زحام المقترحات.. تجربة عربية مؤلمة لها فوائد
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
في كثير من الأقطار العربية لا يكُفّ الناس عن تقديم اقتراحات وتوصيات للدولة والمجتمع، بعضها يأتي ترجمة لرغبة كثيرين في تقديم يد العون إلى متخذي القرار، وبعضها يجد أهل الاختصاص أن من واجبهم أن يقدّموه بصرف النظر عن أخذ السلطة به من عدمه، ومنه ما يأتي في ركاب النقد، أو الاعتراض على السياسات القائمة، ومن الطبيعي أن ينشأ كجزء من صناعة البديل حال وجود قدر من الانفتاح السياسي، أو توافر المناخ الذي يسمح بتنافس نسبي بين السلطة ومعارضيها، إن لم يكن على كراسي الحكم، فعلى الأقل على استمالة الرأي العام.
في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية تفتح السلطة نوافذها على أهل العلم من مختلف التخصصات، وتستفيد كثيرًا من نتائج الأبحاث التي يقدمها الأكاديميون، ويكون لدى كل وزارة مستشارون من الخبراء، ولكل نائب برلماني فريق من الباحثين المعاونين، فلا يجد الناس هناك أنفسهم في انشغال بتقديم الاقتراحات، والإلحاح عليها، مثلما هي الحال مع الأنظمة الشمولية والمنغلقة.
فمع انسداد الأفق السياسي، يتم فرض وجهة نظر واحدة، تأخذ طريقها إلى التطبيق في الواقع، ولو عنوة، لا تجد الاقتراحات الأخرى أمامها إلا التراكم على مهل، لتصير جزءًا من تاريخ البلاد الموزع على مسارات متعددة، سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وعلمية.. إلخ، يمكن العودة إليها في محطات معينة ليبرئ البعض ساحتهم ويقولون: نصحنا، ولم ينصت أحد إلينا، أو تمنح المعارضة نقاطًا تسجلها ضد السلطة، والأهم أنها تؤكد أن أهل العلم لم يتخلوا عن واجب الانشغال بمشكلات بلادهم، وأن الشعب لا يضن على وطنه بما يقدر عليه.
وحين يوجد من يوجهون انتقادًا لأداء السلطة السياسية، يقول لهم بعض أنصارها، أو من تضع الكلام على ألسنتهم: "قدموا اقتراحات بحلول لمشكلاتنا بدلًا من الاستمرار في الشكوى والنقد."، أو: "أشعلوا شمعة أفضل من أن تلعنوا الظلام". ثم يصورنهم على أنهم مجرد جماعة لا تُحسن سوى الثرثرة أو الصراخ، وتمعن في إيجاد عيب في كل شيء، أو تريد لفت الانتباه إليها بأي شكل، وفق قاعدة: "خالف تُعرف".
وفضلًا عن أن النقد واجب وطني وأخلاقي ومعرفي، وهو في حد ذاته يفتح الأذهان للتفكير في بدائل أفضل، فإن هناك من لا يكتفي بالنقد، إنما ينخرط في طرح حلول أخرى، أو يقدم أفكارًا إبداعية تُسهم في تعزيز الموارد بمختلف أنواعها. وهنا تطل برأسها جهات كثيرة تقدم اقتراحات لا حصر لها في كل بلد عربي، حتى لو لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
تجربة عريقةلننظر إلى مصر، كدراسة حالة دالة بوصفها أكبر دولة عربية سكانًا وأقدمها تاريخًا وصاحبة التجربة النيابية الأولى في الإقليم كله، وهنا سنجد مئات الرسائل الجامعية تُناقش سنويًا في قضايا مهمة، تختص بها العلوم البحتة والعلوم الإنسانية، وبعضها يقدم معدوها توصيات في نهاية الأطروحة. وهناك آلاف الأبحاث تنتجها الجماعة الأكاديمية المصرية، بعضها جيد ومفيد جدًا. وتوجد مراكز بحوث قومية في العلوم الاجتماعية وفي مجالات الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب والأدوية، ومراكز بحثية أخرى أنشأتها السلطة الحالية نفسها، وملتصقة بها، إلى جانب بعض المراكز البحثية ومكاتب الخبرة الخاصة.
وهناك المجالس القومية المتخصصة التي تبحث سنويًا كل مشكلات مصر بشكل دوري، وتستعين بخيرة العلماء، وتقدم حلولًا علمية لها. وماثلة لكثير من الأفراد والمؤسسات المصرية، العديد من بيوت الخبرة الأجنبية التي تُستشار بأجر في بعض الأحيان. وتوجد أيضًا خبرات الدول الأخرى وتجاربها المدونة في خطط منشورة ومتاحة.
وبالطبع فإن برامج الأحزاب السياسية تحمل الكثير من الاقتراحات، في إطار واجبها الذي يفرض عليها أن تطرح نفسها بديلًا، ولو نظريًا أو شكليًا، عن السلطة القائمة. ومما يُعطي هذه البرامج بعض الوجاهة، في مجال الاقتراحات، أن القانون يفرض على كل حزب جديد أن يقدم برنامجًا مختلفًا، ولو في بعض الجوانب، عن الأحزاب الموجودة بالفعل.
وهناك كثير من الاقتراحات صاحبت أربعة انتخابات رئاسية شهدتها مصر منذ 2005 إلى الآن، قدمها المرشحون، سواء كان لديهم واجب لتقديم بديل حقيقي، أو نظروا إلى هذا باعتباره جزءًا من الإجراءات التي يلزم استيفاؤها. وينطبق الأمر نفسه، لكن بشكل أكثر اتساعًا على الانتخابات النيابية، ثم انتخابات تجريها النقابات المهنية والعمالية، وفيها تُقدَّم حلولٌ لمشكلات المنتمين إلى المهنة أو الحرفة. وفي أوقات الأزمات تلجأ السلطة لعقد "حوار وطني" يُدعَى إليه رجال سياسة وتكنوقراط ليدلوا بدلوهم في المشكلات الراهنة، ويقدموا بشأنها الكثير من الاقتراحات.
تصورات ناجعةوتوجد مقالات تُكتب في الصحف تقدم تصورات ناجعة تسهم في حلحلة مشكلات عدة، لاسيما حين تُفسح صفحات الرأي مكانًا لبعض أهل الاختصاص في مختلف المجالات، وللمشاركة أيضًا في الملفات الخاصة التي تعد من حين إلى آخر مواكبة لتطور الأحداث، وفي التحقيقات الصحفية المعمقة والاستقصائية. وحين ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت باتت الطريق مفتوحة أمام الجمهور العام ليُدلوا بدلوهم، وبعض هؤلاء على دراية جيدة، وكثير من اقتراحاتهم لافتة، وهم إما فضلوا عرضها أمام الرأي العام، أو لم يجدوا قناة اتصال بالسلطة.
وهناك الخبرة التاريخية للمصريين التي تراكمت على مدار سنين طويلة وموضوعة على أرفف المكتبات، أو تسكن رؤوس بعض العجائز. فكثير من المشكلات المعروضة على الساحة المصرية حاليًا ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة ومزمنة، وطالما تم تقديم حلول لها. ويكفي مسح سريع للصحف المصرية الصادرة قبل عقود من الزمن لندرك هذا الأمر جيدًا.
وعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 استجابت الحكومة لاقتراح إنشاء بنك أفكار، فانهالت عليه آلاف التصورات والاقتراحات والتوصيات، وراود الأمل أصحابها أن ما قدموه يجد من يطلع عليه، وينظمه، ويلتقط منه ما يفيد، ويفسح له طريق التطبيق في الواقع، لكن هذا ذهب سدى، ولم يلبث أن لف النسيان هذا البنك، ولا يعرف الناس مآل مقترحاتهم.
صناعة التنويرأبدع العقل الجمعي المصري، شأنه شأن عقل شعوب بلدان عربية أخرى، في تقديم تصورات يروم منها خروج البلاد من ضيق لا تستحقه إلى براح يليق بها. وبعد كل هذا، يقال للناقدين، قدموا اقتراحات، لإظهارهم بمظهر المقصر أمام الرأي العام، مع أن لنقدهم، إن لم يسقط طبعًا في التجريح أو الدعاية أو إهمال منطق العلم ومجافاة المصلحة العامة، وظيفةً أخرى مهمة هي التذكير والتنبيه بغية تصويب الاتجاه، والقيام بواجب الاختلاف، وهو فريضة حياتية، لاسيما وفق نظرية "الدفع" التي تقوم عليها الحياة كلها.
هذا القول هو مجرّد "حق يراد به باطل" لأن هدفه الأساسي، ليس السعي إلى الاستفادة من عطاء العقول التي تقترح أو تبتكر بدائل، إنما تعميم شعار: "اصمتوا ودعونا نعمل" أو دفع الناقدين، وليس بالضرورة جميعهم ناقمين، إلى أن يكتفوا بالوقوف في طابور الاقتراحات الذي لا يتقدم خطوة واحدة.
وهناك انتقاد يوجه إلى المقترحين بأنهم لا يعرفون الواقع جيدًا، وكل منهم قد يمسك بطرف منه، لكنه لا يدري شيئًا عن بقية الأطراف، لأن المعلومات ناقصة لديه. وهذا بالطبع صحيح، لكنه قول يرد على أصحابه، إذ إن إطلاع الشعب على المعلومات هو حق دستوري، ولذا يجب عدم الضن بها، أو التعتيم عليها، ثم يُتهم من يقدمون اقتراحات مختلفة بأنهم لا يلمون بالموقف على نحو دقيق.
على وجه العموم، ومهما كانت العقبات أمام المقترحين أو مآل اقتراحاتهم، فيجب ألا يكف العلماء والخبراء عن تقديم الاقتراحات والتوصيات، بدعوى أنه لا يوجد من يعمل بها، فهذا واجب أهل العلم والمعرفة ابتداء، وربما تأتي إدارة تأخذ بما قدموه، أو تنتبه الإدارة الحالية إلى ضرورة تعديل المسار الذي تسلكه وتكون بحاجة إلى رأي العلم. وحتى لو لم يحدث هذا فإن تقديم الاقتراحات له دور تنويري مهم، لأنه يكشف للناس أن هناك بدائل يمكن أن تكون أنجع، وأن القول إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، هو كلام لا يُعول عليه.
فالإصرار على تقديم اقتراحات، فضلًا عن التنوير الذي يصنعه، يعبر في الوقت نفسه عن انشغال الناس بالصالح العام، ورغبتهم في المشاركة السياسية، حتى ولو بطريقة غير مباشرة، وترجمة انتمائهم لبلادهم في عمل خلَّاق، وانحيازهم إلى الأساليب السلمية المدنية في الإصلاح والتغيير، وهذه فضائل ليست قليلة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات التی ت
إقرأ أيضاً:
لتنفيذ ما بها من توصيات.. "النواب" يحيل 29 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوي إلى الحكومة
أحال مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، خلال الجلسة العامة المنعقدة، اليوم الثلاثاء، 29 تقريرًا من لجنة الاقتراحات والشكاوي، إلى الحكومة، عن اقتراحات برغبات مقدمة من الأعضاء، لتنفيذ ما بها من توصيات.
وجاءت الاقتراحات برغبة المُقدمة من النواب على النحو التالي:
1- العضو مجاهد نصار، بشأن إنشاء مدارس تكنولوجية تطبيقية في مركز تميز على أرض مركز تدريب بيجام بمدينة شبرا الخيمة – محافظة القليوبية.
2- العضو محمود أبو الخير، بشأن بناء جناح بمدرسة الحرجة قبلى الابتدائية بمركز البلينا – محافظة سوهاج.
3- العضو أحمد حمدى خطاب، بشأن إحلال وتجديد مدرسة عزبة العمدة للتعليم الأساسي التابعة للوحدة المحلية دفشو – مركز كفر الدوار – محافظة البحيرة.
4- العضو جمال الشورى، بشأن إنشاء مدرسة تعليم أساسى أولاد الحرش بمركز ومدينة النجيلة – محافظة مطروح.
5- العضو محمد حمدى دسوقى، بشأن سرعة تطبيق قيمة التصالح بمبلغ (50 جنيه للمتر) على العقارات المخالفة بمنطقة منشية الأزهر – محافظة أسيوط.
6- العضو محمد عبد الحميد هاشم، بشأن تقنين أوضاع واضعي اليد على الأراضي بمحافظة كفر الشيخ.
7- العضو إبراهيم عويس، بشأن تنجيل الملعب الرئيسى السباعى بالنجيل الصناعى بمركز شباب شلقان بالقناطر الخيرية – محافظة القليوبية.
8- العضو نرمين فتحى بدراوى، بشأن توفير محول كهرباء بمنطقة الرشاح بجوار مسجد العمدة – قرية زاوية أبو مسلم – مركز أبو النمرس – محافظة الجيزة.
9- العضو ناصر عثمان، بشأن إحلال وتجديد مكتب بريد العقال البحرى – مركز البدارى – محافظة أسيوط.
10- العضو إلهامى البارودى، بشأن تخصيص قطعة أرض لإنشاء مكاتب بريد بمدينة جرجا – محافظة سوهاج.
11- العضو إبراهيم عويس، بشأن إقامة مدرسة إعدادى بكوم اشفين مركز قليوب تبرع أهالي – محافظة القليوبية.
12- العضو منى عمر، بشأن إدراج خدمات العلاج الطبيعي ضمن منظومة العلاج على نفقة الدولة.
13- العضو إبراهيم عويس، بشأن فرش واستكمال الأجهزة اللازمة لتشغيل مستشفى الحروق بمدينة القناطر الخيرية – محافظة القليوبية.
14- العضو أحمد حمدى خطاب، بشأن دعم مستشفى كفر الدوار بجهاز كاسيتات الأشعة السينية.
15- العضو آيات الحداد، بشأن منع بيع حبة الموت السريع (فوسفيد الألومنيوم) القاتله ووقف تداولها نهائيًا ومنع دخولها مصر مثل العديد من الدول.
16- العضو محمد حمدى دسوقى، بشأن سرعة توصيل خط مياه صالحة للشرب لمساكن الجبل بقرية درنكة حيث إن خط المياه يقطع طريق تابع للهيئة العامة للطرق والكبارى - مركز ومدينة أسيوط – محافظة أسيوط.
17- العضو محمد طلبة، بشأن عمل مزلقان سكة حديد أو كوبرى بسلم كهربائي لعبور المشاة بمحطة القنطرة غرب– محافظة الإسماعيلية.
18- العضو أحمد الشريف، بشأن إنشاء كوبري على الطريق الصحراوى بطول الطريق أمام مدخل زاوية عبد القادر – محافظة الإسكندرية.
19- العضو إبراهيم عويس، بشأن إقامة مجمع خدمات حكومية بأبو الغيط التابعة لمركز القناطر الخيرية – محافظة القليوبية.
20- العضو أسامة عبد العاطى، بشأن إعادة تأهيل مدخل عزبة محمد مصطفى التابعة لقرية أبو داود – تمى الأمديد – محافظة الدقهلية.
21- العضو مجدى الأمير، بشأن إعادة تأهيل طريق قرية الطوابرة بنى هلال – مركز المنزلة – محافظة الدقهلية.
22- العضو منى عمر، بشأن رصف الطريق قبل وبعد مزلقان الهوارية المؤدي إلى مطار برج العرب – محافظة الإسكندرية.
23- العضو عيد حماد، بشأن إنشاء شهر عقارى بحى التبين – محافظة القاهرة.
24- العضو رقية الهلالي، بشأن إنشاء مرسى لنهر النيل من الناحية الشرقية لمدينة المنشأة – محافظة سوهاج.
25- العضو علاء خيرالله، بشأن قيام هيئة التأمين الصحى بالتعاقد مع صيدليات بمراكز أبو تيج وصدفا والغنايم – محافظة أسيوط.
26- العضو طه الناظر، بشأن إحلال وتجديد مستشفى الفشن المركزى وتحويلها إلى مستشفى عام- محافظة بنى سويف.
27- العضو محمود أبو الخير، بشأن تجهيز وفرش مستشفى شفا الأطفال بمدينة سوهاج الجديدة التابعة لجامعة سوهاج.
28- العضو فايق الزكى المغازى، بشأن إنشاء مبنى لجراحة المخ والأعصاب بمستشفى بلقاس العام – محافظة الدقهلية.
29- العضو أحمد حجازى، بشأن إقامة سوق نموذجي بقرية طنبدى مركز شبين الكوم- محافظة المنوفية.