نصف عام أو 6 أشهر.. هي أرقام انحدرت خلالها الأحداث الدراماتيكية، ليتفجّر الجنوب ويتفجر معه لبنان، وإن لم يتم بعد إعلان الحرب الكبرى التي يسيطر شبح آثارها على لبنان، سواء اجتماعيًا، اقتصاديًا، وحتى سياسيًا.. نصف عام، والجنوب يتلقى بشكل شبه يومي قذائف أهلكت حاله وحال أهله وسكانه.. لا زراعة، لا اقتصاد، ولا سياحة.

. وفي حال استمر الأمر على ما هو عليه لا بشر أيضا، ليعيش معه الجنوبيون أطول معاناة منذ 20 عامًا.

في 8 تشرين الأول بدأت جبهة الإسناد، التي استطاع من خلالها حزب الله أن يقود حربًا طويلة الأمد من دون الإنزلاق إلى الحرب الشاملة، وهذا الأمر يعتبر سابقة حسب المراقبين إذا ما نظرنا إلى تاريخ الحروب في المنطقة، وهذا ما دفع بحزب الله إلى "اقتناص الفرصة" لإظهار موازين القوى التي بات يستطيع أن يفرضها، مع إعلان إسرائيل حال الطوارئ في المستوطنات الشمالية، عقب الطلب من المستوطنين في 11 تشرين الاول ضرورة إخلاء المستوطنات حتى خطّ 4 كلم، ليعلن آنذاك الإعلام الاسرائيلي أنّه ولأول مرة يتمكن فصيل عربي من تهجير "إسرائيليين" من أماكن إقامتهم، ويكون هذا الفصيل بموقع الهجوم و"إسرائيل بموقع الدفاع".   وعلى الرغم من فرض موازين كبيرة، إلا أنّ "جبروت إسرائيل" لم يسمح لها أن تظهر بصورة الخاسرة أمام "مواطنيها"، وهذا ما دفعها خلال الأشهر الأولى من الحرب الى أن تعود إلى عقلية التدمير، والإبادة، والقتل.. ففي 5 تشرين الثاني، استهدفت إسرائيل بمسيّرة سيارة مدنية على طريق عيناتا – عيترون، جنوب لبنان، وهذا ما أدى إلى استشهاد الجدة سميرة عبد الحسين أيوب وحفيداتها ريماس التي تبلغ من العمر 14 عامًا، وتالين التي تصغرها بعامين، وليان التي أكملت العشرة أعوام. احتاجت إسرائيل فقط 16 يومًا لتوجّه صواريخها على فريق قناة "الميادين"، لتستشهد في 21 تشرين الثاني مراسلة "الميادين" فرح عامر والمصور ربيع المعامري ومدنى آخر في طيرحرفا جنوب لبنان، بعد أن قتلت إسرائيل قبلها بشهر تقريبًا وتحديدًا في 13 تشرين الأول الصحافي عصام عبدالله من وكالة رويترز، وجرحت 4 صحفيين آخرين.   وإلى يوم 23 تشرين الثاني، أي بعد يومين من استهداف فريق "الميادين" نفذ حزب الله 22 عملية نفذها قبل بدء الهدنة اليتيمة، ليكون الجنوب على موعد مع جولة قتالية ثانية كانت أشدّ عنفًا من الأولى، ربما لأنّها ستكون الأخيرة مع بوادر انتهاء حرب غزة.   ففي 24 كانون الأول الماضي بدأت إسرائيل بتوسيع نطاق أعمالها مع وصولها إلى عمق مدينة بنت جبيل للمرة الأولى، ثم تبعها الوصول إلى عمق الضاحية مع استهداف صالح العاروري، ومن بعدها سلسلة ارتكاب المجازر، أولها في النبطية في 14 شباط بعد استشهاد 10 مدنيين، وثانيها في 27 آذار بعدما اتكبت مجزرة بحق 7 مسعفين من جمعية الإسعاف اللبنانية ببلدة الهبارية وذلك بعد 24 ساعة على أعمق هجوم جوي وصلت إليه إسرائيل وهو استهداف جرود الهرمل قرب الحدود مع سوريا والتي تبعد 120 مترًا عن الحدود الجنوبية.   الفاتورة البشرية قاسية   أكبر فاتورة ممكن التكلم عنها في هذه الحرب هي الفاتورة البشرية، إذ أشارت أرقام الدولية للمعلومات إلى أنّ 356 شخًصا استشهدوا ودفعوا فاتورة الحرب، وتوزعوا بين 264 شهيدًا للحزب، 9 شهداء من الهيئة الصحية الاسلامية التي هي أيضا تابعة للحزب، 59 مدنيًا، 16 شهيدا من حركة أمل، 3 شهداء من كشافة الرسالة الاسلامية، 3 شهداء من الجماعة الإسلامية، 3 شهداء من الفرق الصحافية، شهيد للجيش وشهيد للحزب السوري القومي الإجتماعي. واللافت أن أكثر من نصف هؤلاء الشهداء (52%)هم من الفئة العمرية الشابة والتي تتراوح بين 20 و35 سنة.   على مقلب آخر تمثلت الخسائر البشرية الاخرى بنزوح أكثر من 91 ألف شخص، توزعوا على مراكز إيواء رصدتها الدولة، وتحاول الأحزاب الفاعلة قدر الإمكان أن تؤمن المساعدات اللازمة لصمود هؤلاء. بالتوازي، فقد علم "لبنان24" أن عشرات الجمعيات انخرطت بعملية رصد المساعدات، حيث أنّها تؤمّن وبشكلٍ يوميّ أكثر من ألفي وجبة طعام توزّع على المراكز يوميًا.

من الرابح حتى الآن؟   مع استمرار الحرب إلى حدّ اللحظة، وارتفاع وتيرة التهديد الإسرائيلي لا أحد استطاع إلى اليوم أن يصل إلى أهدافه، فلا حزب الله تمكن من لجم الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة باعتبار أن جبهته هي جبهة مساندة إذ إنّ غزة سوّيت بالارض، إضافة إلى تدمير مناطق جنوبية عديدة، ومنها ما أصبح منكوبًا بشكلٍ كاملٍ؛ ولا إسرائيل أيضا تمكنت من الوصول إلى هدفها الكبير الذي يتجلى بإبعاد الحزب نهائيًا إلى شمال الليطاني، إلا أنّها أثبتت قدرتها العسكرية مرة أخرى، واتجهت الى نوع جديد من الحرب استطاعت أن تتفوق من خلاله على حزب الله، ألا وهي الحرب التكنولوجية التي مكّنتها من الوصول إلى أهمّ القادة على الأرض اللبنانية.   وفي اذار سياسة الأرض المحروقة لم تقتصر استهدافات إسرائيل على البشر، بل تبعها الشجر أيضًا، إذ إنّ الفوسفوري المحرم دوليًا، والتي أكّدت تقارير جهات عالمية غير حكومية على استخدامه من قبل العدو، فتك بأراضي أهالي الجنوب الذين يعتمدون بشكل كبير على الاراضي التي تعتبر مصدر رزقهم الاول، إذ طال القصف إلى حدّ اليوم 800 هكتار تضررت بشكل كامل، أضف إلى فقدان أكثر من 340 ألف راس ماشية، وهذا ما شكّل هنا ضربة قاسية جدًا للمَزارع الأساسية التي كانت تتواجد في الجنوب، علمًا أنّ بعض هذه المزارع قد تم قصفها عن سابق تصورٍ وتصميم من دون أن يكون هناك أي شبهات عن أنّها تعتبر مركزًا لحزب الله أو تحتوي على أي مستودعات للأسلحة.   وبحسب أرقام وزارة الزراعة التي تظهر الكارثة الكبيرة، فإنّ الفوسفوري تسبب بنشوب 707 حرائق في 55 بلدة، قضت على 55 ألف شجرة زيتون معمّرة، و310 قفار نحل احترقت بشكل كليّ، و3000 قفير تضرر بشكل جزئي، كما دمّر 600 متر من مستودع أعلاف واحد، بالاضافة إلى استهداف 8 مزارع.   وحسب معلومات "لبنان24" فإنّ استهداف المزارع ونفوق الماشية ارتدّ بشكلٍ واضحٍ على عمل المصانع والمعامل في الجنوب، حيث توقفت أكثر من 10 معامل عن العمل، ما تسبب بانقطاع الانتاج الكلي، إذ كانت تغذي هذه المعامل المنطقة الجنوبية بالكامل لناحية إنتاج الأجبان والألبان والحليب، وهذا ما طرح أولا مسألة الحالة الإجتماعية لمئات العمال الذين توقفوا عن العمل، بالاضافة إلى مسألة الأمن الغذائي التي بدأت على ما يبدو تدقّ ناقوس الخطر.   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله شهداء من وهذا ما أکثر من

إقرأ أيضاً:

ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟

تناولت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية عن "هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران"، ونقلت تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بشأن تلك القضية، موضحة أن طهران تحاول إخفاء وضعها الاقتصادي البائس.

 

وقالت "غلوبس" تحت عنوان "الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل"، إن التقارير الأجنبية بشأن النووي الإيراني أثارت استغراب الكثيرين في إسرائيل، وجاء في أحدها بصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، أن إيران رفعت مستوى التأهب في نظام الدفاع الجوي بمنشآتها النووية، خوفاً من هجوم إسرائييل أمريكي، مشيرة إلى أنه على الورق، يبدو توقيت مثل هذا الهجوم مثالياً من حيث الأمن الإقليمي، لأن حركة حماس الفلسطينية ضعفت بشكل كبير، وأصبح حزب الله في وضع حرج، وفي الوقت نفسه سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وتعطلت سلاسل الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
ونقلت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منطقياً وعسكرياً، هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران، ولكن يبدو أن طهران تسيء تفسير نوايا إسرائيل التي لن تهاجم وحدها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي يفرض عقوبات في وقت ينفتح فيه على المفاوضات مع طهران.

في أول تعليق له.. محمد جواد ظريف يكشف كواليس استقالتهhttps://t.co/jFwmRVqVik

— 24.ae (@20fourMedia) March 3, 2025  تأثير العقوبات الأمريكية

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن سياسة العقوبات التي ينتهجها دونالد ترامب تسير على قدم وساق، مشيرة إلى أنه قبل نشر تقرير "ذا تلغراف"، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 تاجراً ومشغلا لناقلات النفط وشركات الشحن المشاركة في أسطول الظل الذي يخدم صناعة النفط الإيرانية، وتشمل القائمة عقوبات على تجار النفط في عدد من الدول، بالإضافة إلى مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومديري ناقلات النفط من الصين.
وتحدثت الصحيفة عن تأثير عقوبات النفط على الوضع الاقتصادي في إيران، التي يعيش أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر، في الوقت الذي يقدم النظام الإيراني أكثر من 10 آلاف دولار لأسر أعضاء حزب الله الذين أصيبوا في الحرب، فيما ظلت المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 من محافظات إيران البالغ عددها 31 مغلقة اليوم الإثنين بسبب عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.


تقدم البرنامج النووي

وعلى النقيض تماماً من حالة الاقتصاد المحلي، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في أكثر مراحله تقدماً على الإطلاق، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت غلوبس عن المعهد أنه "من الممكن أن يكون هذا نابعاً من مصلحة داخلية في إيران لإظهار قدرتها على الصمود في الخارج، بعد التصريحات الإسرائيلية بشأن القضاء على الدفاع الجوي الإيراني، وليس من المستحيل أن يرغب النظام، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، في إيصال رسالة مفادها أنه على الرغم من أن الوضع الداخلي رهيب، فإن التهديد الخارجي أعظم، كما كانت الحال خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".
في السياق ذاته، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حواراً مع بيني سباتي، الباحث البارز في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عكس في حديثه صورة قاتمة عن إيران، مؤكداً أن الأزمة الحالية أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية.

هل يُسقط تعدين البيتكوين النظام الإيراني؟https://t.co/tepd2E95XR

— 24.ae (@20fourMedia) February 28, 2025  إقالة دون تأثير

وعلى الرغم من أن إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلا أن سباتي يقول إن هذه الإطاحة لن يكون لها أي تأثير تقريباً، وأن "حكومة هذا الرئيس لا تتخذ القرارات حقاً، ولا تتمتع بأي تأثير حقيقي، ولكن من يتمتع بتأثير حقيقي هو الزعيم، في إشارة للمرشد علي خامنئي، ومستشاريه، وغالبيتهم من الحرس الثوري.
وبحسب سباتي، فإن إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أن الوضع الحالي أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية، تكشف عن الضعف الإيراني.
ورأى أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية يسبب أضراراً جسيمة، لأنه يحط من قدر الدولة الإيرانية والاقتصاد الإيراني، والمجتمع أيضاً، ويذهب بكل شيء نحو الهاوية على شكل كرة من الثلج.

مقالات مشابهة

  • حماس ترحب بمخرجات القمة العربية.. وهذا تعليق إسرائيل
  • الشرع يدعو إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب السوري
  • تراجع تاريخي في بورصة إسرائيل وكل القطاعات تهوي
  • بعد رد الصين وكندا| تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي.. ماذا يحدث؟
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • نائب من حزب الله يهاجم الدولة اللبنانية: لم تتعب من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
  • الجنوب ملف متفجّر بوجه الحكومة...
  • توسّع احتلالي في الجنوب رهن مزاج العدو.. حزب الله للحكومة: ننتظر الافعال لا الاقوال
  • فضل الله: ألم تتعب الدولة من العدوان عليها وانتقاص سيادتها؟