ماذا بعد وثيقة العدل والإحسان السياسية؟
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
ماذا بعد وثيقة "العدل والإحسان" السياسية؟
لم يحمل المحور السياسي لوثيقة "العدل والإحسان" جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة.
توزّعت الوثيقة السياسية، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.
نجحت المؤسّسة الرسمية بالمغرب في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.
هل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الجاثم على الواقع السياسي المغربي؟
صارت الدولة بالمغرب أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية ولم يعد السؤال: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه؟ بل: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟
"التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة".
* * *
قال عرّاب الإسلاميين في المغرب (حسب وصف بعضهم) وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، في حوار أجرته معه يومية المساء، نشر في 1-11-2006،
"لو نجح ذلك الحوار في تقديري، لكنا اليوم قد انتهينا من هذا المشكل، ولكانت "العدل والإحسان" انخرطت في العمل السياسي، ولم يبق هناك مشكل قط".
ويقصد بالحوار الخطوة الطموح التي كان قد طرحها على الملك الراحل الحسن الثاني، وحصل على موافقته للشروع فيها في ذلك الوقت، وهي سلسلة مفاوضات جمعت الوزير صحبة لجنة رسمية سنة 1991 بمرشد الجماعة الراحل، الشيخ عبد السلام ياسين، وأعضاء هيئة الإرشاد فيها، من داخل سجن مدينة سلا.
وكان موضوعها الأساس، حسب تصريح آخر للوزير في حوار أجراه معه الباحث سليم حميمينات، في 25- 11- 2008، "موقف الجماعة من الملك والمؤسّسة الملكية"، وأفضت، في المحصلة، إلى انتزاع نتائج مهمة، في نظر الوزير.
وتلخّصت في موافقة الجماعة على الانخراط في العمل السياسي من داخل حزب سياسي، ووفق المشروعية الدستورية، والابتعاد عن العنف، والابتعاد كذلك عن التبعية لأي جهةٍ خارجية.
نتائج أكدتها وثيقة بخطّ شيخ الجماعة وتوقيعه، إلى جانب توقيع أعضاء هيئة الإرشاد.
وإذا كانت هذه الخطوة قد تمت تحت إشراف الوزير المدغري، فإنها كذلك، ليست إلا تعبيرا عن رؤية الحسن الثاني تجاه الجماعات الإسلامية، رغبة في احتوائها وتوجيه مسارها، ومنحها خصوصيّتها المغربية، حتى لا تتّسع دائرة تأثيرها خارج نفوذ السلطة، أو تتحوّل إلى مشكل لا يمكن التعامل معه.
فتوافقت رؤية الملك مع تطلعات المدغري، مؤلف كتاب "الحكومة الملتحية"، فوجدت طريقها إلى التجسد بعد ذلك. ورغم حديث باحثين كثيرين عن تدخل طرف ثالث لإفشال هذه الحوارات التي كانت قاب قوسين أو أدنى من ضمّ الجماعة لجناح الدولة، فإننا نرى أنها خلفت أثرا إيجابيا كبيرا على توجّهات الجماعة.
فقد أذكت فيهم روح الخصوصية المغربية، وأشعرتهم بأنهم يتعاملون مع نظامٍ يختلف عن الأنظمة الأخرى، التي راكمت مشكلاتها مع المد الإسلامي، إلى درجة أصبح فيها وجود أحدهما مقترنا ضرورة بفناء الآخر.
وإذا كانت كل هذه التفاصيل جزءا من أرشيف الذاكرة السياسية المغربية، فإن لحظة الثورات الديمقراطية سنة 2011 في المنطقة جعلت الحديث عن موضوع الجماعة في المغرب، وأفق ما ينتظره كثيرون منها، يتّجه نحو الاختلاف والتطّلع إلى الإبداع، بعيدا عن كل حلقات الحوار والمفاوضات المفرغة السابقة، والتي كانت تعود دائما إلى نقطة البداية.
فهل استطاعت الوثيقة السياسية التي أصدرتها، أخيرا، الدائرة السياسية للجماعة، أن تفاجئ توقّعات متابعي الشأن العام، وتكسر مناخ الصمت الذي يجثم على الواقع السياسي المغربي؟
رغم إصدار الوثيقة في فبراير/ شباط الجاري، فإنها موثقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتضم 198 صفحة، توزّعت، بعد التقديم، وتفاصيل تتعلق بالمنطلقات الكبرى للجماعة، إلى ثلاثة محاور كبرى: السياسة، والاقتصاد، والمجتمع.
ولعل أول حاجزٍ يقف أمام الاطلاع السلس عليها، حجمها الكبير، والذي نعتقد أنه سببٌ كافٍ لعدم التفاعل معها بالشكل المطلوب، إلى جانب الصياغة الجافّة، التي تقتفي أثر كتابة الخبراء في المجالات الثلاثة المذكورة.
فصارت أشبه بصياغة الوثائق التي تُصدرها الدولة، التي تغرق القارئ في كمٍّ مهول من المقترحات والحلول والمشكلات، فبدل أن تختزل له الصورة، وتزيل ما فيها من لبس، تزيد من فرط غموضها والتباسها!
وإذا أردنا التدقيق أكثر، لم يحمل المحور السياسي للوثيقة جديداً، بل حافظ على كل التراث القديم للجماعة في تعاطيها مع السلطة، ما وضعها في صورة مشوّشة، لا تميل إلى أيٍّ من الطرفين، سواء وجه الجماعة القديم، أو واقع العالم المتغيّر اليوم، وهو ارتباك في استشراف مستقبل الجماعة وأفقها السياسي.
ولعل الجماعة اتكأت على ملفّ قضية فلسطين التي توزّع الحديث عنها داخل الوثيقة، معلنة رفضها كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومصرّحة إن "التمادي في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني وتوسيعه ليشمل الأسلحة والاستخبارات والتدريبات العسكرية والمنظومة المعلوماتية؛ ما يهدّد الأمن القومي للمغرب ويشكّل خطراً على استقرار المنطقة" (ص 74).
ورغم هذا التنديد، لم تنل قضية فلسطين حظّها المستحق داخل هذه الوثيقة السياسية، وهو أمرٌ شديد الغرابة، ويطرح استفهامات كثيرة، حول نجاعة الخبراء السياسيين الذين أشرفوا على تنسيق مواد هذه الوثيقة وتحريرها.
أما الجانب الاقتصادي والاجتماعي منها، فلم يختلف، من حيث الانتقادات والحلول المقترحة، عن بقية الوثائق التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط، أو مجلس المنافسة، أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرهم من المؤسّسات الرسمية.
وربما كانت وثائق هذه المؤسّسات أكثر دقة، نظرا إلى تضمّنها نسبا وأرقاما للظواهر التي تعالجها، بعكس وثيقة الجماعة، التي برغم طولها، غلب عليها طابع تعميمي لا يتناسب مع حجمها الكبير، وإن صرح القيادي البارز فيها، فتح الله أرسلان، بأن ذلك متعمّد، حتى تتخذ أسلوبا وسطا بين الأفكار العامة وبرامج الأحزاب السياسية (جاء تصريحه في حوار معه نشرته هسبريس الإلكترونية في 18- 2- 2024).
ورغم هذا التصريح، يؤكد الملاحظة السابقة تناول الوثيقة موضوع التنمية، والذي كان تكرارا تعميميا لمقترحاتٍ عديدة تقدمها مؤسّسات الدولة، وإن جاءت الوثيقة على مسألة عدم تفعيل هذه المقترحات، غير أنه كان منتظراً من وثيقة الجماعة أن ترفع سقف التوقّعات التنموية، والمبادرات المبدعة في هذا المجال، باعتبارها من التجمّعات السياسية في المغرب، التي تلتحف بصورة المعارضة وامتلاك الحلول، إلى جانب أنها بعيدة عن مزاولة الشأن العام، الأمر الذي قد يمنحها أريحيّة وفرصاً أكبر في القدرة على الابتكار والتفكير في مغرب المستقبل.
وأخيراً، ليس للمراقب غير أن يسجل أن المؤسّسة الرسمية في المغرب نجحت، إلى حد بعيد، في ترويض مارد الجماعات الدينية، على الأقل من ناحية التصورات الكبرى، إلى جانب تقزيم سقف توقعاتها وطموحها.
هذا إن لم نقل إن الدولة في المغرب صارت أكثر مغايرة للمتوقع من سقف الجماعات الإسلامية. وأمام واقع كهذا، لم يعد السؤال متجسّداً في القول: كيف نتعامل مع المد الإسلامي ونواجهه، بل في القول: ماذا يعني وجود الإسلاميين اليوم؟
*عبد الله هداري كاتب وباحث مغربي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: المغرب العمل السياسي عبد السلام ياسين الحسن الثاني الوثيقة السياسية جماعة العدل والإحسان وثيقة العدل والإحسان حزب سياسي الوثیقة السیاسیة العدل والإحسان فی المغرب إلى جانب
إقرأ أيضاً:
مصر: السُّلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (3)
هذا هو المقال الثالث، ضمن أربعة مقالات أناقش فيها كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.
نفي الجسد ومحو الاسم
من بعد تموز/ يوليو 2013، أي بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، هرب كثيرٌ من المصريين خارج البلاد، لتفادي القمع أو حتى خوفا من عودته، أي تكرار اعتقالهم واختفائهم، وتعذيبهم، وحتى من احتمالية قتلهم. وبمجرد خروجهم من مصر، كانوا يظنون أنهم قد ارتاحوا من القمع الجسدي المباشر على أجسادهم. لكن مع الوقت اتضح لهم أن هناك قمعا آخر، تستخدمه السُلطوية ضد المواطنين، لأنهم مواطنون مصريون لا أكثر، يجب عليهم تخليص أوراقهم في البلاد الجديدة التي وصلوا إليها من خلال السفارات والقنصليات المصرية.
لكن هذه السفارات والقنصليات، التي من المفترض دستوريا أن دورها هي مساعدة المواطنين خارج البلاد، في تخليص أوراقهم الدراسية والعملية وحل إشكالياتهِم القانونية والأمنية وغير ذلك، تكون هي عبئا عليهم، وسُلطوية قمعية ممتدة للنظام الأمني، إذ تراقبهم وتتجسس على أنشطتهم، بهدف السيطرة والإخضاع لكلِّ ما لا يتماهى مع سياسات النظام، كما تعرقل تخليص أوراقهم وممارسة حقوقهم السياسية.
لكن هذه السفارات والقنصليات، التي من المفترض دستوريا أن دورها هي مساعدة المواطنين خارج البلاد، في تخليص أوراقهم الدراسية والعملية وحل إشكالياتهِم القانونية والأمنية وغير ذلك، تكون هي عبئا عليهم، وسُلطوية قمعية ممتدة للنظام الأمني، إذ تراقبهم وتتجسس على أنشطتهم، بهدف السيطرة والإخضاع لكلِّ ما لا يتماهى مع سياسات النظام، كما تعرقل تخليص أوراقهم وممارسة حقوقهم السياسية
منذ سنوات كثيرة، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، يعاني مصريون كُثر في الخارج من استخراج أوراقهم ومُستنداتهم، إذ تخضع كل الإجراءات اللازمة للمُوافقات الأمنية سواء داخل السفارة أو حتى بإرسالها لأخذ الموافقة من جهاز الأمن الوطني داخل مصر. تُرسل صفة المعاملة للمواطن المغترب المصري، وتصدر التعليمات إما بالموافقة أو الرفض أو عدم الإجابة، وهذا ما تجلَّى بشكل واضح في استخراج جوازات السفر للمصريين في الخارج، حيث واجه الآلاف إشكالية في تجديد جوازات سفرهم، ودائما ما كان يأتي الرد على المتقدمين أنه لم يُستخرج بعد، وأن كل ما تستطيع السفارة تقديمه هو وثيقة سفر للعودة إلى مصر.
في ذات السياق، يحكي إبراهيم (اسم مستعار)، وهو أحد المعارضين السياسيين خارج مصر، تجربته مع السفارة المصرية، فيقول: "في البداية، أُراسل السفارة وأعطيهم بياناتي، وبعد استعلامِهم عني أمنيا، يوافقون أو لا يوافقون لذهابي إلى السفارة. وبعد أن ماطلوا شهورا في الرد عليّ، ذهبت إليهم وقدَّمت أوراق طلب تجديد جواز سفري إلى موظفي السفارة، بالإضافة إلى الرسوم اللازمة، وانتظرت. ويفوت شهر تلو الآخر، وحين أذهب للسؤال، يقول إن الورق ما زال في مصر، ولم يأت رد بإصدار جواز سفر جديد، وحين تتكرر الزيارات والأسئلة والمشادات الكلامية عن السياسة والمعارضة في مصر، يخبرني موظفو السفارة أن كل ما لديهم هو إعطائي وثيقة سفر للرجوع إلى مصر، وهذا بالطبع مُستحيل، فهم يعطوني وثيقة سفر للرجوع إلى السجن مرة أُخرى".
لا تكتفي السفارات والقنصليات المصرية في الخارج بممارسات المُمَاطلة فحسب، بل حتى وصل الأمر إلى محاولة احتجاز إحدى الشباب خلال سؤاله عن تجديد جواز سفره. إذ في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، وثَّق المواطن المصري عمرو حشاد، المقيم في تركيا، محاولة موظفي القنصلية التركية احتجازه دون أي سند قانوني، وهذا أثناء محاولة استخراج جواز سفره، قبل أن يتمكّن من الهرب، وقد رفع دعوى ضد موظفي القنصلية في إسطنبول أمام المحكمة العليا، ما دلَّ على أن القنصليات لا تعطّل وترفض استخراج أوراق المواطنين فقط، بل في أوقات تُصبح مقرَّات للتحقيق والاحتجاز وربما الترحيل إلى مصر. [16]
تعطيل ممارسة الحق السياسي
أما فيما يخص ممارسة المواطنين لحقّهم السياسي والدستوري، فهذا إجراء روتيني يقوم به المغتربون، إذ يتوجهون إلى مقرات السفارات والقنصليات المصرية حول العالم، بهدف ترشيح مرشح للرئاسة والتصويت على انتخابه فيما بعد. في الانتخابات الرئاسية الماضية أواخر عام 2023، شهد المواطنون المصريون في الداخل وفي الخارج تضييقا في استخراج توكيلات باسم المرشح أحمد الطنطاوي، حيث كانت السفارات تُغلق في وجوههم، ويتعنّت الموظّفون في عمل إجراءات التوكيلات، من خلال الأسئلة الكثيرة ذات الطابع التحقيقي، أو بتأجيل ميعاد العمل من خلال مقولات مثل "تعالوا بكرا"، أو برفض عمل التوكيل بشكل مباشر، بهدف منع عمل التوكيلات لمرشح آخر غير مرشح السُلطة وهو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
هنا السُلطة تتحكم في رأي المواطنين السياسيين، فإن كان يتماشى مع زعيمها السياسي، تعتبرك مواطنا صالحا مُطيعا وتسمح لك بممارسة حقك الدستوري، أما إن كنت تمارسه بما لا يتوافق معها أو يعارضها، فتمنع عنك مواطنتك، وتقول لك حُججا كثيرة لمنعك من ممارسة حقك كمواطن مصري حرّ.
تُعطي هنا السُلطوية في مصر، أمثلة كثيرة لانتقالها من امتلاك أجساد المصريين، وممارسة كافة أنماط حالة الاستثناء غير القانونية بحق المواطنين، إلى امتلاكها سمة مواطنتهم، وتستطع عبر هذا الامتلاك نفي المواطنة كلّية أو تعطيلها في أوقات بعينها أو إثباتها إن أرادت، فكل شيء بيدها
يقول محمد (اسم مستعار)، وهو أحد المواطنين الذين توجَّهوا إلى السفارة المصرية في بيروت بهدف عمل التوكيل: "تعرضنا لبضعة مضايقات، مثل سؤال الموظف لأي مرشح تريدون عمل التوكيل، وعندما قلت لأحمد الطنطاوي ردَّ بأن التوكيلات ليس عملها اليوم، وعندما أصررت ومن معي على عمل التوكيل، جرت محادثات بين ضابط الأمن وموظف السفارة، ثم سمح لـي الثاني بعمل التوكيل، لكن بامتعاض وبنظرات مريبة، بهدف الذعر والترهيب. وأخيرا تمكنت من عمل التوكيل وخرجت بسلام، بالرغم من خوفي من التحقيق أو حتى انتهاك أي حق لـي داخل السفارة بواسطة الأمن".
هذا الرعب المترسِّخ في أرواح وأجساد المصريين أثناء التعامل مع مؤسسة مصرية، كون آرائهم لا تتفق وتنتقد سياسات النظام، ما هو إلَّا نتاج سنواتٍ من تنكيل السُلطوية بهم، واستمرارها على نهج قمع من لا يتفق معها بكل الطرق والوسائل سواء داخل مصر أو خارجها.
تُعطي هنا السُلطوية في مصر، أمثلة كثيرة لانتقالها من امتلاك أجساد المصريين، وممارسة كافة أنماط حالة الاستثناء غير القانونية بحق المواطنين، إلى امتلاكها سمة مواطنتهم، وتستطع عبر هذا الامتلاك نفي المواطنة كلّية أو تعطيلها في أوقات بعينها أو إثباتها إن أرادت، فكل شيء بيدها، وبيد رأسها الأعلى عبد الفتاح السيسي، إذ هي تسجن من تشاء، وتنفي من تشاء، سواء نفيا جسديا فحسب، أو جسديا وهُوية أيضا. إذ ترى السُلطوية حق منح المواطنة، فتمنحُها لمن يؤيدها في المُطلق، وتمنعها عن من يعارضها، حتى وإن عارضها بشكل جزئي أو لفترة زمنية محددة، وانتهت معارضته وهرب من البلاد، لكن بالنسبة لها لا غفران على هذه المعارضة السابقة، وتنفي عنه مواطنته، بعد أن تسببت في نقي جسده.
في المقال القادم، وهو الرابع والأخير، سوف أتناول مفهوميّ الاغتراب والاستلاب وعلاقتهما بالمواطنين، أسمائهم وأجسادهم، الذين تعرضوا لسياسات السلطوية القمعية.