرد واجهة وغطاء سياسي لمليشياتها ومشروعها الإقليمي.
وبالنظر للموقع الذي تحتله سوريا ضمن المشروع الإيراني، ونظرا لخط الاتصال الذي ينطلق من طهران ويربط عددا مما يسمى “دول المحور” بعضها ببعض، ويتيح لإيران وأذرعها حرية التنقل والتحكم أو الهيمنة، بما يخدم المشروع الإيراني وتستخدمه ضد خصومها. نستطيع القول أن نجاح الثورة في سوريا وإخراج إيران تعد خسارة إستراتيجية لم تتعرض لها طهران في تاريخها السياسي المعاصر منذ حرب الخليج الأولى، وارتدادات ذلك ستؤدي إلى تقلص النفوذ أو المشروع الإيراني وتراجعه وانحساره داخل إيران.
لقد كان للمقاربة الجديدة المعكوسة للغربي الاستعماري والتقاء (السعودي التركي) عاملا مهما في سقوط النظام السوري، وهذا لا يعني الانتقاص من التضحيات الضخمة والثمن الباهظ الذي دفعه السوريون خلال ثلاثة عشر عاما.
لقد كان انتصارا محقا للسوريين، ولكن بعد أن سمح الغربي الاستعماري للنظام البائد بأن يدمر المدن السورية، الأمر الذي جعل من الحكم الجديد لا يمتلك أدنى قوة لتبني طموحات أو محاولات ربط الثورة ونجاحها بالتحرر الوطني المناهض للكيان.

الآن يحاول الإيراني عبثا العودة أو تأجيج الصراع في سوريا لإشغال الحكم الجديد ويشاطره في ذلك الكيان الصهيوني الذي راح يبدي تخوفاته على الأقليات في سوريا!. وبموازاة ذلك يعمل الغربي الاستعماري بمهارة رهيبة على الصورة لتلبي بعض المطلوب النفسي لسكان المنطقة وتعوض شعور الانكسار بعد التوحش الصهيوني في حرب الإبادة التي مورست وما زالت على غزة.

توصيف بعض مراحل الفترة السابقة لا يعني توظيفا للمعطيات اللاحقة، ولا يمنع من القول أن التعقيدات في هذه المنطقة الساخنة تظل باستمرار أكبر من كل استشراف وتوقع.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أهم 6 مسطحات مائية جنوب سوريا
  • غزة: الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجازر جديدة داخل القطاع
  • أي هذه الأحداث كان الأكثر تأثيرا في المنطقة عام 2024؟ (تصويت تفاعلي)
  • أي الأحداث التالية كان الأكثر تأثيرا في المنطقة عام 2024؟ (تصويت تفاعلي)
  • السفير الإيراني:العراق الخط الإيراني الأول في الدفاع عن سوريا لتحقيق مصالح إيران
  • إبراهيم عيسى يحذر الدول العربية من دعم الجولاني: تضخون دماء جديدة في شرايين الإرهاب
  • بداية عام ونهاية المشروع الإيراني.
  • المنجم الذي تنبأ بانفجار مرفأ بيروت يعود مجدداّ ليتوقع : حماس ستوفق برأس إسرائيل ” ضخم ” وهذا ماسيحدث لليمن ولكل الدول العربية
  • "منذ أكتوبر 2023" تعرف علي أبرز الأحداث السياسية في المنطقة العربية وسط انتشار الشائعات
  • أول اتصال بين المغرب وسوريا.. عربي21 ترصد مؤشرات العهد الجديد في العلاقات الدبلوماسية